بيروت- رأسا على عقب، قُلبت الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، بعد استهداف فؤاد شكر المستشار العسكري للأمين العام للحزب حسن نصر الله، وبينما تواصل الفرق المتخصصة رفع الأنقاض من المبنى المدمر، تتضاعف سوداوية المشهد الذي يرتقب تصعيدا عسكريا على الجبهة اللبنانية مع تجاوز إسرائيل لقواعد الاشتباك.

"سمعنا ضربتين في البداية، ثم غطت غيمة سوداء المكان، ولم نرَ شيئا لمدة 3 دقائق تقريبا"، يقول صاحب محل الملابس المقابل للمبنى المستهدف، وهو يحمل في يديه قطعة من شظايا الانفجار، ويصف للجزيرة نت اللحظات الأولى بخوف، ويقول إن "الأضرار اقتصرت على الماديات، ولكن حجمها واضح وكبير".

ومنذ ساعات الصباح الأولى، شرع سكان حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت بتقييم الأضرار التي خلفها الهجوم الإسرائيلي على "مبنى الربيع" المجاور لأحد المستشفيات، ورصدت الجزيرة نت الوضع ميدانيا، والتقت مع عدد من أهالي المنطقة الذين سردوا تفاصيل ما جرى.

الغارة الإسرائيلية استهدفت مبنى الربيع في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت (الجزيرة) حال الضاحية

في البناية المقابلة للمبنى المستهدف، استيقظ محمد بهجت على صوت انفجار هائل، تبعه الصمت لبرهة، ووجد نفسه في حالة من الذهول والصدمة بعد أن تطاير زجاج النافذة عليه، فاعتقد أن البناية قد دمرت أو ستنهار عليهم، وسمع أصوات صراخ الناس. قال "امتلأ المنزل بالدخان، فلم يعد بإمكاننا رؤية بعضنا بعضا، مما اضطرنا إلى مغادرته بسرعة وسط حالة من الإرباك".

لكن بهجت، وبعد أن ترحم على أرواح الشهداء ودعا للمقاومة بالنصر، وجّه رسالة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي، وقال بنبرة غضب وتحدٍ "صواريخكم لا تخيفنا".

ورغم العدوان، واصل سكان المنطقة حياتهم، وردد كثير منهم للجزيرة نت أنهم من "بيئة المقاومة ويشكلون حاضنة لها"، وأنهم اعتادوا على الهجمات الإسرائيلية على مدى السنوات الماضية.

وزار المكان وفد حكومي مؤلف من وزراء الصناعة جورج بوشكيان، والبيئة ناصر ياسين، والعمل مصطفى بيرم، والتربية عباس الحلبي، والثقافة محمد وسام المرتضى، والأشغال علي حمية، برفقة وفد من حزب الله بقيادة النائبين علي عمار وأمين شري.

وأدان وزير الزراعة جورج بوشكيان العدوان الإسرائيلي على المناطق السكنية والمرافق الطبية، مطالبا المجتمع الدولي بوقف هذا "السلوك البربري" الذي يتسبب في المجازر، مجددا تضامن لبنان مع المقاومة.

من جانبه، استنكر وزير التربية عباس الحلبي العدوان الإسرائيلي، مشيرا إلى أن الهجوم أسفر عن شهداء وجرحى قرب مستشفى ومبنى سكني، وشدد على أن "لبنان لا يرغب بالحرب ويأمل بعدم تصعيد الأمور".

أما وزير البيئة ناصر ياسين، فقال إن "لبنان في حالة حرب منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والعدو الإسرائيلي كسر كل القواعد الدولية بانتهاكاته واعتداءاته المستمرة".

في حين أشار النائب علي عمار إلى الأضرار الكبيرة التي خلفها الهجوم، وأوضح أن إسرائيل استهدفت منطقة سكنية، مما يدل على استهانتها بالقرارات الدولية، وأكد أن "الرد سيأتي بحجم العدوان في الوقت المناسب".

الاستهداف أسفر عن استشهاد 4 مدنيين وإصابة 74 آخرين (الجزيرة) منطقة إستراتيجية

وأكد الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير على تنسيقها مع الجهات المعنية لضمان تأمين المأوى للمواطنين المتضررين، قائلا "لن نسمح بوجود أي مواطن بدون مسكن، وبيوتنا مفتوحة للجميع"، كاشفا عن تضرر 9 مبانٍ، حيث سيتم هدم الأكثر تضررا منها.

من جهتها، أفادت وزارة الصحة اللبنانية بارتفاع حصيلة الضحايا إلى 4 شهداء مدنيين، هم سيدتان وطفلة وطفل، بعد وفاة إحدى المصابات من الجرحى في مستشفى الساحل، كما أصيب 74 شخصا، عولج معظمهم وغادر 65 منهم المستشفيات، بينما لا يزال 9 بحاجة إلى العلاج، وبينهم حالات حرجة.

في الوقت ذاته، صرّحت دائرة العلاقات الإعلامية في حزب الله أن فرق الدفاع المدني تعمل بجهد على رفع الأنقاض، ولكن ببطء نظرا لتداعيات الدمار، وأضافت أن العمل جارٍ لمعرفة مصير القائد فؤاد شكر والمواطنين الآخرين الموجودين في المكان.

وتضم منطقة "حارة حريك" العديد من مراكز حزب الله المعروفة مثل مبنى "كتلة الوفاء للمقاومة"، ومجلس الشورى، ومكاتب المساعدات الاجتماعية التي تشهد كثافة في المراجعين، إضافة إلى مسجد ومكتبة الحسنين، وسواها من المؤسسات الاجتماعية والصحية.

وتُعتبر الضاحية الجنوبية لبيروت منطقة إستراتيجية، تبعد حوالي 80 كيلومترا عن الحدود اللبنانية، وتضم عدة بلديات وبلدات بارزة، مثل الشياح، والغبيري، وبرج البراجنة، وحارة حريك، وبئر العبد، وحي السلم، والأوزاعي. وسبق أن تعرضت هذه المناطق لاستهداف مكثف من قبل جيش الاحتلال خلال حرب تموز 2006.

كما يعد هذا الاستهداف الإسرائيلي الثاني من نوعه منذ بدء المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث سبق أن استهدفت صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اغتالته في يناير/كانون الثاني 2024.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الضاحیة الجنوبیة حزب الله

إقرأ أيضاً:

أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة

على مدار العصور كان قطاع غزة بوابة آسيا ومدخل أفريقيا ومركزا مهما للعالم، ونقطة التقاء للعديد من الحضارات المختلفة، ومهدا للديانات والتعايش بين أتباعها.

وتعكس المعابد والكنائس والمساجد التاريخية في غزة غنى وعُمق الهوية الفلسطينية، حيث كان القطاع مركزا للحياة الدينية والثقافية وقِبلة للسلام، قبل أن تحوّله إسرائيل إلى مسرح لإبادة جماعية طوال أكثر من 15 شهرا.

ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي أبشع أنواع القصف والتدمير في غزة، مستهدفا المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المساجد والكنائس العريقة التي كانت ولا تزال تحمل في طياتها جزءا من ذاكرة وتاريخ الشعب الفلسطيني.

وخلال فترة الإبادة لم ينجُ مكان للعبادة سواء للمسلمين أو المسيحيين من هجمات جيش الاحتلال، وكانت تلك الأماكن المقدسة هدفا مباشرا للضربات الجوية والمدفعية، ما أسفر عن دمار مروع وخسائر بشرية فادحة.

ولم تكتفِ القوات الإسرائيلية بالاعتداء على المباني الدينية، بل تجاوزت ذلك إلى ارتكاب جرائم قتل بحق علماء الدين وأئمة المساجد.

738 مسجدا سُويت بالأرض

ويقول المتحدث باسم وزارة الأوقاف في قطاع غزة إكرامي المدلل إن "صواريخ وقنابل الاحتلال سوّت 738 مسجدا بالأرض، ودمرتها تدميرا كاملا من أصل نحو 1244 مسجدا في قطاع غزة، بما نسبته 79%".

إعلان

وأضاف "تضرر 189 مسجدا بأضرار جزئية، ووصل إجرام الاحتلال إلى قصف عدد من المساجد والمصليات على رؤوس المصلين الآمنين، كما دمرت آلة العدوان الإسرائيلية 3 كنائس تدميرا كليا جميعها موجودة في مدينة غزة".

وأشار إلى أن الاحتلال استهدف أيضا 32 مقبرة منتشرة بقطاع غزة، من إجمالي عدد المقابر البالغة 60، حيث دمر 14 تدميرا كليا و18 جزئيا.

وأوضح أن "استهداف الاحتلال للمساجد ودور العبادة يأتي في سياق استهداف الرسالة الدينية، فالاحتلال يُدرك أهمية المساجد ومكانتها في حياة الفلسطينيين، وهي جزء لا يتجزأ من هوية الشعب".

كما أكد المدلل أن "استهداف الاحتلال للمساجد ودور العبادة يأتي ضمن حربه الدينية، وهو انتهاك صارخ وصريح لجميع المحرمات الدينية والقوانين الدولية والإنسانية".

وأضاف "يسعى الاحتلال لمحاربة ظواهر التدين في قطاع غزة ضمن حربه الدينية الرامية لهدم المساجد والكنائس والمقابر".

ولم يكتفِ الجيش الإسرائيلي بتدمير المساجد، بل قتل 255 من العلماء والأئمة والموظفين التابعين لوزارة الأوقاف، واعتقل 26 آخرين.

وتاليا أبرز المساجد التي طالتها آلة الدمار والعدوان الإسرائيلية:

المسجد العمري الكبير

يُعد من أقدم وأعرق مساجد مدينة غزة، ويقع في قلب المدينة القديمة بالقرب من السوق القديم، تبلغ مساحته 4100 متر مربع، مع فناء بمساحة 1190 مترا مربعا.

ويضم 38 عمودا من الرخام  المتين، مما يضيف لجمال المسجد وتاريخه العريق، ويعتبر الأكبر في قطاع غزة، وقد سُمي تكريما للخليفة عمر بن الخطاب.

وفي تاريخه الطويل، تحوّل الموقع من معبد فلسطيني قديم إلى كنيسة بيزنطية، ثم إلى مسجد بعد الفتح الإسلامي.

تعرض المسجد للتدمير عدة مرات عبر التاريخ نتيجة الزلازل والهجمات الصليبية، وأعيد بناؤه في العصور المختلفة، من العهد المملوكي إلى العثماني، كما تعرض للدمار مجددا في الحرب العالمية الأولى، ورُمم لاحقا في العام 1925.

إعلان مسجد السيد هاشم

يقع في حي الدرج شرق مدينة غزة، ويُعتقد باحتضانه قبر جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هاشم بن عبد مناف، الذي ارتبط اسمه بمدينة "غزة هاشم".

تعرض المسجد لأضرار كبيرة جراء قصف شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية في 7 ديسمبر/كانون الأول 2023.

مسجد كاتب ولاية

يشترك بجدار واحد مع كنيسة برفيريوس، ويعد من المساجد الأثرية المهمة بغزة، وتُقدر مساحته بنحو 377 مترا مربعا.

يرجع تاريخ بناء المسجد إلى حكم الناصر محمد بن قلاوون أحد سلاطين الدولة المملوكية في ولايته الثالثة بين عامي 1341 و1309 ميلادية.

تعرض لقصف مدفعي إسرائيلي في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 متسببا في أضرار جسيمة.

المسجد العمري في جباليا

يعد مسجد جباليا أحد أقدم المعالم التاريخية في البلدة ويُطلق عليه سكان المنطقة "الجامع الكبير"، ويتميز بطرازه المعماري المملوكي.

تعرض المسجد للتدمير عدة مرات، آخرها في حربي 2008 و2014، ورغم ذلك بقي رمزا مهما للمنطقة. 

كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية اليونانية المتضررة بعد غارة جوية في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (الأوروبية) وتاليا أبرز الكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي بقطاع غزة: كنيسة القديس برفيريوس

أقدم كنيسة في غزة وثالث أقدم كنيسة في العالم، حيث يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الخامس الميلادي، وهي تقع في حي الزيتون، وسُميت نسبة إلى القديس برفيريوس، حيث تحتضن قبره.

وتعرضت للاستهداف المباشر أكثر من مرة، الأولى كانت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما تسبب بدمار كبير، والثاني في 19 من الشهر ذاته، ما تسبب بانهيار مبنى وكلاء الكنيسة بالكامل، ووقوع عدد من الشهداء والجرحى من النازحين الذين تواجدوا بداخلها.

كنيسة العائلة المقدسة

تعد كنيسة العائلة المقدسة الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في مدينة غزة، وكانت مأوى للمسيحيين والمسلمين خلال فترة الإبادة، وتعرضت للقصف الإسرائيلي مما أسفر عن أضرار جسيمة.

تم تأسيس الكنيسة في أوائل القرن العشرين، على يد الرهبان الفرنسيسكان، وبنيت الكنيسة على الطراز المعماري الكاثوليكي التقليدي.

إعلان

وتُعد الكنيسة مكانا مهما للمسيحيين في غزة، حيث تُستخدم لأغراض العبادة وتقديم الدعم الروحي للمجتمع المسيحي الفلسطيني.

كما كانت مركزا ثقافيا ومجتمعيا يوفر العديد من الأنشطة الدينية والاجتماعية للمجتمع المسيحي في المنطقة.

كنيسة المعمداني

تتبع الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية في القدس، حيث تم تأسيسها عام 1882 ميلادية على يد البعثة التبشيرية التي كانت تابعة لإنجلترا.

وارتبط اسمها خلال الحرب بمجزرة مروعة، حيث تعرضت ساحة المستشفى المعمداني، وهي جزء من مباني الكنيسة، لقصف إسرائيلي في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسفر عن استشهاد نحو 500 فلسطيني من المرضى والنازحين الذين كانوا متواجدين في المستشفى.

مقالات مشابهة

  • القيادي في حماس إسماعيل رضوان: التحية إلى اليمن وأنصار الله لما قدموه في معركة طوفان الأقصى
  • أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
  • من الضاحية الجنوبية إلى الدورة.. هكذا لحق به وسرق منه 70 ألف دولار
  • استمرار خروقات جيش الاحتلال الإسرائيلي في لبنان.. غارات تستهدف مقرات حزب الله
  • الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافاً تابعة لحزب الله في البقاع
  • الفاو: 96% من الثروة الحيوانية في غزة دُمرت بفعل العدوان الإسرائيلي
  • جندي إسرائيلي شارك في العدوان على غزة ينتقد الجيش
  • بويدن الشرق الأوسط.. 25 عاماً من التميز القيادي في منطقة الشرق الأوسط
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن مواصلة العدوان بالضفة الغربية إلى أجل غير مسمى
  • 28 يناير خلال 9 أعوام.. 42 شهيداً وجريحاً وتدمير للمنازل والمنشآت الخدمية والبنى التحتية في جرائم حرب لغارات العدوان على اليمن