ماذا قالوا عن هنية وكيف سيؤثر اغتياله على مسار الحرب في غزة؟
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
غزة- أضفت جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران المزيد من أجواء الحزن على قطاع غزة، الذي يتعرض لحرب إسرائيلية ضارية للشهر العاشر على التوالي.
وقوبلت الجريمة بردود فعل غاضبة على المستويات الفلسطينية كافة لما يحظى به هنية والمكنى بـ"أبو العبد" من احترام وتقدير كبيرين، حيث عرف عنه علاقاته الوطيدة مع مختلف مكونات العمل الوطني والإسلامي، وحضوره الدائم ومشاركته في المناسبات الشعبية.
يمثل هذا الرجل "أيقونة" بالنسبة لجيرانه في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، حيث ولد في عام 1962 لأسرة لاجئة، وعرف عنه منذ طفولته التزامه الديني وتميُّزه بقدرات خطابية هائلة، والتحق مبكرا بصفوف حركة حماس منذ تأسيسها في عام 1987، وتدرج فيها حتى انتخب في عام 2017 رئيسا لمكتبها السياسي.
وبشكل عفوي تجمهر أطفال وفتية فوق ركام منزل هنية الذي دمرته غارات جوية إسرائيلية خلال الحرب، رافعين صورته وملوحين بإشارات النصر، في تعبير منهم عن قدر كبير من الحب لابن مخيمهم القائد الشهيد.
عبد السلام هنية نجل رئيس حركة حماس إسماعيل هنية يتحدث عن استشهاد والده في طهران ويقول: مسيرة الشعب في طريق التحرير ستستمر، وندعو إلى النفير لوقف هذه العربدة الإسرائيلية في استهداف أبناء شعبنا#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/BSzZRjSOmt
— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 31, 2024
أولوية الوحدةوفور شيوع خبر جريمة الاغتيال، صدر سيل من بيانات وتصريحات النعي من مختلف المستويات السياسية والفصائلية الفلسطينية وصفت هنية بـ"القائد الوطني الكبير"، وصدحت مكبرات المساجد في الأراضي الفلسطينية بنعيه والإشادة بمناقبه، وأدى مصلون في غزة صلاة الغائب عليه.
من جهته، ندد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشدة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق هنية، واعتبره "عملا جبانا وتطورا خطيرا"، ودعا "جماهير الشعب وقواته إلى الوحدة والصبر والصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي"، وأعلن الحداد وتنكيس الأعلام ليوم واحد حدادا على اغتياله.
وفي تدوينة على منصة "إكس" أدان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ جريمة الاغتيال، واعتبرها "عملا جبانا يدعو إلى المزيد من الصمود والثبات في وجه الاحتلال، وضرورة إنجاز وحدة القوى والفصائل الفلسطينية".
نستنكر وندين بشدة اغتيال رئيس المكتب السياسي القائد الوطني إسماعيل هنية. ونعتبره عملا جباناً، يدعونا إلى المزيد من الصمود والثبات في وجه الاحتلال، وضرورة إنجاز وحدة القوى والفصائل الفلسطينية.
— حسين الشيخ Hussein AlSheikh (@HusseinSheikhpl) July 31, 2024
وقال مسؤول العلاقات الدولية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ماهر الطاهر إن العدو بهذه الجريمة "يتجاوز كل الخطوط الحمر ويدفع الأمور نحو حرب شاملة"، مشددا على أن "محور المقاومة لديه كامل الجهوزية، وأرى الأمور تتطور في تجاه المواجهة إلى حدها الأقصى"، وتوعد حكومة العدو بأنها "سوف تندم على الخطيئة التي ارتكبتها باغتيال هنية والاعتداء على السيادة الإيرانية".
ورأت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في اغتيال هنية "خسارة كبيرة لشعبنا ومقاومته، نظرا للدور المهم الذي لعبه في مسيرة المقاومة والعمل الوحدوي"، وقالت إنها "على يقين أن مشروع المقاومة سيزداد توهجا"، وشددت على أن "عمليات الاغتيال الجبانة لن تزيدنا إلا صلابة وإيمانا بحقنا في أرضنا، وعزيمة على مواصلة مقاومتنا".
ونعى قائد "تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح" محمد دحلان "القائد الوطني الكبير إسماعيل هنية"، وأدان "عملية الاغتيال الجبانة"، ورأى أنها "لم تكن لتحدث لولا الضوء الأخضر الأميركي للاحتلال بمواصلة جرائمه وحرب الإبادة ضد أبناء شعبنا الفلسطيني وقادته"، ودعا إلى "تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية".
ووصف أمين سر اللجنة التنفيذية لحركة فتح جبريل الرجوب هنية بـ"قائد وطني كبير، ومناضل أفنى حياته لخدمة وطنه وقضايا شعبه العادلة، وشكل منارة للصمود والنضال المتواصل على طريق الحرية والاستقلال"، وقال إن "الشهيد كان يصر على الوحدة الوطنية بما يحافظ على المشروع النضالي الذي يقدم فلسطين قضية عادلة وفكرة شريفة".
وقود للمقاومة والتحريروقال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي إن "هنية كان مشروع شهادة منذ نعومة أظفاره"، لافتا إلى أن "إسرائيل وللمرة الأولى في تاريخها تواجه مثل هذه المقاومة"، وأضاف أن "ردود أفعالها تعكس ارتباكا وعجزا عن تحقيق أي من أهدافها".
واعتبر المسؤول في الجهاد أن "الاغتيال ليس موجها إلى المقاومة الفلسطينية وحركة حماس تحديدا، بل هو موجه إلى إيران أيضا"، مشددا على أن "اغتيال هنية سيزيد المقاومة صلابة والرد على الجريمة سيكون في الميدان".
وقال الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي إن "دماء هنية لن تذهب هدرا"، وشدد على أن "اغتياله الجبان لن يزيد الشعب الفلسطيني إلا إصرارا على مواصلة الكفاح والمقاومة لنيل حريته".
ورأى البرغوثي أن هنية "كان نموذجا للعطاء والاستقامة والنقاء الوطني والحرص الصادق على الوحدة الوطنية"، وأن الرد على "جريمة الاغتيال البشعة هو بتوحيد طاقات وقوى الشعب الفلسطيني على برنامج الكفاح الوطني والمقاومة، والتنفيذ الفوري لإعلان بكين، وتشكيل قيادة وطنية موحدة في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية والفاشية العنصرية".
تعرف إلى أبرز مقولات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية منذ بداية #حرب_غزة حتى استشهاده pic.twitter.com/M4RznNjwqK
— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 31, 2024
نهاية قائدوبدا الحزن والوجوم واضحين على وجوه الغزيين، وضجت منصات التواصل الاجتماعي بمنشورات النعي واستحضار مواقف وعبارات خالدة للقائد الشهيد إسماعيل هنية، من أبرزها "لن نعترف بإسرائيل" و"لن تخترق الحصون"، وقال الناشط الإعلامي محمد فراونة إن "الشهادة في عُرف المقاومة هي مكافأة نهاية الخدمة، هنيئا لأبي العبد المكافأة".
ووصف نضال خضرة، الكاتب والمحلل السياسي، إسماعيل هنية بأنه "كان قائدا استثنائيا في حماس، وفي علاقته مع الناس، لا يترك مناسبة لأهل غزة ولا سيما أهل مخيم الشاطئ إلا وكان معهم وبجوارهم، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم"، فيما وصفه نقيب المقاولين الأسبق أسامة كحيل بأنه "كان قائدا وطنيا بامتياز، حسن الخلق، قوي الشكيمة".
وكتب الروائي يسري الغول وهو أحد جيران هنية في مخيم الشاطئ "رغم الحزن الشديد على اغتيال القائد الوطني الكبير الشيخ إسماعيل هنية، لكن يجب أن نعلم أن اغتياله كان واردا في كل الأوقات"، مذكرا بعمليات اغتيال سابقة لقادة المقاومة، وقال "ولكن ذلك لا يعني نهاية حركة حماس أو مشروع المقاومة، بل هو تحريض على المقاومة بشكل أكبر وأوسع".
تجاوز الحدودوعن طبيعة الرد المتوقع، ذكر المحلل السياسي المحسوب على حركة حماس إبراهيم المدهون للجزيرة نت أن "هذه حرب مفتوحة وستتأثر كل الجبهات باغتيال أبو العبد"، وأضاف أن "الاحتلال الإسرائيلي ذهب إلى أبعد مدى في المعركة، ولا عودة إلى الوراء بعد هذه الجريمة".
ويرجح المدهون أن تضر جريمة الاغتيال بمفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، واعتبر أن "نتنياهو أغلق باب المفاوضات، وترك الحديث للميدان الآن"، متوقعا أن "الحرب قد تتوسع، ولن تقف عند حدود غزة، فهذا العدوان على إيران هو أقوى من العدوان على القنصلية في سوريا الذي ردت عليه بمئات المسيّرات ضد إسرائيل، ومطلوب منها الرد على جريمة اغتيال هنية".
واعتبر المدهون أن اغتيال هنية يمثل "أقوى ضربة" توجه لحركة حماس منذ اغتيال الشيخ أحمد ياسين، "لكن حماس قوية وسيكون لهذه الجريمة ما بعدها، فهي ليست مجرد لعب إسرائيلي بالنار، بل تفجير للمنطقة بأسرها".
وقالت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية إن اغتيال هنية "هو قتل لكل الجهود التي يبذلها العالم من أجل وقف العدوان وإنهاء الحرب على شعبنا، واستدراج الجميع للمعركة الكبرى التي سيدفع الجميع ثمنا لها".
واعتبرت أن "الرد الأولي على اغتيال هنية يجب أن يكون بطي صفحة الانقسام وتوحيد الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان والاحتلال، وتطبيق اتفاقيات المصالحة التي كان هنية ركنا أساسيا في التوصل لها"، مشددة على أن اغتياله "لن يدفع شعبنا إلى الخضوع أو الاستسلام بل إلى مزيد من المقاومة والصمود".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات جریمة الاغتیال القائد الوطنی إسماعیل هنیة اغتیال هنیة حرکة حماس على أن
إقرأ أيضاً:
مرغّت انف الجنجويد وغيرت مسار الحرب.. سردية معركة مايرنو
رسالة الجنجويد لعمدة مايرنو عبدالرحمن محمد طاهر بواسطة وكلائهم و معاونيهم ، كانت اشبه برسالة سليمان إلى بلقيس ، مفادها الاستسلام للجنجويد دون مقاومة …
اتصل حفيد المك عدلان الذي أعلن انضمامه للجنجويد عقب دخولهم مباشرة إلى سنجة ، و اتضح أنه كان متعاونا معهم في اسقاطها . اخبره المك في المكالمة بأن الجنجويد في طريقهم إلى مايرنو بعد سقوط سنجة و المرفع و ام شوكة والنورانية و كل مناطق شرق سنجة و لم يتبقى سوى مايرنو و سنار ليستلموا كافة الولاية و المدينتان محاصرتان من كل الجهات ، من الشرق جهة السوكي و قلاديمة وصولا الى تريرة التي يفصلها عن مايرنو منطقة الشيخ طلحة و النيل الازرق و كانت السلطات الامنية قد اوقفت و سحبت كل المواعين البحرية التي تربط مايرنو بالشرق و يمكن للجنجويد ان يخلوها ان احتلوا طلحة بالتدوين العشوائي ، و من الغرب استلم الجنجويد منطقة النورانية المعروفة بمايرنو الغربية و في الجنوب تعسكر قوات الجنجويد في جبل موية و تتناوش كبري العرب ، و هاهي الان تهاجم المنطقة من البوابة الجنوبية بعد احتلال كل المدن و القرى تجاه سنجة ، مما يعني الا مخرج لمحلية سنار من كماشة الجنجويد .
طلب هدهد الجنجويد من عمدة مايرنو أن يخرج مع أهل منطقته لاستقبال موكب الجنجويد وسط زغاريد النساء وتهليل الرجال و هتافات الشباب و بهجة الأطفال ، و وعدوا بانهم لن يؤذوا اهل المنطقة . فقط بعض الصور و الفديوهات للتوثيق بأنهم اسقطوا مايرنو و حرروها من دولة ٥٦ فيعودوا ادراجهم بدون أن يؤذوا احد …
رغم ما عرف به العمدة بحرارة القلب و قوة الشكيمة الا انه ايضا كان حكيما فكظم غيظه و لم يلعن حامل الرسالة كما تفعل الملوك، إنما طلب مهلة ليستشير أعيان المنطقة ، فهو لا يستطيع أن يقرر عنهم هذا الأمر المصيري …
كان رد الاعيان على الطلب قويا و متوقعا، بأنهم لن يسمحوا للجنجويد أن يدنسوا أرضهم الطاهرة الا وهم في باطنها . بالرغم من إشارة البعض للأخبار التي تشير لقوة تجهيزات الجنجويد و كثافة الجنود و السلاح الذي حشد لهذه المعركة ، لكن الرد كان جاهزا في مثل هذه النقاشات : (( الذين قال لهم الناس ، ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )) …
نقاشات شابهت تماما انقسام اسلافهم في الدولة الفودية (دولة عثمان بن فودي) عندما هجم الاستعمار على الإسلام في غرب أفريقيا. فكانت سببا أن يكونوا في هذه البقعة المباركة .
كان الطرف الأول يرى ضرورة مواجهة الانجليز وقتها و ساق كل منهم الادلة الشرعية التي تجيز لهم ذلك . و اسلاف اهل مايرنو أخذوا بفتوى القاضي عبدالله ، الذي استند على الاية ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فيم كنتم ، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا الم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ، فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا )) ، فأفتى لهم بوجوب الهجرة لحفظ الدين من الكفار المستكبرون . فكانت اكبر هجرة في نهايات القرن الثامن عشر إلى هذه المنطقة ، و التي كانت عبارة عن غابات تعرف بغابة الجن . فاستصلحوها و عاشوا و ماتوا فيها وخلفوا هؤلاء…
لكن الآن فكرة هجرة أخرى غير واردة ، فاما الاستسلام للجنجويد ، أو المقاومة حتى الشهادة …
فكان الرأي الغالب و بالإجماع بعد نقاش طويل هو المقاومة . لمعرفتهم بأن الجنجويد اذا دخلوا قرية فعلوا فيها ما قالت بلقيس لأعيان مملكتها:( إن الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا اعزة أهلها اذلة ) . اذا كان هذا حال الملوك فما بالنا بهؤلاء الاوباش الذين يشفشفون و ينهبون و يغتصبون و يدمرون ..
كان قرار أعيان مايرنو عدم تسليمها للجنجويد طوعا، فرد العمدة لوسيطهم بأن طلبهم مرفوض من أهالي المنطقة و لن يخرجوا ليسلموا بلدتهم لاحد ، و سيدافعون عنها حتى الشهادة .
في ذات المساء جمعوا شباب و اهل المنطقة في لقاء جماهيري كبير ، اخبروهم بمطالب الجنجويد التي رفضوها حفاظا على المنطقة و أهلها، كانت الكلمات و الخطابات ملهمة لأفئدة الشباب و الشيوخ و النساء ، توافق الجميع على الثبات و مواجهة الجنجويد فقد اثبتت التجارب بأنه لم تسلم منطقة من اذاهم و شرهم حتى لو دخلوها سلما وبدون مقاومة ، لم تسلم من قتل و اذلال الاعيان و انتهاك الحرمات و نهب الممتلكات …
لذا قال احد الاعيان و هو محسوب من الكيزان ، بأنه كمعتمد سابق اول المطلوبين في المنطقة للقتل حسب ما تسرب من الكشوفات المرفوعة للجنجويد ، لكنه مع بقية زملائه لن يغادروا المنطقة ابدا ، اما النصر او ان تدفن اجسادهم هناك …
و الحقيقة تقال اتفقنا أو اختلفنا معهم الا ان الكيزان في مايرنو ضربوا مثلا في الرجولة و الفراسة ، لم يهربوا أو ينسحبوا و يتركوا أهلهم رغم معرفتهم بأن ارجوزات الإمارات ستسحلهم و تُمثل بهم أن دخلت مايرنو حربا أو سلما . لكنهم ثبتوا و حثوا الناس و الشباب على الثبات و المواجهة حتى يتحقق النصر …
كان رأي البعض أن يغادر السلطان إلى مكان آمن ، حتى إذا سقطت المنطقة الا يكون موجودا فيها ، الا انه رفض ذلك في شجاعة نادرة مرددا حسبنا الله ونعم الوكيل ، و كان ثباته و معه قيادات المنطقة سببا في ثبات الجميع .
انفض اللقاء في تلك الامسية ب تعاهد الجميع على الثبات و المواجهة بنفوس ممتلئة بالحماس .
ولسوء حظ الجنجويد، انهم هجموا على المنطقة في صباح اليوم التالي مباشرة ، استيقظ المواطن فجرا على أصوات السلاح و لازالت نفسه مشحونة بحماس اللقاء الذي دار بالأمس …
كانت خطة الجنجويد هي تمويه الجيوش بمهاجمة كبري عرب و كجيك و حلة البئر لصرف النظر عن مايرنو ، و سحب الجنود غربا إلى تلك المناطق . بدأ الهجوم هناك في الساعة الثالثة صباح الحادي عشر من يوليو ، ذاك اليوم يمثل تاريخا جديدا ليس لمايرنو و سنار فقط بل لكل السودان ، لأن دخول الجنجويد إلى مايرنو يعني سقوط سنار و إستلام كافة الولاية مما يسهل لهم اجتياح النيل الأبيض و القضارف و من ثم حصار و إسقاط النيل الأزرق. بعدها لن تستطيع اي قوة أن تقف أمامهم. لكن قدر المولى عز وجل و ارادة المواطن و القوات في محور مايرنو وسنار المختلفة ودعوات الرجال و النساء و ابتهالاتهم غيرت تلك الخارطة السوداوية.
جاءت الإشارة إلى الجنجويد بالتوجه نحو مايرنو في عدد كبير من السيارات و الجنود المدججين بأسلحة ضخمة أكثر من مئتي تاتشر مدججة ، بدأت المعركة بكثافة نيرانية كبيرة جدا ثم الضرب بالمسيرات، فكانت اول مسيرة سقطت في مدخل مايرنو الغربي فأودت بحياة اول شهيد ، الشاب عبدالرؤف ابن عمدة مايرنو و عدد كبير من المصابين …
سوء حظ الجنجويد في اختيار توقيت الهجوم كان من جنود المعركة، فقد كان انسان مايرنو في تلك اللحظة جاهز تماما للمواجهة و الثبات ..
فقد خرج الشباب و المواطنين كل بما يملك من سلاح و أدوات الدفاع عن النفس ، البعض كان مسلحا بالاسلحة النارية ، لكن معظم المواطنين كانو باسلحة بدائية من نِشاب وسيوف و عصي و حراب ، أسلحة الآباء التراثية المعلقة في حوائط الغرف و التي لا تتحرك الا عند الذهاب إلى صلاة العيد ، فكان العرف المتوارث منذ تأسيس المنطقة أن يخرج الجميع إلى صلاة العيد بما يملك من سلاح . تلك الأسلحة البدائية حملها الناس و تدافعوا بها نحو الدفاعات المتقدمة لمواجة الجنجويد . كان الجميع يستشعر خطر دخول الجنجويد إلى المنطقة .
وقتها كان الجنجويد قد حشدوا جيوشهم وألياتهم، فبدأ بإطلاق نيران المدافع و الهاونات و الرباعي و الثنائي و عدد كبير من المسيرات ، لكن برحمة من الله طاشت كلها عن اهدافها .
بينما كان الشباب و الاطفال يساندون القوات المسلحة كان الكهول يتضرعون إلى المولى عز وجل في المساجد والخلاوي بالنصر على الاوباش . كان ذكر حسبنا الله و نعم الوكيل، ولا حول ولا قوة الا بالله، وسورة يس اوردا ثابتة في كل البيوت و المساجد …
من لا يحمل سلاحا كان يساعد الجنود ، فالبعض يذهب إلى النيل لجلب الماء لسقاية الجنود ، أسرة كاملة استشهدت و هي تمارس السقاية ، الوالد مصطفى يجلب الماء من النيل و أبناءه يقومون بسقاية الجنود ، احد القناصين صوب نحو الطفل مبارك مصطفى الذي كان يسقي احد الجنود فارداه شهيدا في الحال . بعد ساعتين اصاب القناص شقيه ادم و هو يؤدي نفس الدور . و استشهد بعدها متأثرا بجراحه ، بعد المعركة بأيام اصيب والدهم مصطفى بالكوليرا التي اجتاحت المنطقة و مات شهيدا …
كان القناصون يركزون على الشباب الذين يؤدون الخدمات المهمة للجيش خاصة السقاة، كان الاستاذ الشاب مدير المدرسة منصور يتحرك يمينا و يسارا يسقى الجنود ايضا حينما صوب القناص نحوه فارداه شهيدا . في هذه المعركة استشهد أكثر من عشرة من خيرة أبناء المنطقة ، كانت دماءهم ثمنا لدحر الجنجويد و تأمين بوابة سنار الجنوبية …
الشي الذي ادهش الجنود بأن بعض شباب مايرنو تعلموا ضرب النار في نفس اللحظة ، شرحوا لهم كيف يستخدم السلاح ، فاظهروا مهارات عالية في الضرب و الهجوم بضراوة، كانو يصطادون الجنجويد كالطير … بعض الاطفال كان يعبئ الرصاص في الدوشكا و القرنوف بالرغم من انهم يرون هذه الأسلحة لأول مرة . هذه السردية واقع حصل في معركة مايرنو و ليست من نسج الخيال ، و الجنود شهود على هذه المعجزات التي حدثت في ذاك اليوم ، بعض الجنود كانو يحاولون أبعاد الشباب صغيري السن لكنهم كان يندفعون في مواقف بطولية بثت الشجاعة في نفوس الجنود ..
عندما عجز الجنجويد عبور الكبري بسبب إغلاقه بكونتينر و بسبب كثافة النيران من كل الجهات التف بعضهم إلى نهاية الترعة عند النيل و عبروا إلى خلف دفاعات الجيش ، كانت هناك امرأة خرجت من بيتها مع أطفالها الثلاث من منطقة عريديبة مكان انطلاق النيران قاصدة الهروب شمال إلى داخل مايرنو ، لكن كثافة النيران جعلتها تختبئ خلف بعض الشجيرات و تخبئ أطفالها و تغطيهم بجسدها، عندما وجدها الجنجويد على هذه الحالة اردوها بوابل من الرصاص هي و أطفالها فماتوا في الحال …
كانت المواجهات في النقطة صفر ، فقط الترعة هي الفاصل بين الجيشين و الجنود و المسنفرين اظهروا بطولة و شجاعة نادرة في هذه المعركة …
في نفس اللحظة كانت تدور معركة تمويهية في كبري العرب غرب مدينة سنار . قامت قوات العمل الخاص بردعهم بقيادة البطل الرائد الشوبلي الذي يستحق أن يكون فريق ، لما اداه في منطقة سنار ، بل كل الضباط و الجنود و المستنفرين يستحقون ذلك .
لحظات رعب حقيقية عاشتها المنطقة في ذاك اليوم ، القائد الفذ اللواء علي بيلو كان يجوب و يتفقد جنوده ذهابا و ايابا ، و عندما اصيب احد جنوده قائد الدوشكا الذي يحبس الجنجويد من التقدم ، استلمها منه القائد علي بيلو بنفسه . كانت معركة اشترك فيها كل الضباط و قادة محور سنار في الصفوف الامامية ….
معركة مختلفة تماما عن كل المعارك ، كانت ستحدد سيطرة الجنجويد و الإمارات على السودان إلى الأبد ، أو سيندحر التمرد إلى الأبد، فعلا كانت الفاصلة ، قرر الجميع الا يمر الجنجويد إلى سنار الا على اجسادهم، في تلك اللحظات العصيبة و بعد أن بلغت القلوب الحناجر، ظهرت قوات العمل الخاص بقيادة الشوبلي بعد ان دحروهم في كبري العرب . بمجرد ان رأى الجنجويد قوات العمل الخاص ، اطلقوا صافراتهم و تقهقروا هاربون، هربوا و هم يرددون كالمجانين البراءون البراءون، حملوا معهم بعض الجثث من أصحاب المصارين البيض و تركوا جثث الرعاع غذاءا للكلاب و الصقور …
معركة استشهد فيها قائد كتيبة البراء و العديد من شبابهم الذين استبسلوا في شجاعة نادرة تضرب بها الأمثال ….
معركة ١١ يوليو ٢٠٢٤ يجب ان تخلد و يكرم شهدائها لأنها كتبت بدمائهم ميلادا جديدا للسودان بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من سقوطه في أيدي الأوباش . لكن ارادة الله كانت أقوى منهم و من الدويلة التي كانت تنتظر هذه المعركة بفارغ الصبر، الا انها اصبحت وبالا عليهم و نقطة النهاية لأحلامهم الطفولية و بداية لانطلاق الجيش و المواطن لدحر التمرد الآثم ….
الرحمة و المغفرة لكل الشهداء و الشفاء للمصابين .
سالم الأمين بشير / ديسمبر ٢٠٢٤