المجالس المحلية تظل هى الحلقة الثالثة المفقودة من بنيان السلطة التنفيذية المكونة من رئيس الجمهورية والذى جرى تجديد انتخابه لفترة رئاسية جددة فى يونيو الماضى، والحكومة التى أعيد تشكيلها منذ أيام وتقدمت ببرنامجها إلى مجلس النواب للحصول على الثقة، وتبقى المجالس المحلية مجمدة منذ حلها عام 2011، رغم أن وجودها استحقاق دستورى يجب أن تلتزم به الدولة لاكتمال عقد السلطة التنفيذية.
الأمل فى حل عقد المجالس المحلية معقود على الأجندة التشريعية التى ستقدم بها الحكومة إلى مجلس النواب بعد تصويته على برنامجها، والمتوقع أن يطرحه المستشار محمود فوزى، وزير المجالس النيابية والقانونية والاتصال السياسى أمام مجلس النواب بحكم اختصاصه، والذى يتضمن من المفترض رؤية الحكومة الجديدة لمشروع قانون المحليات الذى يترنح بين قاعة مجلس النواب ولجنة الإدارة المحلية البرلمانية ما بين مواد حازت تأييد الحكومة ومواد مختلف عليها ومواد تواجه مأزقادستوريا عند تنفيذ مواد الدستور المتعلقة بالمحليات.
الرؤية الجديدة سوف تشمل حلولا من جانب الحكومة ومناقشات جديدة من اللجنة البرلمانية لبلورة مشروع قانون متفق مع الدستور يتم التصويت عليه، وإرساله إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه، وبذلك تكون عقدة المحليات تم حلها، ولا يتبقى إلا تحديد موعد إجراء انتخاب المجالس المحلية بعد أن أصبحت الحاجة إليها ضرورية لمحاصرة منابع الفساد، ومساءلة الأجهزة المحلية وحتى منصب المحافظ فى ظل حركة محافظين كبيرة واكبت التعديل الوزارى، وينتظر قانون المحليات لإقرار ما يخص المحافظين فيه.
المجالس المحلية إذا أحسن اختيارها عن طريق انتخابات تنافسية ستكون بمثابة برلمانات فى كل محافظة تدافع عن المال العام وأراضى الدولة كما تخفف الأعباء عن أعضاء مجلس النواب الذين تحملوا أعباء دور المجالس المحلية إلى جانب اختصاصاتهم الفعلية.
كما أن انتخاب المحليات قبل إجراء الانتخابات البرلمانية سيكون عاملا مهما فى الإعداد لولادة برلمان جديد يمثل الأحزاب والقوى المدنية بحياد ويسبق ذلك انتخابات مجلس الشيوخ إيذاناً بظهور منظومة رقابية جديدة تمثل الشعب على كافة المستويات. لن ينتهى الحديث عن الانتخابات القادمة إلا بعد الإشارة إلى قانون مجلس النواب الذى أصبح فى حاجة ضرورية إلى التعديل للاتفاق على نظام انتخابى جديد يضمن التمثيل العادل لكافة القوى السياسية تحت القبة من خلال منافسة شريفة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن محمود غلاب المجالس المحلية المجالس المحلیة مجلس النواب
إقرأ أيضاً:
احتمالات الجمود في ليبيا مرشحة للاستمرار ... لماذا ؟
ليس من المبالغة في شيء القول بأن الوضع في ليبيا يعاني من حالة من الجمود العملي نتيجة عدم قدرة الأطراف التي تشارك في تشكيله، متجاوزا في إدارة القضايا المختلفة على حسم الوضع لصالحها بشكل أو بآخر، وذلك نتيجة لاعتبارات عديدة تصب في النهاية في الإبقاء على حالة جمود تسيطر على الوضع بين المؤسسات المتنازعة ومن ثم تعطيل تحقيق أي خطوة أو خطوات متقدمة وبشكل يجعل الرجوع إلى نقطة الصفر أمرا سهلا عند ظهور أي خلاف بين الفرقاء وعودة المماحكات بين الأطراف المختلفة وتمديد حالة الفراغ المؤسسي بشكل عملي برغم أن تعدد المؤسسات المتمثل في مجلس النواب الليبي المنتخب والمجلس الأعلى للدولة أو المجلس الرئاسي برئاسة خالد المشري، أما المجلس الثالث فهو مجلس الدولة وقد تم تشكيل هذه المجالس الثلاثة على نحو يحافظ على التوازن فيما بينها والحيلولة دون انفراد المجلس المنتخب -مجلس النواب- بالسلطة بحكم أنه المجلس الوحيد المنتخب في ليبيا ولم يحل ذلك في الواقع دون قيام مجلس النواب باتخاذ قرارات مهمة على مستوى الدولة الليبية مثل قرار إقالة حكومة فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق وتكليف «أسامة حماد» بتشكيل الحكومة الحالية واعتبار حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا أي حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية قانونا ولكنها تمارس السلطة منذ نهاية عام 2022 لأن «الدبيبة» متمسك بالبقاء في منصبه كرئيس للحكومة وأكد أكثر من مرة أنه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة وبشكل يضمن سلامة الانتخابات وهو أمر يصعب تحقيقه عمليا حتى الآن على الأقل بسبب الصعوبات التي يختلقها والعراقيل التي يضعها أمام التوصل إلى حالة من التوافق حول إجراء الانتخابات البرلمانية والتشريعية وكذلك ما يتصل بمشكلة إنتاج النفط وتوقفه بين فترة وأخرى وكذلك مشكلة البنك المركزي الليبي وإقالة رئيسه السابق «الصادق الكبير» نتيجة لعلاقاته الوثيقة مع عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة وفق الأمر الواقع وقدرته على تنفيذ ذلك.
وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها أولا أن الوضع العام في ليبيا يتسم بالهدوء النسبي وذلك منذ أوائل العام الماضي، بعد الخلاف العلني الذي نشب بين المبعوث الدولي السابق عبدالله باتيلي -السنغالي- وبين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وقد استقال عبدالله باتيلي بالفعل في أبريل الماضي واستمر الموقف يتسم بالجمود بعد موافقة مجلس الأمن على الاستقالة ولم تحدث سوى بعض مناوشات عسكرية بين ميليشيات طرابلس وقبائل الزنتان وغيرها ومعظمها تتبع عبدالحميد الدبيبة رئيس الوزراء في الحكومة المعترف بها دوليا.
لكن سرعان ما يتم تطويقها ووقف القتال فيما بينها والغريب أن الدبيبة رفض الحديث مؤخرا عن «انقسام بين الأطراف الليبية» وفضل الحديث عن «خلافات سياسية» وأن «الشعب الليبي متحد» على حد قوله. ومعروف أن الدبيبة لا يواجه مشكلة نقص أموال يحتاجها للإنفاق على حكومته وعلى الميليشيات التابعة له في طرابلس بحكم صداقته السابقة مع رئيس البنك المركزي الليبي «الصادق الكبير» قبل إقالته ويبدو أن مشكلة البنك المركزي الليبي على وشك الحل بتوافق بين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وبين خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة اللذين اتفقا على وثيقة مشتركة بهذا الخصوص بينهما في بنغازي وطرابلس لإنهاء مشكلة البنك المركزي الليبي وتأمين أعمال البنك بشكل مناسب ضد أي محاولات اقتحامه من جانب عناصر خارجة على القانون. تجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب الليبي أوقف إنتاج كل النفط في 25 أغسطس الماضي بفعل القوة القاهرة وذلك
في كل المواقع خوفا من محاولات اقتحام البنك المركزي الليبي بعد اختطاف عناصر خارجة عن القانون لأحد العاملين في البنك مما أدى إلى وقف العمل في البنك حتى تم إطلاق سراحه بعد يومين من الاختطاف وقد أثار الحادث قلق الكثيرين ماليا واقتصاديا.
ثانيا، أنه بعد نحو عشرة أشهر من استقالة عبدالله باتيلي هدأت خلالها الأوضاع الليبية جزئيا على الأقل لأسباب مختلفة منها ضعف المبعوث الأممي باتيلي نفسه، بالرغم أنه كان متحمسا في بداية تكليفه بمهمته لبذل كل جهد ممكن للبحث عن حل للأزمة الليبية التي تعيد إنتاج نفسها كل فترة، ولكن يبدو أن الخلاف بين رئيس مجلس النواب الليبي والمبعوث الدولي أصابت باتيلي بالإحباط خاصة وأن هناك أمثلة جرت من قبل يبدو أنها أثرت في قناعاته بالقدرة على حل الأزمة، وبرغم أن بعض المراقبين أكدوا أن باتيلي جمع في خطته مختلف وجهات النظر التي قد تفيد الحل إلا أنه تعامل بأسلوب غير فعال لتحريك الأزمة والدفع بها عمليا على طريق الحل أو الاستعداد للسير على هذا الطريق وهو ما جعل قبول مجلس الأمن للاستقالة لا مفر منه حرصا على الوقت وبحثا عن شخصية قد تكون أكثر ملاءمة.
وبالفعل تم في الأيام الأخيرة اختيار شخصية أخرى مبعوثة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا للمساعدة في الدفع نحو حل الأزمة الليبية والإعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الفترة القادمة وبالفعل أعلن جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة عن تعيين «هانا سيروا تيتيه» مبعوثة أممية في ليبيا وهي المبعوثة العاشرة في هذا المنصب منذ 2011 وقد شغلت من قبل منصب وزيرة خارجية غانا في الفترة من عام 2013 حتى عام 2017، كما شغلت منصب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في القرن الأفريقي منذ عام 2022 حتى تعيينها في ليبيا مؤخرا، وسوف يصدّق مجلس الأمن على هذا التعيين خلال أيام لاستكمال الإجراءات الإدارية الخاصة بذلك، وقد بدأت هانا سيروا تتحرك بالفعل استعدادا لأداء مهمتها على النحو الذي تريد وتتمنى. ومن المأمول أن تنجح «هانا سيروا تيتيه» في مهمتها بعد عشرة ممثلين دوليين سبقوها في هذا المنصب الرفيع في السنوات من 2011 حتى الآن.
ثالثا، المبعوثة الدولية لجوتيريش في ليبيا تواجه في الواقع مهمة غير سهلة ليس فقط بحكم الانقسام بين بنغازي وطرابلس وخلافاتهما ولكن أيضا بحكم تعدد الميليشيات وتصارعها، وبحكم رغبة روسيا الاتحادية في نقل بعض معداتها وعتادها العسكري من سوريا إلى جنوب ليبيا مؤقتا لأنها تريد الوجود في ليبيا كبديل للوجود في سوريا التي انسحبت من بعض مواقعها المهمة ولكن الدبيبة لا يوافق على هذا التحرك الروسي إلا باتفاق مسبق مع ليبيا لم يتم الاتفاق بشأنه حتى الآن على الأقل ويبدو أن الدبيبة لا يريد أن يغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمثل هذه الخطوة الليبية، تضاف إلى ذلك المشكلات الداخلية الليبية العديدة الاقتصادية والاجتماعية وحتى البيئية والسياسية بالطبع بسبب الخلافات وطبيعة المجتمع الليبي القبلية والحاجة إلى ضرورة التوافق بين القوى السياسية الليبية، ويبدو أنه حتى الآن يوجد نحو ثمانية مرشحين للرئاسة في ليبيا ولكن لا يوجد بالفعل من يهتم منهم بشكل جاد بالإعداد الحقيقي والفعال للانتخابات وتوفير ضمانات حيادها وسلامتها وقد مضى بالفعل ما يقرب من ثلاث سنوات على موعد إجراء الانتخابات عام 2022 وتم بالفعل بلورة خريطة طريق موحدة للانتخابات في اجتماعات القاهرة في يناير العام الماضي بين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة والدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب المصري وثمَّن الجميع إنجاز الوثيقة الدستورية التي ستجري الانتخابات في ضوئها وبعد عمل مكثف استمر أكثر من عام ونصف العام بين القاهرة والغردقة.
غير أن التفاؤل بذلك لم يغادر مكانه وظلت المماحكات بين الدبيبة وبين عقيلة صالح بشأن الإعداد للانتخابات وضمات حياديتها ونزاهتها، وكالعادة رجع الدبيبة خطوة إلى الوراء مؤخرا بالحديث عن ضرورة إعداد الدستور الليبي كأساس لإجراء الانتخابات وكذلك ضرورة إنجاز التعداد العام وتنقية كشوف الانتخابات وهي أعمال من شأن البدء فيها من الآن أن تستغرق وقتا طويلا من أجل تحقيق ما يريد الليبيون تحقيقه من ضمانات صعبة ستحتاج بالضرورة إلى وقت طويل نسبيا وفي أحسن الأحوال استمرار الجمود السياسي الراهن بشكل أو بآخر لصالح أطراف محددة ومعروفة حتى تتوفر الظروف لتوافق أكثر ملاءمة بين الأطراف المعنية ولعل حل مشكلة حزب العمال الكردستاني وما قرره عبدالله أوجلان من وقف للحرب مع تركيا وإلقاء السلاح يساعد تركيا في العمل لدعم السلام في المنطقة ككل ومنها ليبيا بالتعاون مع الأطراف المعنية الأخرى.