لجريدة عمان:
2025-01-30@20:11:34 GMT

هل نواجه أزمة قيادة عالمية؟

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

تشكل القيادة على مستوى الأمة أو الدولة أمرا جوهريا ومحوريا له أبعاده الحساسة والخطيرة على راهنها وبعيد أمدها وأمنها القومي وتماسكها في وجه تقلبات الدول والمصائر والنوائب، وتحقيق غاياتها على كل صعيد يرتجى منه نفع وترسيخ وتوسيع لمصالح الدولة الوطنية وبقائها ورخاء شعوبها وكرامتهم. وتشغل مسألة القيادة حيزا واسعا من اهتمام علماء ومفكري وساسة الدول الفاعلة، ولعل أحد أهم منظري القيادة في هذا السياق، السياسي والدبلوماسي ووزير الخارجية الأمريكية الراحل هنري كيسنجر، الذي عاصر مرحلة مهمة من تحولات القرن العشرين وبالذات ما يخص منطقة الشرق الأوسط، بل وكتب في أواخر أيامه كتابا مهما عن القيادة (القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية)، تناول فيه عدة قادة عالميين منهم الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

ولا يتسع المقام لتلخيص الكتاب ولكنه يقدم رؤية عميقة حول مختلف أنماط القيادة في الشخصيات التي تناولها بالتحليل ضمن إطارها وثقلها الزمني ومزاياها القيادية في تلك المرحلة. على سبيل المثال يرى كيسنجر أنه «في وقت الأزمات تبزغ الحاجة إلى نمطين من قادة التحولات وهما رجل الدولة (statesman type) والقائد صاحب الرسالة (Prophetic leaders) حيث يرى أن «رجل الدولة» يتبنى عملية التغيير ولكنه يحتفظ برؤيته إزاء جوهر المجتمعات ويرتقى بها عبر عمليات وآليات تطورية ويتجاوز المؤسسات والقيم الراهنة إن تطلب الأمر، ويتجنب الشخصنة، مركزا جل شغفه للمصلحة العامة ولديه القدرة على استيعاب وتفهم ما يمكن لمجتمعه أن يسانده وتدعمه ويبذل جهوده بالنتيجة إلى الحض والتحفيز والإقناع والحث مثل الرئيس الأمريكي روزفلت والرئيس نهرو وأتاتورك وبسمارك.

في مقابل ذلك يرى كيسنجر النمط الثاني وهو «صاحب الرسالة» بأنهم أولئك القادة الذين يتصورون المستقبل مختلفا عن ماضيهم وهم «غير منطقيين» ولا يثقون بالتدرج والتغيير البطيء، ويهدفون إلى تجاوز الحالة الراهنة عوضا عن إدارتها مثل لينين وغاندي بحسب وصفه.

يرى البعض أننا نشهد ضعفا وتدهورا على المستوى العالمي في القيادة وتفتقر العديد من الدول الفاعلة الكبرى إلى هذا المستوى الرفيع والوزن القيادي الثقيل من القادة الكبار وهو ما يظهر جليا في وقت الأزمات والنوائب الكبرى حيث نرى على سبيل المثال حجم الانحدار في الأداء والخطاب السياسي الأمريكي الراهن في التعاطي مثلا مع حرب الإبادة التي يشنها مجرمو الحرب في القيادة الإسرائيلية ويحار المرء كيف للآلة الأمريكية العملاقة فكرا وسياسة وصناعة وتكنولوجيا وجامعات بحجم هارفارد وستانفورد ومراكز دراسات عملاقة والمؤسسة العسكرية والأمنية الأضخم في العالم أن تنتج في نهاية المطاف قادة بهذا الانحدار العجيب، ويصدم المتابع لمستوى اللغة التي تتجاوز الحد الأدنى من احترام الخصوم ووصفهم بأبشع الألفاظ والتراشق الرخيص في التخاطب (المناظرة الأخيرة على سبيل المثال بين جو بايدن وترامب). وحتى على مستوى قيادات الكونجرس، لم يتردد أحد أعضاء الكونجرس المدعو ليندسي جراهام باقتراح إلقاء قنبلة نووية على سكان غزة لمحوهم من الوجود! ولا أريد الخوض في ذلك المشهد البائس لخطاب نتانياهو في الكونجرس الأمريكي ودلالاته. يلاحظ الهزال القيادي ذاته على ضفاف أوروبا الغربية، في فرنسا مثلا هناك هوس بوضع المثلية ونشرها على رأس أولويات الدولة وهو ما صدم شرائح واسعة من الغربيين أنفسهم خلال الاحتفال بالألعاب الأولمبية مثلا والسخرية الفاضحة من السيد المسيح في لوحة العشاء الأخير! والحال نفسه على الجانب الألماني والفاشية التي يتبناها قادتهم لقمع كل صوت يساند فلسطين وهي التي خرجت جريحة محطمة مقسمة بعد الحرب العالمية الثانية، ولا ننسى المملكة المتحدة التي شهدت تغيير أربعة رؤساء وزارات في ظرف خمس سنوات (ليز تراوس التي انتخبت في سبتمبر 2022 بقيت في المنصب لمدة 44 يوما!).

ولا يتسع المقام في هذا السياق للتطرق إلى غياب الزعامات والقيادات التاريخية في الحالة العربية والتي لا يقل بعضها بؤسا وانحدارا، بل وتسبب بعض قادتها إلى الزج بدولهم خارج التاريخ ومسار القرن الحادي والعشرين وتحويلها إلى دول فاشلة بالمعنى السياسي والاقتصادي والأمني.

ولعل الحالة الصينية في الوقت الراهن تشكل نمطا من الزعامة والقيادة الفاعلة المتزنة تشبه ما يشير إليه كيسنجر من نمط قيادة «رجل الدولة» وهو ما نرى تجلياته حول وضع الصين في العالم الآن ومنافستها للولايات المتحدة على أكثر من جبهة والتركيز على تحويل الصين إلى دولة كبرى بالمعنى الاستراتيجي والاقتصادي والعسكري.

في سياق كهذا، ما أشد الحاجة إلى قيادات عالمية راشدة ووازنة تعيد للعالم بعض الاتزان إن صح التعبير وهو ما لن يحدث قريبا كما يبدو!. ولا يفوتني كمواطن أن أعتز وأفخر بالمستوى القيادي الثقيل والرفيع الذي قدمته سلطنة عُمان للمنطقة في ذلك الانتقال الحضاري والنبيل للحكم بعد رحيل السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- والمسيرة القيادية المظفرة التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- رغم كل التحديات واستحقاقات المرحلة وكيف نجح بقيادته الحكيمة إلى العبور الآمن بالبلاد من تحديات جسام إلى مرحلة يتطلع العمانيون فيها بكل اهتمام إلى عهد متجدد يرسخ ويجذر دولة المؤسسات والقانون ووضع مكونات المجتمع والنخب في مسارها الأصوب في عُمان القرن الحادي والعشرين وفرض هيبة الدولة وتعزيز الاقتصاد وتنويعه في ظل سياق محلي وإقليمي متربص وصراع مصالح لا يرحم.

يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وهو ما

إقرأ أيضاً:

سوهاج تصطف خلف القيادة السياسية لحماية سيادة الدولة المصرية

قال الدكتور محمد عبد الهادي نائب محافظ سوهاج،  إن الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية شدد في كل مواقفه على ضرورة أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة وظهر هذا جليا خلال محاولات مصر الجادة والمستميتة التي خاصتها مع الأشقاء والأصدقاء لإنقاذ المنطقة من السقوط في الهاوية لأن فخامة الرئيس كان يعلم جيدا أن تبعات ما يدور سوف تكون وخيمة على الأمن والاستقرار .


 

وأعلن نائب محافظ سوهاج كامل تأييده لموقف فخامة رئيس الجمهورية بعدم الإنسياق خلف ما يتردد عن عملية تهجير الأخوة الفلسطينيين ورفضه الصريح لتصفية القضية الفلسطينية والوقوف ضد محاولة تحويل قطاع غزة لأرض غير قابلة للحياة وأن هذا كان واضحا في كل ما أعلنه الرئيس في كل المحافل ومنذ بداية العدوان الغاشم للمحتل الأسرائيلي وأن مصر قيادة وشعبا ضد التهجير .


 

وقال الدكتور محمد السيد وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة سوهاج في الحقيقة موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي يعكس ثوابت الدولة المصرية تجاه القضية الفلسطينية ويؤكد على إلتزام مصر بدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ورفض التهجير القسري للفلسطينيين ويأتي ذلك من منطلق وطني وإنساني حيث ان أي محاولة لاقتلاع الفلسطنيين من أراضيهم يعد انتهاكا صارخاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان.


 

وأضاف وكيل وزارة التربية والتعليم أن الموقف المصري الواضح والقوي يعزز مكانة مصر الإقليمية والدولية كدولة داعمة للسلام والاستقرار كما أنه يرسل رسالة الي المجتمع الدولي بضرورة إيجاد حلول عادلة ومستدامة بدلاً من اللجوء إلى سياسات غير إنسانية مثل التهجير.


 

وأكد الدكتور محمد السيد على أن مصر لم تدخر جهدا في تقديم الدعم السياسي والإنساني للفلسطينيين بدء من الجهود الدبلوماسية المكثفة لوقف العدوان مروراً بالمساعدات الإغاثية والطبية وإنتهاء بالدعوات المتكررة لضرورة استئناف مفاوضات السلام ونحن على ثقة بأن مصر ستواصل دورها المحوري في دعم القضية الفلسطينية حتي تحقيق العدالة والاستقرار في المنطقة.


 

وأعلن عادل أبو الشباب نقيب المحامين بمحافظة سوهاج دعمه الكامل وكافة المحامين بالمحافظة لموقف فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية برفض عملية تهجير الأخوة الفلسطينيين والحفاظ على أمن واستقرار الأراضي المصرية وأننا منذ البداية ندعم القضية الفلسطينية ونقف مع إخواننا الفلسطينيين وليس من المعقول أن شعبا ظل صامدا للعديد من الشهور أمام كل ما يملكه المحتل المغتصب من معدات وأسلحة وذخيرة وضحى بكل شيء للحفاظ على أرضه يوافق على ترك هذه الأرض التي دفع من أجلها كل نفيس وغال مضيفا أننا نثق في قيادتنا السياسية ثقة عمياء في حفاظها على أرض الوطن وعدم التفريط في شبر واحد تحت أي مسمى .

مقالات مشابهة

  • عضو بـ«الشيوخ»: هجوم الإعلام الإسرائيلي على مصر لن يزيدنا الإ اصطفافا خلف القيادة
  • مكتوم بن محمد: الإمارات وجهة عالمية للاستثمار والابتكار المالي
  • أمير قطر يُهنيء الشرع بتوليه قيادة سوريا
  • عاجل.. أمير قطر يبارك لأحمد الشرع بتوليه قيادة الدولة السورية الجديدة
  • «حماة الوطن» بمطروح: نؤيد وندعم القيادة السياسية في رفض تهجير الفلسطينين
  • مقال في الغارديان يناقش أزمة القيادة الفلسطينية.. قضية تخص من؟
  • إماراتيون: عام المجتمع يعكس حرص القيادة على بناء وطن متماسك
  • أستاذ علوم سياسية: ملف حقوق الإنسان في مصر يحظى باهتمام القيادة السياسية |فيديو
  • سوهاج تصطف خلف القيادة السياسية لحماية سيادة الدولة المصرية
  • راشد بن حميد: القيادة تؤمن بدور المجتمع في تحقيق الإنجازات