لجريدة عمان:
2024-09-09@00:38:07 GMT

هل نواجه أزمة قيادة عالمية؟

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

تشكل القيادة على مستوى الأمة أو الدولة أمرا جوهريا ومحوريا له أبعاده الحساسة والخطيرة على راهنها وبعيد أمدها وأمنها القومي وتماسكها في وجه تقلبات الدول والمصائر والنوائب، وتحقيق غاياتها على كل صعيد يرتجى منه نفع وترسيخ وتوسيع لمصالح الدولة الوطنية وبقائها ورخاء شعوبها وكرامتهم. وتشغل مسألة القيادة حيزا واسعا من اهتمام علماء ومفكري وساسة الدول الفاعلة، ولعل أحد أهم منظري القيادة في هذا السياق، السياسي والدبلوماسي ووزير الخارجية الأمريكية الراحل هنري كيسنجر، الذي عاصر مرحلة مهمة من تحولات القرن العشرين وبالذات ما يخص منطقة الشرق الأوسط، بل وكتب في أواخر أيامه كتابا مهما عن القيادة (القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية)، تناول فيه عدة قادة عالميين منهم الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

ولا يتسع المقام لتلخيص الكتاب ولكنه يقدم رؤية عميقة حول مختلف أنماط القيادة في الشخصيات التي تناولها بالتحليل ضمن إطارها وثقلها الزمني ومزاياها القيادية في تلك المرحلة. على سبيل المثال يرى كيسنجر أنه «في وقت الأزمات تبزغ الحاجة إلى نمطين من قادة التحولات وهما رجل الدولة (statesman type) والقائد صاحب الرسالة (Prophetic leaders) حيث يرى أن «رجل الدولة» يتبنى عملية التغيير ولكنه يحتفظ برؤيته إزاء جوهر المجتمعات ويرتقى بها عبر عمليات وآليات تطورية ويتجاوز المؤسسات والقيم الراهنة إن تطلب الأمر، ويتجنب الشخصنة، مركزا جل شغفه للمصلحة العامة ولديه القدرة على استيعاب وتفهم ما يمكن لمجتمعه أن يسانده وتدعمه ويبذل جهوده بالنتيجة إلى الحض والتحفيز والإقناع والحث مثل الرئيس الأمريكي روزفلت والرئيس نهرو وأتاتورك وبسمارك.

في مقابل ذلك يرى كيسنجر النمط الثاني وهو «صاحب الرسالة» بأنهم أولئك القادة الذين يتصورون المستقبل مختلفا عن ماضيهم وهم «غير منطقيين» ولا يثقون بالتدرج والتغيير البطيء، ويهدفون إلى تجاوز الحالة الراهنة عوضا عن إدارتها مثل لينين وغاندي بحسب وصفه.

يرى البعض أننا نشهد ضعفا وتدهورا على المستوى العالمي في القيادة وتفتقر العديد من الدول الفاعلة الكبرى إلى هذا المستوى الرفيع والوزن القيادي الثقيل من القادة الكبار وهو ما يظهر جليا في وقت الأزمات والنوائب الكبرى حيث نرى على سبيل المثال حجم الانحدار في الأداء والخطاب السياسي الأمريكي الراهن في التعاطي مثلا مع حرب الإبادة التي يشنها مجرمو الحرب في القيادة الإسرائيلية ويحار المرء كيف للآلة الأمريكية العملاقة فكرا وسياسة وصناعة وتكنولوجيا وجامعات بحجم هارفارد وستانفورد ومراكز دراسات عملاقة والمؤسسة العسكرية والأمنية الأضخم في العالم أن تنتج في نهاية المطاف قادة بهذا الانحدار العجيب، ويصدم المتابع لمستوى اللغة التي تتجاوز الحد الأدنى من احترام الخصوم ووصفهم بأبشع الألفاظ والتراشق الرخيص في التخاطب (المناظرة الأخيرة على سبيل المثال بين جو بايدن وترامب). وحتى على مستوى قيادات الكونجرس، لم يتردد أحد أعضاء الكونجرس المدعو ليندسي جراهام باقتراح إلقاء قنبلة نووية على سكان غزة لمحوهم من الوجود! ولا أريد الخوض في ذلك المشهد البائس لخطاب نتانياهو في الكونجرس الأمريكي ودلالاته. يلاحظ الهزال القيادي ذاته على ضفاف أوروبا الغربية، في فرنسا مثلا هناك هوس بوضع المثلية ونشرها على رأس أولويات الدولة وهو ما صدم شرائح واسعة من الغربيين أنفسهم خلال الاحتفال بالألعاب الأولمبية مثلا والسخرية الفاضحة من السيد المسيح في لوحة العشاء الأخير! والحال نفسه على الجانب الألماني والفاشية التي يتبناها قادتهم لقمع كل صوت يساند فلسطين وهي التي خرجت جريحة محطمة مقسمة بعد الحرب العالمية الثانية، ولا ننسى المملكة المتحدة التي شهدت تغيير أربعة رؤساء وزارات في ظرف خمس سنوات (ليز تراوس التي انتخبت في سبتمبر 2022 بقيت في المنصب لمدة 44 يوما!).

ولا يتسع المقام في هذا السياق للتطرق إلى غياب الزعامات والقيادات التاريخية في الحالة العربية والتي لا يقل بعضها بؤسا وانحدارا، بل وتسبب بعض قادتها إلى الزج بدولهم خارج التاريخ ومسار القرن الحادي والعشرين وتحويلها إلى دول فاشلة بالمعنى السياسي والاقتصادي والأمني.

ولعل الحالة الصينية في الوقت الراهن تشكل نمطا من الزعامة والقيادة الفاعلة المتزنة تشبه ما يشير إليه كيسنجر من نمط قيادة «رجل الدولة» وهو ما نرى تجلياته حول وضع الصين في العالم الآن ومنافستها للولايات المتحدة على أكثر من جبهة والتركيز على تحويل الصين إلى دولة كبرى بالمعنى الاستراتيجي والاقتصادي والعسكري.

في سياق كهذا، ما أشد الحاجة إلى قيادات عالمية راشدة ووازنة تعيد للعالم بعض الاتزان إن صح التعبير وهو ما لن يحدث قريبا كما يبدو!. ولا يفوتني كمواطن أن أعتز وأفخر بالمستوى القيادي الثقيل والرفيع الذي قدمته سلطنة عُمان للمنطقة في ذلك الانتقال الحضاري والنبيل للحكم بعد رحيل السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- والمسيرة القيادية المظفرة التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- رغم كل التحديات واستحقاقات المرحلة وكيف نجح بقيادته الحكيمة إلى العبور الآمن بالبلاد من تحديات جسام إلى مرحلة يتطلع العمانيون فيها بكل اهتمام إلى عهد متجدد يرسخ ويجذر دولة المؤسسات والقانون ووضع مكونات المجتمع والنخب في مسارها الأصوب في عُمان القرن الحادي والعشرين وفرض هيبة الدولة وتعزيز الاقتصاد وتنويعه في ظل سياق محلي وإقليمي متربص وصراع مصالح لا يرحم.

يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وهو ما

إقرأ أيضاً:

بجهود طحنون بن زايد.. الإمارات تحقق استباقية وصدارة عالمية في الذكاء الاصطناعي

يعد اختيار الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي مستشار الأمن الوطني، والإماراتي فيصل البناي الأمين العام لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطوِّرة، ضمن قائمة مجلة "التايم" لأفضل 100 شخصية يشكلون مستقبل الذكاء الاصطناعي، تتويجاً للرؤية والأولوية التي توليها دولة الإمارات لمجال الذكاء الاصطناعي، إذ أشادت "التايم" برؤية القيادة الحكيمة لدولة الإمارات وجهود الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نحو الريادة العالمية لهذا المجال.

جاء ذلك نتيجة النظرة الاستباقية والاهتمام المبكر بإطلاق مبادرات وتدشين جهات تختص فقط بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز الاستفادة منه في مختلف القطاعات والخدمات.

#محمد_بن_راشد عن اختيار طحنون بن زايد وفيصل البناي ضمن قائمة "تايم": الوطن يفخر بكمhttps://t.co/THEJcSJ9fn

— 24.ae | الإمارات (@24emirates24) September 5, 2024 استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي أطلقت الدولة في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي؛ أول مشروع ضخم ضمن مئوية الإمارات 2071، والذي يمثل الموجة الجديدة بعد الحكومة الذكية، بحيث تعتمد عليها الخدمات والقطاعات والبنية التحتية المستقبلية في الدولة.
وتعد هذه الاستراتيجية الأولى من نوعها في المنطقة والعالم، للارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبدعة ومبتكرة ذات إنتاجية عالية، وذلك عبر استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى، واستثمار كافة الطاقات على النحو الأمثل واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوفرة بطريقة خلاقة تعجِّل تنفيذ البرامج والمشاريع التنموية لبلوغ المستقبل.
وتهدف هذه الاستراتيجية المعنية بعدة قطاعات حيوية في الدولة، إلى: تحقيق أهداف (مئوية الإمارات 2071) وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031، الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة، أن تكون حكومة الإمارات الأولى في العالم، في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، خلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية، دعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى، واستثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوافرة بطريقة خلاقة. مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي أقر مجلس الوزراء تشكيل مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي، ليقوم بالإشراف على تكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل الدوائر الحكومية وقطاع التعليم.
وتم تكليف المجلس بصياغة السياسات وخلق بنية تحتية صديقة للذكاء الاصطناعي، وتشجيع البحث المتقدم في القطاع، والترويج للتعاون بين القطاعين العام والخاص، بما في ذلك المؤسسات الدولية لتسريع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويسعى المجلس إلى تنفيذ استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي وتعزيز مكانة الإمارات كدولة رائدة عالمياً في قطاع الذكاء الاصطناعي بحلول 2031، من خلال تشكيل اللجان والمجالس الفرعية لدعم جهودها في هذا المسار. البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي يمثل مجموعة متكاملة من الموارد المخصّصة لتسليط الضوء على أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، مع التركيز بوجهٍ خاص على الهدف الطموح لدولة الإمارات العربية المتحدة في أن تصبح شريكاً رائداً في الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة على مستوى العالم. 
ويلقي البرنامج الضوء على مختلف المبادرات، والشراكات، وأحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وأثر ذلك كلّه على مستقبل البشرية. الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي استحدثت حكومة دولة الإمارات منصب "الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي" في الوزارات والجهات الاتحادية بالدولة.
ويتولى "الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي" عدة مهام منها: التخطيط الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي في الجهة الاتحادية، تعزيز أفضل ممارسات الذكاء الاصطناعي، العمل على تبني الذكاء الاصطناعي ضمن وحدات ومشاريع الجهة الاتحادية، العمل كمستشار للذكاء الاصطناعي، وضع الحوكمة اللازمة لتحقيق أهداف تبني الذكاء الاصطناعي، تعزيز الوعي بأنشطة الذكاء الاصطناعي، وتطوير قدرات الأفراد في مجالات الذكاء الاصطناعي.
تهدف هذه المبادرة إلى جعل الإمارات في مقدمة الدول المستفيدة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي عالمياً، عبر تطوير وتنفيذ استراتيجيات وطنية شاملة تسهم في تعزيز الابتكار والاقتصاد الرقمي. استراتيجية أبوظبي يمثل مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، استكمالاً لاستراتيجية أبوظبي، لجعل الإمارة مركزاً رائداً عالمياً للاستثمارات والشراكات والمواهب في قطاع الذكاء الاصطناعي.
 وتتضمن مهام واختصاصات المجلس؛ وضع الخطط والبرامج التمويلية والاستثمارية والبحثية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة بالتعاون مع الشركاء المحليين والدوليين، ودعم استراتيجية أبوظبي الهادف إلى جعل الإمارة مركزاً جاذبا للاستثمارات والشراكات والكفاءات المتميزة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وتحديد أولويات وآليات الاستثمار والبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وإطلاق وتنفيذ وتفعيل مبادرات الاستثمار والبحث في قطاع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة وتطوير البنية التحتية الرقمية الداعمة. مبادرات إماراتية تعتبر رخصة الذكاء الاصطناعي والبرمجة؛ الأولى من نوعها في الإمارات، تم إطلاقها من قبل مركز دبي المالي العالمي، بالتعاون مع مكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد في حكومة الإمارات.
وتهدف إلى تعزيز الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، واستقطاب الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والمبرمجين من جميع أنحاء العالم، والإسهام في تنفيذ محاور وأهداف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031.
وخصصت الإمارات يوم "الإمارات تبرمج" الموافق 29 أكتوبر من كل عام، بهدف تسليط الضوء على المبرمجين في الدولة، واستعراض دورهم الفعال في المجتمع بمختلف المجالات، ما يعزز موقع الدولة جهةً جاذبة للمبرمجين وتمكين المواهب.

فيما تهدف "جائزة الإمارات للروبوت والذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان" إلى تشجيع البحث واستخدامات الحلول المبتكرة في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات من أجل التصدي للتحديات التي تواجهها ثلاثة قطاعات رئيسية هي الصحة، والتعليم، والخدمات الاجتماعية.

مقالات مشابهة

  • يديعوت أحرونوت: قيادة الجيش الإسرائيلي تتهم نتنياهو بالمراوغة في أزمة الضفة
  • مؤسسة شمبات الثقافية الاجتماعية: نواجه أزمة صحية خطيرة
  • مجاعة غزة “الأشد في التاريخ”.. تقرير أممي يرصد أزمة جوع عالمية تهدد الملايين
  • الأمم المتحدة : أزمة جوع عالمية بغلت أشدها في غزة
  • الخارجية الفرنسية: ندعم جهود الوساطة التي تضطلع بها البعثة الأممية تمهيدًا لحل أزمة المركزي
  • مجاعة غزة الأشد في التاريخ.. تقرير أممي يرصد أزمة جوع عالمية تهدد الملايين
  • بجهود طحنون بن زايد.. الإمارات تحقق استباقية وصدارة عالمية في الذكاء الاصطناعي
  • غزة والسودان على رأس القائمة.. أزمة جوع عالمية تعصف بالملايين
  • السودان وغزة على رأس القائمة: أزمة جوع عالمية تعصف بالملايين
  • السودان وغزة على رأس القائمة: أزمة جوع عالمية تعصف بالملايين وتستدعي تحركا عاجلا