لجريدة عمان:
2025-04-28@20:36:06 GMT

هل نواجه أزمة قيادة عالمية؟

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

تشكل القيادة على مستوى الأمة أو الدولة أمرا جوهريا ومحوريا له أبعاده الحساسة والخطيرة على راهنها وبعيد أمدها وأمنها القومي وتماسكها في وجه تقلبات الدول والمصائر والنوائب، وتحقيق غاياتها على كل صعيد يرتجى منه نفع وترسيخ وتوسيع لمصالح الدولة الوطنية وبقائها ورخاء شعوبها وكرامتهم. وتشغل مسألة القيادة حيزا واسعا من اهتمام علماء ومفكري وساسة الدول الفاعلة، ولعل أحد أهم منظري القيادة في هذا السياق، السياسي والدبلوماسي ووزير الخارجية الأمريكية الراحل هنري كيسنجر، الذي عاصر مرحلة مهمة من تحولات القرن العشرين وبالذات ما يخص منطقة الشرق الأوسط، بل وكتب في أواخر أيامه كتابا مهما عن القيادة (القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية)، تناول فيه عدة قادة عالميين منهم الرئيس المصري الراحل أنور السادات.

ولا يتسع المقام لتلخيص الكتاب ولكنه يقدم رؤية عميقة حول مختلف أنماط القيادة في الشخصيات التي تناولها بالتحليل ضمن إطارها وثقلها الزمني ومزاياها القيادية في تلك المرحلة. على سبيل المثال يرى كيسنجر أنه «في وقت الأزمات تبزغ الحاجة إلى نمطين من قادة التحولات وهما رجل الدولة (statesman type) والقائد صاحب الرسالة (Prophetic leaders) حيث يرى أن «رجل الدولة» يتبنى عملية التغيير ولكنه يحتفظ برؤيته إزاء جوهر المجتمعات ويرتقى بها عبر عمليات وآليات تطورية ويتجاوز المؤسسات والقيم الراهنة إن تطلب الأمر، ويتجنب الشخصنة، مركزا جل شغفه للمصلحة العامة ولديه القدرة على استيعاب وتفهم ما يمكن لمجتمعه أن يسانده وتدعمه ويبذل جهوده بالنتيجة إلى الحض والتحفيز والإقناع والحث مثل الرئيس الأمريكي روزفلت والرئيس نهرو وأتاتورك وبسمارك.

في مقابل ذلك يرى كيسنجر النمط الثاني وهو «صاحب الرسالة» بأنهم أولئك القادة الذين يتصورون المستقبل مختلفا عن ماضيهم وهم «غير منطقيين» ولا يثقون بالتدرج والتغيير البطيء، ويهدفون إلى تجاوز الحالة الراهنة عوضا عن إدارتها مثل لينين وغاندي بحسب وصفه.

يرى البعض أننا نشهد ضعفا وتدهورا على المستوى العالمي في القيادة وتفتقر العديد من الدول الفاعلة الكبرى إلى هذا المستوى الرفيع والوزن القيادي الثقيل من القادة الكبار وهو ما يظهر جليا في وقت الأزمات والنوائب الكبرى حيث نرى على سبيل المثال حجم الانحدار في الأداء والخطاب السياسي الأمريكي الراهن في التعاطي مثلا مع حرب الإبادة التي يشنها مجرمو الحرب في القيادة الإسرائيلية ويحار المرء كيف للآلة الأمريكية العملاقة فكرا وسياسة وصناعة وتكنولوجيا وجامعات بحجم هارفارد وستانفورد ومراكز دراسات عملاقة والمؤسسة العسكرية والأمنية الأضخم في العالم أن تنتج في نهاية المطاف قادة بهذا الانحدار العجيب، ويصدم المتابع لمستوى اللغة التي تتجاوز الحد الأدنى من احترام الخصوم ووصفهم بأبشع الألفاظ والتراشق الرخيص في التخاطب (المناظرة الأخيرة على سبيل المثال بين جو بايدن وترامب). وحتى على مستوى قيادات الكونجرس، لم يتردد أحد أعضاء الكونجرس المدعو ليندسي جراهام باقتراح إلقاء قنبلة نووية على سكان غزة لمحوهم من الوجود! ولا أريد الخوض في ذلك المشهد البائس لخطاب نتانياهو في الكونجرس الأمريكي ودلالاته. يلاحظ الهزال القيادي ذاته على ضفاف أوروبا الغربية، في فرنسا مثلا هناك هوس بوضع المثلية ونشرها على رأس أولويات الدولة وهو ما صدم شرائح واسعة من الغربيين أنفسهم خلال الاحتفال بالألعاب الأولمبية مثلا والسخرية الفاضحة من السيد المسيح في لوحة العشاء الأخير! والحال نفسه على الجانب الألماني والفاشية التي يتبناها قادتهم لقمع كل صوت يساند فلسطين وهي التي خرجت جريحة محطمة مقسمة بعد الحرب العالمية الثانية، ولا ننسى المملكة المتحدة التي شهدت تغيير أربعة رؤساء وزارات في ظرف خمس سنوات (ليز تراوس التي انتخبت في سبتمبر 2022 بقيت في المنصب لمدة 44 يوما!).

ولا يتسع المقام في هذا السياق للتطرق إلى غياب الزعامات والقيادات التاريخية في الحالة العربية والتي لا يقل بعضها بؤسا وانحدارا، بل وتسبب بعض قادتها إلى الزج بدولهم خارج التاريخ ومسار القرن الحادي والعشرين وتحويلها إلى دول فاشلة بالمعنى السياسي والاقتصادي والأمني.

ولعل الحالة الصينية في الوقت الراهن تشكل نمطا من الزعامة والقيادة الفاعلة المتزنة تشبه ما يشير إليه كيسنجر من نمط قيادة «رجل الدولة» وهو ما نرى تجلياته حول وضع الصين في العالم الآن ومنافستها للولايات المتحدة على أكثر من جبهة والتركيز على تحويل الصين إلى دولة كبرى بالمعنى الاستراتيجي والاقتصادي والعسكري.

في سياق كهذا، ما أشد الحاجة إلى قيادات عالمية راشدة ووازنة تعيد للعالم بعض الاتزان إن صح التعبير وهو ما لن يحدث قريبا كما يبدو!. ولا يفوتني كمواطن أن أعتز وأفخر بالمستوى القيادي الثقيل والرفيع الذي قدمته سلطنة عُمان للمنطقة في ذلك الانتقال الحضاري والنبيل للحكم بعد رحيل السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- والمسيرة القيادية المظفرة التي يقودها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- رغم كل التحديات واستحقاقات المرحلة وكيف نجح بقيادته الحكيمة إلى العبور الآمن بالبلاد من تحديات جسام إلى مرحلة يتطلع العمانيون فيها بكل اهتمام إلى عهد متجدد يرسخ ويجذر دولة المؤسسات والقانون ووضع مكونات المجتمع والنخب في مسارها الأصوب في عُمان القرن الحادي والعشرين وفرض هيبة الدولة وتعزيز الاقتصاد وتنويعه في ظل سياق محلي وإقليمي متربص وصراع مصالح لا يرحم.

يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وهو ما

إقرأ أيضاً:

إسرائيل: أزمة التجنيد تتفاقم والمحكمة العليا تُمهل الدولة للرد بشأن الحريديين!

أفادت صحيفة هآرتس العبرية، اليوم الأحد، بأن المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت أمراً مشروطاً يفرض على الدولة أن توضح سبب عدم إرسال أوامر التجنيد إلى طلاب المدارس الدينية (الحريديون) بالحجم الذي يتناسب مع احتياجات الجيش، ولماذا لا يتم تنفيذ الأوامر التي صدرت من خلال عقوبات فعالة.

ووضعت المحكمة العليا، موعدا بتقديم رد حتى 24 حزيران/ يونيو المقبل، توضح فيه سبب عدم إصدار أوامر تجنيد لليهود الحريديين.

طالبت المحكمة الدولة بتوضيح سبب "عدم إنفاذ أوامر التجنيد الصادرة، بما يشمل اتخاذ خطوات إنفاذ شخصية وفعالة". وألزمت المحكمة الدولة بتقديم هذا التوضيح من خلال تصريح مكتوب.

وجاء القرار في إطار نظر المحكمة بالالتماسات المقدمة ضد قانون إعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية، حيث طالبت الدولة بتوضيح سبب عدم إصدار أو عدم توسيع إصدار أوامر تجنيد بحق المرشحين للخدمة.

وتعكس معطيات رسمية قدمها الجيش الإسرائيلي حجم الامتناع عن الخدمة بين صفوف الحريديين، إذ كشفت أنه "من أصل 18 ألفا و915 استدعاء للخدمة في الأسابيع الماضية لم يستجب إلا 232 حريديا".

وكان الجيش قد قدم هذه المعطيات للجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست ، يوم الأربعاء الماضي. وأوضح أن "1840 شخصا تجاهلوا أمر الاستدعاء، وتم الإعلان عن 962 شخصًا متهربين من الخدمة، وأُعفي 68 شخصا لأسباب مختلفة".

وبحسب المعطيات التي عرضها الجيش الإسرائيلي، فإنه "حدد لنفسه تجنيد 4800 جندي خلال العامين 2024 و2025 ولكن لم يتجند فعليا سوى 1721"، مبينا أن هذا العدد "غير كاف ولا يلبي الحاجة التشغيلية الكبيرة جدا".

ويواصل الحريديون احتجاجاتهم ضد الخدمة العسكرية، في أعقاب قرار المحكمة العليا الصادر في 25 حزيران/ يونيو 2024، الذي أوجب تجنيدهم ومنع تقديم المساعدات المالية للمؤسسات التوراتية التي يرفض طلابها أداء الخدمة.

 

المصدر : عرب 48 اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية صاروخ فرط صوتي من اليمن يستهدف قاعدة نيفاتيم.. وإسرائيل تعلن الاعتراض وزير إسرائيلي: سيأتي وقت قد نضطر فيه لإدخال الغذاء والمياه إلى غزة أزمة تجنيد في الجيش الإسرائيلي تدفع لإجراء تعديل إلزامي جديد الأكثر قراءة الكنائس المسيحية تحتفل بعيد الفصح المجيد المجلس الوطني: الاعتداء على المشاركين في "سبت النور" استهتار فاضح بالقانون الدولي الخارجية: اعتداءات الاحتلال وعقوباته الجماعية في أعياد الفصح أحد مظاهر الإبادة والتهجير مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى يحذر: قد نواجه مشاكل اقتصادية تؤثر علينا
  • أزمة اليرموك تراوح مكانها وإمعان في تجهيل أسماء من كانوا وراء أزمتها
  • “يديعوت أحرونوت” .. أزمة غير مسبوقة في الجيش الإسرائيلي
  • رئاسة الجمهورية تنشر بیاناً حول مستجدات الاتفاق مع قيادة “قسد”
  • المشاط: الدولة تركز حاليا على تمكين القطاع الخاص من قيادة النمو الاقتصادي
  • إسرائيل: أزمة التجنيد تتفاقم والمحكمة العليا تُمهل الدولة للرد بشأن الحريديين!
  • وزارة الخارجية: المملكة ترحب بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية بما في ذلك استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
  • المملكة ترحب بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية
  • “الخارجية”: المملكة ترحب بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية
  • ما هي الإمتيازات التي كانت تدافع عنها د. هنادي شهيدة معسكر زمزم