من سيتحكم في مستقبل الذكاء الاصطناعي؟
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -
من سيتحكم في مستقبل الذكاء الاصطناعي؟ هذا هو السؤال الذي يجب علينا الإجابة عليه بسرعة في هذا الوقت. إن التقدم السريع الذي يُحرز في مجال الذكاء الاصطناعي يعني أننا نواجه خيارًا إستراتيجيًا حول شكل العالم الذي سنعيش فيه: هل سيكون عالمًا تقوم فيه الولايات المتحدة والدول الحليفة بتطوير ذكاء اصطناعي عالمي ينشر فوائد التكنولوجيا وتفتح أبوابها للوصول إليه، أم عالما استبداديا، تستخدم فيه الدول أو الحركات التي لا تشاركنا قيمنا الذكاء الاصطناعي لتعزيز وتوسيع قوتها؟
لا يوجد خيار ثالث، وقد حان الوقت لتحديد المسار الذي يجب اتباعه.
وستحتفظ مثل هذه الأنظمة الاستبدادية بقبضتها القوية على المنافع العلمية والصحية والتعليمية وغيرها من الفوائد المجتمعية للتكنولوجيا لتعزيز قوتها. وإذا تمكنت من أخذ زمام المبادرة في مجال الذكاء الاصطناعي، فسوف تجبر الشركات الأمريكية وشركات الدول الأخرى على مشاركة بيانات المستخدم الشخصيّة، والاستفادة من التكنولوجيا لتطوير طرق جديدة للتجسس أو إنشاء أسلحة إلكترونية من الجيل التالي لاستخدامها ضد بلدان أخرى.
لقد كتب الفصل الأول من الذكاء الاصطناعي بالفعل، فأنظمة مثل ChatGPT وCopilot وغيرها تعمل مساعدين محدودين، على سبيل المثال، عن طريق تسجيل زيارات المرضى حتى يتمكن الممرضون والأطباء من قضاء المزيد من الوقت مع المرضى، أو العمل كمساعدين أكثر تطورا في مجالات معينة، مثل إنشاء التعليمات البرمجية للبرامج الهندسية. وسيتبع ذلك قريبًا المزيدُ من التقدم، وسَيُؤْذِنُ بفترة حاسمة في قصة التاريخ البشري.
إذا أردنا أن نضمن أن مستقبل الذكاء الاصطناعي هو مستقبل مبني على إفادة أكبر عدد ممكن من الناس، فنحن بحاجة إلى تحالف عالمي بقيادة الولايات المتحدة من الدول ذات التفكير المتماثل وإستراتيجية جديدة مبتكرة لتحقيق ذلك. يحتاج القطاعان العام والتكنولوجي في الولايات المتحدة إلى تصحيح أربعة أمور كبرى لضمان إيجاد عالم تشكله رؤيةٌ ديمقراطيةٌ للذكاء الاصطناعي.
أولا، تحتاج شركات الذكاء الاصطناعي والصناعة الأمريكية إلى صياغة تدابير أمنية قوية لضمان احتفاظ تحالفنا بالريادة في النماذج الحالية والمستقبلية، وتمكين قطاعنا الخاص من الابتكار. ستشمل هذه التدابير ابتكارات الدفاع السيبراني وأمن مراكز البيانات، لمنع المتسللين من سرقة الملكية الفكرية الرئيسية مثل أوزان النماذج وبيانات تدريب الذكاء الاصطناعي. وسوف تستفيد العديد من هذه الدفاعات من قوة الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الأسهل والأسرع على المحللين البشريين تحديد المخاطر والرد على الهجمات. ويمكن لحكومة الولايات المتحدة والقطاع الخاص أن يتعاونا معًا لتطوير هذه التدابير الأمنية في أسرع وقت ممكن.
ثانيا، البنية التحتية هي الأهم عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. إن التثبيت المبكر لكابلات الألياف الضوئية والخطوط المحورية وغيرها من أجزاء البنية التحتية للنطاق العريض هو ما سمح للولايات المتحدة بالبقاء لعقود من الزمن في مركز الثورة الرقمية، وبناء ريادتها الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي. ويتعين على صناع السياسات في الولايات المتحدة أن يعملوا مع القطاع الخاص لبناء قاعدة أكبر من البنية التحتية المادية، بدءا من من مراكز البيانات إلى محطات الطاقة، التي تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي نفسها. إن الشراكات بين القطاعين العام والخاص لبناء هذه البنية التحتية المطلوبة سوف تزود الشركات الأمريكية بالقدرة الحاسوبية اللازمة لتوسيع القدرة على الوصول إلى الذكاء الاصطناعي وتوزيع منافعه المجتمعية بشكل أفضل.
سيؤدي بناء هذه البنية التحتية أيضًا إلى توفير فرص عمل جديدة على مستوى البلاد. إننا نشهد ولادة وتطور تكنولوجيا أعتقد أنها بالغة الأهمية مثل الكهرباء أو الإنترنت. يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أساسًا لقاعدة صناعية جديدة سيكون من الحكمة أن تتبناها بلادنا.
ويتعين علينا أن نكمل بناء هذه المنظومة باستثمارات كبيرة في رأس المال البشري، فنحن، كـأُمـّة، بحاجة إلى رعاية وتطوير الجيل القادم من المبتكرين والباحثين والمهندسين في مجال الذكاء الاصطناعي، لأنهم هم قوتنا العظمى الحقيقية.
ثالثًا، يجب علينا تطوير سياسة دبلوماسية تجارية متماسكة للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الوضوح حول الكيفية التي تعتزم بها الولايات المتحدة تنفيذ ضوابط التصدير وقواعد الاستثمار الأجنبي من أجل البناء العالمي لأنظمة الذكاء الاصطناعي. ويعني ذلك أيضًا وضع قواعد لأنواع الرقائق وبيانات تدريب الذكاء الاصطناعي وغيرها من الشفرات، وبعضها حساس للغاية لدرجة أنه قد يحتاج إلى البقاء في الولايات المتحدة، التي يمكن تصدرها ووضعها في مراكز البيانات في البلدان المجاورة، فالعالم يتسابق لتوطين معلومات الذكاء الاصطناعي.
إن قيادتنا الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي، في الوقت الذي تتنافس فيه الدول في جميع أنحاء العالم من أجل زيادة الوصول إلى التكنولوجيا، سوف تجعل من السهل جلب المزيد من البلدان إلى هذا التحالف الجديد. إن التأكد من أن النماذج مفتوحة المصدر متاحة بسهولة للمطورين في تلك الدول سيعزز من تميّزنا. إن التحدي المتمثل في من سيقود الذكاء الاصطناعي لا يتعلق فقط بتصدير التكنولوجيا، بل يتعلق بتصدير القيم التي تدعمها التكنولوجيا.
رابعاً، نحتاج إلى التفكير بشكل خَلّاق في نماذج جديدة للعالم لوضع معايير لتطوير ونشر الذكاء الاصطناعي، مع التركيز بشكل خاص على السلامة وضمان دور لجنوب العالم والدول الأخرى التي تخلفت عن الركب تاريخياً. وكما هو الحال مع القضايا الأخرى ذات الأهمية العالمية، فإن هذا سوف يتطلب منا أن نتعامل مع الصين ونحافظ على الحوار المستمر.
لقد تحدثت في الماضي عن إنشاء شيء مشابه للوكالة الدولية للطاقة الذرية للذكاء الاصطناعي، ولكن هذا مجرد نموذج واحد مقترح. أحد الخيارات يتمثل في ربط شبكة معاهد سلامة الذكاء الاصطناعي التي تنشأُ في دولٍ مثل اليابان وبريطانيا، وإنشاء صندوق استثمار يمكن للدول الملتزمة بالبروتوكولات الديمقراطية للذكاء الاصطناعي الاستفادة منه لتوسيع قدراتها الحاسوبية المحلية.
والنموذج المحتمل الآخر هو مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة، التي أنشأتها حكومة الولايات المتحدة في عام 1998 بعد أقل من عقد من الزمان من إنشاء شبكة الويب العالمية، لتوحيد الكيفية التي تنتقل بها في العالم الرقمي. أصبحت مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة الآن منظمة غير ربحية مستقلة تضم ممثلين من جميع أنحاء العالم، ملتزمين بمهمتها الأساسية المتمثلة في زيادة الوصول إلى الإنترنت إلى الحد الأقصى من البشر، لدعم مجتمع عالمي مفتوح ومتصل وديمقراطي.
في حين أن تحديد الهيئة الصحيحة لصنع القرار أمر مهم، فإن خلاصة القول هي أن الذكاء الاصطناعي الديمقراطي يتفوق على الذكاء الاصطناعي الاستبدادي لأن نظامنا السياسي مَكّن الشركات الأمريكية ورجال الأعمال والأكاديميين من البحث والابتكار والبناء.
لن نتمكن من الحصول على ذكاء اصطناعي مصمم لزيادة منافع التكنولوجيا مع تقليل مخاطرها إلى الحد الأدنى ما لم نعمل على التأكد من سيادة الرؤية الديمقراطية للذكاء الاصطناعي. إذا أردنا عالمًا أكثر ديمقراطية، فإن التاريخ يخبرنا أن خيارنا الوحيد هو تطوير إستراتيجية الذكاء الاصطناعي التي ستساعد في إيجاد هذا العالم، وأن الدول والتقنيين الذين لديهم الريادة يتحملون مسؤولية اتخاذ هذا الاختيار الآن.
سام ألتمان هو المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة أوبِّنْ آيْ (OpenAI(.
عن واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی مجال الذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة للذکاء الاصطناعی البنیة التحتیة الاصطناعی ا
إقرأ أيضاً:
يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟
يشهد العالم المعاصر تحوّلًا غير مسبوق في تاريخ الوجود البشري، تقوده التكنولوجيا بصفتها القوة الأكثر تأثيرًا في تشكيل ملامح الحياة الحديثة.
لم تعد التكنولوجيا مجرد أدوات أو منصات مساعدة، بل أصبحت بحد ذاتها بيئةً كلية نعيش فيها، وعاملًا حيويًا يُعيد صياغة مفاهيم الإنسان عن ذاته، وعن العالم، وعن الآخرين من حوله. وفي قلب هذا التحول تقف الأجيال الجديدة لا كمتلقٍّ سلبي، بل كنتاجٍ حيّ لهذا العصر الرقمي بكل تعقيداته وتناقضاته.
نتحدث هنا تحديدًا عن جيل Z (المولود بين 1997 و2012)، وجيل ألفا (المولود بعد 2013)، وهما جيلان نشآ في ظل تحوّل تكنولوجي عميق بدأ مع الثورة الرقمية في نهاية القرن العشرين، وتفاقم مع دخول الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والميتافيرس والبيانات الضخمة إلى صلب الحياة اليومية.
جيل Z يمثل الجسر بين عالمين: عالم ما قبل الثورة الرقمية، وعالم أصبحت فيه الخوارزميات هي "العقل الجمعي" الجديد.
لقد عاش هذا الجيل مراحل الانتقال الكبرى: من الكتب الورقية إلى الشاشات، من الاتصالات الهاتفية إلى الرسائل الفورية، من الصفوف المدرسية إلى التعليم عن بُعد. أما جيل ألفا، فهو الجيل الذي لم يعرف سوى الرقمية منذ لحظة الميلاد، إذ تفتحت حواسه الأولى على شاشة، وتكوّنت مهاراته اللغوية من خلال مساعد صوتي، وتعلّم المفاهيم الأولى عن طريق تطبيقات ذكية وخوارزميات دقيقة تستجيب لسلوك المستخدم لحظيًا.
إعلانإننا لا نتحدث عن تغيّر في أنماط الحياة فقط، بل عن إعادة تشكيل حقيقية للذات الإنسانية. ففي السابق، كانت الهوية تُبنى عبر التفاعل مع الأسرة، والمدرسة، والثقافة المحلية، وكانت تنشأ ضمن سياق اجتماعي واضح المعالم.
أما اليوم، فالأجيال الرقمية تبني صورها الذاتية في فضاءات افتراضية عالمية، تتخطى الحواجز اللغوية والثقافية والجغرافية. إنها هوية "مُفلترة"، تُنتجها الصور والمنشورات والتفاعلات المرسومة وفق خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، وتُقاس بكمية "الإعجابات" والمشاهدات، لا بتجربة الذات العميقة.
هذا التحول لا يخلو من مفارقات. فعلى الرغم من الكمّ الهائل من التواصل الرقمي، تشير دراسات عديدة إلى تصاعد مشاعر الوحدة والعزلة، خصوصًا بين المراهقين والشباب.
وقد ربطت تقارير صحية بين الإفراط في استخدام التكنولوجيا وبين ارتفاع معدلات القلق، واضطرابات النوم، وضعف التركيز، وتراجع المهارات الاجتماعية.
جيل Z، برغم إتقانه المذهل للتكنولوجيا، يواجه صعوبة متزايدة في بناء علاقات واقعية مستقرة. أما جيل ألفا، فيُظهر مبكرًا قدرة رقمية خارقة، لكنها تقترن أحيانًا بضعف في التطور اللغوي والعاطفي، وكأن المهارات الإنسانية الكلاسيكية باتت تُستبدل تدريجيًا بكفاءات رقمية جديدة.
هذا لا يعني أن الأجيال الرقمية "أقل إنسانية"، بل إنها مختلفة في تركيبها المعرفي والعاطفي والاجتماعي. إنها أجيال تعيش فيما يمكن تسميته "الواقع الموسّع"، حيث تتداخل فيه الذات البيولوجية بالذات الرقمية، ويذوب فيه الخط الفاصل بين ما هو واقعي وما هو افتراضي.
وهذه الحالة تطرح سؤالًا وجوديًا جوهريًا: من أنا في عالم يُعاد فيه تشكيل الذات بواسطة أدوات لا أتحكم بها بالكامل؟ من يوجّهني فعلًا: أنا، أم البرمجية التي تختار لي ما أقرأ وأشاهد وأرغب؟
في هذا السياق، تتزايد الحاجة إلى تفكيك العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا من جديد. فنحن لم نعد فقط نستخدم التكنولوجيا، بل يُعاد تشكيلنا من خلالها، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا خفيًا في اتخاذ القرارات، وتوجيه السلوك، وحتى في تكوين القيم وتصورات العالم. منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام لم تعد وسائط ترفيهية فحسب، بل منصات لإنتاج الثقافة والهوية والسلوك الاستهلاكي.
إعلانولعل المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه التكنولوجيا التي وُعدنا بها كوسيلة لتحرير الإنسان، باتت تخلق أشكالًا جديدة من التبعية. فمن جهة، تسهّل الحياة وتختصر الوقت، لكنها من جهة أخرى تُعيد تشكي إدراكنا بطريقة غير مرئية. إنها "القوة الناعمة" الأشد تأثيرًا في تاريخ البشرية.
في ظل هذا الواقع، لا يكفي أن نُحمّل الأفراد مسؤولية التكيف. المطلوب هو تفكير جماعي لإعادة توجيه العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. المؤسسات التعليمية مطالبة بأن تراجع مناهجها، لا فقط لتُدخل التقنية، بل لتُعيد التوازن بين ما هو رقمي وما هو إنساني.
الأسرة، بدورها، لم تعد فقط مصدرًا للقيم، بل أصبحت "ساحة مقاومة" للحفاظ على الحميمية في وجه التمدد الرقمي. أما صانعو السياسات، فعليهم مسؤولية أخلاقية وتشريعية للحدّ من تغوّل التكنولوجيا في تفاصيل الحياة اليومية، ووضع ضوابط تحمي الأجيال من فقدان الجوهر الإنساني.
ينبغي ألا يكون السؤال: كيف نُقلل من استخدام التكنولوجيا؟ بل: كيف نستخدمها بطريقة تحافظ على إنسانيتنا؟ كيف نُدرّب أبناءنا على التفكير النقدي، والقدرة على التأمل، والانفتاح العاطفي، لا فقط على البرمجة والتصميم؟
نحن نعيش لحظة مفصلية، لحظة يُعاد فيها تعريف الإنسان، لا بالمعنى البيولوجي، بل بالمعنى الوجودي. وإذا لم نُحسن إدارة هذا التحوّل، فإننا قد نخسر القدرة على أن نكون ذاتًا فاعلة حرة في عالم تتزايد فيه السيطرة غير المرئية للأنظمة الذكية.
المستقبل لا تصنعه الآلات، بل الإنسان الذي يعرف كيف يتعامل معها. ولهذا، فإن المعركة الأهم ليست بين الأجيال والتكنولوجيا، بل بين الإنسان وإنسانيته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline