أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، أنه يجب على المسلم الابتعاد عن داء القسوة، منوها أن القسوة من الأخلاق السيئة، وهي تعني خلو القلب من أي رقة ولين، وامتلائه بالفظاظة والغلظة، ولقد بين ربنا سبحانه وتعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فظا ولا غليظ القلب، قال تعالى : ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران :159].

الإدارية: القسوة في تأديب عمال المرافق يحجمهم عن حمل المسئولية دعاء لجبر القلب .. وهذه الآيات وردت في القرآن الكريم

وأضاف علي جمعة، في منشور له، أن قسوة القلب قد تكون مع الله سبحانه وتعالى، فيبتعد الإنسان عن ذكر الله بسبب قسوة قلبه، وقد حذر ربنا سبحانه وتعالى من تلك القسوة، فقال تعالى : ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِى ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [الزمر :22].

كما ذم الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل لقسوة قلوبهم، فقال تعالى : ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة :74].

وأشار إلى أن القسوة تكون كذلك مع خلق الله، فقاسي القلب يرى المحتاج المتألم ولا يلين قلبه، ولا يتعاطف معه، ولا يمد له يد المساعدة، وقاسي القلب يعذب الناس، بل ويعذب مخلوقات الله سبحانه وتعالى، فعدم رعاية الحيوان الذي يحتاج للرعاية والطعام من القسوة المذمومة، وتعذيب الحيوان من أسباب دخول النار كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال : «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت هزلا» [رواه البخاري ومسلم].

وشدد على أنه يجب على الإنسان، أن يبتعد الإنسان عن القسوة بأمور، منها ذكر الله سبحانه وتعالى، وتذكر الموت والحساب، ومنها أن يضع نفسه مكان المتألم ويرى كيف يحب أن يصنع الناس به، ويتأكد له أن تركه للرحمة سببًا في أن يترك الله رحمته قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من لا يَرحم لا يُرحم» [رواه البخاري ومسلم].

وقال علي جمعة، إن الرحمة لا تنزع إلا من شقي؛ لأن الرحمة في الخلق رقة القلب، ورقته علامة الإيمان، ومن لا رقة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي، فمن لا يرزق الرحمة فشقي، فعلم أن غلظة القلب من علامة الشقاوة.

وأضاف، أن المسلم رحيم مع كون الله كله، يتعامل مع برقة وبلين وبانسجام، لأنه يراه قائم بنفس الوظيفة التي أمره الله بها وهي العبادة فيشعر أنه يشترك مع الكون في إخوة العبودية لله وحده، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الريح، فقال : «لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا : اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به» [رواه الترمذي].

كما أن المسلم يخاطب مخلوقات الله بهذا المشترك وهو يتأسى في ذلك بنبيه صلى الله عليه وسلم، إذ يخاطب الهلال فيقول : « اللهم أهله علينا باليمن والسلامة والإسلام ربي وربك الله» [رواه الترمذي].

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: علي جمعة القسوة الرحمة النبی صلى الله علیه وسلم علی جمعة

إقرأ أيضاً:

قيمة شعرية أم قيمة أخلاقية؟

راجح المحوري

ثمة شواهد دقيقة تثبت مسألة المرونة التي تكتسبها القيم الأخلاقية لدى الناس أحيانا، حيث لا يتساهلون مع خرق هذه القيم فحسب، بل أنهم يطربون للمضامين التي تحمل ما ينسفها نسفا، ويحطمها كليا، ولكن وفق شروط أخرى، وضمن سياقات لها نظمها وقوانينها الخاصة.

فمثلا في الأدب وفي (الشعر خاصة) نجد أن الناس يطربون لنص شعري يصادم ويناقض منظومات القيم الاجتماعية المستقرة، فيتداولونه ويحتفون به كثيرا، ليس لأنه يناقض هذه القيم ويصطدم معها، ولكن لأنه يستجيب لكامل شروط مقبولية هذا النقض والمخالفة، وهم يفعلون ذلك دون أن يجتهدوا لتفسير ما يفعلون، فهو من البديهيات بالنسبة إليهم.

يقول جرير في مدح عبدالملك بن مروان:

“سَأَشكُرُ أَن رَدَدتَ عَلَيَّ ريشي

وَأَثبَتَّ القَوادِمَ في جَناحي

(أَلَستُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا

وَأَندى العالَمينَ بُطونَ راحِ)”

جميعنا نطرب لهذا البيت فنردده ونعتمده شاهدا على قوة شاعرية جرير، مع أن مضمونه يناقض القيم الموضوعية، والأخلاقية المستقرة لدينا! والسبب أن هذه المضامين الناقضة، صيغت ضمن نسق شعري، ذي قيمة جمالية إمتاعية عالية، ولو قال أحدهم “فلان خير البشر وأكرمهم” لأنكرنا عليه ذلك، لأن المقارنة الذهنية تذهب مباشرة إلى الرسول، وعندها نقول ليس هناك من هو خير من الرسول، ولا أكثر كرما منه.

القيمة هنا قيمة شعرية وليست قيمة أخلاقية أو موضوعية، والقيمة الشعرية لها أساسات في الوجدان تختلف عن القيمة الأخلاقية، هذه الأساسات تبلورها الثقافة، والمصادر التي يتلقى عنها الشخص، ونوع الوعاء الاجتماعي الذي يتخلق وعيه داخله.

وهناك شاهد شعري حديث، وهو قول الشاعر أسامة المحوري :

فـي قَبْضَةِ الفتياتِ طِفْلٌ واقِعُ

رَحُبَ الخيالُ بهِ وضاقَ الواقِعُ

الـقـابضاتُ عـلـى أعِـنَّـةِ قـلْـبِهِ

(شُـمُّ الـصدورِ، نُهُودهنَّ مدافِعُ)

مــا فـرَّ مِـنْهُنَّ الْـغَدَاةَ بـنبضِهِ

إلا لـيـقـتـلَهُ الــغَـرَامُ الــراجِـعُ

لو حاكمنا هذا البيت وفق القيم الموضوعية، والتي هي أيضا قوية وراسخة لدينا وندافع عنها، ونطالب بحمايتها باستمرار؛ لقلنا إن هذا الرجل كاذب! أو لأصابتنا حالة من الشفقة الشديدة على تلك الفتيات، ولطالبنا بنقلهن إلى المستشفى، لإجراء عمليات جراحية، توقف هذا النمو غير الطبيعي، كما سيحدث لمن يتلقي البيت بعقلية موضوعية ساذجة.

ولكننا نطرب لهذا البيت لجماله، وطرافته، وللصورة الشعرية الجديدة التي يجترحها، والتي تحيل الذهن إلى بروز صدر المرأة وفتنته وجماله.

خلاصة القول إن الناس في العبارة الشعرية، يحتكمون إلى قيم نابعة من المنظومة الإبداعية ذاتها، ولا يحتكمون إلى منظومات قيمية خارجية، وإذا فعلوا فحينئذ يسقط الشعر والإبداع كله، وبالضربة القاضية.

إذن نحن أحيانا نخرج خروجا كاملا عن قيم نحترمها، وندافع عنها، نخرج عنها ونركضها بعيدا، ولكننا لا ننطلق إلى الفراغ، بل ندخل إلى منظومات قيمية أخرى، لها نفس الرسوخ ونفس الاستقرار، كالنظام الخاص بالشعر.

والذي يعطينا الحق في هذا الخروج، هو القيمة الجمالية الإمتاعية فقط.

مقالات مشابهة

  • صلاة الاستخارة.. خطيب بالأوقاف يوضح حقائق مهمة لا يعرفها كثير من الناس
  • ما هو موعد اعلان نتائج الدبلوم الدور الثاني عمان وكيفية الاستعلام عنها؟
  • في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلّم.. لا قُدّسَت أمةٌ لا يأخذُ الضّعيف فيها حقّه غير مُتعْتَع
  • الحب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم: المرأة في حياته
  • فضل الصلاة على النبي صل الله عليه وسلم
  • الصحة اللبنانية تطلب من جميع المواطنين الذين يمتلكون أجهزة pagers الابتعاد عنها
  • وزارة الصحة اللبنانية تطلب من جميع المواطنين الذين يمتلكون أجهزة pagers الابتعاد عنها
  • قيمة شعرية أم قيمة أخلاقية؟
  • «الإفتاء«: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به مٌحرم شرعًا
  • بشارة الانجيل بمجيء رسول الله محمد صل الله عليه وآله وسلم..