تعيدنا مجموعة الشاعر عبدالله العريمي الجديدة «مخطوطات العشق الأولى» إلى طفولة الأشياء فالنُسخ الأولى من أي كتاب تكون مكتوبة بخط اليد، وكأنّ العشق الأول يبقى مخطوطة، لم يجر عليها المنشئ أيّ تعديل قبل خروجها إلى الورّاقين لنسخها في الأزمنة البعيدة، أو المطابع في زمننا الحاضر.
وحين نتجاوز العتبة الأولى: العنوان، يقع نظرنا على العتبة الثانية وقد ارتأى أن تكون مستلّة من مدوّنة أدونيس:
«دمي هناك وجسمي ها هنا ــ ورق
يجرّه في هشيم العالم الشررُ»
ليجعلنا مأسورين إلى ورق مخطوطاته التي بلغت (29) مخطوطة، وكل هذه المخطوطات هي بمثابة مقاطع في قصيدة حب طويلة، بدون عناوين، مكتفيا بـ: المخطوط الأول.
نغنّي خسائرنا لنربّي حلما
نعلّمه كيف يسبحُ في طبق الممكنات
وكلّ الذي يتلألأ في فلك الحب
ليس سوى فرحٍ فائضٍ في اللغات
ويتنقّل بين الشعر العمودي، وشعر التفعيلة، مراعيا الاقتصاد بالمفردات إلى أقصى ما يمكن، فالنص يأتي مكثّفا، مضغوطا محتشدا بالصور، والمعاني، ففي مخطوطة عشقه الأولى يقول:
«لك نزهة الكلمات حين تمرُّ بالمعنى
وتقفز من جنوب الشمس ناحية البعيد
ولجسمك الضوئيِّ، من فرط المسافة،
أن يشفَّ وأن يخفَّ
وأن يطير حمامة بيضاء من شفة النشيد»
وحتى حين يتطرّق إلى مكان ما يرتبط بفيض عاطفي، فهو لا يفصح بشكل كامل عنه، بل يكتفي بإشارة مكانيّة، ففي المخطوط الثامن يقول:
هل تذكرين
سقوط الليل في (أثينا)
كنت النساء
وكنت الوقت والمدنا
وكان وجهك مملوءا بعزته
وكان شعرك مشغولا ومفتتنا»
ولكن من هي المعشوقة؟ يجيبنا في المخطوط الثاني والعشرين:
هي أمرأة تشبه الشعر
تكتبني في الهواء
وفي أغنيات المحار
وثرثرة الفتنة الآسرة
تجيء العصافير مملوءة بالغناء
لتعلن أن يديها أشد بهاء من الماء
وفي السطر الأخير يرتفع مجاز، حين يصوّر رقة يدها، ونعومتها التي تشبه نعومة الماء، بل يرى أنها أكثر بهاء من الماء، فيتجاوز المعنى الذي ذهب إليه الشاعر عبدالرزّاق عبدالواحد بقوله:
حين صافحتها
نبض الماء في راحتي
قلّ أن ينبض الماء في وقتنا
وهذه المجموعة الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد هي الرابعة في مدونته الشعرية التي بدأها عام 2005م بمجموعته (كونشرتو الكلمات) التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، أعقبها بمجموعتيه: (سمّني أيّها الحب ) 2008م عن دار أطلس للنشر والتوزيع بدمشق، و(لا أدّعي أفقا) الصادر عام 2012م عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، أي أنها جاءت بعد سنوات من مراجعة التجربة، وفحصها، ويبدو أنه خرج بنتائج أفصحت عنها هذه المجموعة، التي جاءت لتؤكّد خصوصيّة قصيدة العريمي في المشهد الشعري العُماني الحديث، واشتغالات الشاعر عليها بصبر وأناة متسلّحا بذائقة عالية ودراية عميقة في أسرار الكتابة، ومن هنا اكتسب صوته الشعري فرادته.
عبدالرزّاق الربيعي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
"المركزي المصري" يحصد المراكز الأولى في مسابقة الأمن السيبراني الإقليمية للدول العربية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نجح المركز الوطني للاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي EG-CERT ومركز الاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي للقطاع المالي بالبنك المركزي المصري EG-FinCIRT في حصد جوائز المراكز الأولى للمناورات المتخصصة بالمسابقة الإقليمية الثانية عشرة للأمن السيبراني للدول العربية والدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بمشاركةٍ من دول آسيا والمحيط الهادئ وإفريقيا، ويأتي ذلك في خطوة تعكس المستوى المتميز لكوادر الأمن السيبراني المصرية على مستوى الدولة بشكل عام والقطاع المصرفي خاصة.
ونظم المسابقة المركز العربي الإقليمي للأمن السيبراني (ITU-ARCC) خلال الأسبوع الإقليمي للأمن السيبراني والذي أقيم في مسقط بسلطنة عمان، وذلك تحت عنوان "تأثير التهديدات السيبرانية على الاقتصاد الرقمي" بمشاركة ما يزيد عن 600 من ممثلي الفِرق الوطنية للاستجابة للطوارئ المعلوماتية في الدول المشاركة والمراكز الوطنية للأمن السيبراني من الدول العربية والإسلامية.
وركزت النشاطات والسيناريوهات المقترحة على بِناء قدرات فِرق الاستجابة وتعزيز التواصل فيما بينها لضمان التصدي الفعّال للتهديدات السيبرانية المتزايدة، كما استهدفت الفعاليةُ مراكزَ أمن المعلومات في القطاعات الأساسية لضمان حماية البيانات والخدمات الرقمية في ظل الهجمات الافتراضية.
وقال الدكتور شريف حازم، وكيل محافظ البنك المركزي المصري لقطاع الأمن السيبراني، إن قضايا الأمن السيبراني أصبحت محورًا أساسيًا في منظومة الأمن القومي لجميع دول العالم خاصة مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، بما يتطلب جاهزية الدولة بكافة أجهزتها وفي مقدمتها المؤسسات المصرفية والمالية لمواجهة الهجمات الإلكترونية والحروب السيبرانية، وبلا شك فإن النتائج المتميزة التي حققتها الفرق المصرية في المسابقة تؤكد أننا نسير على الطريق الصحيح نحو تعزيز ريادة مصر في مجال الأمن السيبراني، بما يزيد الثقة في الاقتصاد الرقمي للدولة، ويدعم جهود جذب الاستثمارات الأجنبية.
وقال الدكتور إبراهيم مصطفى، وكيل المحافظ المساعد بالبنك المركزي، رئيس مركز الاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي للقطاع المالي، أن البنك المركزي المصري نجح في إنشاء أول مركز قطاعي للاستجابة لطوارئ الحاسب الآلي في جمهورية مصر العربية وتأهيل كوادر واعدة في مجال الأمن السيبراني، لتمكين البنوك والمؤسسات المالية من التطور والنمو في بيئة مصرفية آمنة وصلبة، من خلال التعامل بكفاءة مع الحوادث السيبرانية وطوارئ الإنترنت داخل القطاع المالي والمصرفي، والتنبؤ المبكّر بالحوادث الأمنية ومواجهتها والتخفيف من آثارها ومنع تكرار حدوثها.
وخلال المسابقة تم محاكاة هجمات سيبرانية معقدة، واختبار قدرة المشاركين على التصدي لها، وتطبيق أساليب احترافية للمجابهة، والحد من آثارها الجانبية، حيث تمكن فريق البنك المركزي المصري من حصد جوائز المراكز الأولى للمناورات المتخصصة التي شارك فيها، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، قنص أو اصطياد التهديدات السيبرانية (Threat Hunting)، ومجابهة هجمات الفدية (Ransomware attack Defense)، وتحليل أمن المعلومات والبرمجيات الخبيثة (SOC Analyst Challenge: Advanced Memory & Malware CTF)، والمناورة الأمنية المشتركة لاختراق البيانات بين الاتحاد الدولي للاتصالات في سلطنة عمان ومنتدى فيرست العالمي لفرق الاستجابة والحوادث الأمنية (FIRST-ITU Oman Data Breach CTF).