تحت المنازل الحجرية في مديات بولاية ماردين في جنوب شرق تركيا، تمتد شبكة من الدهاليز التي كشفت عنها البلدية نتيجة أعمال الحفر والتنقيب، وتعتقد أنها أكبر مدينة تحت الأرض في تركيا.

بلغ مجموع ما اكتُشف حتى اليوم أكثر من 50 قاعة، متصلة بنفق يبلغ طوله 120 مترا، وزُيِّنَت جدران بعضها برسوم غامضة، من بينها مثلا حصان منمق ونجوم ثُمانية وأشجار ويد شخص بالغ.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إصدار جديد لمركز الجزيرة للدراسات: الانتخابات الموريتانية في ظل دستور 1991list 2 of 2سُراقة وسِوارا كسرى وأم معبد وشاتُها.. كيف رسم الشعراء تفاصيلها المهيبة؟end of list

وماردين موقع أثري محمي عالميا حسب تقارير منظمة اليونسكو (1979) وهي، إلى جانب مدينة القدس ومدينة فينيسيا الإيطالية، واحدة من 3 مدن ما زالت آثارها المعمارية محفوظة بشكل جيد حتى الآن.

وقال المسؤول عن مكاتب الحفظ والتفتيش في بلدية مديات مروان ياوز (38 عاما)، الذي يشرف على المشروع، "حفرنا أكثر من 8200 متر مربع من مساحة إجمالية تُقدر بـ900 ألف متر مربع، ما يجعلها أكبر مدينة تحت الأرض في الأناضول، وربما حتى في العالم".

مصادفة

وروى أن أعمال الحفر بدأت في يونيو/حزيران 2020 "عن طريق المصادفة تقريبا"، عندما اكتشفت البلدية، التي كانت تنظف أقبية المنازل، نفقا ضيقا يقلّ عرضه عن 1,70 متر، خلف باب خشبي أزرق اللون.

وشرح أن "الناس، سعيا منهم إلى الاحتماء من الظروف المناخية والأعداء والحيوانات المفترسة والأمراض، لجؤوا إلى هذه الكهوف التي حوّلوها إلى مدينة حقيقية".

وأوضح أن المدخل الأساسي يتكون من فتحة مستديرة كان ينبغي الانحناء للمرور منها.

وأضاف "في الواقع، كنا نشعر بأنها موجودة، فقد انهارت الأرض وسقطت آلة بناء في سبعينيات القرن العشرين. لكن في ذلك الوقت، لم نسعَ إلى معرفة المزيد".

وكانت هذه المنطقة الواقعة على الحدود مع سوريا، على أبواب بلاد ما بين النهرين، محطّ أطماع كل الإمبراطوريات الكبرى، وتعاقب عليها المحتلون.

مدينة تحت الأرض

ولاحظ ياوز أن "كل المؤمنين بالأديان، ساهموا في مدينة ماتياتي تحت الأرض"، وهو الاسم القديم لمديات الذي استُخدِم في الألفية الأولى قبل الميلاد على شاهدة تروي غزو الآشوريين للمدينة.

ويقود النفق إلى قاعة ذات أرضية محفورة في كتلة من الحجر الجيري، وفي وسطها بلاطة ربما كانت تُستخدم للاحتفالات أو تقديم الأضاحي.

وعلى الجدران، تشهد آثار الآلات على الضربات التي ضُربت لفتح الممر في الحجر.

عثر علماء الآثار على الأطلال الأثرية تحت الأرض "بالصدفة تقريبًا" بعد حفر لأقبية بعض المنازل (الفرنسية)

وشرح ياوز أن "من الصعب تحديد أصل المكان نظرا إلى أن كُثرا شغلوه من دون انقطاع". وأفاد بأن "اليهود والمسيحيين وجدوا فيه ملاذا لممارسة دينهم المحرم".

وقال الدكتور أكرم أكمان، المؤرخ في جامعة ماردين، عاصمة الولاية التي تبعد 80 كيلومترا إلى الغرب، إن "هذه الأراضي كانت قبل وصول العرب محل نزاع مرير بين الأشوريين والفرس والرومان ثم البيزنطيين".

وأشار إلى أن "مسيحيي المنطقة شرعوا في بناء الكثير من الأديرة المحصنة في القرنين الخامس والسادس"، وأقاموها في الجبال بعيدا عن أطماع الغزاة.

ثم بقيت للأقبية فائدتها بعد الغزوات، على ما لاحظ المدير السابق لمتحف ماردين غني تاركان، الذي قال إن مجموعات من الأدوات التي كانت تستخدم في الحياة اليومية، والمصنوعات الحجرية والزجاجية، والعملات البرونزية والمجوهرات، والمصنوعات الخزفية، استُخرجت من الدهاليز.

وأوضح أن "الناس واصلوا استخدام هذا المكان كمساحة للعيش حتى بعد توقف الهجمات، عندما أصبحت المسيحية الدين الرسمي (للإمبراطورية البيزنطية)". وأضاف "استُخدِمَت بعض القاعات كسراديب الموتى، وكانت أخرى بمثابة مخازن للغلال".

وعُثر أيضا على عظام، وكذلك على آثار لحيوانات ومنتجات زراعية كانت تُخزّن في هذه الأقبية خلال عهد العثمانيين.

باحثون داخل موقع ماتيات الأثري تحت المدينة في مديات في محافظة ماردين (الفرنسية)

وأشار مروان ياوز إلى فتحات مستديرة كبيرة محفورة في الأقبية، بحيث توضع في ظلامها البارد جرار النبيذ التي كان يتم إنتاجها على سفوح التلال المحيطة، ولا تزال إلى اليوم اختصاص المسيحيين السريان في ماردين.

وعلى عكس مدن كابادوكيا العمودية تحت الأرض والتي تم بناؤها على مراحل في أعماق الصخور، فإن مديات تمتد أفقيا، على ما يشرح غني تاركان.

وتعتزم بلدية مديات مواصلة أعمال التنقيب في الأماكن التي تأمل فيها كثيرا بجذب السياح في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 120 ألف نسمة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات اجتماعي مدینة تحت الأرض کانت ت

إقرأ أيضاً:

الأورومتوسطي: مراكز الإيواء كانت هدف الاحتلال خلال الشهر الأخير

وكالات:

أعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن جيش الاحتلال استهدف 16 مدرسة تعتبر كـ”مراكز إيواء”، خلال شهر واحد، في سياق “جريمة الإبادة الجماعية”.

وفي تقرير جديد للمرصد وثق تصاعدا خطيرا في سياسة الاحتلال الممنهجة في استهداف المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء للمدنيين النازحين قسرا في قطاع غزة دون إنذار مسبق، مما تسبب في قتل وإصابة المئات منهم، كـ”جزء من جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشر ين أول الماضي”.

وأشار إلى أن فريقه الميداني وثّق قصف الطائرات الإسرائيلية منتصف ليل السبت الموافق السابع من سبتمبر/ أيلول، مدرسة “حليمة السعدية”، التي تؤوي مئات النازحين قسرا في جباليا النزلة شمالي قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد أربعة منهم وإصابة آخرين بجروح.

وتطرق إلى حادثة قصفت الطائرات الإسرائيلية قبيل عصر السبت مدرسة “عمرو بن العاص”، التي تؤوي نازحين شمالي مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد أربعة فلسطينيين، أحدهم طفل، وإصابة آخرين بجروح، وأوضح أنه منذ بداية شهر أغسطس/ آب الماضي، قصف جيش الاحتلال 16 مدرسة تستخدم كمراكز إيواء في قطاع غزة، 15 منها في شمال وادي غزة، ما أدى إلى استشهاد 217 فلسطينيا، وإصابة المئات، عدد كبير منهم من النساء والأطفال.

وتطرق الأورومتوسطي إلى تصعيد جيش الاحتلال الإسرائيلي من وتيرة استهداف المدنيين في الأسبوع الأخير بمحافظة غزة والشمال، عبر قصف المنازل السكنية والتجمعات والبسطات التجارية، إلى جانب مراكز الإيواء ومحيطها، وأوضح أن استهداف المدارس وتدميرها على رؤوس النازحين لا يستند إلى أي مبرر فعلي، “يشكل انتهاكا صارخا لمبادئ التمييز، والضرورة العسكرية، والتناسبية، وضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة”.

وأشار إلى أن جيش الاحتلال يحاول كل مرة تبرير هذه الهجمات بادعاءات استهداف “أهداف عسكرية”، دون تقديم أي دليل يثبت صحة تلك الادعاءات، مؤكدا أن تلك الاستهدافات تأتي كجزء من تنفيذ فعلي لـ”جريمة الإبادة الجماعية” في قطاع غزة، وتهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من خلال القتل والتهجير القسري.

وأكد أن التحقيقات الأولية التي أجراها فريقه الميداني تشير إلى تعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي تدمير ما تبقى من مراكز الإيواء في القطاع، بما فيها المدارس والمنشآت العامة، بهدف خلق بيئة قسرية تكره السكان المدنيين على ترك مناطق سكناهم والنزوح قسرا نحو وسط وجنوب القطاع.

وأشار إلى الخطة التي كشفت عنها صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، والتي تفيد بأن جيش الاحتلال يدرس حاليا خيارات “طرد وتهجير ما تبقى من الفلسطينيين في شمال وادي غزة” تحت ما يُعرف بـ”خطة الجنرالات”، وقال إن ذلك يمثل “دليلا آخر” على نية الاحتلال تفريغ غزة من ساكنيها.

وأكد أن تواطؤ الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية في الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين، وبخاصة في قطاع غزة، في ظل الصمت الدولي والفشل في اتخاذ أي تدابير فاعلة لوقف جريمة الإبادة الجماعية هناك، “يشجع الاحتلال على استكمال مخططاته في إبادة الفلسطينيين جماعيا والقضاء عليهم بالقتل المباشر وغير المباشر والتهجير القسري”.

وقال المرصد الأورومتوسطي إنه من ومن خلال تتبع منهجية القصف الإسرائيلي، يتضح وجود “سياسة واضحة” ترمي إلى استهداف المدنيين الفلسطينيين في كل مكان في قطاع غزة، وبث الذعر بينهم، وحرمانهم من الإيواء أو الاستقرار ولو لحظيا، ودفعهم للنزوح مرارا وتكرارا، وإهلاكهم وإخضاعهم لظروف معيشية قاتلة، مع استمرار القصف على امتداد القطاع واستهداف المناطق المعلنة كـ”مناطق إنسانية”، والتركيز على استهداف مراكز الإيواء، بما في ذلك تلك المقامة في مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.

وطالب جميع الدول بتحمل مسؤولياتها الدولية بوقف “جريمة الإبادة الجماعية”، وحماية المدنيين هناك، وضمان امتثال الاحتلال لقواعد القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، كما دعا إلى مساءلة ومحاسبة الدول المتواطئة والشريكة مع الاحتلال في ارتكاب الجرائم، وطالب بتفعيل كافة مسارات المساءلة والمحاسبة المتاحة، وحث المحكمة الجنائية الدولية على الإسراع في إصدار مذكرات إلقاء القبض ضد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الجيش يوآف غالانت، وتوسيع دائرة التحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية عن الجرائم المرتكبة في قطاع غزة لتشمل جميع المسؤولين عنها.

إغلاق المدارس

بدورها، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، إن “لديها ما يقرب من 200 مدرسة في قطاع غزة تم إغلاقها جميعًا منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، واستخدمت العديد منها كمراكز إيواء للنازحين طوال الحرب”.

وأشارت الوكالة الأممية، في منشور على حسابها عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا)، اليوم السبت، إلى أنه “في بعض هذه المدارس، تعمل فرق الأونروا على إعادة آلاف الأطفال إلى التعلم من خلال الأنشطة الترفيهية والدعم النفسي والاجتماعي”.

ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عدوانه على قطاع غزة، بمساندة أمريكية وأوروبية، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.

وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة إلى استشهاد أكثر من 40 ألفا و939 شهيدا، وإصابة 94 ألفا و616 آخرين، ونزوح 90% من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.

 

مقالات مشابهة

  • الأورومتوسطي: مراكز الإيواء كانت هدف الاحتلال خلال الشهر الأخير
  • أسباب الحريق الهائل في ناقلة نفط كانت في طريقها إلى عدن
  • شاهد: أشهر الساعات التي اخترعها المسلمون عبر التاريخ تعرض في مهرجان سعودي
  • شاهد بالفيديو.. شاب سوداني يبهر المارة باستعراض مهاراته في كرة القدم بشوارع مصر وتعليقات الأطفال المصريين الحاضرين: (الله أكبر عليك.. أفضل كرستيانو ومحمد صلاح ما يقدرش يعمل كدة)
  • مرغم: ثورة فبراير كانت من أجل الحرية لا من أجل السلطة ولا الثراء والثوار أثبتوا ذلك
  • المترشح الحر تبون: الحملة الانتخابية كانت نظيفة.. الجزائر في مرحلة مفصلية
  • المرشح تبون: الحملة الإنتخابية كانت نظيف.. الجزائر في مرحلة مفصلية
  • تركيا.. شجار عائلي ينتهي بمأساة في ماردين
  • بعد 14 يوماً.. انتهاء أكبر ثوران بركاني شهدته آيسلندا
  • كتشنر التي كانت تعاكسنا أغرقه الله في بحر الشمال يا خينا: كيف اساء كتشنر إعداد معركة سومي (1916) (1-2)