قال تحليل نشرته مجلة "نيو لاينز" الأمريكية: إنه لا علامات ظاهرة حتى الآن على نهاية الحرب والمواجهة الدائرة في منطقة البحر الأحمر في ظل استمرار ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران تنفيذ هجماتها ضد السفن التجارية المارة في هذا الشريان الاستراتيجي.

وأكد التحليل أن الجيش الأمريكي منخرط في حرب طويلة ومكلفة في البحر الأحمر وخليج عدن ضد قوة أصغر وأقل تقدمًا.

فمنذ أكتوبر 2023، عطل المتمردون الحوثيون ممرات الشحن التجارية، مما أدى إلى صراع دام أشهرًا مع القوات الأمريكية وغيرها من القوات (بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا، اللتين نشرتا أيضًا سفنًا في المنطقة لمهام اعتراضية) أسقطت العشرات من الصواريخ والطائرات بدون طيار. 

التحليل الذي أعده الكاتب الصحفي نيكولاس سلايتون، محرر مساهم في موقع الأخبار العسكرية والثقافة Task & Purpose، ركز على مستوى الإنفاق والتكلفة التي تتحملها الخزينة الأميركية وكذا الدول المشاركة في عملية ردع الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويشير التحليل إلى أن حاملات الطائرات الأمريكية وسفنها الداعمة وأجنحتها الجوية وأصول أخرى أنفقت ذخائر بملايين الدولارات بمعدل يومي تقريبًا. وهي التكلفة التي تجاوزت الآن أكثر من مليار دولار، وفقًا لوزير البحرية كارلوس ديل تورو. وعلى الرغم من مزاعم البنتاغون بأن الجهود من شأنها أن "تعطل وتضعف" قدرات الحوثيين، فإن القتال منخفض الكثافة لا يُظهر أي علامات على نهايته، في حين تستمر تكلفته في الارتفاع.

وقال وكيل وزارة الدفاع لشؤون المشتريات والاستدامة ويليام لابلانت خلال شهادته أمام لجنة فرعية بمجلس الشيوخ في مايو: "إذا كنا نسقط طائرة بدون طيار بقيمة 50 ألف دولار في اتجاه واحد بصاروخ بقيمة 3 ملايين دولار، فهذه ليست معادلة تكلفة جيدة".

الصراعات السابقة

تحليل المجلة الأميركية وضع تساؤلاً هاماً بشأن ارتفاع تكاليف الردع العسكري ضد ميليشيا الحوثي، ولماذا لم تستطع أكبر الجيوش، مع ثقل المجمع الصناعي الدفاعي الأميركي خلفها، أن تطور أسلحة أرخص؟

ويشير الكاتب نيكولاس في تحليله إلى أن طبيعة الصراعات الجارية هي التي تحدد الأولويات، فقد تركت الحرب العالمية على الإرهاب التي استمرت عقدين من الزمان الكثير من الاستراتيجية والموارد في اتجاه مكافحة التمرد على الأرض. وكانت القوات المقاتلة تواجه العبوات الناسفة المرتجلة، وخطر الهجمات الانتحارية المفاجئة أو الكمائن، وليس أسراب الطائرات بدون طيار أو الصواريخ.

وفي السنوات الأخيرة، حاول الجيش إعادة بناء قدراته لمحاربة الجهات الفاعلة القوية المنافسة، لما يراه من منافسات بين القوى العظمى مع روسيا والصين. وهذا يعني إلغاء المشاريع التي بنيت لاستراتيجيات سابقة، مثل سفينة القتال الساحلية، وهو مشروع بمليارات الدولارات، لبناء سفن أصغر مخصصة للعمليات بالقرب من الشواطئ. ولم يتم إعطاء الأولوية للدفاع الجوي، وكان أي عمل نحو ذلك يركز على الصواريخ الاعتراضية المتطورة التي تهدف إلى مواجهة الصواريخ الحديثة من ما يطلق عليه الجيش "الأقران"، أي روسيا أو الصين.

وأكد التحليل: "لقد كانت الحروب التي خاضتها القوى بعد الحرب الباردة في أغلبها ضد أولئك الذين لم يمتلكوا قدرات هجومية جوية تشكل تهديداً، وبالتالي أصبح الاستثمار في هذا المجال أقل أهمية"، كما قال جيمس باتون روجرز، المدير التنفيذي لمعهد كورنيل بروكس للسياسة التكنولوجية، لصحيفة نيو لاينز عبر البريد الإلكتروني. "بدلاً من ذلك، كانت العبوات الناسفة البدائية هي السلاح الذي يجب التغلب عليه".

تشكيل الصراع

أوضح التحليل أن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية غيرت من نظرة الجيوش إلى الصراع العالمي؛ وأظهرت للعالم كيف يمكن للتكنولوجيا الحديثة والأدوات الرخيصة أن تعيد تشكيل الصراع. ورغم أن القتال، في كثير من النواحي، هو معركة مباشرة بين جيشين كبيرين، يمزجان فيها المشاة والدروع والقوة الجوية لشن هجمات كبيرة، فإن الطحن البطيء والجمود أدى إلى عناصر غريبة وغير متزامنة تقريبًا.

وحفزت الأسلحة الميدانية التي يتم تصنيعها ذاتيًا كلا الجانبين على تطوير طرق فعالة وغير مكلفة لمواجهة ابتكارات كل منهما. في بعض الحالات، يتضمن هذا إعادة استخدام الدفاعات عالية التقنية ولكن بتكلفة منخفضة، مثل استخدام أجهزة تشويش الإشارات المخصصة لجعل الطائرات بدون طيار عديمة الفائدة. وفي حالات أخرى، يكون النهج صريحًا، مثل إطلاقها ببساطة من السماء بأي سلاح مدفعية خفيف. قامت إحدى الوحدات الأوكرانية بتجهيز ستة بنادق كلاشينكوف في مدفع أرض جو.

كما سلطت الحرب الضوء على تحديين رئيسيين للدول الأخرى في صراع حديث: إمدادات الذخيرة والطائرات بدون طيار. مع عدم قدرة أي من الجانبين على الفوز في وقت مبكر وحاسم، أدى القتال إلى استنزاف مخزونات ذخيرة المدفعية، سواء في البلدان أو في الدول الداعمة لهما. ويُظهر الابتكار المدفوع بالضرورات وراء أسراب الطائرات بدون طيار الرخيصة أو الهجمات مدى فعالية هذه التكتيكات منخفضة التكلفة وسرعتها ضد جيش متقدم.

تكلفة باهظة 

تحليل مجلة "نيو لاينز" قال إن القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) تظل متكتمة بشأن الذخائر المحددة المستخدمة في مهام الاعتراض اليومية تقريبًا ضد الطائرات بدون طيار والصواريخ في البحر الأحمر وخليج عدن. ومع ذلك، اعترفت البحرية بأنها أطلقت صواريخ SM (Standard Missile)-2 وSM-6 وSM-3 لإسقاط الطائرات بدون طيار. ويمكن أن تتراوح تكلفة هذه الصواريخ من مليوني دولار إلى 27.9 مليون دولار للقطعة الواحدة، اعتمادًا على الطراز والنسخة التي تحملها.

وأشار التحليل إلى أن الولايات المتحدة وشركاءها انخرطت بشكل أساسي في صراع منخفض الدرجة مع حركة الحوثيين، حيث دمروا يوميًا تقريبًا من صاروخ إلى سبعة صواريخ أو طائرات بدون طيار أو مواقع رادار. ولا تقول القيادة المركزية الأمريكية عدد الذخائر المستخدمة لكل ضربة أو اعتراض، لكن نظرة متحفظة على التكاليف تضعها بأكثر من مليون دولار لكل عملية إطلاق. ولا يُظهر أي من الجانبين أي نية للتراجع، ولا يُظهر أي من الجانبين أي علامة على نفاد الأسلحة أو القدرة على استخدامها.

وأكدت البحرية في يوليو/تموز أن مجموعة حاملة الطائرات أيزنهاور، التي تولت زمام المبادرة في أدوار الاعتراض لمعظم الصراع في البحر الأحمر، أطلقت 155 صاروخًا من سلسلة ستاندرد بالإضافة إلى 135 صاروخًا كروز من طراز توماهوك (تكلف حوالي مليوني دولار لكل وحدة). وهذا يزيد عن نصف مليار دولار منذ انتشار مجموعة حاملة الطائرات أيزنهاور في المنطقة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وغادرت في يونيو/حزيران من هذا العام. 

بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الطائرات المخصصة لمجموعة الضربات 420 صاروخًا جو-أرض و60 صاروخًا جو-جو. ولم توضح البحرية ما تم استخدامه على وجه التحديد، لكن قائد حاملة الطائرات يو إس إس دوايت د. أيزنهاور أشار سابقًا إلى ترسانة تضم صواريخ جو-أرض من طراز AGM-114 (حوالي 150 ألف دولار لكل وحدة)، وصواريخ AIM-9X Sidewinder وAIM-120 جو-جو.

آلية ردع جديدة

بعد مرور أكثر من عام على الحرب في أوكرانيا وأشهر على القتال في البحر الأحمر، أخبر وكيل وزارة الدفاع لشؤون المشتريات والاستدامة ويليام لابلانت، لجنة فرعية بمجلس الشيوخ، أن الولايات المتحدة بحاجة إلى أنظمة مضادة للطائرات بدون طيار "على نطاق واسع. نحن بحاجة إلى الكثير منها، أيا كانت -حركية أو غير حركية".

مضيفًا إن "التكلفة لكل وحدة مهمة". بالنسبة للخيار الحركي، يعني هذا أسلحة جديدة -صواريخ أو حتى سلاح موجه بالطاقة- يمكنه اعتراض طائرة بدون طيار للعدو. يتضمن الخيار الآخر أدوات تعطل أو تغلق بشكل غير مباشر طائرة بدون طيار للعدو، مثل أجهزة التشويش. هذه التوصية هي شيء كرره منذ ذلك الحين، ولكن الآن في صيف عام 2024، لا يزال الجيش يعتمد على نفس أدوات الدفاع الجوي الباهظة الثمن. وتشمل هذه الصواريخ أرض-جو والأسلحة المحمولة على الطائرات المقاتلة والتي يمكن أن تكلف عدة ملايين من الدولارات لكل ضربة.

ونقل التحليل تصريحاً لـ"ثين كلير" وهو زميل بارز في مركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية وضابط سابق في البحرية عمل قائداً للمدمرة الموجهة بالصواريخ يو إس إس موستن، إن السلطة النهائية في كثير من الحالات تكون في أيدي وزير الدفاع. إن الجيش قادر على الابتكار السريع للتكنولوجيا الجديدة -وأشار كلير إلى الإنتاج الدفاعي في الخمسينيات والستينيات- لكن الأمر يعتمد على الإلحاح من قِبَل أولئك في القمة. ويعود ذلك جزئياً إلى مزيج من البيروقراطية والتخصيصات وواقع تطوير واختبار ثم نشر أي سلاح أو نظام عسكري جديد. ومع نطاق المجالات المختلفة اللازمة لنقل نظام أو ذخيرة من المفهوم إلى التبني، فإن الأمر يتلخص في عزل قضية محددة لحلها وتكليف شخص واحد بالمسؤولية الكاملة عن العمل.

مناوشات مستمرة

يؤكد التحليل أن القتال في اليمن هو واحد من عدة معارك خاضتها الولايات المتحدة في مختلف أنحاء المنطقة منذ بداية الحرب في غزة. حيث تطلق الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران طائرات بدون طيار وصواريخ رخيصة الثمن على منشآت وقواعد أمريكية في العراق وسوريا لعدة أشهر. وقد أسفرت عشرات الهجمات عن إصابة جنود أمريكيين وإصابات دماغية مؤلمة. وفي يناير قُتل ثلاثة من جنود الاحتياط في الجيش الأمريكي في هجوم بطائرة بدون طيار على موقع ناء في الأردن. وحتى الآن هذا الصيف، لا يبدو أن الولايات المتحدة ولا إيران عازمتين على تصعيد الموقف إلى صراع مباشر، مما يترك شبكة من المناوشات المستمرة ولكن على نطاق صغير في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ولكن إذا كان من الصعب القضاء على الخطر الذي تشكله مجموعة واحدة لديها القدرة على الوصول إلى الذخائر الرخيصة، فإن هذا الربيع سلط الضوء على مدى التكلفة التي قد تترتب على شن هجوم واسع النطاق من قبل دولة قومية. 

وقال الكاتب الصحفي نيكولاس سلايتون: "بعض طياري القوات الجوية الأميركية وصلوا إلى مرتبة "البطل" -حيث سجلوا خمس عمليات "قتل" جوية أو أكثر- في هذا الجهد. وكانت عملية فعالة ولكنها مكلفة، وخاصة عند النظر إلى التكلفة المنخفضة بالنسبة لإيران.

طرق ردع جديدة

يشير التحليل الأميركي إلى أن هناك العديد من المشاريع الموازية التي تعمل في وزارة الدفاع الأميركية عليها، بعضها يركز على القدرة على التكيف والأدوار المتعددة الأغراض للحصول على أقصى قدر من الفعالية منها. وقد طلب الجيش ومشاة البحرية مئات من "الذخائر المتسكعة"، وهي طائرات بدون طيار منخفضة التكلفة يمكن تحميلها بحمولة لشن هجمات "انتحارية بدون طيار" عالية الدقة أو للمراقبة. وهي النسخة "الذكية" من طائرات بدون طيار الهجومية البدائية التي يستخدمها المسلحون. وفي هذا العام، أعلنت القوات الجوية أيضًا عن مسابقة لصواريخ كروز الأرخص، وهي الخطوة الأولى في التحرك نحو تطويرها.

ويؤكد التحليل إن أحد الجهود التي كثيراً ما تُقارَن بالبحث عن أسلحة أقل تكلفة هو الدفع المستمر نحو زيادة تصنيع قذائف المدفعية. 

ويبدو أن أحد الحلول التي يستكشفها الجيش الأميركي بجدية هو البرامج غير التقليدية أو، كما يحلو للبعض أن يصفها، البرامج المستوحاة من الخيال العلمي. وتعمل الفروع العسكرية حالياً على تطوير واختبار عدة منصات مختلفة للأسلحة الموجهة بالطاقة، أو الليزر. وتقترب كل من القوات البرية والبحرية والجوية من طرق مختلفة لنشر الليزر. 

على سبيل المثال، يختبر الجيش بالفعل هذا في الميدان بعد نشره ليزر الطاقة العالية (P-HEL) في قدرة تشغيلية. يستخدم P-HEL شعاعاً مركّزاً بقوة 20 كيلووات لضرب وحرق وتدمير الأهداف الجوية مثل الطائرات بدون طيار. 

سلاح ليزر الطاقة

يوضح التحليل أن تكلفة التطوير الأولية لسلاح الليزر مرتفعة، إلا أنه أرخص في الأمد البعيد في الميدان. وقد كانت الولايات المتحدة تدرس جدوى وإمكانية تطبيق الأسلحة الموجهة بالطاقة لعقود من الزمن. والتقدم الأخير واعد، لكن المجال العام ليس جديدًا والجيش لم يستخدم الليزر على نطاق واسع في ساحة المعركة بعد. 

وربما يتبنى الجيش الأميركي وحلفاؤه الليزر على نطاق واسع. أو قد يركزون على استخدام نسخ أرخص من صاروخ SM-2 أو "الذخائر المتسكعة"، مثل صاروخ Coyote 2C، وهو سلاح صغير يطلق من الأرض ويمكن استخدامه جزئيا كطائرة استطلاعية أو توجيهه لاعتراض وتدمير الطائرات بدون طيار.

ويؤكد التحليل: "حتى لو تمكنت القوات المسلحة من العثور على أسلحة أرخص واختبارها وإنتاجها بسرعة، بحيث تحل محل الأسلحة الباهظة الثمن الموجودة في الخدمة حالياً، فإن نشرها في الخدمة يشكل مسألة مختلفة تماماً".

في حين يسارع البنتاجون إلى الحصول على أدوات أكثر فعالية من حيث التكلفة لمكافحة أسراب الذخائر الرخيصة القابلة للتصرف، هناك خطر يتمثل في ظهور تكتيكات أو أسلحة جديدة فجأة لا تستعد لها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وتُظهِر الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط كيف يمكن لهذه التقنيات أن تتطور بسرعة، جنبًا إلى جنب مع التكتيكات لمحاربتها. 

ومن المرجح أن تظهر خصائص أكثر استقلالية في الطائرات بدون طيار المعادية، ويمكن استخدام أسراب أكبر لمحاولة التغلب على الدفاعات الجوية، وقد تصبح الأسلحة الرخيصة أكثر دقة. يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تطوير مضادات أحدث، لكن التكتيكات ستستمر في التطور.


المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: الطائرات بدون طیار الولایات المتحدة طائرات بدون طیار فی البحر الأحمر على نطاق صاروخ ا تقریب ا فی هذا إلى أن

إقرأ أيضاً:

اليمن يكتب نهاية عصر الطائرات الأمريكية (MQ9)

زكريا الشرعبي - 

لأن الأقمار الصناعية الاستخباراتية تظهر الأهداف وكأنها إبرة في كومة قش، كانت الطائرات الاستطلاعية التجسسية حاجة ضرورية لجمع المعلومات، ومن بين هذه الطائرات تعد طائرة MQ-9  هي الرائدة في هذا المجال كما يقدمها الأمريكيون، وهي عنصر التفوق التكنولوجي لديهم.

تقول عنها القوات الجوية الأمريكية إنها توفر قدرة فريدة على تنفيذ الضربات والتنسيق والاستطلاع ضد أهداف عالية القيمة وعابرة وحساسة للوقت، كما توفر الدعم الجوي القريب، وتمتلك قدرات مؤهلة بشكل فريد لإجراء عمليات حرب غير نظامية لدعم أهداف القائد المقاتل.
ما كٌتب وقيل عن هذه الطائرة وإمكانياتها كثير، فهي كما يصفها موقع centcomcitadel الذي يتبع القيادة المركزية الأمريكية، بمثابة الحصان الهجومي الرئيسي للقوات الجوية الأمريكية، وقد بالغ الأمريكيون في الثناء على هذه الطائرة، حتى أن موقع ميلتري تايمز وهو موقع متخصص في الشؤون الدفاعية قال إن اسم MQ-9 Reaper ــ هو الاسم الذي يثير الخوف في قلوب أعداء أميركا، إنها عيون تساعد القوات الأمريكية وشركاءها على رؤية ما هو خلف التلال أو حول الزاوية؛ حتى يتمكنوا من البقاء على اتصال؛ والقدرة على وضع الذخيرة بسرعة ودقة على الهدف.

وبالنسبة لقدراتها الدفاعية يقول الموقع: إنها تعمل فوق حدود مدى الصواريخ المحمولة أرض-جو. كما يمكن تجهيز طائرات MQ-9 بنفس أنواع الطعم والشعلات المضيئة التي تستخدمها الطائرات المقاتلة من الجيل الرابع، مما يجعل الطائرة أكثر قدرة على البقاء.

منذ العام 2007م تعاقدت القوات الجوية  الأمريكية مع شركة جنرال أتوميكس لبناء أكثر من 360 طائرة ريبر منذ بدء البرنامج في عام 2007. وتبلغ تكلفة طائرة ريبر بدون طيار واحدة اليوم حوالي 30 مليون دولار، وحتى العام 2021م كانت قد تسلمت نحو 300 طائرة.

 ومؤخرا انتقلت التجربة إلى القوات البحرية حيث تم تقديمها بحسب توصيف شركة جنرال أتوميكس باعتبارها ” حجر الزاوية في مفهوم الحملة الاستكشافية غير المأهولة لقوات مشاة البحرية، والتي تأخذ فرقة العمل الجوية-الأرضية البحرية التقليدية، وتتخلص من الكثير من معداتها الثقيلة السابقة، يتم إرسال MQ-9 إلى العمل كقوة احتياطية أخف ولكنها شديدة الفتك، فهي تستغل شبكات جديدة وأسلحة جديدة بنفس جرأة مشاة البحرية القديمة”.

في العام 2018م كانت القوات البحرية الأمريكية تستخدم طائرتين MQ-9A Reapers بالإيجار من شركة جنرال أتوميكس، وفي العام 2021 تم شراء الطائرتين واعتبر ذلك خطوة مهمة في تعزيز الأولويات البحرية.

وقد قدمت البحرية الأمريكية طلبات لتطوير الطائرة في العام 2022م ضمن صفقة تضمنت 8 طائرات بقيمة 274 مليون دولار، وتضمنت التعديلات دمج الطائرة بأدوات تمنحها قدرة واسعة النطاق على الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بعيدة المدى لقوة المشاة البحرية، وقدرة طيران لأكثر من ثلاثين ساعة، وكلفت قيمة التعديلات منفردة 34 مليون دولار، فيما تم توقيع صفقة في العام المالي 2023م تضمنت شراء 5 طائرات بقيمة 190 مليون دولار، ليبلغ بذلك إجمالي طائرات إم كيو 9 التي اشترتها البحرية الأمريكية خلال الأعوام الثلاثة الماضية 15 طائرة.

   

سياسة الحرب القذرة

على مدى أكثر من عقدين مثل هذا النوع من السلاح أداة لسياسة الحرب القذرة الأمريكية، من قبل وحدة العمليات الخاصة ومجمع الاستخبارات والقوات الجوية بالطبع.

ولعل من المفارقة أن أولى عمليات هذه الطائرات في منطقة خارج مسرح القتال كانت في اليمن عام 2002م وكان ذلك في بداية برنامج الطائرات بدون طيار بإنتاج طائرات إم كيو 1- بريديتور، والتي تم تطويرها لاحقا إلى إم كيو 9، وقد استهدفت عملية الاغتيال حينها المدعو أبو علي الحارثي وآخرين بتهمة انتماءهم لتنظيم القاعدة، كما مثلت اليمن أحد أكبر المسارح النشطة لهذه العمليات، وبحسب تقرير يتتبع الهجمات الأمريكية تم تسجيل نحو 400 هجوم على اليمن قبل المعركة الأخيرة معظمها بطائرات بدون طيار.

ما يزال اليمنيون يتذكرون طائرات إم كيو ناين وهي تحلق في سماءهم بتواطؤ من الأنظمة الحاكمة قبل ثورة 21 سبتمبر  والتي لم تخجل من المجاهرة بإباحة الأجواء اليمنية فحين سُئل علي عبدالله صالح عن اغتيال طائرة بدون طيار أمريكية للمواطن الأمريكي من أصول يمنية أنور العولقي، نظر صالح إلى الأعلى وقال: جت من الجو شو نعملها.

 لم يكن اليمنيون يعرفون أن لديهم رئيسا يتحدث باللهجة الشامية حتى ذلك الحين، أما استباحة الأجواء فقد كانوا يعرفون أنه أعطى الأمريكيين توقيعا على بياض، قائلا اقصفوا وسنقول إنها قنابلنا وليست قنابلكم، أما نائبه عبدربه منصور هادي فقال أثناء زيارة إلى أمريكا بعد أن أضحى رئيسا خلفا، وفي رد على أسئلة الصحفيين حول جرائم الطائرات بدون طيار" إنها أعجوبة فنية"، ولم يكن أمام اليمنيين من وسيلة للاحتجاج حنيها سوى رسم طائرات إم كيو ناين على الجدران والكتابة بلغة منكسرة إلى جانبها" لماذا قتلتم عائلتي".

 

 

نهاية عصر إم كيو 9 في اليمن

مع بدء العدوان على اليمن في السادس والعشرين من مارس 2015م مثلت طائرة إم كيو -9 جزءا أساسيا من حملة القصف على اليمن، وكانت تنقل صورا حية إلى غرفة العمليات التي يديرها أمريكيون في قبو قاعدة عسكرية في الرياض لتحديد ماذا وأين ستقصف الطائرات الحربية، كما مثلت العمود الفقري لما يسمى بعملية الدعم الجوي القريب والذي يتم من خلاله توجيه قنابل الطائرات الحربية المأهولة التي تمتلكها السعودية والإمارات.

في الأول من أكتوبر عام  2017م نجحت القوات المسلحة اليمنية في إسقاط أول طائرة من نوع إم كيو ناين في سماء محافظة صنعاء، وقد اعترفت الولايات المتحدة حينها بالعملية دون توضيح التفاصيل نظرا لكونها كانت تخفي استمرارها في دعم العمليات العدوانية على اليمن.

وقال الرائد إيرل براون المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية لموقع ميلتيري: "نعتقد أن طائرة بدون طيار من طراز إم كيو-9 أسقطت في غرب اليمن. ولا يمكن الكشف عن تفاصيل المهمة لأسباب أمنية عملياتية، ولا نريد أن نستبق أي تحقيق".

في السابع من يونيو 2019م أعلنت القوات المسلحة اليمنية إسقاط الطائرة الثانية من طراز إم كيو -9  في محافظة الحديدة، وفي 20 أغسطس من ذات العام أسقطت القوات المسلحة اليمنية الطائرة الثالثة في محافظة ذمار.

 

يروي مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها جون بولتون في مذكراته أنه عندما تلقى البلاغ بإسقاط هذه الطائرة عاد وأبلغ ترامب، فرد ترامب قائلا: أريد القصاص..أحضر لي بعض الخيارات لاحقا".

وتوقفت الطائرات الأمريكية بدون طيار لفترة من الوقت عن التحليق في سماء كثير من المناطق اليمنية، قبل أن تعاود التحليق في سماء محافظة مأرب لدعم قوات المرتزقة ومنع القوات المسلحة اليمنية من عملية تحرير المحافظة، وهنا كان إسقاط الطائرة الرابعة وتحديدا في 23 مارس من العام 2021م.

طوت الولايات المتحدة هذا الملف واقتصر تحليق طائراتها على المناطق المحتلة، حتى نوفمبر من العام 2023م حيث كانت بداية النهاية لهذا الطائرات.

في الثامن من نوفمبر ومع بدء العمليات العسكرية اليمنية إسنادا لغزة تمكنت القوات المسلحة اليمنية من من إسقاط طائرة أمريكية MQ-9 أثناء قيامها بأعمال عدائية ورصد وتجسس في أجواء المياه الإقليمية اليمنية وضمن الدعم العسكري الأمريكي للكيان الإسرائيلي.

أظهرت هذه العملية تضاربا وارتباكا واضحا لدى قيادة البنتاغون، فبعد ساعات من نفي المسؤولين الدفاعيين الأمريكيين ما جاء في بيان القوات المسلحة اليمنية، بث الإعلام الحربي اليمني مشاهد لعملية الإسقاط، ما اضطر الولايات المتحدة للاعتراف، وفي السياق قالت نائبة متحدث البنتاغون سابرينا سينغ إن الطائرة أُسقطت في البحر الأحمر، وأن الولايات المتحدة على علم بمحاولة الحوثيين استعادة الطائرة "MQ9"، مضيفة: "لكن من غير المرجح أن يتمكنوا من استعادة أي شيء له أهمية"، غير أن هذه الطائرة كانت الأولى ضمن حزمة من الطائرات التي تحول اصطيادها إلى نوع من ممارسة المحترفين لهواية القنص، ففي فبراير أسقطت الطائرة الثانية ضمن هذه المعركة، وفي أبريل أسقطت الثالثة، وفي مايو أسقطت ثلاث طائرات لتبلغ المحصلة حينها ست طائرات، ثم في أغسطس أسقطت الطائرة السابع، وفي السابع من سبتمبر أسقطت الطائرة الثامنة.

لم تتعرض القوات الأمريكية في كل تاريخها القتالي لهذا النوع من الخسائر في غضون فترة وجيزة، بل إن جميع حوادث الإسقاط التي تم تسجيلها لطائرات MQ9 لا تتجاوز 16 حادثة من بينها 12 حادثة في اليمن، وحادثتين في ليبيا، وحادثة في العراق، وحادثة في البحر الأسود، تم اتهام روسيا بالوقوف خلفها من خلال الاصطدام بطائرة سوخوي.

إن الكُلفة التي ألحقها اليمن بهذا النظام من الطائرات لا تقتصر على القيمة المادية التي تبلغ أكثر من 30 مليون دولار لكل وحدة، وإنما في ضرب عنصر التفوق الاستخباراتي الأمريكي والطائرات المقاتلة بدون طيار، فتخرج أمريكا من المعركة بخسارة تفوقين هم جناحا هيمنتها على العالم، التفوق البحري الذي تلاشى في البحر الأحمر، والتفوق الجوي الاستخباراتي الذي تساقط في اليمن.

وثمة تكاليف أخرى باهظة الثمن بالنسبة للولايات المتحدة، أحدها سقوط التقنية الأمريكية في يد واحد من أشد الأعداء.

ثمة قصة مثيرة للاهتمام في هذا السياق: في 14 مارس 2023م كانت طائرة ريبر تنفذ مهمة استخباراتية واستطلاعية فوق البحر الأسود لدعم أوكرانيا، عندما تعرضت لحادثة وجه الأمريكيون فيها أصابع الاتهام إلى روسيا، قائلين  إن طائرة مقاتلة روسية اعترضتها وأسقطتها في الماء.

أدت هذه الحادثة إلى تصعيد التوترات بين روسيا والولايات المتحدة، وزاد من ذلك مخاوف واشنطن من وصول موسكو إلى حطام الطائرة، وقد صرح حينها الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إن الطائرة بدون طيار تحطمت على الأرجح أثناء الحادث وكانت على عمق يتراوح بين 4000 و5000 قدم تحت سطح الماء. وأضاف أن الولايات المتحدة اتخذت تدابير مخففة لمنع فقدان أي معلومات استخباراتية حساسة، بينما أعلن منسق اتصالات الأمن القومي جون كيربي إن بلاده اتخذت التدابير اللازمة لمنع سقوط حطام دروناتها الجوية من طراز MQ-9 في أيد غريبة، أما روسيا فهرعت إلى مكان سقوط الطائرة في غضون أربعة وعشرين ساعة بحثا عن الحطام.

إن إسقاط 8 طائرات أمريكية بدون طيار في اليمن خلال فترة 10 أشهر، من شأنه أن يوفر الكثير من الحطام والكثير من المعلومات الاستخباراتية.

في يونيو الماضي كتب معهد تاسارا غراد الروسي إن العمليات اليمنية أظهرت أن الولايات المتحدة ليست غير قابلة للهزيمة، وهي تفقد أفضل أسلحتها، ويمكن الاستفادة من القوات المسلحة اليمنية في تطهير سماء البحر الأسود من الطائرات بدون طيار الأمريكية والبريطانية.

وقال المعهد: لا شك أننا يجب أن نعترف بأننا بالتأكيد بحاجة إلى التعلم من مهارات أنصار اللخ في اليمن، لقد فعلوا ما كان يعتبر مستحيلاً في السابق، خاصة بالنسبة لجيش لا يملك تمويلاً خارجياً.

 

ثمة شيء آخر يتعين على الولايات المتحدة أن تضعه في الحسبان.. من سيشتري إم كيو ناين بعد اليوم؟..

ربما ستحتاج إلى حملات واسعة من العلاقات العامة لإخفاء آثار أفعال اليمن، وإدعاء وجود ترقيات إلى هذا النوع من أنظمة الطيران، وربما ستشترط  أن تكون الصفقات الأخرى مصحوبة بصفقة إم كيو ناين، على غرار العروض التجارية للمواد التي اقتربت نهاية صلاحيتها

 

  

 

مقالات مشابهة

  • اليمن يكتب نهاية عصر الطائرات الأمريكية (MQ9)
  • قائد “آيزنهاور” الأمريكية يعترف: “زمن الأمان لحاملات الطائرات قد ولى”
  • بعد رومانيا.. لاتفيا تعلن انتهاك طائرة روسية بدون طيار لمجالها الجوي
  • قائد آيزنهاور: حاملات الطائرات لم تعد في مأمن من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة
  • قائد آيزنهاور: حاملات الطائرات لم تعد في مأمن من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة اليمنية
  • قائد آيزنهاور: حاملات الطائرات لم تعد في مأمن من الصواريخ والطائرات المسيرة
  • بلومبرغ: أمريكا تخسر معركة البحر الأحمر أمام الحوثيين وتكشف ضعفها العسكري
  • لقطات لطائرة بدون طيار نشرها الجيش الأمريكي تظهر احتراق ناقلة النفط سونيون في البحر الأحمر
  • الجيش الأمريكي يعلن تدمير طائرة مسيرة ومركبة تابعة للحوثيين
  • أزمة البحر الأحمر تضاعف ميزانية الاستثمار للمصدرين الروانديين