هكذا خرج مهندس فلسطيني من معتقل سدي تيمان الإسرائيلي؟
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
عاد معتقل "سدي تيمان" الإسرائيلي سيئ السمعة إلى الواجهة الإعلامية مع الإفراج عن المهندس الفلسطيني فتحي عبد العال بعد اعتقال دام 7 أشهر، حيث خرج مضطربا عقليا من السجون الإسرائيلية.
وكانت قصة عبد العال طي الكتمان، بسبب فقدانه لتوازنه العقلي وعدم قدرته على نقل تفاصيل معاناته التي عاشها في السجون.
وتروي آثار التعذيب التي بدت على جسد عبد العال بعضا من قصته، حيث تعرض لشتى أنواع التعذيب خلف قضبان الجيش الإسرائيلي في ظل تعتيم إعلامي شديد.
وبعد مرور 6 أيام على الإفراج عنه، لم يُعرف بعد مكان اعتقاله وما إذا كان في سجن سدي تيمان أو غيره، إلا أن المؤسسات الحقوقية تؤكد تعرض الفلسطينيين في كافة السجون للتعذيب النفسي والجسدي، منها التعنيف والتحرش الجنسي.
وعبد العال ليس الحالة الوحيدة الذي خرج بهذا الشكل من سجون الاحتلال، فقد وُثقت حالات أخرى أبرزها بدر دحلان، الذي خرج من السجون الإسرائيلية بعيون جاحظة وذهن شارد.
ظروف اعتقال قاسيةويواجه المعتقلون الفلسطينيون ظروف اعتقال قاسية في معتقل سدي تيمان، حيث قدمت 5 جمعيات حقوقية إسرائيلية التماسا إلى المحكمة العليا لإغلاق السجن على الفور، بحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية.
وما زالت المحكمة تنظر في الالتماس، رغم إعلان الحكومة عن تخفيف ظروف الاعتقال في السجن، وهو ما لم تؤكده المؤسسات الحقوقية.
ومن جهة أخرى، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن 36 أسيرا فلسطينيا قتلوا في "سدي تيمان" منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي قطاع غزة، جلس عبد العال داخل خيمة صغيرة جنوب القطاع، متمتما بكلمات غير مفهومة بعدما انقلبت حياته رأسا على عقب بسبب التعذيب في السجون الإسرائيلية.
وروت عائلته أن خريج كلية الهندسة الكهربائية المتفوق الذي كان يخطط لمستقبل واعد، تحول إلى شاب مضطرب عقليا بعدما قضى 7 أشهر في السجون، تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب.
وبعد الإفراج عنه في 25 يوليو/تموز الجاري، كانت آثار التعذيب واضحة على جسده النحيل، وفقا لعمه إياد.
آثار التعذيبوقال إياد عبد العال إن العائلة كانت تجهل مصير فتحي بعد اختطافه واعتقاله دون علمها، فقد نزحت العائلة من بيت لاهيا إلى مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا وتعرضت المدرسة للقصف 4 مرات، ثم انتقلت العائلة إلى عيادة معسكر جباليا حيث انفصلت الأسر.
وبعد أيام من النزوح، تلقوا نبأ استشهاد فتحي، وتم دفن جسد اعتقدوا أنه يعود له، ولكن في 25 يوليو/تموز فوجئوا بإطلاق سراحه ونقله لمجمع ناصر الطبي بحالة نفسية وصحية صعبة للغاية.
ومن جانبه، قال ابن عمه براء إن فتحي يعاني في الوقت الحاضر من هذيان مستمر ويشبه في تصرفاته سلوك الأطفال، إثر ما تعرض له من تعذيب على يد الجنود الإسرائيليين.
لم يعد فتحي يتحدث بشكل مفهوم ويتصرف كالأطفال الصغار منذ خروجه من السجن. ويعيش فتحي الآن مع عائلة عمه إياد جنوب القطاع، بينما لا تزال عائلته في شمال القطاع.
ورغم أن حالته تتطلب رعاية طبية متخصصة، تحاول العائلة توفير الرعاية النفسية والجسدية له قدر استطاعتها.
وخلال الأشهر الماضية، أطلق الجيش الإسرائيلي سراح عشرات المعتقلين الفلسطينيين من غزة، ومعظمهم عانوا من تدهور في أوضاعهم الصحية والنفسية.
ومنذ بدء العملية البرية في غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعتقل الجيش آلاف الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال وعاملون في الطواقم الصحية والدفاع المدني، ولا يزال مصير العديد منهم مجهولا.
وكشفت منظمات حقوقية ووسائل إعلام إسرائيلية عن تعرض معتقلين فلسطينيين من غزة لتعذيب وإهمال طبي، مما أدى إلى وفاة العديد منهم في منشآت الاعتقال الإسرائيلية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات سدی تیمان عبد العال
إقرأ أيضاً:
حطام غزة في الزنازين.. كيف تعذب إسرائيل الأسرى بالصور؟
في السجون الإسرائيلية، حيث يُحتجز آلاف الأسرى الفلسطينيين بعيدًا عن أهلهم وأرضهم، لم تكتفِ سلطات الاحتلال بالقيد الحديدي والعزل القاسي، بل أضافت إليه قيدًا من نوع آخر: صور الدمار في غزة، معلّقة أمام أعينهم.
ففي خطوة شديدة الرمزية والقسوة، أقدمت سلطات الاحتلال على تعليق صور الدمار في غزة داخل زنازين الأسرى الفلسطينيين. هذه الخطوة، رغم بساطتها الشكلية، تُشكّل مادة تحليل إعلامي غنيّة، تكشف عن طبيعة الخطاب الإسرائيلي في تعاطيه مع الرواية الفلسطينية، وتوظيفه للصورة كأداة عقابية وحربية بامتياز.
وقد كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن قيام مصلحة السجون الإسرائيلية بتعليق صور الخراب الواسع في قطاع غزة داخل السجون، كجزء من حرب نفسية ممنهجة ضد الأسرى الفلسطينيين، وخاصة أولئك الذين شاركوا في هجمات 7 أكتوبر. ووفق الصحيفة فإن مصلحة السجون الإسرائيلية تهدف من تعليق هذه الصور إلى تقويض الشعور بالبطولة والتعاطف.
في هذا التقرير، سنسعى إلى تحليل هذه الممارسة من حيث بعدها القانوني والإنساني والسياسي، وقراءة الصورة لا كمجرد وثيقة بصرية، بل كأداة هيمنة، وكشفٍ إضافي عن عقلية الاحتلال التي تُحيل الرموز إلى أدوات تعذيب، وتُسخّر الصورة – في زمن العتمة – لتكون أداة إذلال لا تختلف كثيرًا عن أدوات القمع التقليدية.
إعلانفقد يبدو الفعل بسيطًا في ظاهره، لكنه يكشف عن طبقة عميقة من استخدام "الصورة" كأداة حرب باردة، تمارس تأثيرها في الظل، بصمت مدروس، وبلغة تتقنها آلة الاحتلال: لغة الإذلال البصري.
لطالما شكّلت الصورة أداة مركزية في تشكيل الرأي العام وصناعة الوجدان. لكن حين توجَّه الصورة إلى الأسرى، داخل مساحة معزولة ومجردة من الحركة، فإنها تتحوّل من وسيلة تواصل إلى أداة قهر. تعليق صور الدمار – وفي الغالب صور من منازل مهدّمة، شوارع محروقة، ووجوه مذهولة – لا يهدف إلى تذكير الأسرى بواقعهم فحسب، بل إلى تأنيبهم، وتحطيمهم نفسيًا، وربما دفعهم إلى الشعور بالعجز المزدوج: عجز القيد، وعجز عدم القدرة على حماية أحبّتهم خارج القضبان.
تحاول إسرائيل عبر هذا الفعل ترسيخ الإحساس بالعجز والقهر داخل نفوس الأسرى، وكأنها تقول: "نُحطّم الخارج وأنتم عاجزون في الداخل"، في محاولة لإضعاف معنوياتهم، وخلق رابط مؤلم بين معاناتهم الشخصية وما يجري خارج القضبان.
الحرب النفسية عبر الجدرانفي أدبيات الحرب النفسية، تُستخدم الرموز والبصريّات لتقويض العزيمة، ولزرع الهزيمة في النفس قبل أن تقع في الميدان. وهنا، تتحول جدران الزنزانة إلى شاشة عرض دائمة، معلّقة عليها شهادة بالصمت: غزة تُدمّر، وأنتم في الداخل. وهذا يتجاوز العقوبة الجسدية أو العزلة إلى فضاء رمزي خطير، يوظّف الصورة كوسيط تعذيب متواصل.
لا تأتي هذه الصور محايدة، بل مشحونة برسائل مضمَرة. تريد إسرائيل أن تُظهر نفسها كقوة لا تُقهر، وكأنها تقول للأسرى: "حتى وأنتم في القيد، نلاحقكم بالهزيمة". هذه ليست مجرد صور، بل نصوص بصرية مسيّسة، موجّهة نحو الداخل الفلسطيني، ومحمّلة بإشارات سياسية: "هذه غزتكم… وهذا مصير من يقاوم".
منطق العقاب الجماعي المركّبإذا كان الحصار والدمار في غزة يُمثّلان وجهًا ماديًا للعدوان، فإن تعليق الصور داخل السجون يُمثل الوجه الرمزي له. تُعاقب غزة بالسلاح، ويُعاقَب الأسرى بالصور، ما يُشكل نوعًا من "العقاب الجماعي المركّب"، حيث يتحوّل الدمار إلى مادة دعائية هدفها تجريد الإنسان الفلسطيني من قدرته على الأمل أو المقاومة النفسية. ولا يمكن فصل هذا الفعل عن استراتيجية إسرائيل في معاملة الفلسطينيين بمنطق العقوبة الجماعية. فغزة محاصَرة بالقصف، والضفة محاصَرة بالحواجز، والأسرى محاصرون بالحرمان – وها هم اليوم يُحاصرون أيضًا بالصور. صور تشهد على حرب لا يعيشونها بأجسادهم، لكنهم يُجبرون على استيعابها بعقولهم، كأنها امتداد للعقوبة، أو مرآة للجرح الممتد.
بموجب القانون الدولي، يُعد عرض صور الدمار أمام الأسرى لأغراض الإذلال أو التحطيم النفسي انتهاكًا واضحًا لاتفاقيات جنيف، لا سيما المادة 3 المشتركة بين الاتفاقيات الأربع، والتي تحظر "المعاملة القاسية والمهينة والحاطة من الكرامة الإنسانية" للأشخاص المحتجزين أثناء النزاعات المسلحة. كما تنص اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب على ضرورة "احترام شرفهم وكرامتهم" وحمايتهم من أي نوع من أنواع الدعاية أو الاستغلال النفسي.
إعلانوعليه، فإن تعليق صور القصف والدمار أمام الأسرى أو عرض مقاطع مصورة لدمار منازلهم وأحيائهم يمكن أن يُفسّر كـ "شكل من أشكال المعاملة المهينة والانتهاك المتعمّد للحالة النفسية للأسرى"، ما يُعدّ إخلالًا بالتزامات إسرائيل كقوة احتلال وفق القانون الدولي الإنساني.
المحاسبة على هذه الأفعال قد تتم عبر آليات متعددة، منها:
الآليات التعاقدية الدولية كرفع شكاوى إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة. المحكمة الجنائية الدولية إذا وُصفت الانتهاكات بأنها ممنهجة وترقى إلى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مثل المقرّر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة.ورغم صعوبة محاسبة إسرائيل فعليًا بسبب الحماية السياسية والدبلوماسية التي تحظى بها، إلا أن توثيق مثل هذه الانتهاكات ضروري جدًا لتثبيت الأدلة وفتح المسارات القضائية مستقبلًا، سواء في المحاكم الدولية أو ضمن آليات العدالة الانتقالية لاحقًا.
معركة الرموز لم تنتهِما جرى في السجون الإسرائيلية، ليس تفصيلًا عابرًا، بل تكتيكًا محسوبًا في الحرب الشاملة على الوعي الفلسطيني. تعليق الصور في الزنازين هو صورة مصغّرة عن المعركة الأكبر: معركة الرواية، معركة المعنى، معركة الذاكرة. وكما تقصف إسرائيل البيوت، فإنها تقصف الخيال أيضًا – بالصور، بالرموز، وبالألم.
وهذا الأمر هو سلوك إسرائيلي منهجي في اعتماد التعذيب، فقد أفادت صحيفة الجيروزاليم بوست في فبراير/ شباط الماضي بأن السلطات الإسرائيلية عرضت مقاطع فيديو تُظهر الدمار في غزة للأسرى الفلسطينيين قبيل الإفراج عنهم، كجزء من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، ووفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فقد تم حينها إعداد مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق من قبل مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع مصلحة السجون، يُظهر حجم الدمار في قطاع غزة، وتم عرضه على الأسرى الفلسطينيين قبل إطلاق سراحهم.
وأثارت هذه الخطوة انتقادات من منظمات حقوق الإنسان، التي اعتبرتها جزءًا من سلسلة من الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية. ووثقت تقارير متعددة حالات تعذيب وسوء معاملة للأسرى، بما في ذلك الضرب، التجويع، والإهمال الطبي.
إعلانبالإضافة إلى ذلك، أصدرت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في أغسطس/ آب 2024 تقريرًا بعنوان "مرحبًا بكم في الجحيم"، يوثق الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023، بما في ذلك الضرب، الحرمان من الطعام والماء، والاعتداءات الجنسية.
وتُضاف هذه الممارسات إلى سجل طويل من الانتهاكات التي وثقتها منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، والتي دعت إلى إجراء تحقيقات دولية مستقلة في هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.
اختراق وجدان الضحيةليست هذه الصور الجديدة سلوك إسرائيلي عابر، بل سلاح جديد في معركة نفسية قاسية، تُشنّ على أسرى عزل، بوسائل صامتة، لكنها موجعة. وهو فعلٌ يتجاوز البعد الأمني، ليتحول إلى رسالة سلطوية ذات طابع سياسي وحقوقي ورمزي، تحمل مضمونًا قاسيًا مفاده: "نقصف الخارج، ونؤدب الداخل، ونُريكم أن لا شيء خارج قبضة الردع".
إن تعليق صور التدمير والخراب داخل زنازين الأسرى هو فعل سياسي بامتياز، لكنه يُمارَس عبر وسيلة إعلامية: الصورة. وبهذا المعنى، يمكن فهمه كجزء من الحرب الإعلامية التي تخوضها إسرائيل ضد الوعي الفلسطيني، ليس فقط من خلال الرواية الكبرى التي تنشرها، بل أيضًا عبر التفاصيل اليومية الصغيرة التي تهدف إلى اختراق وجدان الضحية وتحطيمه من الداخل.
وختاما يمكن القول إن ما تفعله إسرائيل هو البروباغندا الصامتة، فهذه الصور ليست موجهة فقط للأسرى، بل أيضًا لمن يسمع بالخبر أو يراه في الإعلام. تريد إسرائيل أن تُعلن انتصارًا رمزيًا مزدوجًا: نحن نحاصر الداخل (غزة) ونقمع العمق الرمزي (الأسرى). إنها حرب دعائية لا تُقال بالكلام، بل تُعلّق في صمت على الجدران، كأقسى منشورات الحرب النفسية.