عربي21:
2024-11-25@18:10:42 GMT

هنيّة الذي صنع من الدّين ثورة

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

لم تكن شهادة القائد إسماعيل هنيّة شهادة لزعيم فلسطينيّ رغم المكانة العالية لهذا الامر، لكنّ هذه الشهادة جاءت عابرة لكلّ الحدود والشعوب الحرّة عربيّة وإسلامية وغير ذلك، تخطّت بعدها المحلّي والإقليمي وذهبت للعالميّة بكلّ جدارة، جاءت مؤثّرة ومثوّرة وفاعلة وناهضة وصانعة للمجد والصعود الحضاري وسبق فعلها قولها ثم تُوّج بالشهادة لتكون منارة خالدة تنير الطريق لخلاص أمّة طال عليها أمد التخلف والهوان، ولتفتح طريق الحرية والعزّة والتمكين بل والسيادة الحضاريّة بكلّ أبعادها العظيمة.



سأحاول ألا يكون كلامي عاطفيّا أو أدبيّا إنشائيا، بل أن أعطي أثر هذا الرجل ودوره في صناعة هذا التحوّل الكبير الذي من شأنه أن يصنع التغيير الحقيقي الذي يغيره الله في مسارات الأمم إن هم غيّروا ما بأنفسهم على قاعدة "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم".

لقد أتقن هنيّة والفريق الذي معه التغيير الحقيقي في فهم الدين فهما عمليا حركيّا ثوريا، لقد نجحوا في إحداث هذه النقلة النوعيّة التي تجعل الدين صانعا للذات الثوريّة والمجتمع الثوري والمقاومة التي تجيد حمل الثورة بكل تضحية وفداء واستبسال، لقد نجحوا أيما نجاح في فهم الدور الكامل للدين غير منقوص ولا مقزّم ولا مسقوف، بل الفهم الذي يطلق له العنان ويجعله ينتج كل ثماره المطلوبة، صفقة واحدة: الأخلاق والإصلاح الاجتماعي، وتحرير الذات وإعلاء قيم الحرية والكرامة والسيادة، ومحاربة الظلم والفساد ومواجهة طاغوت الاحتلال وجبروت الظالمين.

هنيّة والفريق الذي معه التغيير الحقيقي في فهم الدين فهما عمليا حركيّا ثوريا، لقد نجحوا في إحداث هذه النقلة النوعيّة التي تجعل الدين صانعا للذات الثوريّة والمجتمع الثوري والمقاومة التي تجيد حمل الثورة بكل تضحية وفداء
لذلك، فإن هنيّة وجد نفسه وهو في بداية شبابه أمام ثقافتين: ثقافة تهمّش الدين وتحصره في مجالات ضيّقة أو تفتح له ملعبا صغيرا، لا شأن له في السياسة وظلم الاحتلال ونهضة الأمّة وصولا إلى سيادتها الحضارية وإنقاذها من براثن التخلّف، والبقاء في مؤخرة الأمم راضية بأن تكون عالة أو يتيمة على موائد اللئام.. وثقافة تعطي الدين دوره الكامل كمنهج حياة وذي قدرة على الإصلاح والتغيير والنهوض الحضاري، وذي قدرة أيضا على الوقوف في وجه الباطل والانتصار عليه، دين ينتج ثورة ويعلي شأن الحريّة والتحرير والعزّة والتمكين وألا نرضى الدنيّة في ديننا؛ لأنه دين يضع أتباعه في مكانة الأعلون ولا يرضى لهم أن يكونوا اليد السفلى بأيّ حال من الأحوال.

بعد هذه الفهم الثوري الشامل للدين بدأ العمل على أن يكون واقعا بل ونموذجا حيّا لهذا الفهم العظيم للدّين، ونذر نفسه لهذا الطريق الذي يعلم مسبقا كم هو شائك وصعب ومكلف، بل استعدّ ومن معه لدفع تكلفته مهما كانت باهظة، استعدّوا لهذا الطريق روحيّا ونفسيّا وبنوا عقيدة قتالية على هذا الأساس، وفي ذات الوقت انتهجوا خطّ الإعداد المادّي بكلّ متطلباته من إمكانيّات وخبرات، شقّوا طريقهم من الصفر إلى النهاية العظيمة التي تغلّبوا فيها على العقل الغربي والصهيوني؛ والذي كان من تجلياته المذهلة التي أذهلتنا وأذهلت العالم يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لقد صدّروا للعالم وبالذات العالم الإسلامي نموذجا مختلفا للدين الذي كان سائدا بحيث لا يعطي عُشر منتوجه، فإذا بالعالم يرى نموذجا دينيا يعطي كلّ ثمراته العظيمة من غير أن يُبقي منها شيئا. لقد نجحوا ماديّا كما نجحوا روحيا وفكريا وعقائديّا، وهذا هو المختلف عن كلّ التنظيرات التي لا رصيد لها في التغيير الحقيقي في حياة البشر.

كان بإمكان هنيّة ومن معه أن يسلكوا طريق الدين بعيدا عن منتوجه الثوري، يخرجون للناس بكلّ أناقة فكرية وطلاقة لسانيّة، ويعطّروا خطابهم بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ويكيل لهم الناس الثناء والمديح والإطراء، كما يفعل كثير من دعاة الإسلام الطيّبين الناعمين الذين لا يزعجهم الاحتلال والظلم والفساد الرابض على صدور شعوبهم؛ مثلما يزعجهم ترك الناس لسنّة السّواك مثلا أو صلاة ركعتي تحيّة المسجد (وأنا لا أقلل من أهمّيتها ولكن مع وضعها ضمن فقه الأولويات)، هؤلاء قد يُنتج "فهمهم للدين" كلّ شيء إلا الثورة فيبقوا على مساحة آمنة بينهم وبين الظالمين والمستبدّين والمحتلّين والغاصبين لحقوق شعوبهم، بينما فهم هنيّة ومن معه للدين هو الذي ينتج ثورة ويرتّب الأمور وفق أولوياتها الصحيحة.

لذلك فإنّ شهادة هنيّة تشكّل منارة عالية للأمة ولكل أحرار العالم لتريهم من خلال نموذج عمليّ: الدين الذي يصنع ثورة. بعد هذه الشهادة على العالمين لم يبق هناك مبرّر للدعاة الذين يستثنون من خطابهم كيف يصنع الدين الثورة، كيف يحرّر الدين الناس ويجعل من شعوبهم شعوبا حرّة، شعوبا لا ترضى بأن تسلب كرامتها أو تصادر ثرواتها أو تنزع العدالة من حياتها، شعوبا لا ترضى بأن يكون الدين تخديرا لكرامتها وصامتا أمام مصادرة حريّتها.

ظهرت الأنظمة الفاسدة وهي تذلّل رقاب شعوبها للهيمنة الأمريكيّة والتفوّق الأوروبي الاستعماري الفظيع أمام شعوبها وأمام فهمها الصحيح لدينها، لذلك فإننا وجدنا دولا وزعامات تدّعي أنها عربيّة ولكنها تقف مع المحتلّ للقضاء على المقاومة الفلسطينية، لماذا؟ ببساطة لأنها تصدّر الخطاب الديني الثوري الذي يضع هذه الدول في خطر أمام ثورة شعوبها وأمام التزامها لراعي عروشها
لقد أبدع هنيّة ومن معه في تصدير خطاب ثوري للدين يصدّر للناس الثورة، لقد أبدع بعد الخطاب في صناعة النموذج، وأيّ نموذج صنع؟ منذ السابع من أكتوبر والعالم يشاهد هذه التجليات لهذا الدين العظيم الذي يحارب كلّ باطل العالم بكلّ جبروته الماديّ وطغيانه الأخلاقيّ، بإمكانات بسيطة، بأيدي رجال حملوا هذه العقيدة كشفوا حقيقة الإجرام العالمي بكلّ ما يحمل من شرّ وروح تحمل الإبادة الجماعية مبدأ وعقيدة. تشاهد البشريّة اليوم صورة البشريّة بأبشع صورها الكاذبة المخادعة والمجرمة الباطلة، وصورة مقابلة للحق عندما تحمله ثلّة من البشر ويستعدّون لكلّ أشكال التضحية والفداء بأعظم وأبهى الصور في مقارعة هذا الشرّ العالمي المقيت.

لقد أبدع هنيّة ومن معه في وضع الأمتين العربية والإسلامية أمام دينهم، الدين الذي لا يرضى بمصادرة الحرية والتبعية والذلّ وسيطرة المستعمر وغطرسة أهل الباطل مهما كان لونهم أو كانوا من الداخل أو الخارج. لقد ظهرت الأنظمة الفاسدة وهي تذلّل رقاب شعوبها للهيمنة الأمريكيّة والتفوّق الأوروبي الاستعماري الفظيع أمام شعوبها وأمام فهمها الصحيح لدينها، لذلك فإننا وجدنا دولا وزعامات تدّعي أنها عربيّة ولكنها تقف مع المحتلّ للقضاء على المقاومة الفلسطينية، لماذا؟ ببساطة لأنها تصدّر الخطاب الديني الثوري الذي يضع هذه الدول في خطر أمام ثورة شعوبها وأمام التزامها لراعي عروشها.

لقد أبدع هنية ومن معه في وضع الأمّة أمام مسئوليتها الدينيّة دون مواربة أو دجل أو تزييف، وإن الشهادة تبقى منارة ترشد على طريق الدين الذي يصنع الثورة والتحرير.

وتُختم القصّة المعروفة: "ولمّا لم يستطع قتل الغلام دلّه الغلام على طريقة قتله: ارمني بسهم وقل: باسم ربّ هذا الغلام أقتل هذا الغلام. فلمّا فعل وقتله، علم الناس أن لهم ربّا وإلها غيره، فقالوا: آمنا بربّ هذا الغلام".

أيتها الشعوب العربيّة لكم ربّ وإله غير هؤلاء الحكّام.

روح الشاهد والشهيد إسماعيل هنيّة وكلّ شهداء فلسطين تقول لكم: تحرّروا وانظروا في فهم دينكم فهما قويما واعلموا أنّما إلهكم إله واحد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدين الثورة الفلسطينية هنية فلسطين هنية الثورة الدين مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ة التی فی فهم

إقرأ أيضاً:

ثورة طبية.. الذكاء الاصطناعي يضمن الجراحة في 10 ثوان

طور فريق من الباحثين في جامعة ميشيغان وجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة نموذجا مدعوما بالذكاء الاصطناعي يمكنه في مدة 10 ثوان من تحديد إذا ما كان أي جزء من ورم المخ السرطاني الذي يمكن إزالته قد بقي أثناء الجراحة، ونشرت نتائج الابتكار الجديد بمجلة نيتشر في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

تفوقت التكنولوجيا المسماة "فاست غلايوما" (FastGlioma) على الطرق التقليدية لتحديد ما تبقى من الورم بهامش كبير. فعندما يقوم جراح الأعصاب بإزالة ورم يهدد الحياة من دماغ المريض، نادرا ما يكون قادرا على إزالة الكتلة بأكملها. وفي كثير من الأحيان، يتم تفويت بعض الخلايا سرطانية أثناء العملية لأن الجراحين غير قادرين على التمييز بين أجزاء الدماغ السليمة وبقايا الورم في التجويف حيث تمت إزالة الكتلة. وتظل قدرة الورم المتبقي على التشابه مع أنسجة الدماغ السليمة تحديا كبيرا في الجراحة.

وتستخدم فرق جراحة الأعصاب طرقا مختلفة لتحديد موقع الورم المتبقي أثناء العملية. وقد يحتاجون لإجراء تصوير بالرنين المغناطيسي، الأمر الذي يتطلب آلات جراحية غير متوفرة في كل مكان. وقد يستخدم الجراح أيضا عامل تصوير فلوريا لتحديد أنسجة الورم، وهو أمر غير قابل للتطبيق على جميع أنواع الأورام.

أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي أحد الطرق في تشخيص الأمراض ومعالجتها (شترستوك) الإمساك بالخلايا السرطانية المتبقية

قال الباحث في هذه الدراسة تود هولون، الحاصل على الدكتوراه في الطب، وجراح أعصاب في جامعة ميشيغان هيلث والأستاذ المساعد في جراحة المخ والأعصاب في كلية الطب بجامعة ميشيغان -وفقا لموقع يوريك أليرت- "فاست غلايوما هو نظام تشخيصي قائم على الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تغيير مجال جراحة المخ والأعصاب من خلال تحسين الإدارة الشاملة للمرضى المصابين بأورام المخ المنتشرة على الفور".

وفي هذه الدراسة الدولية للتكنولوجيا -التي يقودها الذكاء الاصطناعي- قامت فرق جراحة الأعصاب بتحليل عينات طازجة غير معالجة تم أخذها من 220 مريضا خضعوا لعمليات جراحية لورم دبقي منتشر.

وتمت مقارنة العمليات الجراحية الموجهة بتنبؤات فاست غلايوما أو الموجهة بالصور والفلورسنت، فشلت تقنية الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الورم المتبقي عالي الخطورة بنسبة 3.8% فقط، مقارنة بمعدل خطأ يبلغ حوالي 25% في الطرق التقليدية.

الذكاء الاصطناعي في خدمة مرضى السرطان

لم تتحسن معدلات الورم المتبقي بعد جراحة الأعصاب على مدى السنوات العشرين الماضية. فقد لا يؤدي الورم المتبقي إلى انخفاض جودة الحياة والوفاة المبكرة للمرضى فحسب، بل إنه يزيد الأعباء على نظام صحي يتوقع إجراء 45 مليون عملية جراحية سنوية في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030.

أوصت مبادرات السرطان العالمية بدمج التقنيات الجديدة، بما في ذلك الأساليب المتقدمة للتصوير والذكاء الاصطناعي، في جراحة السرطان.

لا يعد فاست غلايوما أداة يمكن الوصول إليها وبأسعار معقولة لفرق جراحة الأعصاب التي تعمل على الأورام الدبقية فحسب، بل يقول الباحثون إنه يمكنه أيضا الكشف بدقة عن الورم المتبقي للعديد من تشخيصات الأورام غير الدبقية، بما في ذلك أورام المخ عند الأطفال، مثل الورم النخاعي والورم البطاني، والأورام السحائية.

مقالات مشابهة

  • “الدعم السريع” تتهم الجيش السوداني بالاستعانة بخبراء من «الحرس الثوري» الإيراني .. أعلنت تدمير طائرات ومسيّرات حربية شمال أم درمان
  • كيف تُحدث منصات التداول الرقمية ثورة في العالم العربي؟
  • ثورة طبية.. الذكاء الاصطناعي يضمن الجراحة في 10 ثوان
  • هل يعتد بالتسجيلات الهاتفية لإثبات الدين أمام القضاء؟
  • الحسيني ينتقد الاتفاقيات الأمنية مع إيران ويتهم الحرس الثوري بخرقها
  • في شهرها العشرين وقف الحرب واستدامة الديمقراطية؟
  • حكم الشرع في الدين الذي تم التنازل عنه بسبب الوفاة.. دار الإفتاء ترد
  • ثورة جديدة: بلاستيك يتحلل في مياه البحر بسهولة!
  • مجدرة سياسية / هبة عمران طوالبة 
  • قائد الحرس الثوري الإيراني: قطعاً سننتقم من إسرائيل