أبيلين، البلدة الصغيرة في ولاية تكساس التي ارتبط تاريخها بالغرب الأميركي القديم، تشهد حاليًا تحولًا تقنيًّا جذريًّا. فقد أعلنت شركتان رائدتان في المجال، وهما شركة "لانسيوم" وشركة "كروسو إنرجي سيستمز"، عن اتفاقية بمليارات الدولارات لإنشاء مركز بيانات بقدرة 200 ميغاوات في ضواحي البلدة.

تلك المُنشأة الجديدة، المُصممة لخدمة احتياجات شركات الذكاء الاصطناعي، تمثل نقلة نوعية في عمل الشركتين بمجال تعدين عملات البتكوين المتراجع إلى الدخول لمجال الذكاء الاصطناعي الذي ينمو بوتيرة متسارعة، حسبما أشار تقرير في "سي إن بي سي".

عصر مراكز البيانات

أفادت آلي فين، رئيسة شركة "لانسيوم"، لشبكة "سي إن بي سي" بأن مركز البيانات الجديد عند الانتهاء منه سيكون من "أكبر مجمعات مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في العالم".

كما أضاف تشيس لوكميلر، الرئيس التنفيذي لشركة "كروسو إنرجي"، أن "مراكز البيانات تتطور بوتيرة متسارعة لتلبية الاحتياجات الحديثة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يتطلب مستويات جديدة من كثافة المساحة والتبريد السائل المباشر لرقائق المعالجة ومتطلبات الطاقة الهائلة".

يشير التقرير إلى أن الشركات التي تعمل في تعدين عملة البتكوين، بما تمتلكه من مراكز بيانات ضخمة وإمدادات طاقة واسعة، تتمتع بمكانة فريدة للتحول إلى البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، إذ جاء هذا التحول استجابةً للضغوط المالية الناتجة عن الانخفاض الأخير لقيمة البتكوين في حدث "التنصيف" (Halving).

وهو حدث يتكرر كل 4 أعوام ويتسبب في تقليص الإيرادات من تعدين العملة المشفرة إلى النصف، مما دفع تلك الشركات أو الأشخاص للبحث عن مصادر جديدة للدخل.

ليست "لانسيوم" و"كروسو" الوحيدتين اللتين تتبنيان هذا التحول الإستراتيجي حاليا، فقد وصلت القيمة السوقية لأكبر 14 شركة تعدين لعملة بتكوين في الولايات المتحدة إلى 22.8 مليار دولار في منتصف يونيو/حزيران وفقا لتقرير من بنك "جي بي مورغان"، مما يعكس الاهتمام المتزايد بمجال الذكاء الاصطناعي.

شركات مثل "بيت ديجيتال" و"هوت8″ تحقق بالفعل إيرادات كبيرة من الذكاء الاصطناعي؛ تحصد "بيت ديجيتال" الآن 27% من إيراداتها بفضل عملها في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد إبرام صفقة مربحة لتوريد وحدات معالجة الرسوميات من شركة إنفيديا، وهي صفقة تتوقع منها تحقيق إيرادات 92 مليون دولار سنويا.

وتدفع الشركة ثمن وحدات المعالجة العامة -جزئيا- من خلال تصفية بعض ممتلكاتها في مجال العملات المشفرة. وفي نفس السياق، جمعت "هوت8" مبلغ 150 مليون دولار لتوسيع مراكز بياناتها الموجهة للذكاء الاصطناعي، كما أشار التقرير.

كذلك شركة "كور ساينتيفيك"، التي خرجت من حالة الإفلاس في يناير/كانون الثاني هذا العام، شهدت تحولًا كبيرًا بفضل مشاريعها في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد تمت ترقية أسهم الشركة مؤخرًا، وارتفعت قيمتها إلى نحو ملياري دولار بعد عقد صفقات كبيرة مع شركة "كور ويف" وهي شركة ناشئة مدعومة من إنفيديا.

معهد بحوث الطاقة الكهربائية يُقدّر أن مراكز البيانات قد تستهلك حتى 9% من إجمالي الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2030 (الأناضول) الطاقة المتجددة

تقنيات شركة "كروسو إنرجي"، التي تحول الطاقة المهدرة إلى مورد ذي قيمة، ارتبطت طويلا بتعدين عملة البتكوين، ولكن كانت رؤية الشركة دائما تتضمن بنية تحتية للذكاء الاصطناعي منذ تأسيسها قبل 6 أعوام، كما يذكر التقرير.

ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل المنشأة الجديدة في مدينة أبيلين بحلول عام 2025، بالاعتماد في الأساس على مصادر الطاقة المتجددة، إذ تضمن تقنيات تنظيم الطاقة الخاصة بشركة لانسيوم أن مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي ستدعم شبكة الطاقة عبر موازنة مصادر الطاقة المتغيرة مثل طاقة الرياح والشمس.

إستراتيجية لانسيوم تطورت من تعدين البتكوين إلى الذكاء الاصطناعي، مدفوعة بالحاجة إلى حلول طاقة قابلة للتوسع ومستدامة وفعالة من حيث التكلفة. تتيح تقنيتهم -الحاصلة على براءة اختراع- تعديلات سريعة في الطلب على الطاقة، وهو أمر مهم لموازنة شبكات الطاقة المتجددة، حسبما ذكر التقرير.

التحول من تعدين البتكوين إلى الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تحول تقني، بل هو أيضًا تحدي للطاقة، إذ يُقدّر معهد بحوث الطاقة الكهربائية أن مراكز البيانات قد تستهلك حتى 9% من إجمالي الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2030، بزيادة نحو 4% عن عام 2023.

هذه الزيادة تدفع الشركات لاستكشاف إمكانية الاستفادة من الطاقة النووية كمصدر طاقة مستدام لأحمال تشغيل الذكاء الاصطناعي. تستخدم شركة "تيرا ولف" الطاقة النووية لتشغيل مواقعها وتخطط للتوسع في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة.

كان الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، سام ألتمان، قد أعرب عن دعمه القوي للطاقة النووية العام الماضي، قائلًا لشبكة "سي إن بي سي": "لا أرى طريقة للوصول إلى هناك دون الطاقة النووية"، إذ كانت تعليقاته تسلط الضوء على الدور المحوري للطاقة المستدامة في تلبية الاحتياجات المتزايدة للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

التأثير الاقتصادي

من المتوقع أن يكون للتأثير الاقتصادي على أبيلين ومنطقة غرب تكساس الأوسع تأثير ملحوظ. وستخلق عمليات البناء والتشغيل لمركز البيانات الجديد العديد من الوظائف، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومن المحتمل أن تشهد الشركات المحلية ارتفاعًا في أنشطتها في السوق، كما ستعزز الاستثمارات في البنية التحتية، لدعم احتياجات الطاقة لهذا المركز، الاقتصاد المحلي بصورة أكبر.

رغم ما يوفره التحول إلى الذكاء الاصطناعي من فرص كبيرة، فإنه يأتي أيضًا بتحدياته؛ تتطلب احتياجات الطاقة العالية لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي إمدادًا ثابتًا ووفيرًا من الطاقة، بالإضافة إلى تحسينات في تقنيات التبريد للتحكم في الحرارة الناتجة عن المعدات التي تعمل بكثافة. وتحاول شركات مثل لانسيوم وكروسو تطوير مثل هذه التقنيات، لكنها ستحتاج إلى الابتكار المستمر لمواكبة النمو السريع لمجال الذكاء الاصطناعي، كما أشار التقرير.

يمثل التحول من تعدين البتكوين إلى الذكاء الاصطناعي تحولاً تقنيًّا واقتصاديًّا كبيرًا لشركات مثل لانسيوم وكروسو. ومع بناء مركز البيانات الجديد للذكاء الاصطناعي في أبيلين، تستعد تكساس لتصبح لاعبًا أساسيًّا في ثورة الذكاء الاصطناعي، مستغلة مصادرها الوفيرة للطاقة المتجددة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات مجال الذکاء الاصطناعی إلى الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی الطاقة المتجددة مراکز البیانات مراکز بیانات من تعدین فی مجال تحول ا

إقرأ أيضاً:

جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تطلق أقساماً جديدة

أعلنت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، استقبالها للدفعة الأولى من الطلاب في قسمي علم الروبوتات وعلوم الحاسوب، والبالغ عددهم 209 طالباً وطالبة، مع بداية العام الدراسي 2024-2025.

ويأتي إطلاق الأقسام الجديدة استجابة للتطورات المتسارعة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ولتلبية احتياجات السوق المتزايدة للكفاءات في هذه المجالات الحيوية.

خطوة استراتيجية

وأشار سلطان الحجي، نائب رئيس الجامعة للشؤون العامة وعلاقات الخريجين بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي عبر 24 إلى أن "إطلاق هذين القسمين يمثل خطوة استراتيجية نحو تعزيز مكانة الجامعة كمركز عالمي للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، قائلاً: "نحن فخورون بالترحيب بأول دفعة من الطلاب في قسمي علم الروبوتات وعلوم الحاسوب، وإطلاق هذين القسمين يؤكد التزامنا بدعم اقتصاد المعرفة في دولة الإمارات".

علم الروبوتات

وأضاف الحجي: "قسم علم الروبوتات سيمكن الطلاب من اكتساب مهارات متقدمة في مجالات تشمل التعلّم العميق، ونظم التحكم، والتفاعل بين الإنسان والروبوت، فضلاً عن تطبيقات الروبوتات في الزراعة الدقيقة والرعاية الصحية، أما قسم علوم الحاسوب، فسيتيح للطلاب التعمق في التقنيات الأساسية التي أثرت بشكل كبير على تكنولوجيا المعلومات، مع التركيز على ريادة الأعمال والاستدامة، ما يؤهلهم للتعامل مع التحديات التقنية المتزايدة في سوق العمل".
وأوضح أن البرامج الجديدة تم تصميمها لتلبية احتياجات القطاعات المختلفة، مثل الطاقة، الأمن الغذائي، والطيران، معرباً عن ثقته بأن خريجي هذه الأقسام سيشكلون إضافة نوعية لسوق العمل المحلي والعالمي.

منحة دراسية كاملة

ولفت الحجي إلى أن جميع الطلاب المقبولين في قسمي علم الروبوتات وعلوم الحاسوب بدوام كامل؛ سيحظوا بفرصة استكمال تعليمهم عبر منحة دراسية كاملة، موضحاً: "لا بد من الإشارة إلى أنه يترتب على الطلاب، لضمان استمرارية المنحة والرواتب والمزايا الأخرى، المحافظة على وضع أكاديمي جيد، والامتثال لقواعد السلوك الخاصة بالجامعة، فضلاً عن الوفاء بمتطلبات معينة طيلة فترة الدراسة".

مقالات مشابهة

  • رئيس “سدايا” : القمة العالمية للذكاء الاصطناعي تعبر عن إسهام المملكة الفاعل بتسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لخير البشرية
  • وزير الكهرباء والمياه يطلع على العمل بمؤسسة الصناعات الكهربائية والطاقة المتجددة
  • 10 توصيات لمجلس الشيوخ بشأن الذكاء الاصطناعي.. تعرف عليها
  • «محمد بن راشد للمعرفة» تعيّن مستشاراً للذكاء الاصطناعي
  • جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تطلق أقساماً جديدة
  • معاهدة عالمية تاريخية للذكاء الاصطناعي
  • «تأمين الفعاليات بدبي» تُناقش استعداداتها لـ «ويتيكس»
  • رسميا.. بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يوقعون أول اتفاقية للذكاء الاصطناعي
  • "الوزير" يلتقي السفير البريطاني لبحث فرص التعاون المستقبلي في مجالات الصناعة والهيدروجين الاخضر والطاقة المتجددة
  • “الطاقة والبنية التحتية” تطلق الدردشة الفورية “اسألنا” باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي للتفاعل المباشر مع المتعاملين