#شذرات_عجلونية (56)
ألا حيّها #عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدرًا؛ فترسمني شمســا
الدكتور: علي منعم محمد القضاة
القراء الأعزاء؛ أسعد الله أوقاتكم بكل خير، أينما كُنتُم، وحيثما بِنتُم، نتذاكر سويًّا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأنٍ ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذَّهب، عجلون الحُبِّ والعتب؛ لنطوف العالم بشذراتنا، راجيًا أن تستمتعوا بها.
وتدور عجلة الزمن
دارت بنا السنون أربع دورات (سنوات) ونحن نقرع باب مجلس النواب بمرشح جديد نرجو الله له التوفيق، وسوف تواصل شذراتي موضوع الانتخابات والخوض فيها، -عافانا الله مما ابتلى به كثيرا من خلقه-، ولكن شذرتي هذه ستأخذ بُعداً آخر، يكثر اللغط حوله وتتناثر الأحاديث في الخلوات عنه، ولكنني سوف أكون صريحاً ومباشراً في كلامي فهي عادتي التي تعرفون، لا أحب التورية ولا التقية، ولا حتى أحب الفرس ومعتقدهم الباطل بالتقية، ولا أقصد عشيرة القضاة فقط بل في كل أنحاء العالم، وفي كل المناسبات وليس فقط الانتخابات.
لا للمال الأسود
منذ العودة إلى الحياة البرلمانية، في عام 1989، ومعظم المرشحين يسعون لاجتذاب أكبر عدد من الناخبين، وقد سلك الكثير منهم طرقاً متعددة وكثيرة، ومن إحدى هذه الطرق إلحاق النسب بمن لا ينتسبون لعشيرة المترشح ولا لأهله، ولكن طمعا في أصواتهم، ومنها المال الأسود الذي فاحت رائحته النتنة في كل العالم وليس فقط في الأردن.
وفي حالة المال الأسود (الرشوة) يخبرنا عليه السلام في الحديث الذي رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، َعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ
يقول الله سبحانه وتعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5]. وفي هذا تنبيه من رب العالمين لكل المترشحين والناخبين، لمن كان قد انتسب إلى غير أبيه لغايات انتخابية، وجب عليه أن يصحح نسبه بالانتساب إلى أبيه في كل المعاملات والمناسبات والوثائق، ولن يثبت له نسبه تزوير الوثائق.
روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذرٍ رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من رجلٍ ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلاَّ كفر.
كما روى مسلم من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً.
وَعَنْ أَبي ذَرٍّ أنَّهُ سَمِعَ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: لَيْسَ منْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْر أبيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إلاَّ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لهُ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَليَتَبوَّأُ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار …، وَهَذَا لفْظُ روايةِ مُسْلِمِ. ((4/1805
الإسلام يدعو إلى صلة الأرحام
نظَّمَ الإسلامُ العَلاقاتِ بيْن الأرحامِ، واهتَمَّ اهتمامًا بالغًا بِصِلَةِ الأرحامِ، وأسَّسَ قواعدَ الرَّحمةِ والمودَّةِ في هذه العَلاقاتِ؛ حتى لا يُفسِدَها شَيءٌ. فقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة أن نعرف من أنسابنا ما نصل به أرحامنا، وهذا أمْرٌ بمَعرفةِ الأنسابِ، ” أعرفوا أنسابكم تَصِلوا أرحامَكم ” وهي القَراباتُ، أي: تعرَّفوها وابْحَثوا عنها، وإنَّما يقَعُ العِلْمُ بأصلِها بتَظاهُرِ الأخبارِ وتَواتُرِها، ولا يُمكِنُ في أكثرِها مَعرفةُ العِيانِ، “تَصِلوا أرحامَكم” أي: مِن أجْلِ أنْ تَصِلوها بالإحسانِ، أو أنَّكم إنْ فعَلْتم ذلك وصَلْتُموها؛ “فإنَّه لا قُرْبَ بالرَّحِمِ إذا قُطِعَتْ وإنْ كانتْ قَريبةً، ولا بُعْدَ بها إذا وُصِلتْ وإنْ كانتْ بَعيدةً”، والمعنى: أنَّ قَطْعَ الأرحامِ يُوجِبُ النُّكرانَ والتنافُرَ بيْن الأقاربِ، وأنَّ الدرجةَ النَّسَبيةَ أقرَبُ مِن غيرِها، وعلى العكسِ؛ فإنَّ الإحسانَ وصِلَةَ الرَّحمِ يُوجِبانِ العِرْفانَ والقُرْبَ بيْن الأقاربِ وإنْ كانوا في الدَّرجةِ النَّسَبيةِ أبعدَ مِن غيرِهم. وفي أحاديثه صلى الله عليه وسلم: الحثُّ على تَتَبُّعِ القَراباتِ ومَعرفتِهم.
أحاديث نبوية في صلة الأرحام
روى البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح بلفظ: حدثنا أحمد بن يعقوب، قال: أخبرنا إسحاق بن سعيد بن عمرو؛ أنه سمع أباه يحدثُ عن ابن عباس؛ أنه قال: “احفظوا أنسابكم، تصلوا أرحامكم؛ فإنه لا بُعدَ بالرحمَ إذا قرُبَتْ، وإن كانت بعيدة، ولا قُربَ بها إذا بَعُدَتْ وإن كانت قريبة، وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها”
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تعلَّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مَثْرَاة في المال، مَنْسَأة في الأثر”. رواه الترمذي، وأحمد، والحاكم.
ألا هلْ بلّغتُ؟ اللهمِّ فاشهدْ
وبناءً على ما تقدمَ من نصوصٍ شرعيةٍ واضحةِ الدلالة؛ فإن ما يقومُ به بعضُ الناخبين وبعضُ المرشحين للانتخابات من تزويرٍ، أو تلفيقٍ في موضوع الأنساب مخالفةٌ صريحةٌ للحكم الشرعي، وتحدٍّ واضحٌ لتلك النصوص التي تُشكِّل المقياسِ الأولَ والمرجعَ الثابت والأساسيَّ الذي يَحكمُ تصرفاتِ الإنسانِ المسلمِ الذي يتقي اللهَ ويعملُ بقاعدةٍ فقهيةٍ راسخةٍ تقولُ: (لا يُتوصَّلُ إلى الحلالِ بالحرامِ). فهل يستحقُّ ذلك الفتاتُ وتلك المكاسبُ البائسةُ الزائلةُ التي يحصلُ عليها المرشحُ، أو الناخبُ أن يجازفَ بمخالفة الأحكام الشرعية؟ ألا هل بلغتُ؟ اللهم فاشهدْ.
الدكتور علي منعم القضاة
أستاذ مشارك في الصحافة والإعلام الرقمي
E-mail:dralialqudah2@gmail.com
Mob: +962 77 77 29 878
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: عجلون صلى الله علیه وسلم ر أبیه
إقرأ أيضاً:
آيات السعي في طلب الرزق والأحاديث النبوية عنه .. تعرف عليها
عَدَّ الإسلام البحث عن العمل والسعي في طلب الرزق الحلال من أنواع الجهاد في سبيل الله؛ يقول تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ [المزمل: 20].
6 أشياء تجلب الرزق سريعا.. واحذر من 8 أخطاء تضيق عليك الحال علي جمعة: مادام الرزق والأجل بيد الله فلا تخاف ولا تُذل نفسك لأحد السعي في طلب الرزقوردت في السنة النبوية عدَّةُ أحاديث تحضُّ على العمل والسعي في طلب الرزق؛ منها ما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِىَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ».
وأخرج الطبراني في "المعجم الأوسط" عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جَلَدِهِ ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ».
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 336، ط. دار المعرفة): [وفيه الحضُّ على التعفُّفِ عن المسألة والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها، وذلك لما يدخل على السائل من ذُلِّ السؤال، ومن ذُلِّ الرد إذا لم يعطَ] اهـ.
آيات السعي في طلب الرزقكما جاءت نصوص الشرع تحض المسلمين على العمل والاجتهاد والسعي في طلب الرزق؛ فمن القرآن الكريم قوله سبحانه: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 10].
يقول العلامة الرازي في "مفاتيح الغيب" (30/ 542، ط. دار إحياء التراث العربي): [وابتغوا من فضل الله: فإنَّه صيغة أمر بمعنى الإباحة أيضًا لجلب الرزق بالتجارة] اهـ.
وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].
يقول العلامة ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (8/ 179، ط. دار طيبة): [فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وتردَّدوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات] اهـ.
وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: 11].
يقول العلامة البيضاوي في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" (5/ 278، ط. دار إحياء التراث العربي): [وجعلنا النهار معاشًا: وقت معاش تتقلَّبون فيه لتحصيل ما تعيشون به] اهـ.