الحردلو صائد الجمال (15): حكاية المسدار.. غاب نجم النَطِح..!
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
الشعر البدوي كجنس أدبي يُعتقد أنه جاء للسودان مع هجرة القبائل العربية التي بدأت باكراً قبل الإسلام؛ واستمرت إلى القرن الخامس عشر الميلادي..(هكذا يحكي عادل بابكر) ومن خلال الهجرات العربية المتتابعة من شبه جزيرة العرب إلي حيث المراعي والماء..!
تلك الهجرات التي نقلت معها تقاليد عميقة الجذور من الشعر الشفاهي.
لا دليل على أن المسدار كان معروفاً في السودان قبل الحكم التركي (1820-1885)..فالمسدار مثل غيره من أشكال الشعر الشعبي يتم تناقلها شفاهة..وهي الحالة التي نتج عنها أن المسادير التي تمّ نظمها مبكراً ضاعت مع الزمن ..ّ!
ويرجّح (سيد حامد حريز) أستاذ الفولكلور الشهير أن المسدار ظاهرة شعرية جاءت مؤخراً ويصفه بأنه "مرحلة متقدمة" من تطوّر الشعر الشعبي. وفي بحثه القيم متقن التوثيق وكتابه بعنوان "فن المسدار" يرى د.حريز أن المسدار هو "شكل فني في هيئة قصيدة سردية مطوّلة اقترنت بمرحلة متقدمة في تطوّر الشعر"؛ وأن هذه المرحلة المتطورة كانت في الحكم التركي..وأن الصوّر الأولية من المسادير التي وصلت إلينا تتبع لذلك العهد..!
الرواد الثلاثة الأشهر لهذا الفن هم إبراهيم الفرّاش (1847-1883) وعبد الله أبو سن (؟؟؟؟- 1909) وأخوه الحردلو (1830-1916)..وبما أن الأخوين محمد أحمد وعبدالله من معاصري الشاعر إبراهيم الفرّاش..يبدو أنهما قاما بتناول المسدار في مرحلة متأخرة من حياتهم، على خلاف الفرّاش الذي مات في العهد التركي قبل المهدية..ومن بين ثلاثتهم أصاب الشهرة صاحبنا الحردلو باعتباره (شيخ المسدار) الذي لا خلاف عليه..!
الجيل الثاني من شعراء المسدار يشمل (أحمد عوض الكريم أبو سن) و(عبد الله حمد ود شوراني) و(الصادق حمد الحلّال- الصادق ود آمنة) و(عاجب ود موسى) وآخرين..هؤلاء الشعراء ظلوا مخلصين لفن المسدار الكلاسيكي شكلاً ومحتوى و"تكنيك"..!
ومع أن بعضهم انسحب من نمط الترحال البدوي وعاش حياة مستقرة إلا أن أشعارهم ظلت تحمل الروح البدوية..وبالنظر إلى حياتهم الجديدة..فقد وجدوا أيضاً طريقهم للتعبير عنها من خلال المسدار..!
ومثالاً لذلك فقد تسرّبت إلى أشعار أحمد ود عوض الكريم أبو سن الذي استقر في خشم القربة وأصبح مزارعاً تعبيرات ومفردات مدينية حضرية مثل: القطار والمسرح (التياترو) ومشروب (الجن)..!
**
مفردة (مسدار) تعني لغة اسماً للفعل (سَدَر) الذي يعني عزم السير إلى جهة ما، ومسدار تعنى مكاناً معلوماً ما، أو مقراً تتجه إليه الماشية بحثاً عن الماء والكلأ..ولكل قبيلة رعوية مسدار أو مسادير ومرعي أو مورد تمكث به لأيام ثم ترحل عنه لتعقبها غيرها من القبائل..!
والمسدار بهذا المعنى يستخدم بكثرة في شعر الشكرية...ففي (مسدارسيتيت) يقول الشاعر عبد الله ود أبو سن عن محبوبته التي تشبه الظبية صغيرة السن:
عَناق الأريل المسدارا جبره
تحادثني حديثاً كلّو عبره
أنا ان جنيتا قط ماظني ببرا
بلا عناب جناين وادي شبره
وباعتبار المسدار شكل ونمط شعري فهو يمثّل قصيدة مطوّلة تتكوّن من عدد من المربوعات التي تصف رحلة الشاعر إلى محبوبته..! والرحلة قد تكون حقيقية في الأرض مثل (مسدار قوز رجب) للشاعر حمد الحلال...أو تكون خيالية كما في أمثال عديدة من المسادير.
وفي كل الأحوال فهي قصيدة حب طويلة تصف نزوع الشاعر وسعيه إلى محبوبته؛ فمشاعر الحنين السيّالة المتدفقة يتخللها وصف الأمكنة التي يمر بها طريق الرحلة، وطبوغرافية الأرض والمعالم البارزة..ويحمل المسدار أحياناً اسم المكان الذي انطلقت منه الرحلة مثل (مسدار رفاعة) و(مسدارسيتيت) و(مسدارالصباغ).
**
شاعر مصري وباحث في الشعر الشعبي "عبد الستار سالم" يورد عن هذا النوع من الشعر البدوي عدة أجناس ويذكر منها الرباعية و(الحردلو السوداني) "هكذا يسميه"..! والموال والدوبيت والعدودة (نواح على الميت) والنميم والجنزير والسلسلة والقولة و(الواو)..ويقول إنها جميعها من (عائلة التربيع) الذي يسمونه في الشام العتايا ونعناع الجنينة وفي العراق الابوذية وفي الخليج النبطي وهو يذكر المسدار ويقول الباحث المصري عنه تحديداً (المسدار السوداني)..!
**
بعض المسادير تصف رحلة قد تستمر لعام كامل..وبدلاً من التركيز على أسماء الأمكنة تتجه أكثر إلى وصف تقلبات الطبيعة الخلوية وأجواز الفضاء...فهي تصوّر أحوال تغيّرات الطقس وتمثّل لها بمواقع وحركة النجوم..وكل تغّير في المناخ يعني خطوة وعتبة للاقتراب من المحبوبة واشتعال الحنين..!
**
مثال ذلك (مسدار النجوم) لـ"ود شوراني" وإشارته إلى (نجم النطح) الذي يرتبط بفصل الصيف:
غاب نجم النّطِح والحر علينا اشتدّا
ضيّقنا وقِصِر ليلو ونهارو امتدا
نَظِرت المنو لي القانون بقيت اتحدى
فتحت عندي منطقة الغُنا الإنسدا
هنا يقول "عادل بابكر" بذات الشاعرية:
Al-Natih star went down,
leaving us in a stifling heat,
with nights getting shorter and days longer
Her glance emboldened me to defy all laws,
and released streams of songs long-blocked inside..
هنا يشرح عادل بابكر في هوامشه (التقويم البدوي) لمواسم العام والفصول المناخية. وهو تقويم يجعل لكل نجم (عِينة) من العِيّن ويطلقون على النجوم أسماء محلية؛ ويتم تقسيم كل فصل من فصول العام الأربعة إلى (سبع عِيّن) بمجمل 28 عينة في العام..ومدة العِينة 13 يوماً..وفي المثال السابق يمثل غياب نجم النطِح تحوّل المناخ إلى ارتفاع كبير في درجة الحرارة..!
**
عجيبة (منطقة الغُنا الانسدا) هذه عند ود شوراني..! ونقول ويقول غيرنا إنها وقع الحافر على الحافر بين ود شوراني "البدوي" ومحجوب شريف "الحضري" ..ومحجوب شريف يقول: (وتفتح كلمة من عينيك لي مجرى الغُنا المسدود)..!
مَنْ الذي يستطيع أن يشكّك في مصادر إلهام هذين الرجلين وفي الإبداع السوداني العجيب..؟!
ألم يقل عاطف خيري: (أقيفي معاي.. نشيل كتف الغُنا الميّل)..؟!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أبو سن
إقرأ أيضاً:
يموتون ليلا.. حكاية قبيلة الهمونج المصابة بمتلازمة غريبة
في مناطق جنوب شرق آسيا، مثل لاوس وفيتنام وتايلاند وبعض قرى الصين، تعيش قبيلة الهمونغ التي تتميز بثقافتها الفريدة ولغتها التقليدية المميزة، ورغم انعزالها عن الصراعات والحروب الإقليمية فإنها تواجه القبيلة تهديدًا صحيًا غامضًا يُعرف بـ«متلازمة الموت الليلي المفاجئ غير المتوقع» (SUNDS)، حيث توفى العشرات منهم خلال العقود الماضية دون أي إشارات سابقة أو أمراض معروفة.
حكاية قبيلة مصابة بمتلازمة الموت المفاجئ ليلًايعاني أفراد قبيلة الهمونغ من ظاهرة غامضة تؤدي إلى وفاتهم أثناء النوم دون أسباب واضحة. حتى المهاجرين من القبيلة الذين يعيشون في دول أخرى، مثل الولايات المتحدة، لم يسلموا من هذه المتلازمة، وفقًا لدراسة منشورة على موقع «Springer»، تم تسجيل أول حالة وفاة في يوليو 1977، ومنذ ذلك الوقت، توفي أكثر من 100 شخص من جنوب شرق آسيا في الولايات المتحدة بسبب هذه الظاهرة.
في ستوكتون، كاليفورنيا، تمت دراسة 118 رجلاً وامرأة من الهمونغ حول وعيهم وتجربتهم الشخصية مع الوفاة الليلية. أظهرت البيانات أن معدلات الوفيات مرتفعة بشكل خاص بين الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و44 عامًا، وبين عامي 1981 و1982، وصل معدل الوفيات بسبب هذه المتلازمة إلى 92 لكل 100,000 شخص، وهو معدل يعادل مجموع الوفيات الناتجة عن الأسباب الخمسة الرئيسية للوفاة الطبيعية في الولايات المتحدة.
وفي الفترة 1981-1982، كان معدل الوفيات 92 لكل 100.000 شخص، وهذا يعادل مجموع معدلات الأسباب الخمسة الرئيسية للوفاة الطبيعية بين الذكور في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من الدراسات العديدة التي أجريت على SUNDS، لم يتمكن علماء الطب من تحديد السبب الدقيق لوفاة هؤلاء الأشخاص الأصحاء أثناء نومهم.
ويشير أحدث تقرير صادر عن مراكز السيطرة على الأمراض في أتلانتا، جورجيا، إلى أنه على الرغم من أن الدراسات قد أشارت إلى وجود خلل هيكلي في نظام التوصيل القلبي والإجهاد قد يكونان من عوامل الخطر لـ SUDS، إلا أن سبب الوفيات لا يزال مجهولاً.
من هم قبال الهمونج ؟هم مجموعة عرقية من الناس لديهم لغة وثقافة محددة، جاءت قبائل الهمونغ في الأصل من الصين التي يعود تاريخها إلى أكثر من 4000 عام، غادر بعض الهمونغ الصين إلى فيتنام ولاوس وتايلاند وبورما بداية من أوائل القرن التاسع عشر نتيجة للتوسع الأرضي من قبل الحكومة الصينية.
منذ عام 1975، بعد انسحاب الولايات المتحدة من جنوب فيتنام، انتقل الآلاف من الهمونغ من لاوس لطلب اللجوء في العديد من الدول الأوروبية والغربية بما في ذلك أستراليا وفرنسا وكندا وألمانيا والولايات المتحدة، ووفقًا لتعداد الولايات المتحدة لعام 2010، كان هناك حوالي 260.000 أمريكي من الهمونغ يعيشون في الولايات المتحدة، حيث يعيش الأغلبية في ولايات كاليفورنيا ومينيسوتا وويسكونسن.