سودانايل:
2025-04-17@20:19:23 GMT

الغالي: السياسة و رهانات المستقبل

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

زين العابدين صالح الرحمن

أن الاستماع للأستاذ عبد الرحمن الغالي السياسي في حزب الأمة القومي؛ في رؤيته التي يستعرض فيها تطورات و مشادات العمل السياسي في السودان منذ الصراع على الوثيقة الدستورية، و انقلاب 25 أكتوبر 2021م، و الاتفاق الإطاري، و الخلاف داخل المكون العسكري، و عملية التجهيزات و الحشد التي كانت تقوم بها الميليشيا إلي الوصل للحرب، تبين في الحقيقة طريقة جديدة في التفكير، لا تبني مشروعها على شعارات رخوة سرعان ما تنهار، و أنما يشيد الغالي بناءه الفكري و تحليله على معطيات الواقع في نسق يقنع الذي ليس في قلبه مرض، فالسياسة تؤسس صروحها على معطيات الواقع و الحقائق، و البحث عن المعلومات الصحيحة، و ليس أفتراضات تصنعها العاطفتين السلبية و الإيجابية و شعارات ليس لها علاقة بأحداث الواقع.

.
القضية ليس أن تدين جانب لكي تدعم جانب أخر؛ و لكن المهم أن تحترم عقل الذي تخاطبه، و تحاول أن تخرجه من دائرة العاطفة التي تتحكم في طريقة تفكيره، حتى لا يسرع دائما بإخراج النتائج مسبقا قبل أن يبحث عن الحقائق، و كما قال الغالي أن موقف العاطفة الشعبية السالبة ضد الكيزان مؤثرة في طريقة التفكير عند قطاع عريض من الناس، و هؤلاء لا يرغبون في نتائج تتجاوز هؤلاء و لا تدينهم أولا.. و هي طريقة سهلة و تجد لها انصار، لكنها لا تعالج المشكلة، و لا توصل إلي نتائج تحدس تغييرا من أجل الخروج من الأزمة، بل هي تعمق الأزمة أكثر.. و رغم أن أغلبية السياسيين يعلمون إنها تعقد المشكلة و لا تحلها، إلا أنها مطلوبة، لأنها تشكل قاعدة اساسية للمنهج التبريري للأخطاء التي يرتكبها السياسيون، هم يريدونه شماعة يعلقون عليها أخطائهم..
واحدة من تبصر الحكمة في حديث الغالي أن المبادرات التي تقدم داخل الأحزاب، أو في منصة التحالفات، أو حتى تقديمها عبر الفضاء العام الواسع، إذا كان ذلك من خلال وسائل الإعلام أو الصحافة، هي مبادرات تكون مربوطة بزمن أن لا تحدث فيه أحداث تؤثر على قواعد أساسية استندت عليها المبادرة.. و إذا حدث تغيير على المسرح السياسي سوف يحتاج الواقع الجديد لمبادرة جديدة تتجاوز الماضية.. و كما ذكر الغالي أنه قدم مبادرة زمن الصراع السياسي الذي كان دائرا فترة " الإتفاق الإطاري" لحزب الأمة القومي و لقوى الحرية و التغيير المركزي، و لكنهم رفضوها، فجاءت الحرب ففقدت المبادرة الأولى قيمتها و الأحداث أضطرته أن يقدم مبادرة جديدة عندما بدأ التأسيس لتحالف " تقدم" أيضا رفضت، و الأحداث المتوالدة يوميا تحدث شروخا سالبة في المبادرات القديمة.. هذا الجهد لا تقدره القوى السياسية و تتعامل معه بأفق واسع و تخضعه للحوار، لآن لها مسارا واحدا كيف تستطيع أن تغتنم السلطة قبل الآخرين، هي ذات الرؤية التي كانت سائدة زمن الآتفاق الإطاري..
الغريب في الأمر أن ثورة ديسمبر هي لم تسقط النظام فقط، أيضا استطاعت أن تخرج كل عيوب القوى السياسية، و تبين عجزها ليس في كادرها السياسي الذي عجز عن إدارة الصراع بحكمة، بل حتى عجزها عن تقديم مشاريع سياسية تبين فيها رؤيتها للوصول لعملية التحول الديمقراطي، هي كانت عاجزة فرادى و حتى تحالفا أن تقدم هذه الرؤى، مما يدل أن القيادات التي تولت عملية إدارة الفترة الانتقالية ليست كانت بالكفاءة السياسية المطلوبة.. حتى تبريرات الفشل التي ساقوها كانت تؤكد ضعف قدراتهم و بصيرتهم، و عدم قراءتهم للواقع قراءة جيدة.. هؤلاء عزو أن الفشل كان سببه المكون العسكري و الكيزان و الفلول.. إذا كان السبب المكون العسكري لماذا خسرتوا الشارع الذي كان حافظا لتوازن القوى، و ظهر جليا في 30 يونيو 2019م بعد فض ساحة الاعتصام.. إذا كان الكيزان و الفلول سببا في الفشل، هل كانت تلك القيادات ليس لها علم أن الكيزان الذين مكثوا في السلطة ثلاثين عاما يمتلكون خبرة سياسية، و أيضا خبرة في إدارة الأزمات أفضل بحكم قبضتهم على السلطة و كسبوا خبرات في إدارة الأزمات، و سوف يشكلون تحديا حقيقيا للسلطة الجديدة؟ إذا كانت قيادات " قحت" على علم تصبح عندهم مشكلة في قدراتهم هي سبب الفشل، و إذا لم يعلموا فالمصيبة أكبر، لآن من جوهر عملية إدارة الأزمة أن تتعرف على مقدرات خصمك و قدرته على المناورة و في كيفية إدارتهم للصراع..
أن عبد الرحمن الغالي هو أحد السياسيين القلائل الذين يحكموا العقل في تصوراتهم، و يلتزموا جانب القضايا الفكرية في التعامل م الأحداث أكثر من استدعاء العاطفة، و هي خصائص قل ما تتواجد في الأحزاب ألان، رغم أعتراف الكثير منه هؤلاء أن التغيير لكي يتم تحكمه الاجتهادات الفكرية المقدمة و المتوقع أن تقدم. و المجتمع يحتاج لرصد دقيق لمعرفة لحركة و ميكانزماته المؤثرة و قدرة فاعليتها. و أيضا المتغيرات التي حدثت في المجتمع و التي سوف تحدث فيه، و الأدوات المطلوبة للتغيير، إلي جانب فحص الادوات السابقة و معرفة أسباب فشلها، إلي جانب معرفة القوى المحافظة فيه، و درجة استجابتها للمتغيرات، أو رفضها و ردة فعلها، و أيضا التراكم الثقافي ما هو المعيق و ما هو الداعم. كلها قضايا لا يمكن التعرف عليها بالشعارات، و لكن تحتاج لعناصر تشتغل بالفكر و هي العناصر المفقودة داخل الأحزاب.
أن عبد الرحمن الغالي من خلال أطروحته التي قدمها في اللقاء الذي كان قد أجراه معه سعد الكابي، يؤكد أن السياسية ليست شعارات فقط، بل هي تحتاج لعناصر تشتغل بالفكر، و هي تحتاج أيضا لقيادات سياسية لها قدرة على إدارة الدولة و الصراع، و لها خبرات.. أن السياسة الآن تعاني من رش كبير يندفع إليها من أجل أن يتخذها عامل للتوظيف و المكاسب و ليس إدارة تصورات و أفكار و يعمل علة تنزيلها للواقع بهدف نهضة المجتمع و تحديثه و تحسين معيشة المواطني و الخدمات فيه. نسأل الله حسن البصيرة..


zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إذا کان

إقرأ أيضاً:

الظل الهادئ في عاصفة السياسة.. فاضل معلة كما لم يُكتب من قبل

15 أبريل، 2025

بغداد/المسلة:كان فاضل معلة واحدًا من أولئك الرجال الذين لا تكتمل صورة التاريخ من دونهم. رجلٌ لم يكن مجرد اسم في سجلات المحاكم، بل علامة فارقة في معركة العراقيين نحو الاستقلال والكرامة.

من النجف، حيث تتجاور الحوزات والمدارس، خرج شابٌ نحيلٌ يحمل همّ العدالة على كتفيه، ويرى في القانون طريقًا للنهضة، لا مجرد مهنة.

لم يكن المحامي في نظره مترافعًا فحسب، بل مشروع زعيم، وصوت فئة مهمشة تعلّمت أن تكتب أسماءها في دفاتر النخبة السياسية.

وفي عراق الأربعينات، حيث كانت العروش تتزلزل تحت أقدام المستعمر، كان معلة ومَن حوله يحلمون بوطن يُبنى بالعقل لا بالسلاح، وبالدستور لا بالولاء.

و صدر كتاب عن “المحامي فاضل معلة ودوره السياسي في العراق (1920–1979).. أحد رجالات العهد الملكي” من تأليف الدكتور صالح الكعبي وصدر عن مؤسسة دلتا للطباعة والنشر – بيروت – لبنان، واستعرض الكتاب سيف الدين الدوري.

وصدر الكتاب بتكليف من الدكتور حسنين فاضل معلة، نجل المحامي فاضل معلة، حيث أهداه إلى روح والده العطرة، عرفانًا ووفاءً له، بوصفه نبراسًا ومنهجًا في حياته.

الكتاب عن فاضل معلة هو أكثر من مجرد الحديث عن سيرة شخصية، بقدر ما هو توثيق لمرحلة اجتماعية وسياسية في عراق جديد، تجاوز فيها أبناء العرب الشيعة أكثر من أربعة قرون من الهيمنة العثمانية التي همّشتهم. فهذه الشريحة الاجتماعية استطاعت، خلال أقل من أربعة عقود، أن تحقق ما لم يُتح لها طيلة قرون السيطرة العثمانية.

سيرة المرحوم فاضل معلة تُعد نموذجًا لهذا التحوّل. فقد نشأ وتلقى تعليمه في النجف، وينتمي إلى عشيرة عربية عريقة.

التحق بكلية الحقوق، وتخرج فيها عام 1943، ليمارس مهنة المحاماة في النجف، قبل أن ينخرط في العمل السياسي. وساهم في تأسيس “حزب الاستقلال” في 16 حزيران 1946. وكان الحزب يمثل نموذجًا للاندماج الاجتماعي، إذ ضمّ شخصيات من اتجاهات ومناطق متعددة.

ضمّت قائمة المؤسسين الشيخ محمد مهدي كبة، إلى جانب فائق السامرائي، وصديق شنشل، وفاضل معلة، وإبراهيم الراوي، وداود السعدي، وخليل كنه، وإسماعيل الغانم، ورزوق شماس، وعبد الرزاق الظاهر. وقدّم هؤلاء طلب تأسيس الحزب إلى وزارة الداخلية بتاريخ 13 آذار 1946.

كان من بين الأسماء المقدمة في الطلب كلّ من فائق السامرائي وصديق شنشل، لكن وزير الداخلية آنذاك، السيد سعد صالح، أشار إلى ضرورة استبعادهما، خشية إثارة السلطات العليا، لكونهما من غير المرغوب بهم من قبل البلاط الملكي والإنجليز، بسبب اشتراكهم في حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941.

ورغم ذلك، صادقت وزارة الداخلية على النظام الأساسي للحزب، وعلى نظامه الداخلي، بموجب كتابها الصادر بتاريخ 2 نيسان 1946.

في مذكراته، يتحدث الشيخ محمد مهدي كبة عن مرحلة الإعداد لتأسيس الحزب، قائلاً:
“اتصل بي فريق من الشباب المثقف، ممن أسهموا في كثير من الحركات الوطنية، وطلبوا إليّ الاشتراك معهم في تأسيس حزب وطني قومي، يعمل على استكمال سيادة البلاد واستقلالها وتحررها من كل نفوذ أجنبي، ويدعو إلى الإصلاح في مختلف نواحي الحياة، على أسس ومبادئ تقدمية اشتراكية. كما يسعى إلى تحرير البلاد العربية من الاستعمار، وتحقيق أمنية العرب الكبرى في توحيد البلاد العربية التي جزّأها الاستعمار وشتّت شملها.”

وحول بدايات فكرة تأسيس الحزب، يقول محمد صديق شنشل:
“بدأ التفكير في تأسيس حزب الاستقلال أيام كان القوميون أعضاءً في (نادي المثنى) في المعتقل، إثر فشل حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941. وكان فائق السامرائي صاحب الفكرة والداعي لها، وعلى ما يبدو فإن السامرائي، وشنشل، وكبة، والغانم، والسعدي، وكنه، كانوا أكثر أعضاء الهيئة التحضيرية نشاطًا من أجل التأسيس، ودعوا شخصيات قومية عديدة للانضمام والمساهمة في المشروع السياسي.”

وفي مقابلة مع العميد طه الهاشمي، عُرض عليه الانضمام إلى هذا المشروع، إذ كانت النواة الأولى للحزب من العناصر الوطنية المتطرفة، كما كانت تُصنّفها السلطات الحكومية والإنجليز، وهم شباب مثقفون خرج معظمهم من المنافي والسجون بسبب مناهضتهم للاستعمار وعملائه.

انتمى للحزب عدد من أعضاء “التنظيم القومي العربي السري”، ومجموعة من أعضاء نادي المثنى المغلق، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الشباب القومي من طلبة الكليات والمعاهد والمدارس الثانوية. وبلغ عدد أعضاء الحزب في فترة من الفترات نحو (38) ألف منتسب، كما أكّد ذلك محمد صديق شنشل في مقابلة أجراها معه عادل غفوري خليل بتاريخ 13/10/1977.

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • تطور جديد والثابت في السياسة متغير.. أبرز التعليقات على زيارة وزير دفاع السعودية إلى إيران
  • الحرب في عامها الثالث.. ما الثمن الذي دفعه السودان وما سيناريوهات المستقبل؟
  • مراسل سانا: أهلي حلب يفوز على أمية بأربعة أهداف مقابل هدف واحد في نهاية المباراة التي جمعتهما على أرض ملعب الفيحاء بدمشق ضمن بطولة المستقبل لكرة القدم
  • وزارة الخارجية تعرب عن إشادة المملكة بالإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية في الأردن لإحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بأمنه وإثارة الفوضى
  • إهتمام فرنسي بلبنان... وسوريا أيضا
  • حسين خوجلي: ‎وللكلمة أيضاً ألم وأسف ونصف ابتسامة
  • بن عامر يفتتح مختبر استشراف مستقبل الإعلام الأمني
  • شاهد بالفيديو.. طفل سوداني يفاجئ المطربة عشة الجبل ويرمي عليها أموال النقطة أعلى المسرح الذي كانت تغني فيه وساخرون: (المشكلة بعد الحفلة تنتهي يبكي يقول عاوز قروشي)
  • خامنئي: لسنا متفائلين بشكل مفرط بالمفاوضات ولا متشائمين أيضاً
  • الظل الهادئ في عاصفة السياسة.. فاضل معلة كما لم يُكتب من قبل