سودانايل:
2024-09-08@23:02:33 GMT

الغالي: السياسة و رهانات المستقبل

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

زين العابدين صالح الرحمن

أن الاستماع للأستاذ عبد الرحمن الغالي السياسي في حزب الأمة القومي؛ في رؤيته التي يستعرض فيها تطورات و مشادات العمل السياسي في السودان منذ الصراع على الوثيقة الدستورية، و انقلاب 25 أكتوبر 2021م، و الاتفاق الإطاري، و الخلاف داخل المكون العسكري، و عملية التجهيزات و الحشد التي كانت تقوم بها الميليشيا إلي الوصل للحرب، تبين في الحقيقة طريقة جديدة في التفكير، لا تبني مشروعها على شعارات رخوة سرعان ما تنهار، و أنما يشيد الغالي بناءه الفكري و تحليله على معطيات الواقع في نسق يقنع الذي ليس في قلبه مرض، فالسياسة تؤسس صروحها على معطيات الواقع و الحقائق، و البحث عن المعلومات الصحيحة، و ليس أفتراضات تصنعها العاطفتين السلبية و الإيجابية و شعارات ليس لها علاقة بأحداث الواقع.

.
القضية ليس أن تدين جانب لكي تدعم جانب أخر؛ و لكن المهم أن تحترم عقل الذي تخاطبه، و تحاول أن تخرجه من دائرة العاطفة التي تتحكم في طريقة تفكيره، حتى لا يسرع دائما بإخراج النتائج مسبقا قبل أن يبحث عن الحقائق، و كما قال الغالي أن موقف العاطفة الشعبية السالبة ضد الكيزان مؤثرة في طريقة التفكير عند قطاع عريض من الناس، و هؤلاء لا يرغبون في نتائج تتجاوز هؤلاء و لا تدينهم أولا.. و هي طريقة سهلة و تجد لها انصار، لكنها لا تعالج المشكلة، و لا توصل إلي نتائج تحدس تغييرا من أجل الخروج من الأزمة، بل هي تعمق الأزمة أكثر.. و رغم أن أغلبية السياسيين يعلمون إنها تعقد المشكلة و لا تحلها، إلا أنها مطلوبة، لأنها تشكل قاعدة اساسية للمنهج التبريري للأخطاء التي يرتكبها السياسيون، هم يريدونه شماعة يعلقون عليها أخطائهم..
واحدة من تبصر الحكمة في حديث الغالي أن المبادرات التي تقدم داخل الأحزاب، أو في منصة التحالفات، أو حتى تقديمها عبر الفضاء العام الواسع، إذا كان ذلك من خلال وسائل الإعلام أو الصحافة، هي مبادرات تكون مربوطة بزمن أن لا تحدث فيه أحداث تؤثر على قواعد أساسية استندت عليها المبادرة.. و إذا حدث تغيير على المسرح السياسي سوف يحتاج الواقع الجديد لمبادرة جديدة تتجاوز الماضية.. و كما ذكر الغالي أنه قدم مبادرة زمن الصراع السياسي الذي كان دائرا فترة " الإتفاق الإطاري" لحزب الأمة القومي و لقوى الحرية و التغيير المركزي، و لكنهم رفضوها، فجاءت الحرب ففقدت المبادرة الأولى قيمتها و الأحداث أضطرته أن يقدم مبادرة جديدة عندما بدأ التأسيس لتحالف " تقدم" أيضا رفضت، و الأحداث المتوالدة يوميا تحدث شروخا سالبة في المبادرات القديمة.. هذا الجهد لا تقدره القوى السياسية و تتعامل معه بأفق واسع و تخضعه للحوار، لآن لها مسارا واحدا كيف تستطيع أن تغتنم السلطة قبل الآخرين، هي ذات الرؤية التي كانت سائدة زمن الآتفاق الإطاري..
الغريب في الأمر أن ثورة ديسمبر هي لم تسقط النظام فقط، أيضا استطاعت أن تخرج كل عيوب القوى السياسية، و تبين عجزها ليس في كادرها السياسي الذي عجز عن إدارة الصراع بحكمة، بل حتى عجزها عن تقديم مشاريع سياسية تبين فيها رؤيتها للوصول لعملية التحول الديمقراطي، هي كانت عاجزة فرادى و حتى تحالفا أن تقدم هذه الرؤى، مما يدل أن القيادات التي تولت عملية إدارة الفترة الانتقالية ليست كانت بالكفاءة السياسية المطلوبة.. حتى تبريرات الفشل التي ساقوها كانت تؤكد ضعف قدراتهم و بصيرتهم، و عدم قراءتهم للواقع قراءة جيدة.. هؤلاء عزو أن الفشل كان سببه المكون العسكري و الكيزان و الفلول.. إذا كان السبب المكون العسكري لماذا خسرتوا الشارع الذي كان حافظا لتوازن القوى، و ظهر جليا في 30 يونيو 2019م بعد فض ساحة الاعتصام.. إذا كان الكيزان و الفلول سببا في الفشل، هل كانت تلك القيادات ليس لها علم أن الكيزان الذين مكثوا في السلطة ثلاثين عاما يمتلكون خبرة سياسية، و أيضا خبرة في إدارة الأزمات أفضل بحكم قبضتهم على السلطة و كسبوا خبرات في إدارة الأزمات، و سوف يشكلون تحديا حقيقيا للسلطة الجديدة؟ إذا كانت قيادات " قحت" على علم تصبح عندهم مشكلة في قدراتهم هي سبب الفشل، و إذا لم يعلموا فالمصيبة أكبر، لآن من جوهر عملية إدارة الأزمة أن تتعرف على مقدرات خصمك و قدرته على المناورة و في كيفية إدارتهم للصراع..
أن عبد الرحمن الغالي هو أحد السياسيين القلائل الذين يحكموا العقل في تصوراتهم، و يلتزموا جانب القضايا الفكرية في التعامل م الأحداث أكثر من استدعاء العاطفة، و هي خصائص قل ما تتواجد في الأحزاب ألان، رغم أعتراف الكثير منه هؤلاء أن التغيير لكي يتم تحكمه الاجتهادات الفكرية المقدمة و المتوقع أن تقدم. و المجتمع يحتاج لرصد دقيق لمعرفة لحركة و ميكانزماته المؤثرة و قدرة فاعليتها. و أيضا المتغيرات التي حدثت في المجتمع و التي سوف تحدث فيه، و الأدوات المطلوبة للتغيير، إلي جانب فحص الادوات السابقة و معرفة أسباب فشلها، إلي جانب معرفة القوى المحافظة فيه، و درجة استجابتها للمتغيرات، أو رفضها و ردة فعلها، و أيضا التراكم الثقافي ما هو المعيق و ما هو الداعم. كلها قضايا لا يمكن التعرف عليها بالشعارات، و لكن تحتاج لعناصر تشتغل بالفكر و هي العناصر المفقودة داخل الأحزاب.
أن عبد الرحمن الغالي من خلال أطروحته التي قدمها في اللقاء الذي كان قد أجراه معه سعد الكابي، يؤكد أن السياسية ليست شعارات فقط، بل هي تحتاج لعناصر تشتغل بالفكر، و هي تحتاج أيضا لقيادات سياسية لها قدرة على إدارة الدولة و الصراع، و لها خبرات.. أن السياسة الآن تعاني من رش كبير يندفع إليها من أجل أن يتخذها عامل للتوظيف و المكاسب و ليس إدارة تصورات و أفكار و يعمل علة تنزيلها للواقع بهدف نهضة المجتمع و تحديثه و تحسين معيشة المواطني و الخدمات فيه. نسأل الله حسن البصيرة..


zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إذا کان

إقرأ أيضاً:

دلالات احتدام الصراع بين السياسة والتقنية

كشفت لنا قنوات الإعلام المرئية والمكتوبة عن عمق الأزمة المحتدمة بين بعض المؤسسات السياسية الغربية وبين المؤسسات الرقمية الكبرى التي أظهرت خفايا العلاقة بين هاتين المؤسستين العالقة في وحل المصلحة المتبادلة التي إن ارتفعت عند جهة واحدة انتفضت الجهة الأخرى وكشّرت عن أنيابها؛ فتنفض غبار المساوئ المخفية وتنثرها للجميع؛ لتتعرى أزمات تتعلق بالديمقراطية وخصوصية البيانات والتحالفات السرية بين الساسة وملاّك التقنية وقادتها؛ فمن بين المناكفات الأخيرة التي أذاعتها الصحف العالمية -على سبيل المثال وليس الحصر- تصريح مالك مجموعة «ميتا» «زوكربيرغ» -عبر رسالة أرسلها إلى رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي- أن شركته تتعرض لضغوطات من إدارة «بايدن» بشأن الضغط على فرض رقابة على المحتوى، وبلغة واضحة الضغط عليه لممارسة المزيد من النشاطات التجسسية، وكذلك تصريح مؤسس «تلجرام» في إحدى المقابلات المرئية بأن الحكومة الأمريكية حاولت إقناعه بالسماح لها بالتجسس على بيانات المستخدمين، ولعلّ ما كشف عنه في هذه المقابلة هو السبب الرئيس الذي قاده إلى الاعتقال في فرنسا، وليست التهم التي أُعلنَ عنها. في مظهر آخر لهذا الصراع، أعلنت البرازيل حظر منصة «أكس» بسبب ما وصفته بـ«التضليل الإعلامي» الذي تتهم فيه السلطات البرازيلية «إيلون ماسك» شخصيًا بدعم حسابات معارضة للحكومة البرازيلية وداعمة لحركة الانقلاب الفاشلة، وكذلك وجّهت أستراليا تعنيفها لـ«إيلون ماسك» بسبب رفض منصة «أكس» إزالة مقاطع مرئية لحادثة الطعن في الكنيسة الأرثوذكسية، ووصف رئيسُ الوزراء الأسترالي «ماسك» بـ«الملياردير المتغطرس»، واتُهِمَ «إيلون ماسك» بتأجيجه لأعمال العنف في بريطانيا التي قادها اليمين المتطرف وتدخله فيها. ترشدنا هذه الأخبار التي تعكس حجم الصراع بين المؤسسات السياسية والمؤسسات الرقمية عن أزمة افتراق المصالح التي تؤكد وجود فساد عميق في هذه المؤسسات تؤذي المجتمعات الإنسانية التي لم تعد بياناتها الشخصية وخصوصياتها في مأمن، وهذه من الحقائق الموثّقة غير الجديدة؛ ففضيحة «كامبريدج أناليتيكا» في عام 2018م التي اُتهمت فيها شركة «فيسبوك» -ميتا حاليا- بتسريب بيانات ملايين المستخدمين لأغراض سياسية تؤكد قدم هذا التحالف وخفاياه الذي لا يطفو على السطح إلا ما ندر منه؛ فما خفي أعظم، والحديث يمكن أن يمتد إلى أحداث ما يُعرف بـ«الربيع العربي» الذي تبيّن دور الشركات الرقمية وتفاعلها مع أحداثه مدعومة بأجندة سياسة غربية تهدف إلى إحداث تغييرات سياسية جديدة تخدم مصالحهم مستغلة أوضاع تلك الدول وتذمّر شعوبها. سبق أن تحدثتُ في مقالات سابقة عن خطر هذه التحالفات التي لا تفضحها وتكشف خفاياها إلا الاختلافات؛ فتظل المنصات -رغم ما صاحبها من طفرة اتصالية واجتماعية فريدة من نوعها لم تشهد البشرية ديناميكية تواصلية مثلها قبل عشرات السنوات - سلاحا رقميا يتحكم بواسطته الساسة المتنفّذون بالعالم وشعوبه عبر عدة أساليب منها فرض الهيمنة الرقمية على المجتمعات التي يسمح لها بشكل مجاني -في ظاهره- في استعمال هذه المنصات؛ لتكون الحصيلة -التي يدفعها كل المستخدمين- تسليم بياناتهم الشخصية التي يحرص هؤلاء الساسة وأجهزتهم الاستخباراتية في تحليلها وتحليل نمط حياة أفرادها وجماعتها؛ فتؤدي غرضها في إعادة تشكيل الأفكار الجمعية وتحديد بُوصلةٍ منتقاةٍ للثقافة المجتمعية، وهذا ما يسهّل الغزو الرقمي -الذي يماثل الغزو الفكري، والذي حلّ محلَ النشاطات الاستشراقية- الذي يمكن بواسطته صناعة العقل الجمعي العالمي الذي يمكن أن نرى «العولمة الرقمية» جزءا من منظومتها. لا أطرح هذه السردية من منطلق العاطفة؛ فالدراسات العلمية والشهادات التي تخرج من أفواه صنّاع القرار من الساسة وعملاقة الصناعة الرقمية شاهدة على هذا، وأدفع بالقارئ الاطلاع على كتاب «تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا» من تأليف «سوزان غرينفيلد» ليدرك عمق التأثير بجميع أنواعه الذي يمكن للأنظمة الرقمية ومنصاتها أن تحدثه في العقل البشري على الصعيد الفردي والجمعي.نعود إلى محور حديثنا الرئيس المعني بتصاعد الصراع بين الحلفاء (الساسة والرقميون)؛ فنجد أن المؤسسات الرقمية الكبرى لم تعد تحتمل تدخلات الساسة التي تجاوزت الحد المسموح به؛ فثمّة صراع بين هذه القوى، يحاول أحدها أن يفرض هيمنته على الطرف الآخر؛ فنرى هذا في عدة صور منها سحب المؤسسات الرقمية البساط من بعض الساسة غير المرغوب في بقائهم عن طريق التضليل الإعلامي بنشر كل ما يسيء إلى هؤلاء الساسة، ولإحداث ضغوطات شعبية تدفع الناس إلى الفوضى الداخلية، وفي مضايقة الساسة لرؤساء الشركات الرقمية وملاّكها واعتقالهم مثل ما حدث لمؤسس منصة «تلجرام». وهنا لا يمكن أن ندّعي براءة أيّ من هذه الأطراف؛ فالجميع متحالف -في حدود ما- في وقت سابق على تحقيق أهداف تسير في تحقيق مصالح الطرفين، وساهم كلاهما في الإضرار بالمصالح الخاصة والعامة لكثير من دول العالم، واشتركوا في جرم انتهاك خصوصية الأفراد واستغلال بياناتهم الشخصية لأغراض تخدم الأهداف السياسية للدول الكبرى التي ليست حكرا على منصات التواصل الاجتماعي بل تمتد إلى هواتفنا الذكية التي نتعرض بواسطتها لانتهاك الخصوصية عبر التجسس على محادثتنا وجمع بياناتنا الصوتية التي تُنقل عبر شركات تسويق -مثل شركة «كوكس ميديا» استنادًا إلى تقرير أمريكي كُشفَ عنه مؤخرا- إلى أطراف أخرى منها شركات تقنية كبرى تستعملها لأهداف إعلانية تجارية. ولا نستبعد أن تصل أيضا بكل يسر إلى مؤسسات أمنية وسياسية أمريكية. لا تخضع هذه العلاقة المضطربة إلى أسس أخلاقية واعية؛ إذ أنها من السهل أن تفترق عند تضارب المصالح؛ فنجد مثلا «إيلون ماسك» يبحث عن حليف سياسي جديد يطمح بواسطته إعادة المياه إلى مجاريها وتخفيف حدة الصراع؛ فنراه يعلن عن تأييده للمرشح الأمريكي «دونالد ترامب» الذي أكد تأييده في لقاء مباشر مع «ترامب» عبر منصته «أكس»، وهذا ما يطرح تساؤلات عن طبيعة التحالف الجديد الذي سيقوم بين منصة «أكس» وإدارة «ترامب» -حال فوزه-، وما المشروعات «الرقمي-سياسية» القادمة التي يمكن أن تنتج من هذا التحالف المحتمل -إن لم تعكّره خلافات جديدة-، وأين تتجه البشرية وخصوصياتها وأمنها في ظل هذه الفوضى التي تُفرض عليها باسم التقنية المختطفة من قبل ساسة متعطشين لنهب ثروات العالم وتدمير حضارته الثقافية؟ والسؤال الأهم: ما البدائل التي يمكن أن نطرحها لمقاومة هذه الأزمة الرقمية دون التخلي عن التقدم التقني ومواكبته؟ لا أظن أننا نملك إجابات مطلقة ونهائية؛ فنحن بحاجة إلى منظومة قانونية صارمة وشاملة تضمن التشغيل الأخلاقي للمنصات الرقمية بما في ذلك فصل السياسة عن القطاع العلمي بشكل عام والرقمي بشكل خاص، وتأمين البيانات الشخصية للمستخدمين من أي تسريب أو استغلال.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • ما الدور الذي يمكن أن تلعبه أمعاء الأسماك في منتجات العناية بالبشرة في المستقبل؟
  • قضية اختفاء المولود الذكر.. صلاح الدين تستنفر قياداتها الأمنية ومجلس محافظتها مهتم أيضا
  • تراجع رهانات صناديق التحوط على صعود أسعار النفط لأدنى مستوياتها
  • الراعي: من المعيب أن يبقى انتخاب الرئيس أسير رهانات
  • الدرقاش: الجلوس مع من جلس مع حفتر «خيانة أيضاً»
  • زعيم المعارضة الإسرائيلية: يجب توقف نتنياهو عن السياسة وإبرام صفقة التبادل
  • دلالات احتدام الصراع بين السياسة والتقنية
  • الدخول السياسي الجديد..الحكومة أمام رهانات كبرى وتوقعات بتعديل وزاري مرتقب
  • الأعلام الاوروبيون الثلاثة هم لويس الرابع عشر ومترنخ الذي يلقب بداهية السياسة الألمانية وكارل ماركس
  • كتشنر التي كانت تعاكسنا أغرقه الله في بحر الشمال يا خينا: كيف اساء كتشنر إعداد معركة سومي (1916) (1-2)