رغم الأعداد الكبيرة للكائنات الحية وتشابهها في كثير من الوظائف، فإن العلم يكتشف كل فترة آليات فريدة تتميز بها كائنات حية عن غيرها، وتشكل طرق المغازلة والتزاوج بين ذكور وإناث الكائنات الحية تنوعا مدهشا.

ففي دراسة حديثة قام بها باحثون من جامعة "ناغويا" اليابانية ونشرت في مجلة "آي ساينس"، اكتشف الباحثون كيف تميز ذكور بعوضتي الزاعجة المصرية والزاعجة المنقطة بالأبيض بين الإناث من كلا النوعين.

حيث يستمع الذكور إلى الترددات الصوتية المميزة الصادرة عن رفرفة أجنحة الإناث، ويستخدمون هذه الأصوات للتعرف على الإناث من النوع نفسه والتي سيتم التزاوج معها.

ويمكن هذا الاكتشاف العلماء من تطوير إستراتيجيات لمكافحة البعوض باستخدام أصوات طيران اصطناعية لها نفس ترددات أجنحة إناث البعوض.

كائن صغير وقدرة مدهشة

لاحظ العلماء خلال العقود الماضية أنه عندما يغزو بعوض الزاعجة المنقطة بالأبيض المناطق التي يهيمن عليها بعوض الزاعجة المصرية، قد يحدث إزاحة للأخيرة إلى مناطق أخرى أو من الممكن أن يتعايش النوعان في المنطقة نفسها.

وعندما يحل وقت الغسق تشكل ذكور البعوض سربا ينتظر طيران الإناث الخصبة. وعندما تدخل أنثى إلى المجموعة يستخدم الذكر سمعه الممتاز لسماع صوت أجنحتها، ثم الاقتراب منها ومحاولة التزاوج. ولكن المشكلة أن إناث الأنواع الأخرى المختلفة يمكن أن تدخل إلى المجموعة أيضا، لذلك كان الباحثون مهتمين بمعرفة كيفية تجنب الذكور للتزاوج مع النوع الخاطئ.

ولوحظ أنه عند حدوث التزاوج بين الأنواع المختلفة، فإنه يصب في صالح الزاعجة المنقطة بالأبيض على حساب الزاعجة المصرية، وقد يكون هذا هو السبب العلمي لنزوح بعوض الزاعجة المصرية من بعض المناطق التي تغزوها الزاعجة المنقطة بالأبيض.

ويمكن للذكور التمييز بين أصوات طيران الإناث المميزة لكل نوع. حيث إن تردد ضربات الأجنحة في الزاعجة المنقطة بالأبيض أعلى منه في الزاعجة المصرية، وربما يعود ذلك إلى أن أطوال أجنحتها أقصر بمقارنة بالزاعجة المصرية.

بعوضتا الزاعجة المصرية (يسار) والزاعجة المُنقّطة بالأبيض (يمين) (أزوسا كاميكوتشي) كيف قاس الباحثون ترددات أجنحة البعوض؟

وقام فريق البحث بتركيب ميكروفونات في أقفاص تكاثر البعوض لقياس أصوات ترددات خفقات أجنحة الذكور والإناث ومقارنتها بين الأنواع. واكتشفوا أن ترددات صوت أجنحة كل من ذكور وإناث بعوض الزاعجة المنقطة أعلى من ترددات صوت أجنحة بعوض الزاعجة المصرية.

ثم بعد ذلك قاموا بتشغيل أصوات أجنحة أنثوية اصطناعية لها نفس ترددات ضربات أجنحة الإناث، ولاحظوا أن ذكور بعوض الزاعجة المنقطة تستجيب باستمرار لترددات صوتية أعلى من ذكور بعوض الزاعجة المصرية.

بعوضتا الزاعجة المصرية والزاعجة المُنقّطة بالأبيض تعد من الناقلات الأساسية للأمراض القاتلة مثل حمى الضنك وحمى زيكا (بيكساباي) نظام حسي دقيق

وبحسب الدراسة، لاحظ الباحثون أن ذكور الزاعجة المنقطة بالأبيض أقل عرضة بشكل ملحوظ لإظهار انحناء البطن استجابة لتحفيز صوت الإناث، كما أن مدة الانحناء أقصر بخلاف ذكور الزاعجة المصرية. وانحناء البطن هو سمة أخرى من سمات الاستجابة الصوتية قبل التزاوج لدى البعوض.

ولكي تستطيع الذكور سماع أصوات رفرفات الأجنحة، فإنها تضبط وظائفها السمعية من خلال الإشارات المرسلة من أدمغتها إلى آذانها للاستماع إلى التردد الصحيح. وهذه الآلية مماثلة لما يفعله البشر للمساعدة في التخلص من الضوضاء أثناء النوم أو سماع صوت أحد الأصدقاء في مكان به أصوات صاخبة.

وتكمن أهمية هذا النظام الحسي في أنه يمنع التزاوج بين الأنواع المختلفة من البعوض، مما يسهل التعايش بين النوعين في مواقع محددة.

كيف يمكن استخدام هذا الاكتشاف لمكافحة البعوض؟

تكمن أهمية مكافحة بعوضتي الزاعجة المصرية والزاعجة المنقطة بالأبيض، أنهما من الناقلات الأساسية للأمراض القاتلة مثل حمى الضنك وحمى زيكا، ويمكنهما نقل الفيروسات عندما تتغذيان على دم البشر عن طريق اللدغ.

وتستخدم مصائد وضع البيض للسيطرة على أعداد البعوض عندما تصل إلى مستويات غير مرغوبة. حيث تعمل عن طريق جذب الإناث لوضع البيض ثم قتلها.

ولكن الدراسة الجديدة تشير إلى إمكانية استخدام مصائد يتم تزويدها بأصوات اصطناعية مشابهة لأصوات ضربات أجنحة الإناث، وبالتالي يمكن جذب الذكور ثم اصطيادها. لذا يمكن استخدام مصائد تجمع بين الطريقتين وضع البيض والمصائد الصوتية.

لكن أزوسا كاميكوتشي الباحث الرئيسي بالدراسة من جامعة ناغويا ذكر في تصريح لـ "الجزيرة نت" عبر البريد الإلكتروني أن طريقة المصائد الصوتية ليست فعالة بالشكل الكافي في الوقت الراهن، فهناك حاجة لمعرفة أكثر تطورا بالأصوات الأكثر جاذبية لكل نوع تحديدا، لتمكننا من تصميم مصائد صوتية محسنة خاصة بكل نوع.

ويرى كاميكوتشي أنه إذا كان الذكور من هذين النوعين اللذين شملتهما الدراسة يستخدمون الاختلافات في نغمات الطيران للعثور على إناث من النوع نفسه، فمن المحتمل أن يشمل ذلك الأنواع الأخرى من البعوض أيضا. وبالتالي يمكن تعميم هذه الدراسة على نطاق أوسع.

ولكن تظهر مشكلة أخرى متعلقة بالمصائد، حيث يؤكد الباحثون أنه على الرغم من إمكانية استخدام مصائد وضع البيض والمصائد الصوتية لمنع البعوض من التكاثر والقضاء عليه، فإن هذه النتيجة ليست مرغوبة. فالبعوض يلعب دورا بيئيا مهما كملقح للنباتات وغذاء للبرمائيات، لذا قد تحدث مشاكل بسبب محاولة إزالته من النظام البيئي.

وبدلا من ذلك، يأمل الباحثون في استخدام المصائد للسيطرة فقط على الأعداد الكبيرة في حالة زيادتها إلى مستويات غير مرغوبة، حيث يزداد في تلك الحالة خطر الأمراض التي تنتقل عن طريق البعوض.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

عقوبات أم مساومات؟.. من بايدن الى ترامب: كيف تستخدم واشنطن العراق لخدمة مصالحها؟

بغداد اليوم -  خاص

في دهاليز السياسة الأمريكية، حيث تُدار الحروب بقرارات رئاسية، ويُرسم مصير الدول بمصالح الشركات الكبرى، يبرز العراق كأحد أبرز الساحات التي تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية.

منذ سنوات، تحولت بغداد إلى نقطة ارتكاز في الاستراتيجيات الأمريكية، ليس كحليف حقيقي، بل كورقة تُستغل كلما دعت الحاجة. واليوم، تحت إدارة دونالد ترامب، يتعرض العراق لموجة جديدة من الضغوط تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للولايات المتحدة، بينما تُقدَّم على أنها حملة لضبط النفوذ الإيراني.

لكن خلف هذه الإجراءات، تتوارى أزمات داخلية أمريكية خانقة، ومحاولات مستميتة للتغطية على فشل الإدارات السابقة، وعلى رأسها إدارة جو بايدن، التي تركت إرثًا من الإخفاقات في الشرق الأوسط، إلى جانب أزمة اقتصادية تهدد بانهيار غير مسبوق للاقتصاد الأمريكي.


الضغوط الأمريكية.. لعبة سياسية أكثر من مواجهة حقيقية

كل ما يفعله ترامب في الشرق الأوسط، والضغوط التي يمارسها على العراق، لا تعكس بالضرورة استراتيجية أمنية واضحة أو سياسة خارجية ثابتة، بل هي مجرد أدوات يستخدمها لخدمة مصالحه السياسية والاقتصادية.

الأمر الأول: محاولة التغطية على إخفاقات إدارة بايدن، حيث توجد أدلة على أن بايدن، خلال فترة حكمه، تواطؤ مع جهات شرق أوسطية وسمح بتمدد النفوذ الإيراني في العراق، مما جعل الجمهوريين يستخدمون هذا الملف لإظهار ضعف الديمقراطيين في إدارة السياسة الخارجية.

الأمر الآخر: الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تضرب الولايات المتحدة، والتي باتت تُشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار المالي الأمريكي، حيث تظهر أرقام التسريح الجماعي للموظفين في الشركات الكبرى والمؤسسات الصناعية كدليل على حجم الأزمة. ترامب، الذي يواجه ضغوطًا داخلية متزايدة، يسعى إلى تحويل الأنظار عن الداخل الأمريكي، عبر افتعال أزمات خارجية تشغل الرأي العام، ويأتي العراق في مقدمة هذه الملفات.


مصرف الرافدين في عين العاصفة: اتهامات بلا أدلة

ضمن سلسلة الضغوط، يأتي ملف مصرف الرافدين كواحد من أبرز الأهداف الأمريكية، حيث تتهم واشنطن العراق وإيران بالتورط في تمويل أنشطة مشبوهة ودعم الحرس الثوري، وهي اتهامات لم تستند إلى أدلة قانونية واضحة، بل جاءت في سياق حملة تضييق اقتصادي على بغداد.

الحكومة الأمريكية تدرك جيدًا أن هذه التعاملات تتم ضمن الأطر القانونية والتجارية الدولية، لكنها تسعى إلى خلق حالة من الهلع المالي والاقتصادي داخل العراق، لإجبار بغداد على الخضوع لخيارات أمريكية محددة.

لكن المفارقة هنا، أن الإدارة الأمريكية نفسها لا تملك القدرة على إغلاق هذا الملف، ولا حتى تقديم بدائل اقتصادية للعراق، مما يجعل الضغوط أشبه بأداة ابتزاز سياسي، أكثر منها إجراءً اقتصادياً ذا أثر حقيقي.


الاقتصاد العراقي بين واشنطن والحاجة لدول الجوار

العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على الغاز والكهرباء المستوردين من إيران، لم يجد أي خطط بديلة قدمتها الولايات المتحدة، بل تُرك يعتمد على منظومة اقتصادية هشة، جعلته مضطرًا إلى تعزيز علاقاته الاقتصادية مع دول الجوار، رغم الضغوط الخارجية.

الولايات المتحدة، التي كانت تمتلك فرصة تاريخية لإعادة بناء الاقتصاد العراقي على أسس متينة بعد 2003، تركت البلاد متخلفة اقتصاديًا، باستثناء الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل.

هذا الفشل الأمريكي في تقديم حلول حقيقية، يجعل أي ضغوط لمنع العراق من التعامل مع إيران أو أي دولة أخرى، أقرب إلى محاولة خنق بغداد اقتصاديًا، دون تقديم بدائل ملموسة.


الملف العراقي: ساحة لخدمة مصالح ترامب الاقتصادية

تحت غطاء مواجهة النفوذ الإيراني، تسعى واشنطن إلى تمرير صفقات اقتصادية لصالح شركات أمريكية مرتبطة بدوائر النفوذ داخل إدارة ترامب. فالضغوط التي تُمارس على الحكومة العراقية لا تهدف فقط إلى عزل إيران اقتصاديًا، بل إلى إجبار العراق على تقديم امتيازات لشركات أمريكية محددة، في قطاعات الطاقة والاستثمار والمقاولات.

الرئيس الأمريكي، الذي يواجه انتقادات متزايدة بسبب سياساته الداخلية، يحاول إعادة فرض الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العراق، عبر صفقات تخدم دوائر النفوذ الاقتصادي داخل البيت الأبيض.


ازدواجية المعايير: واشنطن ليست جادة في مواجهة إيران

لو كانت الولايات المتحدة جادة حقًا في محاصرة إيران، لكانت المواجهة مباشرة، بدلاً من استخدام العراق كأداة ضغط. فالواقع يشير إلى أن واشنطن، رغم كل تصريحاتها، لا تزال تدير علاقتها مع طهران وفق حسابات دقيقة، وتستغل العراق فقط كوسيط لتطبيق استراتيجياتها.

الأمر لا يتعلق فقط بفرض عقوبات أو إغلاق ملفات مالية، بل هو جزء من سياسة أمريكية طويلة الأمد، تُبقي العراق في حالة من الفوضى الاقتصادية والسياسية، حتى يظل بحاجة دائمة إلى التدخل الأمريكي.


إلى أين يتجه العراق وسط هذه الضغوط؟

المشهد الحالي يعكس حقيقة واضحة: واشنطن تستخدم العراق كورقة ضغط لخدمة أجنداتها الداخلية والخارجية، دون أن تقدم حلولًا واقعية لمشكلاته الاقتصادية والسياسية. ومع استمرار هذه الضغوط، تجد بغداد نفسها أمام خيارين:

إما الخضوع لهذه السياسات، والاستمرار في حالة الارتهان الاقتصادي والسياسي، أو تبني سياسة أكثر استقلالية، عبر تنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على واشنطن، لصياغة معادلة أكثر توازنًا في علاقاتها الدولية.

لكن هذه الخطوة ليست سهلة، إذ تتطلب إجماعًا داخليًا، وإرادة سياسية قادرة على مقاومة الابتزاز الأمريكي، والبحث عن حلول عملية تُخرج العراق من هذه الحلقة المفرغة.


المصدر: قسم التحليل والمتابعة في وكالة بغداد اليوم

مقالات مشابهة

  • الكشف على 1877 مواطنا بالمجان في قري وعزب دمياط
  • عبدالعزيز الجوهر: لا صحة لاعتزال محمد العويس.. فيديو
  • فطارك عندنا.. طريقة عمل أجنحة الدجاج مع البطاطس المحمرة
  • بالأبيض ..نسرين طافش تخطف أنظار جمهورها عبر إنستجرام
  • خلال ساعات.. الحكم على المتهمين فى قضية خلية داعش سوهاج
  • مسلسل المسار.. خطة محكمة من سوزان نجم الدين للتعرف على قاتل صقر
  • مدرب المنتخب المغربي يوضح "تردد" لاعبين في حمل القميص الوطني
  • عقوبات أم مساومات.. من بايدن الى ترامب: كيف تستخدم واشنطن العراق لخدمة مصالحها؟
  • عقوبات أم مساومات؟.. من بايدن الى ترامب: كيف تستخدم واشنطن العراق لخدمة مصالحها؟
  • ضبط موقعاً لتزييف العملة بالحاج يوسف