فن الدبلوماسية.. نظام الأسبقية تاريخه وسماته
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
تُعرف الأسبقيَّة في قواميس ومراجع اللغة العربيَّة على مختلف مصادرها بأنَّها هي الأولويَّة أو الأقدميَّة. تُعدُّ الدبلوماسيَّة الإسلاميَّة هي أولى المدارس التي وضعت اللبنة الأساسيَّة لنظام الأسبقيَّة بأغلب مفرداتها التي تُعدُّ اليوم نظريَّات ومفاهيم تدرَّس في أغلب الجامعات المتخصِّصة بفنِّ الدبلوماسيَّة والعلاقات العامَّة، حيث التَّوجيه الإلهي ليس للمُسلِمين فقط، وإنَّما لجميع الجنس البَشري.
وقَدِ اهتمَّت السِّيرة النَّبويَّة الشريفة كثيرًا أيضًا بنظام الأسبقيَّة، فرسولنا الكريم محمد (عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام) كان يقول: حسبك «بمريم بنت عمران، وامرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد من نساء العالمين»، حيث وضع الأسبقيَّة والأولويَّة بعيدًا عن العلاقات الشخصيَّة والقبليَّة وهو خاتم الأنبياء وسيِّد المرسلين لِيعطيَنا درسًا واضحًا عن نظام الأسبقيَّة. وهناك آيات قرآنيَّة وأحاديث كثيرة ومواقف أكثر من الدبلوماسيَّة الإسلاميَّة التي رسمت معالم نظام الأسبقيَّة بكُلِّ وضوح وتفصيل.
إنَّ تاريخ المراسم ونظام الأسبقيَّة قَدْ عُرِف في حضارتَي وادي الرافدين والفراعنة ومجان، حيث كانت الرسومات في مدينة بابل الأثريَّة خير دليل على وجود نظام الأسبقيَّة وبروتوكول كبار الشخصيَّات من هرم الدولة، القادة العسكريين، الحاشية، رجال الدِّين، العلماء، رجال الأعمال وعامَّة الناس.. وتطوَّر بشكل بسيط في القارَّة الأوروبيَّة بعد الفترة المُظلِمة.
وتحتلُّ الأسبقيَّة لكبار الشخصيَّات في إقامة الدَّعوات مكان الصدارة في موضوع البروتوكول والإتيكيت في كُلِّ أنواع المدارس الدبلوماسيَّة، وكان مؤتمر (فنينا) المعقود عام 1815م الفضل الأكبر في تنظيم الأسبقيَّة في الحقل الدولي والدبلوماسي والتسلسل الوظيفي.
وتُعدُّ الشعوب العربيَّة بمختلف العقود هي من مؤسِّسي نظام الأسبقيَّة، مستندين بذلك إلى القرآن الكريم والسِّيرة النَّبويَّة الشريفة، ومثال ذلك مُجتمعنا العُماني الذي يتميَّز بنظام أسبقيَّة راقٍ وأصيل، حيث هناك الأولويَّة للشيوخ وكبار السِّن وعلماء الدِّين والقائمة تطول استنادًا إلى المناسبة والوقت والمكان بكُلِّ احترام ووقَار.
وتُحدَّد الأسبقيَّة بالنسبة للرؤساء والملوك والأباطرة إلى قِدم كُلٍّ مِنْهم في الحُكم؛ أي إلى تاريخ تتويج الملوك أو تاريخ تَولِّي رؤساء الجمهوريَّات الرئاسة دُونَ أيِّ تمييز.
إنَّ من أهمِّ هذه القواعد الواجب الالتزام بها في إقامة الدَّعوات بنظام الأسبقيَّة هي: عند قدوم كبار الضيوف يتمُّ استقبالهم وإرشادهم إلى قاعة الاستقبال المُعدَّة لذلك حسب الأسبقيَّة لهم، يتقدم رئيس المراسم أو مَن ينوب محلَّه بإخبار الدَّاعي، سواء بالنظرات أو بعِلم لُغة الجسد أو بالكلام بأنَّ كُلَّ شيء جاهز بمرافقة ضيف الشرف إلى المائدة أو الاجتماع أو اللقاء وحسب الأسبقيَّة لِيجدَ كُلٌّ مِنْهم اسمه على الطاولة، لا يجلس الضيوف قَبل جلوس مَن يترأَّس المائدة لكبار الشخصيَّات مع مراعاة العادات والتقاليد السَّائدة في البلد والأولويَّة للنساء إن وُجِدن في الوفد، لا يجوز مغادرة المكان قَبل الانتهاء من مكان الدَّعوة إلَّا في ظروف قاهرة وبعد الاستئذان من صاحب الدَّعوة، عدم التكلُّم بالهاتف أثناء المراسم سواء في الاستقبال أو مأدبة الأكل، يستحسن تنظيم عمل مخطَّط توضيحي بشكل الطاولة وأماكن جلوس الضيوف حسب الأسبقيَّة مع سهمٍ يُشير إلى جهة الدخول، وترسل لهم مع الدَّعوة أو عِند دخول مكان الدَّعوة، يجِبُ الأخذ بنظر الاعتبار الصِّفة الرسميَّة وأسبقيَّة المدعوِّين (رجال الدِّين، كبار السِّن والمتقاعدين)، يُمكِن إجراء بعض التغييرات على قواعد المجاملة إذا اقتضت الضرورة بشرط عدم المساس بأسبقيَّات كبار الشخصيَّات، مع أخذ المركز الاجتماعي والثقافي وشِبْه الرَّسمي، وكذلك الذين يتمتعون بمراكز دينيَّة وعشائريَّة رفيعة، يتمُّ تحديد الأسبقيَّة لزوجات كبار الشخصيَّات بعد زوجة الضَّيف ما لَمْ يشغلوا منصبًا رسميًّا أو يحملون ألقابًا فخريَّة أو أوسمة، إذا كان هناك ضيوف أجانب فلَهُم الأفضليَّة في الجلوس ويختار لهم مكانًا مميزًا مع شخص يُجيد مجاملتهم والتعامل معهم والأخذ بنظر الاعتبار منصبه ووظيفته، تُحدَّد أسبقيَّة الوزراء وفق عددٍ من المبادئ أوَّلها وقت أداء اليمين أمام هرم الدولة، تحتفظ كُلُّ دولة بتعليمات خاصَّة بها بنظام الأسبقيَّة والوزارات السياديَّة، وكذلك تحتفظ الدولة بأسبقيَّات المسؤولين في حضور الحفلات والدَّعوات الرسميَّة، أسبقيَّة زوجات السفراء اعتمادًا على تسليم أوراق الاعتماد لهرم الدولة، أزواج السَّفيرات لا يتمتعون بأيِّ أسبقيَّة، أسبقيَّة زوج السَّفيرة يأتي بعد الوزراء المفوَّضين، أمَّا داخل السّفارة فأسبقيَّة زوج السَّفيرة يأتي بعد الشخص الثاني بالسّفارة.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: مکان ا
إقرأ أيضاً:
عمّان تدشن أولى تحركاتها الدبلوماسية العلنية نحو دمشق وسط مخاوف من تمدد إسرائيلي والإرهاب
هديل غبّون
عمّان، الأردن(CNN)-- دشن وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، الإثنين، أولى تحركات بلاده الدبلوماسية المعلنة نحو دمشق بعد قرابة أسبوعين من سقوط النظام السوري السابق، الذي أطاحت به هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، في مبادرة وصفها مراقبون "بالإيجابية الواسعة"، لتتجاوز عمّان محاولات متواصلة لم تنجح حتى مساء أمس، في تسيير وفد عربي مشترك للقاء الإدارة السورية الجديدة.
جاءت زيارة الصفدي كأول وزير خارجية عربي إلى دمشق، محمّلة بتركة "ثقيلة" من الملفات المشتركة تتصدرها مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة عبر الواجهة الشمالية للمملكة وعودة اللاجئين وأمن الحدود ومحاربة "الإرهاب".
ولم يغب عن هذا التحرك، الهواجس الأردنية حيال الأوضاع الأمنية والعسكرية على الأراضي السورية، بما فيما تمدد "إسرائيل" نحو مناطق محاذية للحدود الأردنية السورية ومنطقة حوض اليرموك وسد الوحدة، حيث يرتبط الأردن بحقوق مائية وغيرها، مع دمشق من خلال الاتفاقية العربية المشتركة لإدارة مياه حوض اليرموك، ومع الجانب الاسرائيلي من خلال اتفاقية السلام الموقعة عام 1994.
في هذه الأثناء، يرى سياسيون بأن تحرّك الصفدي "الإيجابي" العلني، يصّب في المصلحة الاستراتيجية للأردن، في بادرة سريعة لتلافي تكرار سيناريو "العراق" في عام 2003 الذي دفع بإيران لبسط نفوذها، مع عزوف الدول العربية آنذاك عن التدخل.
ومن هنا، يرى الباحث والوزير الأردني الأسبق محمد أبو رمان، في تصريحات لموقع CNN بالعربية، بأن خطوة "الصفدي" تعكس بداية انفتاح أردني واسع على الإدارة السورية الجديدة، بعد أن أسس الأردن لهذه الخطوة عبر بوابة "اجتماع العقبة"، وفقا له.
ويعتقد أبو رمان أن التحرك العلني اليوم، جاء بعد اتصالات في القنوات الخلفية منذ الأيام الأولى لسقوط النظام السوري السابق، لافتا أن رسالتي طمأنة وجهتها هيئة تحرير الشام للمملكة في وقت سابق قبل وصول المعارضة إلى دمشق، ساهمت في تسريع هذا التحرك، عدا عن عدم استهداف الهيئة للأردن بخلاف تنظيم داعش، ما ساهم أيضًا في تبديد الخلفية التاريخية غير المشجعة التي ربطت الأردن بالهيئة لانضمام أعداد من الأردنيين لها للقتال في سوريا سابقًا، إضافة إلى التحوّل الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي للهيئة، بحسب ما يرى أبو رمان.
وسارع الأردن إلى جسر العلاقات مع دول الجوار في مقدمتها تركيا التي كان وزير خارجيتها ضيفا رئيسيًا على اجتماع العقبة، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تواظب عمّان على أن تقوم لجنة الاتصال الوزارية العربية بدور مشترك في الملف السوري مع الإدارة الجديدة، كما في مبادرة خطوة مقابل خطوة في أواخر عهد النظام السابق، إلا أن "فجوات" في المواقف العربية تجاه التطورات في سوريا، حالت دون "تسيير وفد عربي مشترك إلى دمشق"، وفقًا لأبو رمان.
ويوضح أبو رمان بالقول :"حتى منتصف ليلة أمس كانت هناك اتصالات أردنية لأن يكون هذا التحرك من خلال زيارة وفد عربي مشترك لكنها لم تتم. الأردن فضّل ألا ينتظر أكثر، هذه الزيارة مقدمة لانفتاح ملحوظ وفقا لمتطلبات أردنية واضحة عبّر عنها الصفدي في لقائه بالشرع وفي إعلان العقبة، يقوم أهمها على بناء نظام سياسي سوري متعدد، يحتضن الجميع وفقا لحوار وطني داخلي لا يقصي أحدًا، وأن يكون النظام السياسي مدنيًا وليس إسلاميًا بالمعنى الأيديولوجي"، بحسب تعبيره.
وفيما لا يدخر الأردن جهدًا في بناء موقف عربي موحد حيال سوريا الجديدة، إلا أن "قلقا كبيرًا" أيضًا يساوره بشأن التقدم الإسرائيلي في الأراضي السورية، ما دفعه لاتخاذ هذه الخطوات المتسارعة، حتى على مستوى مسار المساعدات الإنسانية.
ويضيف أبو رمان: "الأردن يشعر بقلق شديد من تقدم إسرائيل في المنطقة وسوريا الذي يضر بالأمن الوطني الأردني وبمصالحه المائية. في سوريا، المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل تتضمن مصادر مياه للأردن حصة فيها. بكل وضوح الأردن لديه خشية أن يكون لإسرائيل أجندة تصل الجولان بالسويداء، ولذلك بدا الحرص واضحًا على ضرورة دعم تشكل نظام سوري سياسي جديد بالمتطلبات المعلنة".
ويربط الأردن تطور تحركاته نحو دمشق، باستقرار "مؤسسات الدولة السورية"، كما يبقي موقفه حيال مسار العقوبات المفروضة على سوريا، رهنا بالإطار الأممي، بحسب ما أكدت مصادر مطلعة لموقع CNN بالعربية، بما في ذلك قانون "قيصر".
ويعتبر تهريب المخدرات والسلاح عبر الواجهة الشمالية واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا، حيث أكد الوزير الصفدي خلال تصريحاته الاثنين باستمرار وجود عمليات تهريب، فيما لم تصدر بيانات "رسمية" عن القوات المسلحة الأردنية بشأن هذه العمليات خلال الأسبوعين الماضيين على الأقل عبر الواجهة الشمالية.
ولم يقف التقدّم الأردني المعلن نحو دمشق، عند الحراك السياسي والدبلوماسي، إذ شكّلت خطوة استئناف حركة الشحن التجاري إلى الأراضي السورية قبل أيام، خطوة استراتيجية نحو تنشيط الاقتصاد البيني، عبر تشكيل "خلية أزمة" في المنطقة الحرة المشتركة، وفق تصريحات سابقة لوزير الصناعة والتجارة الأردني يعرب القضاة، إذ تم السماح للشاحنات بالمرور من الأردن إلى سوريا وإلى الأردن إلى الدول الأخرى.
وفي ملف اللجوء السوري، صدرت عدة تأكيدات على لسان مسؤولين أردنيين بأن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم "هي عودة طوعية" بالضرورة، وأشارت تسريبات وسائل إعلام محلية بأن 12800 سوري غالبيتهم من المصنفين بغير اللاجئين في مفوضية شؤون اللاجئين، قد عادوا إلى بلادهم منذ سقوط النظام.
يستضيف الأردن نحو مليون و300 ألف سوري، يقطن نحو 10% منهم فقط مخيمّات اللجوء.
وفي أحدث القرارات أيضًا، أعلنت وزارة الداخلية الأردنية، تسهيل حركة السفر لفئات جديدة من الأردنيين والسوريين إلى الأراضي السورية عبر معبر جابر الحدودي شمال المملكة، لغايات ما أسمته "رفد الاقتصاد الوطني" حسب إجراءات السفر المتبعة، بمن فيهم المستثمرين ورجال الأعمال والطلبة الأردنيين والوفود الاقتصادية الأردنية، والمستثمرين السوريين وعائلاتهم والسوريين الذين تجنسوا بالجنسية الأردنية.
الأردنسوريانشر الاثنين، 23 ديسمبر / كانون الأول 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.