لمْلَمَ العام الدراسي الفائت آخر أوراقه بظهور نتيجة الدبلوم العامِّ ليبدأَ الطلَّاب رحلة البحث عن المجال الأكاديمي الذي يُحدِّد المسار الوظيفي الذي يرغبون في السَّير فيه وكُلُّهم أمَل في أن يحصلوا على النجاح في مستقبلهم.. وقَدْ أعلن مركز القَبول المُوحَّد بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار موعد نتائج الفرز الأوَّل للعام الأكاديمي 2023ـ2024م يوم 16 أغسطس الجاري لِيتنافسَ أكثر من 40 ألف طالب ـ مِنهم 20 ألفًا حصلوا على معدَّل عام 80 بالمائة وأعلى بَيْنَهم 9 آلاف حصلوا على 90 بالمائة وأعلى ـ على برامج جامعة السُّلطان قابوس والبعثات الخارجيَّة وغيرها من البرامج الدراسيَّة المميزة داخليًّا وخارجيًّا.


بالطبع لقَدْ عانى طلَّاب الدبلوم العامِّ في السَّنة الدراسيَّة الماضية من الكثير من الضغوطات؛ كونها سنة مفصليَّة وفارقة في تاريخهم؛ لأنَّها تُحدِّد مستقبل الطالب، ومجموع درجاتها يوجِّهه نَحْوَ المسار الأنسب من مسارات الجامعة ثمَّ المجال الوظيفي الذي سوف يقتحمه.. لذلك نرى الأُسر التي لدَيْها طالب أو طالبة في الدبلوم العامِّ تعلن حالة الطوارئ ويتحوَّل البيت لثكنة دراسيَّة يلتزم فيها الطالب باستغلال كُلِّ دقيقة لِيبذلَ جهده من أجْل الدراسة، فنراه يسهر الليالي في المذاكرة ويتخلَّى عن هواياته من أجْل عدم إضاعة الوقت بعيدًا عن الدراسة.
المُشْكلة أنَّ أولياء الأمور حال ظهور النتيجة نرى تضاربًا في ردود أفعالهم.. فمِنْهم مَن يتقبَّل النتيجة بصدر رحب؛ لأنَّه يدرك تمامًا أنَّ ابنه أدَّى ما عليه وبذلَ كُلَّ ما في وسعه من أجْل الحصول على هذه الدرجات.. بَيْنَما نجد البعض الآخر يوبِّخ أبناءه ويتَّهمهم بالتقصير حتى لو حصدوا درجات مرتفعة، متناسين أنَّ القدرات العقليَّة والذهنيَّة تختلف من إنسان لآخر، وأنَّ الله سبحانه وتعالى هو مَن حدَّد لهم هذه الدرجات التي ترسم مستقبلهم المقدَّر لهم.
لا شكَّ أنَّ ما مرَّ به الطلبة كان صعبًا، ويكفي أنَّهم تحمَّلوا الضغط النَّفْسي الذي تثقله الأُسرة والمُجتمع عليهم.. ولقَدْ رسموا أحلامًا لِغَدِهم ومستقبلهم وعلينا مساعدتهم في تحقيقها حتى ينالوا ثمرة تعَبِهم وكدِّهم ومذاكرتهم.. فجميعنا مرَّ بهذه المرحلة ووجدنا آباءنا بجوارنا يشجِّعوننا ويدعموننا بالقلب المُحِب والعقل الواعي، وبالتَّالي علينا ردُّ جميل الآباء باتِّباع نفس السلوك تجاه الأبناء ومساعدتهم لتجاوز التحدِّيات التي تواجههم وتحيط بهم من كُلِّ جانب، وفتح قنوات للحوار الهادئ الرزين على أن يكُونَ رأينا استشاريًّا فقط وليس ملزمًا للطالب، بل يجِبُ منْحُه مساحة من الحُريَّة لاختيار ما يريد وتحديد مستقبله كيفما يشاء.
نبارك للطلبة المتفوِّقين الناجحين، ونتمنَّى لهم المزيد من النجاح والرُّقي، وتحقيق أحلامهم وتطلُّعاتهم بما يَعُودُ عليهم وعلى وطنهم بالخير والازدهار.. ونقول لِمَن لَمْ يوفَّق هذا العام لا تحزن، فهذه ليست نهاية المطاف وما زالت أمامك فرصة لتصنع المعجزات وعليك الخروج من التجربة بفكر وعزيمة أقوى لتحقيق النَّجاح المنشود العام القادم.
✱✱✱
يظلُّ الإنسان طوال عمره يُنقِّب ويبحث عن السَّعادة، ويسعى من أجْل تحقيقها إلى الوصول لأهداف معيَّنة يعتقد أنَّها ستُحقِّق له السَّعادة المنشودة.. فالبعض يرى أنَّ السَّعادة في المال والبعض الآخر يراها في الشهرة وآخرون في الأولاد أو الوظيفة المميزة أو المكانة الاجتماعيَّة المرموقة أو العيش برفاهيَّة ورخاء أو الصحَّة الجيِّدة أو وجود العائلة الكبيرة والأصدقاء المُخلِصين وغير ذلك، حيث يختلف مفهوم السَّعادة من شخص لآخر طبقًا لشخصيَّته وطريقة تربيته وتكوينه ومدى احتياجه لشيء مُعيَّن.
ويعكف العلماء والباحثون على البحث عن الوسائل التي تُحقِّق السَّعادة الفعليَّة.. قديمًا قالت الحكمة «السَّعادة لا تُشترَى بالمال» وقَدْ أثبتتِ الدراسات الحديثة صحَّة هذه المقولة، حيث تبَيَّنَ أنَّ المال والشهرة ليس وحدهما وسائل كفيلة بجلب السَّعادة للإنسان.. كما أكَّدت دراسات حديثة أخرى أنَّ الأشخاص الذين يعملون ساعات أقلَّ ويقضون بعض الأوقات في القيام بهواياتهم المفضَّلة أو يجتمعون مع عائلاتهم أكثر سعادة ممَّن يعملون لساعات طويلة ويجنون من ورائها دخلًا شهريًّا كبيرًا؛ أي أنَّ استغلال كُلِّ الوقت لجمع المال يضيع على الإنسان إحساسه بقيمة هذا المال والشعور بسعادته به.. والغريب أنَّ بعض الإحصاءات الرسميَّة أكَّدت أنَّ أقلَّ الدوَل سعادة هي الدوَل الغنيَّة وبالتَّالي فإنَّ سعادة الشعوب ليست مرتبطة بالفقر ومستوى الدخل.
وقَدْ حصدت بلادنا مراكز متقدِّمة في مؤشِّر السَّعادة العالَمي.. ولعلَّ السَّعادة التي يشعر بها الشَّعب العُماني نابعة من راحة البال التي ينعم بها والتي وفَّرتها له قيادتنا الحكيمة التي أخذت على نَفْسِها عهدًا بتحقيق الأمن والأمان والاستقرار للشَّعب الوفيِّ فوضع حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه وأمدَّ في عمره ـ الخطط التنمويَّة التي توفِّر الاستقرار والأمان على المدى القريب والبعيد.
لا شكَّ أنَّ تنوُّع الأعباء التي يواجهها الإنسان وزيادة متطلبات الحياة والضغوط والمستلزمات اليوميَّة تُسهم بشكل كبير في شعور الإنسان بالقلق والتوتُّر والخوف والاكتئاب والألَم، وتجعل من السَّعادة حلمًا بعيد المنال.. إلَّا أنَّ هذا ليس صعبًا؛ لأنَّ نظرة الإنسان الإيجابيَّة للحياة والإيمان بالله وعدم الحزن على ما فاته يمنحه القدرة على التعايش مع مشكلات الحياة، ويُحقِّق له التوازن النَّفْسي الذي يؤدِّي به إلى الشعور بالرِّضا والسَّعادة.
لا شكَّ أنَّ أهمَّ ما يُحقِّق السَّعادة للإنسان هو الرِّضا الداخلي والسَّلام النَّفْسي وراحة البال والتفاؤل الذي يؤدِّي إلى النجاح الحقيقي إلى جانب التخلُّص من سيطرة المادِّيَّات على حياته؛ لأنَّها تدخله في حلقة مفرغة لَنْ يخرجَ مِنْها إلَّا بعد أن يمرَّ به العمر ويشعر أنَّ أيَّامه ضاعت هباء.. كذلك الشعور بالاستقلاليَّة والاعتداد بالذَّات والرِّضا عن النَّفس فيما يفعله الإنسان والتقارب مع الآخرين والثِّقة بالنَّفْسِ.. كُلُّ هذه الأمور تُسهم في الإحساس بالسَّعادة.. بالإضافة إلى وجود الأمن والطمأنينة التي يَعدُّها النَّاس موجودة كتحصيل حاصل في الظروف الطبيعيَّة، وعِندما يحدث مَكْروه يتمنَّون أن يحصلوا على الراحة والسَّعادة النفسيَّة.
فهيَّا بنا عزيزي القارئ نترك اليأس والحزن ونُقبِل على الحياة بقلب مفتوح وبابتسامة رقيقة؛ حتى تُحقِّقَ السَّعادة المنشودة لك ولِمَن حَوْلَك.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الدبلوم العام م العام الذی ی التی ت ة التی التی ی

إقرأ أيضاً:

الدور المصري الذي لا غنى عنه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

كعادتها، لا تحتاج مصر إلى أن ترفع صوتها أو تستعرض قوتها، فهي تمارس نفوذها بصمت، ولكن بفعالية لا تخطئها عين. الدور المصري في تسليم الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس لم يكن مجرد "وساطة"، بل كان بمثابة العمود الفقري لعملية التبادل بين الجانبين. القاهرة لم تكن مجرد ممر آمن للرهائن المفرج عنهم، بل كانت الضامن الأساسي لتنفيذ الاتفاق، بما تمتلكه من ثقل سياسي وعلاقات متشابكة مع كل الأطراف المعنية.

بحسب المعلومات، فإن الاتفاق تضمن تسليم قوائم الرهائن الإسرائيليين عبر الوسطاء، وعلى رأسهم الجانب المصري، الذي تكفل بنقلهم إلى الأراضي المصرية، حيث تسلمهم الصليب الأحمر الدولي قبل عبورهم إلى إسرائيل عبر معبر العوجا. وهذا السيناريو ليس جديدًا، بل هو امتداد لدور مصري تاريخي في هذا الملف، فلطالما كانت القاهرة لاعبًا لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات تتعلق بقطاع غزة.

ما يلفت الانتباه أن العلم المصري كان حاضرًا في مراسم التسليم في خان يونس، وهو ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل رسالة واضحة بأن مصر هي ركيزة الاستقرار في المنطقة، وصاحبة اليد الطولى في هندسة التوازنات الدقيقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

لكن رغم هذه الجهود، تظل الأوضاع متوترة على الأرض.. إسرائيل، كعادتها، تتعامل بمنطق القوة، مهددةً باستئناف العمليات العسكرية إذا لم تلتزم حماس بشروط التهدئة، فيما تشترط الأخيرة إدخال شاحنات المساعدات إلى شمال القطاع قبل الإفراج عن دفعات جديدة من الرهائن. وفي هذه المعادلة المعقدة، تتواصل جهود مصر وقطر لمنع انهيار الهدنة، وسط مراوغات إسرائيلية وابتزاز سياسي واضح.

القاهرة، التي تقود المشهد بهدوء، قدمت رؤية متكاملة للخروج من الأزمة، تبدأ بوقف إطلاق النار، مرورًا بتبادل الأسرى والرهائن، وانتهاءً بفتح ملف إعادة الإعمار. هذه المفاوضات الشاقة امتدت لأكثر من 15 شهرًا، وأسفرت في النهاية عن هذا الاتفاق.

وفيما تواصل إسرائيل محاولاتها للتمسك بمحور فيلادلفيا (صلاح الدين) حتى نهاية العام، تزداد المخاوف من أن تكون هذه مجرد خطوة ضمن مخطط أوسع للسيطرة على القطاع بالكامل. كل هذا يجري وسط تصعيد خطير في الضفة الغربية، حيث تسير إسرائيل على خطى ممنهجة لتعزيز احتلالها، غير عابئة بأي جهود دولية لإحلال السلام.

وسط هذا المشهد المعقد، يترقب الجميع القمة العربية الطارئة التى تُعقد اليوم بالقاهرة، فى انتظار الإعلان عن موقف عربي موحد وحاسم. أما الولايات المتحدة، فتمارس ازدواجية معتادة، حيث يتحدث ترامب عن أن قرار وقف إطلاق النار "شأن إسرائيلي"، وكأن الفلسطينيين ليسوا جزءًا من المعادلة!

ما هو واضح أن الأمور تتجه نحو مزيد من التعقيد، فالإسرائيليون لا يزالون يتعاملون بعقلية القوة الغاشمة، والفلسطينيون يدفعون الثمن، فيما يعمل العرب، وعلى رأسهم مصر، على أن يحافظوا على الحد الأدنى من الاستقرار وسط بحر هائج من الصراعات والمصالح المتضاربة. لكن إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ هذا هو السؤال الذي لا يملك أحد الإجابة عليه حتى الآن فى ظل الدعم الأمريكى غير المحدود للعنجهية الإسرائيلية!

مقالات مشابهة

  • بعد تسهيل إصدار التصاريح بأبوظبي.. إماراتيون: الخيام الرمضانية عادة أصيلة في مجتمعنا
  • رمضان في الإمارات.. عادات وتقاليد أصيلة تتوارثها الأجيال
  • بدرية طلبة: لن أتنازل عن حق ضد صحفي نشر أخبارا كاذبة عني
  • 62.7% حصة آسيا من الشركات متعددة الجنسيات التي استقطبتها غرفة دبي العالمية في 2024
  • أضواء وزينة رمضان تضيء طرقات العاصمة الرياض
  • هل صيام من لا يصلي باطل أم صحيح؟.. اعرف الحكم الشرعي
  • الدور المصري الذي لا غنى عنه
  • خطوات علمية وعملية لغرس حب القراءة لدى الأطفال
  • سكبة رمضان: موروث شعبي يعكس قيم التراحم في الشهر المبارك 
  • علي الطيب: ضغط التصوير في رمضان عادة أتمنى أن تنتهي