كتبت هيام قصيفي في" الاخبار": مع مجدل شمس، تحول الحزب مجدداً إلى واجهة الحدث الإقليمي والدولي. بين اتصالات عبر إيران ومحلياً عبر الحكومة والرئيس نبيه بري وقنوات الاتصال المعتمدة ، أعاد الإمساك بالوضع الداخلي وتحولت كل الأنظار إليه، لمعرفة ردود فعله حول الرد الإسرائيلي، وما سيليه، واحتمال توسّع الحرب لأنه يمتلك وحده لبنانياً مفتاح الحرب والسلم، قبل الدخول في مرحلة جديدة، من المبكر تلمّس ملامحها.


في المقابل ماذا يفعل الفريق الآخر، من حلفاء الحزب وخصومه؟
تتوجه الأنظار تلقائياً إلى القوى السياسية المسيحية المعارضة أو الموالية لحزب الله. في المشهد العام، وفي اللحظة التي ينتظر فيها الجميع موقف الحزب سواء من الرد الإسرائيلي أو من الشروط التي تضعها واشنطن وبعض الدول الأوروبية الفاعلة أو العربية في ما يتعلق بمرحلة ما بعد غزة، لا تتصرف هذه القوى على أن الخطر واقعي إلى درجة إعادة رسم المشهد اللبناني برمته.
وتحصر هذه القوى برمجة عملها بحدود الداخل من دون أن يكون لها ثقل أساسي يمكن الاتكال عليه في محافل دولية، لا بل إن كل الاتصالات الخارجية تقفز فوق القوى المسيحية برمتها، ولا سيما أن هذه القوى نفسها تتصرف، قبل 7 تشرين وما بعده، منتظرة التحولات التي ستأتي بها التسويات من دون أن يكون لها قرار أساسي فيها، كما الشروط التي تضعها واشنطن وباريس والسعودية على تسوية رئاسة الجمهورية. والأدهى في الأسابيع الأخيرة، تبدو وكأنها تعيش زمن الانتخابات النيابية لا أكثر ولا أقل.
لا يمكن النظر إلى جولات رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، والتي دأب عليها أيام الفراغ السياسي، إلا من منظار انتخابي بحت. خلافه مع نواب حاليين أو سابقين في التيار معارضين له لا يحمل في طياته سوى بذور انتخابية وقياس مدى صلاحية عدائهم أو فصلهم على هذا الأساس. الجولات التي يقوم بها وكأنها عشية الانتخابات النيابية، فيما الحرب الدائرة جنوباً واحتمالات التصعيد الإسرائيلي تزيد كل يوم مع مجدل شمس أو من دونها. القوات اللبنانية ليست أفضل حالاً، وإن كانت تعتبر نفسها أمّ الصبي في التركيز فحسب على معركة رئاسة الجمهورية وتوجيه الرسائل المتتالية إلى الرئيس بري، من دون تحييد البوصلة الانتخابية في تبادل التراشق بينها وبين التيار الوطني الحر، كما يفعل هو ذلك. يتصرف الطرفان انتخابياً، في اللحظة التي تشتعل فيها المنطقة وترسم سيناريوهات عن مستقبل التقاطعات الإقليمية والتحولات التي ترتسم من العراق إلى سوريا ربطاً بما يُعدّ لما بعد غزة. ومع ذلك، هناك من يتصرف وكأن حدود اللعبة الإقليمية محصورة بعدد المقاعد التي سيخسرها التيار لمصلحة القوات، أو المقاعد التي سيحصّلها التيار إذا استغنى عن معارضيه داخل التيار وخارجه.
على هذا المقدار من الانغماس في الشأن المحلي والحزبي، يصبح من الصعب، بعد ذلك، ألّا يُنظر إلى قيادات الصف الأول كوليد جنبلاط الذي ينجح حيث يفشل الآخرون، في أدق ظرف إقليمي، في الحفاظ على دور محوري وعلى التعامل مع المخاطر بأهميتها.

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

أين نحنُ من السودان؟!

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

أرض كوش والنُوبة ومهد الحضارات الأفريقية القديمة وبلاد النيلين وبَوابة العالم العربي إلى إفريقيا، إنِّه السودان البلد المُسالِم والمُهادِن مع كُل تنوعاتهِ الطبيعية الهائلة وتعدُّداتهِ البشرية من حيث الأعراق واللغات والثقافات والإثنيات، حتى ازدادوا بالإسلام عزًا، كما أعز الله به كُل من أسلم، وما يُثبت تصالح السودان مع ذاته داخليًا وعدم وجود مؤسسة دينية ذات فتوى مرجعية هو أنَّ المرجعيات لشيوخ الطُرق الصوفية؛ مما يجعل منها مسألةً بالغة التعقيد وفاتِحةٍ لثغراتٍ خلافية واسعة كما يُعتقد وحسب الصورة النمطية للخلافات الدينية.

لكن هذا لا يحدث في السودان إطلاقًا؛ وهي سماحة تدعو للإعجاب، ومع الأخذ في عين الاعتبار العدد الضخم من القبائل المُسجَلة رسميًا والتي قد تصل إلى 700 قبيلة تقريبًا فإنَّ هذا يُعد من محفزات نشوء بؤر خِصبةٍ للخصومةِ والشِقاق باعتماد الحس الجمعي الذي نعتقده اليوم في ظل عدم وجود دولةٍ تحفظ الحقوق المعنوية الثقافية والحقوق المادية المُباشرة، لنجد مجددًا أنَّ كل ذلك لا يُعتبر مولدًا لإذكاء روح التشاحن وخلق صراعات يُمكن وصفها بالخطيرة.

إنه أمرٌ استثنائي يدُل على إمكانية تعاطي السوداني مع كل المكونات بسهولةٍ وذكاء والتعايش جنبًا إلى جنب مع الاختلافات والفروقات من حولهِ ببساطةٍ دون عناء، في صِفةِ حفظ كرامته من خلال احترام الآخرين وحقوقهم وهو ما شكَّل السِمَة السائدة للشخصية السودانية وما تبين لنا في التَّعامل مع السودانيين، إذًا ما هو مدخل تفكيك هذا الشعب من الباطن للخلوص إلى مخرج إحسانِ التقسيم في الظاهر؟!

صحيحٌ أنَّ الاستقرار السياسي بدلالاتهِ الحديثة لم يَستتِّب بصورة دائمة  في السودان لعدة عقود، لكن لم تنشأ حروب مُهلكةٍ للنسل والحرث مع وجود ثِقلٍ تشريعي للمكون القبلي والديني، إلّا حينما ظهرت الأحزاب السياسية والتي كانت ولا زالت غير قادرةٍ على تأسيس فاعلية صلبةٍ لدولة ديمقراطية من خلال ما تفتعِله بين الحين والآخر من انقلاباتٍ عسكريةٍ تنافُسيَّة في الاستيلاء على رأس هرم السُلطة لمجرد خلافاتٍ ذرائعيةٍ فيما بينها أو كيدية، بيد أنَّ المُجتمع في عمومهِ يفهم جيدًا عمق هذه المعادلة المُتكررة؛ إذ لم تكن لتلك الأحداث في السبعةِ عقودٍ الماضية انعكاسًا صريحًا على شخصية وثقافة الإنسان السوداني من حيث الفكر والسلوك، وهذا دليل راسخ على صلابة الوعي لدى السودانيين كأُمَّة، وليس كأحزابٍ قليلة ساعية للسُلطة والمكاسب الشخصية، على عكس ما نجِده في الجنوب المنفصل والذي تعصفُ به الخلافات الآيدلوجية والإثنية والعرقية؛ مما أفشل قيامه المستقل منذ 13 عامًا كدولةٍ بالمفهوم الحقيقي مع توفر كُل المقومات الاقتصادية.

قد لا يختلفُ اثنان على الصراعات الدائرة تحت الرماد في العالم العربي مُنذ "سايكس- بيكو" واستمرار الدبلوماسية الغربية في تأجيج جذوتها، مع أن السودان لم يشمله اتفاقية التقسيم بشكلٍ مباشر، إلّا أنه أدرج ضمن خطة برنارد لويس عام 1983 في التقسيمات العرقية والطائفية والمذهبية. وقد شهدنا على تحقُّق شيء منها إبّان انفصال الجنوب، وما قد يتحقق لاحقًا مع استبداد الأحزاب المُتنازعة في التصلُّب السُلطوي والتعنُّت في الرأي ليكون مشروع التقسيم القادم بِمعاول الأذرعة الحزبية نوعًا من الحلول التي تُطرح في إطار التفاوض لحفظ السلام وإنفاذ العدالةِ وحماية المدنيين وحقوقهم، وبالطبع لن تُرفض المُبادرة مع تأزم الظروف الإنسانية وسريعًا سيقبل كُل حزبٍ بمساحة معلومةٍ لحكمها وأجزاءٍ مرسومةٍ لبسط نفوذهِ عليها بعد أن قاسموا بقصدٍ أو دون قصد في تأصيل سياسة التجزيء وهم فرحون بما احتازوا.

لقد أسهم السودانيون إسهامًا عظيمًا لا يمكن نُكرانه في وضع اللبِنات الأولى لقيام الدول العربية الحديثة بعد اكتشاف النفط وفي شتَّى مناحي الحياة؛ كالتعليم والزراعة والهندسة وحتى في القانون والمحاسبة والتخطيط المدني، بسبب سبقهم العلمي وسُمعتهم الحميدة، فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه بديهيًا بعد ما أوردته في المقال المقتضب أعلاه هو: أين نحنُ الآن كأمةٍ عربيةٍ وإسلامية مما يحدث في السودان؟ لا سيما أن الوضع السياسي والدبلوماسي يختلف عمّا يحدث في فلسطين "وهما أمران أحلاهُما مُر"، وما المواقف التي اتخذناها إزاء إخوتنا السودانيين؟ أم أنَّ إخلاء الطرف من المسؤولية يحين عندما تلمع مقولة "شأن داخلي" من باب عذر النفس بسد الذريعة؟!

وبصرف النظر عن صِراعات الأحزاب التي يُحاول بعضها العلو على الآخر في النفوذ والاستحواذ على حساب الإنسان والممتلكات والمُكتسبات، فإنَّ ما يحدث من سفك دماء وتقتيلٍ وتنكيلٍ بالأبرياء لهو مدعاةٌ للأسف والحزن الشديد تجاه أحد أكثر الشعوب العربية ودًا ولُطفًا وطيبًا وعرفانًا وتسامحًا، فهل يوجد من يوقف الشرذمةِ المُستبيحة لكل مُحرَّمٍ وممنوع عند حدها ويقول لهم كفى، أم بالنظر نكتفي والسكوت، حتى نبارك يومًا ما غالبية التصويت على التشظي والتفتيت؟!

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • السوداني يؤكد على أهمية إنجاز المشاريع التي تعمل فيها الشركة في العراق
  • أين نحنُ من السودان؟!
  • قطع التيار الكهربائي في عدد من المناطق بـ3 محافظات لأعمال الصيانة
  • زارها بابا الفاتيكان.. تعرف على خريطة انتشار المسيحية بإندونيسيا
  • استجابة لرغبة ايران.. نقل وحصر مقرات المعارضة الإيرانية بكردستان في مكان واحد
  • استجابة لرغبة ايران.. نقل وحصر مقرات المعارضة الإيرانية بكردستان في مكان واحد - عاجل
  • بيان مشترك من الحركة الشعبية لتحرير السودان التيار الثوري الديمقراطي وتحالف القوى المدنية لشرق السودان
  • التيار: البديلان في المتن متوافران
  • مصطفى بكري يرد على المشككين في الإسلام ورموز المسيحية
  • التيار والقوات...فشخة لقدام عشرة لورا