الصهيونية والنازية.. وطريق الهلاك
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
لا يملّ الإسرائيليون من استحضار النازية في خطابهم، وصولاً إلى أنَّ بعض الكتاب الإسرائيليين رأوا أن هناك محاولة مستمرة في “إسرائيل” لإعادة إحياء النازية ورموزها لتبرير المجازر والجرائم التي لم يتوقف الإسرائيليون عن ارتكابها منذ انطلاق الحركة اليهودية، إلا أن المقاربة الإسرائيلية للنازية لا تقف عند هذا الحد العدائي.
المفارقة أن الطرفين يتشابهان إلى حد التطابق، ولكليهما سلوك إجرامي يكاد يكون واحداً من حيث الشكل والمضمون. تؤكد الوقائع التاريخية هذا الأمر، وتؤكد الحرب الإسرائيلية على غزة وصول هذه الحقيقة إلى ذروتها.
يشير المفكر المصري عبد الوهاب المسيري في كتابه “الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ” إلى هذه الحقيقة، ويخلص إلى أن فكرة أن حل “المشكلة الفلسطينية” يتحقق من خلال إلغاء وجود الشعب الفلسطيني ليست سوى مقولة تخص فكر النازية التي تقوم على إلغاء كل عقبة تقف أمام مشروعها.
ويرى المسيري أن الحركة الصهيونية كانت رائدة في تكريس ممارسات الإلغاء والإقصاء والتهميش التي مارستها بعد ذلك الفاشية والنازية، وأن الصهاينة بدأوا باتباع ذلك الأسلوب قبل سنوات عديدة من ولادة الحركات الفاشية والنازية.
كما أكدت دراسات عديدة أن الأمور تخطت مجرد التشابه أو التطابق، وأن تعاوناً نشأ بين الطرفين، وصولاً إلى عقد اتفاقات بينهما.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان من أوائل الذين أشاروا إلى هذا التعاون. لدى عباس أطروحة قدّمها لمعهد موسكو عام 1982 عن العلاقات بين الصهيونية والنازية، ثم حولها إلى كتاب عام 1984 بعنوان: “الوجه الآخر: العلاقات السرية بين النازية والصهيونية”. تحدث عباس عن الاتفاق الذي وقع بين الحركة الصهيونية وقادة الرايخ الثالث عام 1933، والذي يقضي ببيع اليهود ممتلكاتهم للألمان في مقابل تسهيل ترحيلهم إلى فلسطين.
البريطاني اليساري كين ليفينغستون ذكر الكثير من تفاصيل هذا التعاون النازي الصهيوني، واعتبر أن “الصهاينة هم المجموعة اليهودية الوحيدة التي كان هتلر مستعداً للعمل معها”، وتحدَّث عن تفاوض الصهيوني العمالي حاييم أرلوسوروف على اتفاق أسَّس، بحسب ليفينغستون، لما سمّاه “تاريخاً حقيقياً من التعاون”.
أرلوروسوروف هذا كان ضحية أول عملية اغتيال في تاريخ الصهيونية لدوره في التوصل إلى هذا الاتفاق.
لم يؤدِ الاغتيال إلى نهاية القصة الصهيونية النازية. أكدت الوقائع أن للقصة وجوهاً وفصولاً مختلفة. الكذب أحدها. كذب نتيناهو وأسلافه من القادة الإسرائيليين يشبه إلى حد التطابق الكذب الذي اعتمدته النازية، والذي تحدثت عنه الفيلسوفة الألمانية اليهودية حنة أردنت في كتابها المثير للجدل “إيخمان في القدس”.
تقول أرندت: “أصبح الكذب جزءاً لا يتجزأ من الشخصية القومية الألمانية. أثناء الحرب، كانت الأكذوبة الأكثر تأثيراً في عامة الألمان هي شعار “حانت معركة القدر بالنسبة إلى الشعب الألماني”؛ ذلك الشعار الذي أطلقه هتلر أو غوبلز، والذي يوحي أول ما يوحي بأن تلك الحرب لم تكن حرباً، وثانياً أن القدر، وليس ألمانيا، هو الذي أشعلها، وثالثاً أنها كانت مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الألمان الذين كانوا مطالبين بإبادة أعدائهم، وإلا تعرضوا هم أنفسهم للإبادة”.
لقد طور الصهاينة، كما النازيون، الكذب إلى عملية ممنهجة. هذه المسألة يوضحها أفراهام بورغ في كتابه “هزيمة هتلر”، والذي سبب صدمة في “إسرائيل” لدى صدوره عام 2007، فكاتبه الذي كان رئيساً للكنيست يشن فيه هجوماً على الصهيونية.
يتحدَّث بورغ عن اعتماد الإسرائيليين وتبنّيهم نهجاً انتهجه النازيون ببراعة، وهو “تحويل كل ما هو منحرف وفاسد إلى التجسيد الأمثل للسلامة العقلية والنفسية”، وهذا ما أدى، في رأيه، إلى “أن يبتلع الألمان كل ما قيل لهم”.
هذه العملية سُمّيت بـ”مغسلة الكلام الألمانية” التي هدفت إلى غسل دماغ الناس. يضيف بورغ “أن مغسلة الكلمات الإسرائيلية هي واحدة من أكثر مغاسل الكلام تطوراً في العالم”. وكما النازيون، يكثر الإسرائيليون من الكلام عن “حروب الحياة والموت”، وعن خطر “الإبادة” الذي يتهددهم باستمرار.
تصل عملية غسل الكلام إلى مستوى سوريالي حين نرى، وفق بورغ، “أن الجيش الإسرائيلي، وهو من أكثر جيوش العالم هجومية واعتداء، ما زال يحمل رسمياً اسم جيش الدفاع”.
لا يقتصر التشابه بين النازية والصهيونية على الاعتماد على مغسلة الكلام. يتحدث بورغ عما هو أخطر. يقول: “في أثناء تحرير كتاب هزيمة هتلر، اكتشفت أن الهياكل الحكومية والاجتماعية والقومية الأقرب شبهاً إلى هياكلنا هي تلك التي سادت في ألمانيا الموحدة بدءاً من صعود الرايخ الثاني وحتى حلول زمن الفوضى والاضطراب الذي أفرز النازية”.
ويتوقف بورغ عند التشابه الكبير في مسألة دور المؤسسة العسكرية في التجربتين. يوضح أنَّ “الجيش يبقى الركيزة الأساسية لحياة المواطن الإسرائيلي ولهويته، وتعدّ بعض وحدات الاستخبارات والتقنية العسكرية بمنزلة طريق معبر للحصول على أعلى المراكز في مجال صناعة التكنولوجيا، كما أن الكثير من الوظائف الكبرى في مجال الإدارة العامة يشغلها كبار قدامى الضباط بالجيش، مثل النواب والوزراء، وصولاً إلى رؤساء الحكومات”.
يرى رئيس الكنيست الأسبق أن “الجيش الإسرائيلي بمنزلة “أرضٍ خصبة لاستنبات رجال الدولة”، ويضيف: “لسنا أول من ابتدع المجتمع ذا الطابع العسكري، فقد سبقنا إلى ذلك آخرون، في مقدمتهم الدولة الألمانية النازية”.
هذه النازية التي هزمت منذ أكثر من 70 عاماً لا يزال الإسرائيليون يعملون على إعادة إحيائها. تحضر التجربة النازية ورموزها في كل الخطابات والأدبيات الإسرائيلية.
في العام 1982، وأثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان مثلاً، وصف بيغن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بـ”الحيوان ذي القدمين”، وهو التوصيف نفسه الذي كان يطلقه على هتلر. كما وصف رئيس حكومة “إسرائيل” الأسبق ميثاق منظمة التحرير بكتاب “كفاحي” لهتلر.
أيضاً، قال بيغن للرئيس الأميركي آنذاك ريغن إنه كان يشعر أثناء العمليات كأنه يهاجم هتلر في مخبئه في برلين. هذا الكلام ردّ عليه أحد الكتاب الإسرائيليين اليساريين آموس أوز في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إذ نشر مقالاً بعنوان “هتلر مات يا سيادة رئيس الوزراء”، وجاء فيه: “السيد بيغن.. مرة أخرى، ومثلما دائماً كان دأبك، ها أنت تكشف لعامة الناس عن نزعة عجيبة فيك؛ نزعة تجنح إلى إعادة إحياء هتلر لتتمكن من قتله”، وأضاف: “تلك النزعة التي تهدف إلى بعث هتلر وتصفيته مراراً وتكراراً هي نتاج قلق نفسي قد يعبّر عنه الشعراء، ولكن تلك النزعة إذا ما راودت رجال الدولة فهي خطر مدمّر يسوق البلاد على طريق الهلاك”.
بعد أكثر من 40 عاماً على هذا التحذير، يستمرّ “رجال الدولة” في “إسرائيل” باعتماد المنهج نفسه. خطاب نتنياهو في الكونغرس هو أحد أقوى الأدلة على ذلك. ويبدو أن لدى نتنياهو أكثر من غيره من المسؤولين الإسرائيليين نزعات عديدة مدمرة ستسوق إسرائيل إلى الهلاك، وبوتيرة أسرع مما توقعها أوز.
إعلامية لبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ما الذي تحتاجه مذكرات التفاهم مع مصر للتحول إلى واقع؟
بغداد اليوم - بغداد
تُشكّل مذكرات التفاهم التي وُقّعت بين بغداد والقاهرة خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الثنائية، لكنها تطرح تساؤلات حول مدى قابليتها للتحول إلى اتفاقيات رسمية ذات طابع إلزامي.
المختص في الشؤون القانونية، سالم حواس، أوضح لـ"بغداد اليوم"، أن هذه المذكرات ليست اتفاقيات بحد ذاتها، بل تمهيد لها، ويتطلب تحويلها إلى اتفاقيات مصادقة مجلس النواب العراقي.
توقيع 12 مذكرة تفاهم في مجالات مختلفة
تم خلال اجتماع اللجنة العليا العراقية المصرية أمس في بغداد توقيع 12 مذكرة تفاهم، شملت مجالات النقل البري، مكافحة الاحتكار، التنمية المحلية، التعاون الثقافي، تنظيم الرقابة المالية، الآثار والمتاحف، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى التعاون بين الغرف التجارية في البلدين.
وفي حزيران 2023، وقع العراق ومصر أكثر من عشر مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التجارة، السياحة، الاستثمار، النقل، الثقافة، والآثار، بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى سابقة تعود لعام 2020، لكن لم يتحقق تقدم يُذكر في تنفيذ هذه الاتفاقيات، ويعود ذلك إلى تعقيدات إدارية، وعدم توفر التمويل اللازم لبعض المشاريع، إلى جانب غياب آليات متابعة صارمة لضمان تنفيذها.
وتُعرف مذكرات التفاهم بأنها خطوات تمهيدية لعقد اتفاقيات رسمية ملزمة، لكنها لا تمتلك قوة قانونية تجبر الطرفين على التنفيذ الفوري. وفقًا للمختص في الشؤون القانونية سالم حواس، فإن تحويل مذكرات التفاهم إلى اتفاقيات حقيقية يتطلب موافقة البرلمان العراقي، وهو إجراء قد يستغرق وقتًا طويلاً، خاصة إذا كانت هناك خلافات سياسية أو اقتصادية حول مضمونها.
ويضيف أن العراق وقع خلال السنوات الماضية العديد من مذكرات التفاهم مع دول عدة، لكن القليل منها تحول إلى اتفاقيات رسمية، وذلك لعدة أسباب تتعلق بالإرادة السياسية، البيروقراطية الإدارية، والتحديات المالية.
ومنذ سنوات، وقع العراق العديد من مذكرات التفاهم مع دول مختلفة في مجالات متعددة، بما في ذلك الاستثمار، التجارة، الأمن، النقل، الثقافة، والطاقة.
ورغم توقيع هذه المذكرات بحضور رسمي وإعلامي كبير، إلا أن معظمها لم يُنفذ على أرض الواقع، ما يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التعثر. فهل تعاني هذه الاتفاقيات من مشاكل فنية وإدارية، أم أن العوامل السياسية والاقتصادية تلعب الدور الأكبر في عرقلتها؟
عقبات أمام تفعيل الاتفاقيات
رغم أهمية هذه المذكرات، إلا أن التجارب السابقة تشير إلى أن العديد من مذكرات التفاهم التي وقعها العراق مع دول أخرى لم تتحول إلى اتفاقيات ملزمة، لغياب الإرادة السياسية، حيث يتم توقيع العديد منها لأغراض دبلوماسية وإعلامية أكثر منها لغايات تنفيذية حقيقية.
كما أن البيروقراطية العراقية تشكل عائقًا أمام تنفيذ الاتفاقيات، إذ إن عملية تحويل مذكرة تفاهم إلى اتفاقية رسمية قد تستغرق سنوات بسبب تعقيدات إدارية داخل المؤسسات الحكومية.
وإلى جانب ذلك، فإن الأوضاع المالية تلعب دورًا رئيسيًا، حيث تتطلب بعض المذكرات تخصيصات مالية كبيرة، وفي ظل الأزمات الاقتصادية التي مر بها العراق، يصبح من الصعب على الحكومة تأمين التمويل اللازم لهذه المشاريع.
وايضا، البيئة الاستثمارية غير المستقرة تمثل أيضًا أحد الأسباب التي تؤدي إلى تأجيل تنفيذ العديد من الاتفاقيات، حيث لا تزال التحديات الأمنية والسياسية تؤثر بشكل كبير على رغبة الدول والشركات الأجنبية في الالتزام بمشاريع طويلة الأمد داخل العراق.
ورغم محاولات الحكومة تحسين مناخ الاستثمار، إلا أن العراق لا يزال يواجه عقبات كبيرة في جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وهو ما ينعكس سلبًا على تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية.
ما الذي تحتاجه هذه المذكرات للتحول إلى واقع؟
في ضوء هذه التحديات، يبدو أن مستقبل مذكرات التفاهم يعتمد بشكل أساسي على قدرة العراق على إجراء إصلاحات إدارية واقتصادية، وتوفير بيئة أكثر استقرارًا لجذب الاستثمارات الأجنبية.
فبدون إرادة سياسية حقيقية، وتسهيلات إدارية، وتخصيصات مالية مناسبة، ستبقى هذه المذكرات مجرد وثائق تُوقع في القمم والاجتماعات، دون أن تتحول إلى مشاريع ملموسة تعود بالفائدة على البلاد.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيتمكن العراق من كسر هذه الحلقة المتكررة وتحويل وعود التعاون إلى إنجازات فعلية، أم أن الاتفاقيات ستظل مجرد أوراق تنتظر التنفيذ؟
المصدر: "بغداد اليوم"+ وكالات