هل يجعل حفتر من ليبيا بوابة الروس إلى دول الساحل؟
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
سلطت صحيفة "جون أفريك" الضوء على زيارة صدام حفتر، نجل اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، إلى واغادوغو في التاسع من تموز/يوليو كانت تهدف إلى تعزيز العلاقات الأمنية مع دول الساحل.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه من خلال تقربه من الأنظمة القائمة في منطقة الساحل مثل قربه من موسكو يلعب اللواء الليبي على عدة جبهات، ولكنه يسعى قبل كل شيء إلى تعزيز سلطته في مواجهة السلطات الغربية ووضع نفسه كشريك لا غنى عنه بما في ذلك بالنسبة للغربيين.
لم تمر زيارة صدام حفتر، الابن الأصغر للواء المتقاعد الذي يسيطر على أكثر من نصف ليبيا إلى واغادوغو في التاسع من تموز/يوليو، مرور الكرام على الرغم من جو التكتم الذي ميزها. لقد تم بالفعل تكليف الوريث المفترض لممتلكات والده بمهام دبلوماسية، تماما مثل إخوته الآخرين. ولكنه يتمتع بالهيمنة في المجال العسكري، لأنه تمت ترقيته في الخامس عشر من أيار/مايو إلى منصب رئيس أركان القوات البرية التابعة للجيش الوطني الليبي الذي أعلن والده عن تأسيسه.
وبينت الصحيفة أن التوقيت ليس مصادفة؛ حيث تأتي الزيارة بعد ثلاثة أيام من إنشاء اتحاد دول الساحل بين الأنظمة العسكرية التي استولت على السلطة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ومن بنغازي إلى باماكو؛ تجمع بين كبار الضباط الذين يتولون القيادة نقاط مشتركة، حيث استولوا على السلطة من حكومات مدنية اعتبروها تحت السيطرة وعاجزة عن مواجهة الحروب التي تشعل المنطقة، أو صراعات يغذيها سقوط القذافي منذ نهاية سنة 2011.
التعاون الأمني المنطقي
وأوضحت أنه من النقاط المشتركة بين هؤلاء الضباط أن السياسيين والصحفيين والناشطين.. وكل من يعارضون رؤيتهم وأساليبهم يجدون أنفسهم في قبضة "الإرهاب مع الأعداء المعلنين للجيش: الجهاديين والإسلاميين المتطرفين. وهؤلاء، المتنقلون، والمنظمون في شبكات، يعرفون كيفية الاستفادة من البيئة الشاسعة والعدائية في منطقة الساحل وكذلك الفجوات الحدودية التي زادت بسبب عدم الاستقرار السياسي في الدول الأربع: بالتالي، يبدو إنشاء تعاون أمني فعال منطقيًّا، بل وضروريًّا. وفي الواقع، تم تعيين صدام حفتر، صاحب القوة المطلقة في جيش والده، لإبرام هذه الصفقة مع كونفدرالية دول الساحل".
ونقلت الصحيفة عن جليل حرشاوي، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في شؤون ليبيا قوله إن "أبناء حفتر جميعهم يخدمون دبلوماسيته، لكن صدام هو رئيس الأمن وهو المسؤول عن منطقة الحدود الجنوبية حيث تحاول مجموعات مسلحة متعددة التسلل. وكان مسؤولًا عن الملف السوداني، وكان قد التقى بشكل خاص بالتشادي إدريس ديبي قبل وفاته".
ومن بنغازي إلى باماكو؛ يواصل هذا الخط الروسي تأكيد نفسه بشكل أسرع وأعلى وأقوى في مواجهة أعدائه الغربيين المعلنين: فرنسا، التي تم طرد جيوشها من المنطقة، والولايات المتحدة التي بدأت بالانسحاب بالفعل. وهكذا يصبح ميناء طبرق ذو المياه العميقة، شرق بنغازي، الخاضع لسيطرة حفتر، بوابة الكرملين لطموحاته الأفريقية وفيلقه الأفريقي، التابع لوزارة الدفاع، التي حلت محل مجموعة فاغنر شبه العسكرية.
الممر الروسي
وبحسب الصحيفة؛ يعد ميناء طبرق، الذي يمكن الوصول إليه بسرعة من البحر الأسود، محورًا أكثر ملاءمة بكثير مما كانت عليه جمهورية أفريقيا الوسطى المحاصرة، والتي كانت أول هدف روسي يتم ضربه في سنة 2018. ويشتبه منذ فترة طويلة في أن موسكو تسعى لفتح قاعدة بحرية في طبرق كما فعلت في سوريا، في طرطوس، وهي تتصرف الآن هناك كما لو أن الاتفاق قد تم إبرامه بشكل سري، حيث تتناوب سفنها الحربية على الميناء بوتيرة منتظمة. وفي أبريل/نيسان، تم تصوير العديد منهم هناك، أثناء تفريغ آلاف الأطنان من الأسلحة دون أي مراعاة للسرية.
وتقول البروفيسورة فيرجيني كولومبييه، رئيسة منصة ليبيا في جامعة لويس جويدو كارلي في روما: "لقد تساءلنا لمن خُصِّصت هذه المعدات. فربما بقيت كمية معينة في ليبيا، لكن جزءًا كبيرًا منها تم إنزاله ليتم نقله نحو بوركينا فاسو، على طريق بوركينا-النيجر-مالي المهم وعلى الجانب الآخر نحو السودان. لدى روسيا بالفعل مصلحة في استخدام ليبيا كمنصة ونقطة انطلاق نحو دول الساحل، ولا شك أن زيارة صدام إلى واغادوغو مرتبطة بها أيضا"؛ فهل سيصبح حفتر خادمًا لبوتين؟
في كثير من النواحي، تعتبر الدبلوماسية التي يستخدمها خليفة حفتر متناقضة: ففي السودان؛ يدعم قوات الجنرال المنشق حميدتي ضد قوات الجنرال البرهان، رئيس الدولة المدعومة من مصر، الداعم الرئيسي لبنغازي. وقد استضاف الجنود الفرنسيين وكذلك مرتزقة فاغنر الروس السابقين في قواعده، ويسعى إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع باريس بينما بينما يتقارب مع موسكو.
وأضافت الصحيفة أنه في الآونة الأخيرة، بدأ يتقرب من الأتراك، الذين يدعمون منافسيه في طرابلس، لكن مغريات عقود واعدة لإعادة الإعمار والتنمية في المنطقة تجذبهم.
وأنشأت فرنسا "القيادة من أجل أفريقيا" التي عُهد بها، في 26 يونيو/حزيران، إلى الجنرال باسكال لاني. وتتمثل مهمتها في إقامة "شراكات أمنية مع الدول التي تطلب ذلك"، من أجل جمع المعلومات الاستخبارية أولا لمكافحة الإرهاب، حسبما ذكرت صحيفة "'لو كانار انشينيه'" في عددها الصادر في 14 تموز/يوليو.
إذًا، هل ستجعل إعادة توجيه فرنسا نحو أفريقيا من حفتر إحدى أوراقها الرابحة في النصف الشمالي من القارة؟
ولفتت الصحيفة إلى أن عمل الموازنة المعقد الذي يقوم به المشير، والذي يوسع جغرافيته السياسية المحلية من الشراكات الانتهازية والذي نجح حتى الآن، لا يخلو من المخاطر، لأن الرغبة في سماع الجميع قد تجعلك مشتبهًا به من الجميع.
وبينت الصحيفة أن حفتر قد أثار غضب القاهرة، التي ترى في هذا الموقف نقصًا في الولاء، وكذلك من موسكو التي ترغب في وجود حاكم أكثر طاعة: فقد تميل هذه العواصم إلى إيجاد بديل له.
على الجانب الآخر؛ شجع تحالفه الاستراتيجي مع بوتين مؤيديه السابقين في الغرب، وفي المقام الأول فرنسا، على الابتعاد عنه منذ إعادة تنشيط الصراع الأوكراني في سنة 2022. لكن حفتر يحمل ورقة رابحة، وهو مقتنع بأنه لن يتمكن أحد من إيجاد بديل له في الساحة الليبية الحالية.
وبالتالي فإن زيارة صدام حفتر إلى واغادوغو تهدف إلى جعل والده همزة الوصل في تحالف أمني من موسكو إلى كوناكري، والوسيط الذي لا غنى عنه في المنطقة للقوى الدولية التي لها مصالح هناك، كما تهدف إلى بناء شرعية سلطة حفتر بين رؤساء الدول الانقلابيين، الذين هم أيضًا في بحث عن نفس الشرعية الدولية، مع بسط نفوذه إقليميا.
وحسب فيرجيني كولومبييه: "منذ سنة 2011، فقدت ليبيا النفوذ الخارجي الذي كانت تتمتع به في عهد القذافي. ويشعر العديد من محاوري الليبيين بالحزن بسبب ذلك، وقد فقدت الجهات الفاعلة فيها القدرة على فهم بيئتها الإقليمية والتفاعل معها، سواء في شمال أفريقيا وخارجها في القارة، وهو ما يعتبر فجوة كبيرة. ومع ذلك، في هذه الحلقة، هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها إسقاطا دبلوماسيا إقليميا من هذا النوع".
وأكدت الصحيفة على أن المسؤولين الليبيين، من الشرق والغرب، يكثفون من الزيارات الدولية ويستقبلون أعدادًا من الدبلوماسيين. لكن الحسابات ذات طبيعة داخلية، بهدف ضمان الشرعية السياسية وتكوين شراكات اقتصادية والحفاظ على الدعم المستمر لرعاتهم الأجانب، مصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة من جانب بنغازي، وتركيا، وبدرجة أقل الجزائر وقطر من جهة طرابلس.
وتذكر الصحيفة أن الباحثة فيرجيني كولومبييه ترى أن "احتلال هذا الفراغ هو خطوة من إستراتيجية حفتر الشاملة التي تهدف إلى ضمان السيطرة على عدد من رافعات القوة الأساسية. وهكذا، وبعد أن كانت يده على رافعة الأمن لفترة طويلة، جعل من جيشه الركيزة الأساسية للاقتصاد سيرًا على خطى النموذج المصري.
ولفتت إلى أن الاقتصاد السري يقع تحت سلطته، بل إنه يشارك في العمل الإنساني، حيث تم تعيين ابنه بلقاسم على رأس "صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا" بعد الفيضانات الكارثية التي اجتاحت درنة في أيلول/سبتمبر 2023، التي خلفت رهانات اقتصادية ضخمة. وفي سياق يتوقع فيه الجميع رؤية المشير البالغ من العمر 80 سنة، والذي أصيب بجلطة دماغية في سنة 2018، يختفي بين عشية وضحاها، وحيث لا يستطيع أحد معرفة ما سيحدث في اليوم التالي، يحاول الأب وأبناؤه إغلاق أكبر عدد ممكن من الآليات الأساسية للسيطرة على أجزاء البلاد التي تقع تحت سيطرتهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية حفتر دول الساحل ليبيا روسيا ليبيا روسيا حفتر دول الساحل صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى واغادوغو دول الساحل الصحیفة أن صدام حفتر تهدف إلى
إقرأ أيضاً:
الأزمة الليبية: تعقيدات متشابكة ومستقبل مجهول
منذ أكثر من عقد من الزمان، تمر ليبيا بأزمة سياسية واجتماعية عميقة، أصبحت فيها حالة الجمود السياسي السمة المميزة للوضع العام، فقد تجاوزت الأجسام السياسية، مثل مجلس النواب ومجلس الدولة، مددها القانونية بفارق زمني كبير، لكنها ما زالت تمارس السلطة وتستفيد من امتيازاتها دون تحقيق الأهداف التي أُنشئت من أجلها، وفي ظل هذا الواقع، غابت الانتخابات التي تُعد السبيل الأمثل لتجديد الشرعية السياسية وبناء الدولة.
أيضا جاءت بعد حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة كحل انتقالي يهدف إلى تمهيد الطريق لإجراء الانتخابات. لكن مع التأجيل المستمر وغياب التوافق السياسي، تحولت الحكومة إلى امر واقع . ورغم الوعود المتكررة من الدبيبة بإجراء الانتخابات وتسليم السلطة، إلا أنه يبدو متمسكًا بموقعه، سواء عبر تأجيل العملية الانتخابية أو بالامتناع عن تسليم السلطة لجهة أخرى، سواء كانت منتخبة أو غير منتخبة.
على الجانب الآخر، يبرز المشير خليفة حفتر كلاعب رئيسي في المشهد العسكري والسياسي الليبي. حفتر، الذي تقدم به العمر، يصر على البقاء في السلطة، وطموحه يتجاوز السيطرة على المنطقة الشرقية (برقة) إلى حكم ليبيا بأكملها، ما يجعله يرفض أي فكرة للاكتفاء بحكم مناطقي.
السؤال: من المستفيد من حالة الجمود السياسي؟
يعتقد أن أكثر المستفدين من استمرار الأزمة الليبية هم الأطراف السياسية خاصة في ظل غياب ضغط شعبي قوي أو تدخل دولي حاسم، يجد الشعب الليبي نفسه مضطرًا للتعايش مع هذا الجمود كبديل عن العودة إلى حرب أهلية أو فوضى أمنية مدمرة، هذا القبول الضمني يدعم تمسك النخب السياسية بمواقعها، مستغلة الانقسامات الداخلية وضعف مؤسسات الدولة.
رغم الحديث عن تقسيم ليبيا كأحد السيناريوهات الممكنة، إلا أن هذا الخيار يبدو غير واقعي، فحفتر، الطامح إلى السيطرة على ليبيا بأكملها، يرفض فكرة الاكتفاء بحكم منطقة برقة، في المقابل، ترفض القوى في المنطقة الغربية الخضوع لأي حكومة مفروضة من الأطراف الشرقية، خاصة مع هيمنة حفتر العسكرية على مجلس النواب.
في الوقت نفسه، يظهر اختلاف جوهري في أساليب السيطرة بين الشرق والغرب. ففي حين فرض حفتر سيطرته الكاملة على برقة عبر القضاء على الميليشيات، اعتمد الدبيبة في الغرب على استيعاب التشكيلات العسكرية من خلال الدعم المالي لها ، محولًا إياها إلى مؤسسات حكومية شكلية لضمان دعمها لبقائه في السلطة.
ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي الليبي وجود حكومتين متنافستين: الأولى حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًا لكنها غير قادرة على ممارسة سلطاتها في شرق ليبيا، والثانية حكومة نابعة من مجلس النواب ومدعومة من حفتر لكنها لا تحظى بالاعتراف الدولي ولا تمارس سلطاتها في الغرب.
وتستغل كل الأطراف هذا الانقسام في السيطرة على الموارد، خاصة مع هيمنة حفتر على حقول النفط واستخدامها كورقة ضغط لتحقيق مصالحه السياسية. في الوقت نفسه، يعاني مصرف ليبيا المركزي من محاولات نهب متكررة من مختلف الأطراف، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية.
أيضا عدم احترام الأحكام القضائية، خاصة تلك الصادرة عن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، يعكس غياب سيادة القانون في ليبيا، كما أن الاجتماعات السياسية التي تُعقد بين الأطراف المتنازعة، سواء في بوزنيقة بالمغرب أو في درنة، تبدو في غالبها مجرد استعراضات دعائية بلا نتائج ملموسة، فالخلافات بين مجلس النواب ومجلس الدولة لا تزال عميقة، والقلوب متنافرة، ما يجعل الحديث عن حل قريب أمرًا بعيد المنال.
وفي الختام، إن المحاولات المستمرة للأمم المتحدة لإيجاد حلول تُنهي الأزمة، إلا أن جهودها لم تحقق أي نتائج ملموسة حتى الآن بسبب غياب الرؤية الواضحة وضعف الضغوط الدولية يجعل المنظمة الدولية غير قادرة على إحداث تغيير حقيقي لصالح الشعب الليبي، الذي يبقى المتضرر الأكبر من هذا المشهد المعقد.
وللأسف فإن الأزمة الليبية مرشحة للاستمرار ما لم يحدث ضغط داخلي قوي من الشعب الليبي أو تدخل خارجي يُغيِّر قواعد اللعبة السياسية، ومع استمرار استفادة النخب السياسية من الوضع القائم، تبدو آفاق الحل غامضة، ويبقى التساؤل: إلى متى سيبقى هذا الجمود السياسي سيد الموقف في ليبيا؟
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.