توجه نحو التطبيع مع نظام الأسد.. هل يتخلى الاتحاد الأوروبي عن اللاءات الثلاث؟
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
يشهد الموقف الأوروبي من النظام السوري تغيرات جذرية بدأت تخرج إلى العلن في الآونة الأخيرة، على وقع إعلان إيطاليا استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق وتعيين سفير لها، وهي الخطوة التي جاءت بالتزامن مع تحرك كتلة في الاتحاد الأوروبي للمطالبة بالتخلي عن "لاءات أوروبا الثلاث" التي تحدد موقع التكتل من بشار الأسد ونظامه.
وكان بشار الأسد كسر عزلته الدولية التي فرضت عليه بعد قمعه الوحشي للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت عام 2011، بعدما بدأت دول عربية بتطبيع علاقاتها معه، الأمر الذي أدى إلى حضور رئيس النظام السوري إلى قمتين متتاليتين لرؤساء دول الجامعة العربية، كانت أولاهما في أيار /مايو عام 2023.
وبدعم من حليفته الرئيسية روسيا، بدأ النظام بالتفاعل بشكل إيجابي مع مبادرات تركيا الرامية لتطبيع العلاقات بعد قطيعة استمرت لأكثر من 12 عاما، حيث من المتوقع بحسب تقارير صحفية أن يلتقي الأسد وأردوغان خلال شهر آب/ أغسطس القادم من أجل تدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين.
في غضون ذلك، تتجه العديد من الدول الأوروبية في ظل التجاهل الأمريكي والتوجه العربي والإقليمي نحو الأسد، إلى دفع الاتحاد الأوروبي إلى إجراء تغييرات جذرية في سياسته تجاه النظام السوري، بما في ذلك التخلي عن "اللاءات الثلاث" المتعلقة بالتطبيع وإعادة الإعمار ورفع العقوبات.
ومنذ قطع الدول الأوروبية والغربية علاقاتها مع نظام الأسد واستدعائها بعثاتها الدبلوماسية عام 2012 بسبب "العنف غير المقبول" الذي واجه فيه النظام الاحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد عقب اندلاع الثورة السورية في آذار /مارس 2011، شكلت لاءات أوروبا الثلاث (لا لرفع العقوبات عن النظام، لا لتطبيع العلاقات، لا لإعادة إعمار ما لم يتم تحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية حسب القرار الدولي 2254) المرجعية الرئيسية للموقف الأوروبي تجاه الحرب الدموية التي شهدتها سوريا، والتي لا تزال ترزح تحت وطأة تداعياتها إلى الآن.
دعوات للتخلي عن "اللاءات الثلاث"
والأسبوع الماضي، أعلنت إيطاليا استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، كما عينت المبعوث الخاص لوزارة الخارجية حاليا إلى سوريا ستيفانو رافانيان، سفيرا لها، لتصبح بذلك أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، التي تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق.
وجاءت الخطوة الإيطالية بعدما أرسل وزراء خارجية النمسا وقبرص وجمهورية التشيك وإيطاليا وكرواتيا وسلوفينيا واليونان وسلوفاكيا، رسالة مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل، تدعوه فيها إلى التفاعل مع التقارب العربي مع النظام السوري، الذي أسفر عن إعادة دمشق إلى مقعدها بالجامعة العربية.
وبحسب الرسالة التي نشرت مجلة "المجلة" نصها، فإن وزراء الدول الأوروبية المشار إليها، اقترحوا إعادة النظر في الاستراتيجية الأوروبية المعتمدة في عام 2017 والتي تقوم على "اللاءات الثلاث"، مشيرين إلى "الوضع على الأرض في سوريا وما حولها بشكل كبير. حيث استعاد النظام السوري السيطرة على حوالي 70 بالمئة من الأراضي، بينما استقرت المناطق خارج سيطرته نسبيا".
ولفتت الرسالة إلى التطبيع العربي مع نظام الأسد للاستدلال على وجود "ديناميكية إقليمية جديدة"، كما لفتت إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد والتردي الاقتصادي الكبير، بالإضافة إلى استمرار هجرة السوريين نحو القارة الأوروبية "الأمر الذي شكل ضغطا إضافيا على دول الجوار، في فترة يزداد فيها التوتر في المنطقة".
ولطالما برز ملف اللاجئين السوريين الذين غادروا بلادهم هربا من قمع النظام والحرب الدموية التي عمت البلاد خلال العقد الأخير، كأحد أبرز المحركات التي تدفع الدول إلى العمل على تطبيع علاقاتها مع بشار الأسد، لا سيما في البلدان التي تشهد صعودا لليمين المتطرف المعادي للاجئين.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أنه "عند النظر إلى دور قضية اللاجئين في صعود اليمين المتطرف إلى السلطة، نستطيع أن نلاحظ تأثير هذا الصعود على تحول سياسات بعض الدول الأوروبية تجاه الصراع السوري".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "الخطوة الإيطالية هي بداية انهيار الإجماع الأوروبي في الموقف تجاه نظام الأسد وتفسح المجال أمام دول أوروبية أخرى لإعادة تطبيع علاقاتها بدمشق. كما تعكس الكيفية التي تعمل فيها قضية اللجوء على إحداث انقسام في السياسة الأوروبية تجاه الصراع".
وكانت الأزمة السورية أجبرت ما يقرب من 12 مليون سوري على مغادرة منازلهم بين نازح داخل البلاد ولاجئ في دول الجوار والدول الأوروبية، ورغم تراجع حدة المعارك بين النظام السوري والقوى المسيطرة على مناطق مختلفة من سوريا بما في ذلك قوى المعارضة في الشمال، إلا أنه لا يزال كثيرون يحاولون الوصول إلى أوروبا إما عبر تركيا أو شمال أفريقيا بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وانعدام أي حل سياسي في الأفق.
وعلى الصعيد الأوروبي، تعد ألمانيا أكثر دول الاتحاد الأوروبي استقبالا للاجئين السوريين حيث يزيد إجمالي عددهم على 780 ألف لاجئ، في حين تأتي السويد في المرتبة الثانية ومن بعدها هولندا. وعلى الرغم من توجه إيطاليا نحو التطبيع مع النظام وسط مخاوفها من ملف اللجوء، إلا أن روما تعد من أقل الدول الأوروبية استقبالا للاجئين السوريين بحصيلة لا تتعدى الآلاف.
مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، يرى أن "إيطاليا كانت تميل لموقف النظام السوري طوال سنوات الحرب، حيث لم تنقطع الاتصالات الاستخباراتية بينهما، وزار علي مملوك (أحد أشهر الشخصيات الأمنية والاستخبارية في نظام الأسد) إيطاليا عدة مرات رغم وجوده على قائمة العقوبات".
ويستدرك في حديثه لـ"عربي21"، "لكن يبدو أن إيطاليا بهذه الخطوة تريد تحقيق مكاسب اقتصادية في مرحلة إعادة الإعمار، خاصة مع كثرة الحديث عنها مؤخراً، لذلك جاءت هذه الخطوة لتعكس رغبة إيطاليا في اتخاذ موقف متقدم لتحسين علاقاتها مع النظام السوري ولعب دور في إعادة إعمار البلاد".
دور اليمين المتطرف
ويأتي تحرك دول أوروبية لصالح التقارب مع النظام السوري على وقع صعود اليمين المتطرف في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، الذي "تتواصل أيديولوجياته في الانتشار واكتساب الزخم"، حسب تقرير سابق لـ"واشنطن بوست".
وتشهد إيطاليا حكومة هي "الأكثر يمينية منذ حكم الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني"، حسب تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، ذكر أن هناك عدة أسباب وراء "الطفرة الشعبوية"، ترجع بشكل عام إلى "معاناة عدة دول أوروبية من تباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدلات الهجرة وزيادة أسعار الطاقة".
ويشير العبد الله، إلى أن "الموقف من قضايا اللاجئين هو المحرك الأساسي لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، فهذه الأحزاب تسعى لكسب الأصوات في الانتخابات من خلال الترويج بأن إعادة العلاقات مع النظام السوري قد تحل أزمة اللاجئين وتحد من المخاطر الأمنية".
و"غالبا ما تتبنى هذه الأحزاب مواقف متشددة تجاه اللاجئين ولا تجد مشكلة في التعامل مع نظام الأسد لتحقيق أهدافها الانتخابية والسياسية"، وفقا لمدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون.
وعلى الرغم من التصدعات في الموقف الأوروبي تجاه دمشق، إلا أن الدول التي تقود الموقف الغربي من النظام السوري مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، لا تزال تظهر رفضا لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
وكانت واشنطن أعربت عن رفضها لمسار التقارب الذي تنتهجه أنقرة لتطبيع علاقاتها مع دمشق، في حين استبعدت ألمانيا تطبيع العلاقات مع النظام السوري الذي "يواصل ارتكاب جرائم".
والاثنين الماضي، قالت وزارة الخارجية الألمانية، إنه "من الواضح أن النظام السوري يمنع حاليا أي تقدم في العملية السياسية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ويواصل ارتكاب أخطر جرائم حقوق الإنسان ضد شعبه بشكل يومي".
وأشارت إلى أنه "طالما أن الأمر كذلك، فلا يمكن أن تكون هناك رغبة حقيقية في تطبيع العلاقات مع النظام السوري".
علوش، يرجح أن "نشهد مزيدا من التحول الأوروبي تجاه الأسد، لكن مثل هذا التحول سيعمق الانقسام في سياسة الاتحاد الأوروبي وسيقوض قدرته على تقديم سياسة متماسكة".
"تراجع الدور الأمريكي"
وحول موقف الولايات المتحدة ودوره في تزايد أعداد الدول المتجهة إلى تعويم نظام الأسد، فإن علوش يلفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "جانبا رئيسيا من دوافع التحولات الإقليمية والدولية في الصراع السوري مرتبط بتراجع الدور الأمريكي".
و"هذا التراجع يعمل كمحفز لبعض الدول لتغيير سياساتها في الصراع. نحن أمام سياسة أمريكية غير متماسكة في سوريا"، حسب الباحث.
ويوضح علوش، أن "الأمريكيين يعارضون الانفتاح على الأسد لكنهم لا يستخدمون نفوذهم لمنع حلفائهم في المنطقة من كسر عزلة الأسد. وفي حال عودة محتملة لترامب إلى البيت الأبيض، قد نشهد تحولا أمريكيا أكبر في سوريا".
وكانت الولايات المتحدة، على الرغم من معارضتها علنا للتطبيع مع نظام الأسد، إلا أنها لم تحل دون التقارب العربي مع النظام السوري. والآن تعمل تركيا على تطبيع علاقاتها مع دمشق في وقت يبدو فيه الملف السوري في أدنى قائمة أولويات واشنطن، التي تضع ثقلها في ملف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات رئاسية قد تخرج الإدارة الديمقراطية من البيت الأبيض وتعيد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
العبد الله، يعتبر أن "الصمت الأمريكي لا يمكن اعتباره بمثابة ضوء أخضر للمضي في التطبيع مع النظام السوري، والإدارة الأمريكية الحالية لم تؤيد هذه الخطوات بشكل صريح، لكنها لم تهدد الدول التي تقوم بالتطبيع مع النظام".
ويوضح في ختام حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الموقف قد يستمر حتى الانتخابات الأمريكية القادمة، حيث يمكن أن تأتي إدارة جديدة بموقف مختلف، فالإدارة الحالية ترى في هذه الخطوات وسيلة لتعديل سلوك النظام السوري فقط، وخاصة أنه وقف موقفا محايدا من الحرب في غزة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية إيطاليا أوروبا الأسد سوريا سوريا الأسد إيطاليا أوروبا المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تطبیع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبی مع النظام السوری الدول الأوروبیة الیمین المتطرف تطبیع العلاقات مع نظام الأسد العلاقات مع التطبیع مع حدیثه لـ إلا أن
إقرأ أيضاً:
التطبيع العكسي أو أضغاث نتنياهو وترامب.. إنجازات الطوفان الفلسطيني والربيع السوري
لا أنكر أن ظاهر ما عليه حال الإقليم وحال العالم قد توحي لنتنياهو وترامب أن يتوهما قابلية فرض السلام بالقوة أمرا ممكنا بعد ما حققه الطوفان في فلسطين وما حققه الربيع في دمشق.
وسأبدأ بما ترتب عليهما في الإقليم وفي العالم لأثبت أن الرجلين يبكيان على أطلال ما كان ممكنا قبلهما وصار مستحيلا بعدهما.
فأولا أثبت الطوفان أن إسرائيل لا حول لها ولا قوة من دون دخول الغرب معها في الحرب حتى لو كانت مع فرقة صغيرة من أهل غزة وهو ما يثبت استحالة أكثر مما حققت ومعها الغرب فكيف إذا بقيت منفردة.
وكان ينبغي أن تفهم ما سيفرض عليها مستقبلا الاعتماد على نفسها دون الغرب الذي صار منشغلا بمعركة أكبر هي معركة النظام العالمي الجديد الذي أفقده وحدته وقدرته على خوض أي حرب حتى لو اعتمد تقدمه التقني والاستعلامي.
ولو كان الغرب واثقا من ذلك لما فر الحلف الأطلسي من أفغانستان مكررا فراره من فيتنام، ولما فرت فرنسا من إفريقيا ولما صار الغرب في حرب داخلية بين أوروبا وأمريكا التي تعاملهم معاملتها لنا قبل أن نهزمها في المعارك التي خاضتها معنا بعد سقوط السوفييت والتي أضاعت فيها فرصة الاستعداد لمعارك المستقبل.
إسرائيل وإيران قضتا على قوتيهما لما تصارعتا على تقاسم الإقليم في غفلة عما كان يجري في البنية العميقة التي تخلصت من الفتنة الصغرى أي ما ترتب على سايكس بيكو من تفتيت جغرافية الإسلام وتاريخه بعده.فإذا أضفنا أن إسرائيل لم تفقد الردع العكسري فحسب ـ حتى وإن حاولت التدارك مع حزب الله الذي استسلم لأنه ليس مقاوما بل ممانع هدفه مقاسمة إسرائيل السيطرة على الإقليم في غياب الشعوب التي كانا يسيطران عليها بعملائهما من خونة الأوطان حفاظا على سلطة وهمية عديمة السيادة.
وطبعا هذا لا يمنع أن يبقى نتنياهو يحلم بإسرائيل الكبرى وفرض السلام بالقوة وأن يبقى ترامب يعزيه إيهامه بأنه يعتقد مثله بأن ذلك ممكن لأن كليهما يتصور الأمر معركة مع الأنظمة وليس مع الشعوب التي كان رمز دورها العائد هو الطوفان في فلسطين والربيع في الشام.
وحتى أحدد بأكثر متانة هذا التحول الجذري لا بد من الإشارة إلى نهاية تأثير الفتنة الكبرى (الحلف بين الباطنية والسبئية) لمشروعيهما في بيع جلد الغنيمة قبل صيدها: إسرائيل وإيران قضتا على قوتيهما لما تصارعتا على تقاسم الإقليم في غفلة عما كان يجري في البنية العميقة التي تخلصت من الفتنة الصغرى أي ما ترتب على سايكس بيكو من تفتيت جغرافية الإسلام وتاريخه بعده.
فشل التفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي رمزه انتهاء سايكس بيكو والعلمنة المفروضة بالقوة وتلك هي نهاية الفتنة الصغرى.
والدليل هو اجتماع طوفانات كثيرة في الأقليم جعلت الربيع يعود ليفرض نفسه ضد نقطة ضعف الإقليم أي الأنظمة العميلة ونخبها التي جمعت بين الفتنتين الكبرى والصغرى.
ذلك ما حصل في ليبيا على الأقل في نصفها المجاور لتونس وفي اليمن على الأقل في نصفها الصامد أمام غزو الملالي وفي الشام وفي السودان أخيرا وقريبا سيكون في بقية أقطار الربيع.
وكل ذلك ما كان ليكون لو لم يكن ما لأجله تحقق سايكس بيكو وهو ما أطاحت به الشعوب التي فرضت عليها العلمنة والدورة القطرية فكان تحررها منهما رمزي عودة اللحمتين الجغرافية والتاريخية.
الجزائر بدأت ثورة الربيع فقضى عليها أعداء الحرية من فرنسا والعرب، وتركيا بدأت هزيمة الفتنة الصغرى ولم تستطع فرنسا والعرب إسقاطها وهي التي ساعدت كل المقاومين ممن ذكرت في الشام واليمن والسودان وليبيا والكثير من بلاد إفريقيا وخاصة في الساحل وحتى الصومال. لذلك فقد نتنياهو والغرب المطبعين معه استهداف تركيا والجزائر وكلاهما يعدهما يمين فرنسا العدو الأول الذي ينبغي ضربه.
وأعتقد وأحمد الله أن النخب الجزائرية بدأت تفهم أنها قد أخطأت لما انضمت بسذاجة لحلف الممانعين كذبا وبهتانا للتغطية على حربهم الحقيقية التي هي ضرب قوة شعوب الإقليم لتقاسم جغرافيته وثرواته وممراته وإخراجه مرة ثانية من التاريخ الحديث.
لكني مع ذلك أريد أن أساعد ترومب على تحقيق ما يعد به ـ سواء كان في وعوده صادقا مع إسرائيل أو هو يخادعها ليمرر أجندته التي مفادها أنه اقتنع بأن إسرائيل فقدت القدرة على أداء الوظيفة التي هي علة نشأتها فهي لم تعد قادرة على شيء بل صارت عبءا على من يريد استعادة هيبة بلاده.
فإذا كان حقا قد وصل إلى حمق من لا يفهم أن كلامه يمكن أن يكون له غير هذا المعنى فسآخذه على حد عقله: جرّب وسترى أنك لن تستعيد هيبة أمريكا بل ستنهي كل اعتبار لكلامها في العالم.
فلن يكون نتنياهو "صحاف" حربها على العراق وحده بل ستشاركه هذه الصفة وسيصبح كلامكما من جنس خطاب صوت العرب في عهد عبد الناصر. كل الهزائم تتحول في المذياع إلى انتصارات.
واعتمادا على هذا الوصف سأسأل ترامب بعض الأسئلة ولا حاجة لسؤال المطبلين له من يمين إسرائيل والغرب:
1 ـ السؤال الاول: تنوي شراء غزة؟ حسنا. ممن ستشريها؟ عليك إذن أن تعلن عمن يملكها قبل بيعها لك؟ هذا يعني أنك ستساعد إسرائيل حتى تفتكها من أهلها وتهجرهم لتصبح مالكة بالحوز العنيف؟
الجزائر بدأت ثورة الربيع فقضى عليها أعداء الحرية من فرنسا والعرب، وتركيا بدأت هزيمة الفتنة الصغرى ولم تستطع فرنسا والعرب إسقاطها وهي التي ساعدت كل المقاومين ممن ذكرت في الشام واليمن والسودان وليبيا والكثير من بلاد إفريقيا وخاصة في الساحل وحتى الصومال. لذلك فقد نتنياهو والغرب المطبعين معه استهداف تركيا والجزائر وكلاهما يعدهما يمين فرنسا العدو الأول الذي ينبغي ضربه.2 ـ لكنها عجزت دون ذلك ولن تستطيع فعل أكثر مما فعلت إلا إذا أنت ساندتها لتمكينها من تملك ما ستبيعه لك. إذن أنت ستشري من أداتك إسرائيل ما جعلتها قادرة عليه. فتكون لصا مرتين. فلا تواصل الكذب بأنك مهتم بمستقبل الفلسطينيين وتريد لهم حياة سعيدة لنزع ملكيتهم لأرضهم.
3 ـ ومرة أخرى فإني أتمنى أن تفعل، ذلك أن الغزاويين الذين عجزت دونهم إسرائيل وهم محاصرون لن تستطيع إسرائيل هزيمتهم إذا انتقلوا إلى سيناء والأردن. فكل ما كان مستيحلا من شروط المطاولة يصبح ممكنا ولا يمكن منعه من دون جعل الحرب إقليمية وليست مقصورة على فلسطين.
4 ـ فتكون بذلك قد عكست سلوكك في دورة حكمه الأولى: فقد هربت من أفغانستان أنت وليس بايدن الذي حقق ما قاتلت عليه مع طالبان وقبلت بترك المعركة التي لم تقدر عليها حتى بمساعدة كل الناتو.
5 ـ في المعركة التي تعد ناتنياهو واليمين الإسرائيلي بملك غزة لتشتريها منهم بوصفهم أصحابها لن تجد أحدا من الناتو معك وستخوضها وحدك مع إسرائيل متوهما أن شعبك سيقبل أن يقتل أبناؤه من أجل تملك ناتن ياهو غزة: هل بلغ بك الحمق هذه الدرجة؟
في النهاية لا أعتقد لكلامك معنى آخر غير ما يؤيد ما فعلت في الدورة الأولى من حكمك: تأكدت من أن إسرائيل فقدت كل امكانية لآداء الدور المنتظر منها وتأكدت أنك عليك أن تكذب عليهم حتى تمرر ما يثبته أمران لا جدال فهيما:
1 ـ الأول لم يعد بالإمكان الاعتماد على الحكام العملاء في الإقليم لأن لعبة التخويفين انتهت: إيران وإسرائيل خسرتا الرهان باعتماد مليشيات تحميها أنظمة هي بدورها "ملشت" الجيش والأمن والقضاء والنخب المافياوية لكنها فقدت القدرة على تخويف التشعوب:
وتلك هي علة أهمية الطوفان في فلسطين والربيع في الشام وبقية أقطار الربيع التي تحررت ولو جزئيا من الخوف من أنظمة صارت أوهى من بيت العنكبوت. لذلك فحتى لا ينطلي عليك كذبك فإنه لا ينطلي على الاستراتيجيين من حولك: ويكفي أن تذكر ما قال وزير دفاع أمريكا قبل مجيئك الثاني للإسرائيليين: لا تكرروا ما فعلنا نحن بعد 11 سبتمبر.
فقد تربحون تكتيكيا بعض المعارك لكنكم من الآن عليكم أن تعلموا أن ذلك سيكون وهميا لأن الخسارة الاستراتيجية مؤكدة كما حصل لما خضنا معارك زائفة خسرناها كلها وخسرنا معها العجز عن مجارات أعدائنا الحقيقيين الذين ربحوا نصف قرن خلال غيابنا فزادوا من قوتهم التي قد تخرجنا وتخرجكم من المعارك المقبلة أصفار اليدين.
والسلام على "صحافي" أعدائنا فهم عين التطبيع العكسي: هم صاروا يتكلمون ونحن صرنا نفعل. صار لهم صوت العرب وصار لنا صوت العقل الذي يعتمد منطق التاريخ المديد لأمة تؤمن بالتواصي بالحق للاجتهاد والتواصي بالصبر للجهاد، والأيام بيننا.