ساهمت التطورات التكنولوجية المتسارعة والتحول المستمر لسلاسل التوريد في دفع المؤسسات في جميع أنحاء العالم نحو إعادة هيكلة عملياتها لزيادة مرونتها ومواكبة المتغيرات. وقد كانت منطقة الخليج جزءاً من ذلك التوجه. وفي حين أننا شهدنا نمواً سريعاً وفعالاً في البنية التحتية دعماً لمتطلبات قطاعات الخدمات اللوجستية لدينا، فإن هناك مجال لفعل المزيد، خصوصاً في ظل وجود فرص لإحداث تأثير ضخم نظراً لموقع المنطقة الجغرافي وروابطها التجارية العالمية.

لقد حددت دراسة بحثية نشرتها شركة "مارمور مينا انتلجنس" في العام 2022 قطاعي الصناعة والخدمات اللوجستية كمحركين رئيسيين للتنويع الاقتصادي في منطقة الخليج، إذ أدى القطاعان دوراً محورياً في تداول السلع عبر أنحاء العالم. كما أشار التقرير إلى أن ما يفوق 60 بالمئة من إجمالي إنفاق الموانئ في منطقة الشرق الأوسط يتركز في دول مجلس التعاون الخليجي.

لا شك أن منطقة مجلس التعاون الخليجي تنعم بميزة استراتيجية على اعتبارها جسراً يربط بين أوروبا وآسيا، كما أنها تمتاز بمدن حديثة نمت لتصبح مراكز أعمال دولية، في حين تعمل الموانئ والمطارات في المنطقة على تحسين عروضها باستمرار نظراً لتزايد الطلب والاهتمام، تزامناً مع استثمار الحكومات بكثافة في البنى التحتية والتكنولوجيا لدعم التجارة الإقليمية والعالمية.

ويواصل مشروع قطار الخليج المرتقب تقدمه بقيادة الهيئة الخليجية للسكك الحديدية، والتي تأسست العام الماضي لتولي مسؤولية بدء تشغيل شبكة السكك الحديدية خلال السنوات المقبلة.

وحققت المنطقة كذلك تقدماً نوعياً في مجال الاستدامة والطاقة المتجددة، ويمكنها رعاية خدمات لوجستية صديقة للبيئة، خصوصاً عن طريق تبني الطاقة الشمسية نظراً لوفرة أشعة الشمس في دولنا.

يجب علينا استغلال الوضع الراهن بأفضل شكل ممكن عبر استخدام بنيتنا التحتية القائمة والمقبلة. بحسب شركة ستاتيستا، المنصة الرقمية المتخصصة في جمع البيانات وتصوراتها ورؤى السوق، بلغت قيمة قطاع الخدمات اللوجستية العالمي 10.41 تريليون دولار في العام 2022، وتشير التوقعات إلى بلوغه 14.08 تريليون دولار بحلول العام 2028.

يشكّل النمو المتوقع للقطاع، والمزايا الجغرافية الإستراتيجية، والجهود المستمرة لتحسين البنية التحتية وتكييف التكنولوجيا، عوامل تمهد طريق الخدمات اللوجستية في منطقة مجلس التعاون الخليجي نحو التحول إلى المحرك الأهم للنمو الاقتصادي في المستقبل.

كما يتزايد تبني الذكاء الاصطناعي في المنطقة، مما سيؤدي بالتأكيد إلى تحويل قطاع الخدمات اللوجستية عبر الجمع والتحليل المتقدمين للبيانات واستشراف الطلب، مما سيساعد على تطوير تجارب أفضل للعملاء، والإدارة الفعّالة والاستخدام الأمثل للموارد، وأتمتة المستودعات والعمليات عموماً.

إن الخدمات اللوجستية تشكّل مجالاً ديناميكياً، إذ تبرز اتجاهات وتطورات تكنولوجية عديدة يمكنها إعادة تعريف القطاع وعملياته، بما يشمل الأنظمة القائمة على الحوسبة السحابية، والمركبات المستقلة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتتبع والتحليلات الآنية، والبلوك تشين، والتعلم الآلي، والروبوتات.

يتحرك عالمنا اليوم بسرعة كبيرة، ولضمان مجاراة واستمرارية استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، يجب على منطقة مجلس التعاون الخليجي مواكبة تلك الاتجاهات وربما السوق ككل باتجاه مستقبل النقل والخدمات اللوجستية.

اليوم، توجد مجموعة من الفرص لرواد الأعمال الطموحين والراسخين عبر أنحاء المنطقة للدخول إلى قطاع الخدمات اللوجستية والتوسع فيه، والتفاعل بنشاط مع الجهات الفاعلة القائمة في القطاع واستخدام مناهج تآزرية ومبتكرة والمساعدة على تنمية قطاعات الخدمات اللوجستية لدينا إلى أقصى قدراتها.

وفي حين تشكل الخدمات اللوجستية للجهات الخارجية إحدى أكثر المجالات ربحية ضمن القطاع، إلا أن تكلفة الدخول تشكل عائقاً كبيراً أمام رواد الأعمال. وفي هذا السياق، يمكن للبنوك الإقليمية الاستفادة من الاهتمام في هذا المجال ودعم الدخول إلى قطاع خدمات الجهات الخارجية والتوسع فيه عبر طرح معدلات اقتراض محفزة.

كما أعتقد بأنه يجب على الحكومات والقادة التعاون في مجالات النقل والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا، لتشكيل اتحادات عابرة للحدود، وشراكات دولية استراتيجية، ترتقي بمكانة المنطقة كمركز عالمي للتجارة.

يمكن لمنطقتنا أيضاً الاستفادة من حملات واسعة النطاق تتفاعل مع الشباب وتثقفهم حول الدور المهم لقطاع الخدمات اللوجستية في التنمية الاقتصادية، وفرص العمل وريادة الأعمال والإرشاد فيه، مما يدعم تمهيد الطريق نحو النمو والاستقرار خلال الأعوام المقبلة.

وبينما تمتلك قطاعات الخدمات اللوجستية في مجلس التعاون الخليجي القدرة على القيام بدور مهم في تعزيز حضور المنطقة كمحور ومركز للابتكار، فإنه لا يمكننا إغفال أهمية تبني أحدث التطورات والاتجاهات والتقنيات لدعم مختلف القطاعات محلياً. وقد يشكّل قطاعا النقل والخدمات اللوجستية عاملين حاسمين في نجاح أو فشل الأعمال، مما ببرز الأهمية البالغة للتركيز عليهما في المستقبل.

تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي مجموعة من نقاط القوة والفرص والمشاريع قيد التطوير التي يمكنها بدء حقبة جديدة من النمو الاقتصادي، يؤدي فيها قطاعا النقل والخدمات اللوجستية دوراً جوهرياً في ترسيخ مكانة المنطقة كمحطة ديناميكية ومهيئة بشكل متميز للتجارة العالمية. وقد أصبح الأمر الآن في أيدي المواطنين ورواد الأعمال وقادة القطاع والحكومات، إذ يجب عليهم الحفاظ على وحدتهم في ظل تلك الرؤية لتحقيق نتائج تآزرية يمكنها الوصول بدولنا إلى مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً.

-انتهى-

المصدر: الشبيبة

كلمات دلالية: النقل والخدمات اللوجستیة مجلس التعاون الخلیجی

إقرأ أيضاً:

مركز باحثي الإمارات للدراسات يكشف خططه المستقبلية

الشارقة: «الخليج»

عقد مركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات اجتماعه السنوي لمجلس الأمناء في مجلس الدكتور عبد الله بلحيف النعيمي، وشهد الاجتماع، الذي حضره شخصيات بارزة من دبلوماسيين ومسؤولين رفيعي المستوى وشركاء، احتفالاً بإنجازات المركز، وكشف النقاب عن خطط طموحة للمستقبل.

حيث أعلن المركز عن تنظيم خمسة مؤتمرات علمية دولية جديدة على مدار عامي 2024 و2025، في مجالات الذكاء اللغوي، والطب، والتسامح، والمسؤولية المجتمعية، والاستدامة، لتكون منصات ديناميكية لتبادل المعرفة والأفكار بين نخبة من الباحثين والمختصين من مختلف أنحاء العالم.

وتأتي هذه المبادرة انسجاماً مع التزام المركز بتعزيز ثقافة البحث العلمي وتشجيع التعاون الدولي في هذا المجال، كما سلط الاجتماع الضوء على الخطوات الكبيرة التي حققها المركز على مدار العام الماضي، حيث ارتفع عدد الأعضاء بأكثر من 15,000 عضو، بينما ارتفعت الأوراق البحثية المنشورة إلى 470 ورقة بحثية، إضافة إلى إطلاق أربع مجلات علمية محكمة جديدة و16 مشروعاً بحثياً نشطاً لتأكيد التزام المركز بدفع عجلة التقدم العلمي.

وأكد الدكتور عبد الله بلحيف النعيمي، رئيس المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة ورئيس مجلس أمناء مركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات، أهمية هذه الخطوات المستقبلية، قائلاً: «إن خططنا الاستراتيجية تجسّد التزامنا الراسخ بتحقيق رؤية قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تهدف إلى جعل البحث العلمي أداة رئيسية لاتخاذ القرارات المستنيرة. ونثق بأن هذه المبادرات ستساهم بشكل كبير في تعزيز مكانة مركز باحثي الإمارات كمركز بحثي رائد على الصعيدين المحلي والعالمي».

وتم الإعلان أيضاً عن تأسيس جمعية باحثي الخليج، وهي مبادرة رائدة ستعمل كأول هيئة فهرسة للبحوث في منطقة الخليج، ما يعزز من مكانة المنطقة على خريطة البحث العالمية، وتوحيد جهود البحث العلمي في منطقة الخليج العربي، ومن الجانب التقني والتحول الرقمي تم الإعلان عن إطلاق منصة سايت سكولر العلمية “CiteScholar” وهي أول منصة آلية متكاملة لإدارة ومراجعة المؤتمرات باللغتين الإنجليزية والعربية، وستتيح منصة CiteScholar إدارة ومراجعة المؤتمرات بسهولة وكفاءة عالية، ما يساهم في الارتقاء بمستوى البحث العلمي على الصعيدين المحلي والدولي، سواء باللغة الإنجليزية أو العربية.

وفي هذا الصدد، صرح الدكتور فراس م. حبال، رئيس مركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات ونائب رئيس مجلس الأمناء، قائلاً: «نحن فخورون للغاية بنمو المركز، مع زيادة ملحوظة بنسبة 28% في الأنشطة البحثية مقارنة بالعام السابق». وأعرب الدكتور فواز م. حبال، المدير العام وعضو مجلس الأمناء، عن نفس المشاعر، مضيفاً: «هذه الإنجازات هي شهادة على الالتزام الراسخ لأعضائنا وشركائنا وموظفينا».

ومن جانبه علّق خالد العلي، أمين السر وعضو مجلس الأمناء، على إطلاق مبادرتي جمعية الخليج للباحثين ومنصة CiteScholar قائلاً: يحرص مركز باحثي الإمارات للبحوث والدراسات على الريادة في مجال الابتكار والارتقاء بالبحث العلمي. يُعدّ تأسيس جمعية الخليج للباحثين ومنصة CiteScholar خطوتين استراتيجيتين نحو تحقيق هذه الرؤية. وستعمل الجمعية على توحيد جهود البحث العلمي في المنطقة وتعزيز مكانتها على خريطة البحث العالمية.

واختتم الاجتماع بالإعلان عن انضمام أعضاء جدد إلى مجلس الأمناء واللجان الاستشارية. إضافة إلى ذلك، اعترف المركز بالمساهمات الجليلة لشركائه وداعميه من خلال حفل توزيع جوائز.

مقالات مشابهة

  • معيط: تعاون مصر مع البنك الدولي نموذج في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية
  • 6 أسئلة شائعة.. كل ما تريد معرفته عن التأشيرة الخليجية الموحدة
  • تحفيز المستثمرين وتسريع المشاريع.. خبرات محلية وعالمية بمجلس صندوق البنية التحتية الوطني
  • محافظ كفر الشيخ يتابع مستوى المرافق والخدمات بشوارع عاصمة المحافظة
  • مركز باحثي الإمارات للدراسات يكشف خططه المستقبلية
  • المستقبل اللوجستي وفق "عُمان 2040" (1)
  • البديوي يؤكد متانة وقوة الاقتصاد الخليجي وقدرته على مواجهة التحديات
  • البديوي يؤكد متانة وقوة الاقتصاد الخليجي وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية
  • أمين عام التعاون الخليجي: اقتصاد الدول الخليجية قوي وقادر على مواجهة التحديات
  • البديوي يؤكد قوة الاقتصاد الخليجي وقدرته على مواجهة التحديات