الرد اليمني المرتقب.. يشعل الإعلام العبري ويؤرق الصهاينة
تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT
وبالجملة ذاتها تسود حالة من الرعب والقلق الشديد كافة الأوساط السياسية والأمنية والعسكرية والمجتمعية داخل كيان الإحتلال الإسرائيلي إزاء الرد اليمني المرتقب.
منذ استهداف” تل أبيب” تخصص وسائل الإعلام العبرية بمختلف أنواعها مساحات كبيرة من تغطيتها الإخبارية لتدارس الرد اليمني المرتقب وأثره على الكيان.
ويصف محللون سياسيون وعسكريون وأمنيون وخبراء صهاينة، اليمن بالعدو العنيد والخطير للغاية، مؤكدين أن امتلاك اليمن لأحدث الأسلحة تؤهله لشن هجوم متواصل على إسرائيل”مؤكدين أن اليمن يسعى لأحكام الخناق على الكيان الصهيوني وإغراقه تماماً، و أن “إسرائيل” لا تقوى على مواجهة اليمن والتصدي لضرباته الموجعة.
تحليلات وتساؤلات ورؤى عديدة تؤرق الصهاينة وترعبهم وتخفيهم عن قادم الأيام التي يصفونها بالنكبة والمشؤومة والغير مسبوقة في تاريخ الكيان المؤقت.
وفي تقرير صحفي ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن من الممكن أن يرد أنصار الله بإطلاق النار من اليمن باتجاه أهداف حساسة ويشمل ذلك أهدافا في” تل أبيب” يافا المحتلة وحيفا و”إيلات”.
وأفاد التقرير أنه يمكن شن هجمات باستخدام أسلحة جديدة وبأن هناك احتمال أخر وفق التقديرات الأمنية للرد اليمني وهو هجوم مشترك مع المقاومة الاسلامية في العراق ضد حقول الغاز ومحطات الكهرباء داخل الكيان المحتل.
أزمة وجودية في الكيان
وعن احتمالات المرحلة القادمة يؤكد المختص في الشأن الإسرائيلي محمد زحايكي نشوء أزمة قريبة تسهم في تفاقم الوضع الإسرائيلي وتزيد من تدهوره.
ويشير إلى أن الأزمة القادمة ستؤدي إلى تفريغ الكيان الإسرائيلي من عناصره ومن جمهوره وصولاً إلى أزمة حقيقية يواجهها منذ قيامه حتى الآن”.
بدوره نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن “الحوثيين” مجهزون في الواقع بصواريخ بالستية متوسطة وبعيدة المدى وصواريخ كروز وصواريخ بحر بحر وطائرات مسيّرة هجومية وانتحارية وأسطول من الطائرات بدون طيار.
أما وكالة “بلومبرغ” الأمريكية فنقلت عن وزير الخارجية في حكومة الكيان الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” قوله ” إن اليمنيين سيستمرون في الهجمات، وهم يعملون مع حزب الله وكذلك الجماعات في العراق “.مضيفاً ” نفضل أن يتولى التحالف بقيادة الولايات المتحدة الحرب ضد اليمن.
واعتبرت وكالة “بلومبرغ” أن ” قدرات إسرائيل محدودة بسبب المسافة التي تفصلها عن اليمن ، بينما اليمنيون تحدوا الهجمات في حربهم مع السعودية وصمدوا بوجه الضربات الأمريكية البريطانية “.
اليمن أكثر جرأة في ضرب إسرائيل ” اليمنيون لا يخشون إسرائيل وهم مصممون على مواصلة هجماتهم “. بهذه العبارات يستهل موقع “والا” العبري حديثه عن تداعيات الرد اليمني. ويؤكد موقع أن إسرائيل تواجه تحديًا كبيرًا في مواجهة اليمنيين وهم أكثر جرأة وقدرة على تنفيذ هجمات ضد إسرائيل”. وفي تقرير أخر لذات الموقع يكشف “والا” عن مخاوف صهيونية كبرى إزاء الرد اليمني الكبير والواسع على مدينة “أم الرشراش” التي يطلق عليها العدو الصهيوني تسمية “إيلات”. وبحسب الصهاينة فأن مدينة “إيلات” المغتصبة لم تكن ساحة حرب في الماضي، عندما كانت تندلع مواجهات بين الصهاينة وفصائل المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة، أو حتى في الحرب مع حزب الله اللبناني، الأمر الذي جعل الصهاينة آنذاك يفضلون النزوح إليها مع بداية أي مواجهة. لكن الأمر تغير الآن، فمدينة “أم الرشراش” تعاني الآن من ضربات موجعة، تأتي من اليمن، وعمليات يتبناها الجيش اليمني، وهو ما لم يكن في حسبان الكيان المؤقت والمستوطنين على الإطلاق. ويشير موقع “والا” العبري إلى أن أهم معضلة تواجه سكان مغتصبة “إيلات” هي الرعاية الطبية، إذ أن الكيان المؤقت ركز على تكثيف الرعاية الطبية في المناطق التي تشهد مواجهات ساخنة سواء في غزة أو في المناطق الشمالية مع حزب الله، مؤكدا أن “إيلات التي استقبلت عشرات آلاف من النازحين الإسرائيليين لن تصمد أمام التحدي الطبي في لحظة الحقيقة وهي تقديم المساعدة إلى جميع المُصابين”. ويلفت الموقع إلى أن الجيش الصهيوني يعاني من نقص في القوة البشرية وفي الموارد، وهي جزء من الاستعدادات للسيناريو المتطرف، طبقًا لأقوالها. ويذكر الموقع أن السيناريو الآخر الذي يستعد له الكيان المؤقت هي الحرب الشاملة مع لبنان، والمقاومة الإسلامية هناك ممثلة بحزب الله. ويرى “والا” أن الحرب قد تدفع مئات الآلاف من الصهاينة للهجرة إلى الجنوب، ولا سيما “إيلات”، وهو ما سيشكل أعباء جديدة على المدينة. ترقب للرد وفي السياق ذاته تقول القناة العبرية الرابعة عشرة “إنه وبعد أسبوع من الهجوم على ميناء الحديدة، تستعد المؤسسة الأمنية لرد كبير وسريع”. وتشير إلى أن المؤسسة الدفاعية والأمنية في كيان العدو تترقب “هجوماً كبيراً في المستقبل القريب” من قبل القوات المسلحة اليمنية. وتلفت القناة إلى أن “إسرائيل في حوار مستمر مع حلفائها في المنطقة من أجل إحباط الهجوم المحتمل”. اليمن ستغرق “إسرائيل” وتداول القلق الصهيوني المتصاعد إزاء الرد اليمني المرتقب لم يقتصر على أبرز وسائل الإعلام العبرية كالقناة 14 وصحيفة يديعوت أحرونوت وإنما العديد من قنوات وصحف ومواقع العبرية تداولت في تقارير تحليلية تداعيات المرحلة المقبلة من المواجهة الحتمية مع اليمن وهو ما تؤكده صحيفة “ماكورريشون” العبرية بالقول ” القوات المسلحة اليمنية ستسعى في المرحلة المقبلة إلى إطباق ما وصفته بحلقة النار على كيان الاحتلال وإغراقه من خلال مسارات التنسيق مع محور المقاومة وتصعيد الحصار البحري. ونشرت الصحيفة العبرية، تقريراً حاولت فيه تحديد ملامح المرحلة الخامسة من التصعيد متسائلة: “ماذا يخطط لنا الحوثيون بعد طائرة يافا التي هبطت في قلب تل أبيب الأسبوع الماضي، وما الذي يمكن فعله ضدهم حتى دون الذهاب إلى شواطئ اليمن؟ “. وتابعت “لقد أعلنوا هذا الأسبوع أنه في أعقاب هجوم الجيش الإسرائيلي على ميناء الحديدة، دخل الصراع مرحلته الخامسة، ما هي هذه المرحلة؟ وكيف سيكون شكل المرحلتين السادسة والسابعة؟” معتبرة أنه “ليس هناك فائدة كبيرة في محاولة فك رموز ما وراء هذه الكلمات البليغة، ومن الأفضل التركيز على الاتجاهات الواضحة جداً في الميدان”. واعتبرت الصحيفة التنسيق والارتباط والتعاون مع محور المقاومة بغرض “تعزيز القدرات وتنفيذ ما يعرف بحلقة النار حول إسرائيل، الاتجاه الرئيسي الأول في التصعيد اليمني ضد الكيان الصهيوني. أما الاتجاه الثاني، فترى الصحيفة إنه يتمثل في “توسيع الحصار البحري من منطقة البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط وتغطية كامل المنطقة بالنيران والصواريخ”. وأضافت أنه “من خلال الربط بين هذين الاتجاهين، يهدف الحوثيون إلى خنق إسرائيل بحلقة من النار وإغراقها”. وأشارت الصحيفة إلى أن “اتجاه التنسيق كان واضحا في الميدان لعدة أسابيع” مذكرة بإعلان قائد الثورة السيد عبد الملك في خطاب سابق عن مسار العمليات المشتركة مع المقاومة الإسلامية في العراق، وقالت إن الرغبة في هذا التنسيق “تأتي من الجانبين”. ضرب “تل أبيب” شبيها بالسحر وفي تقرير بعنوان تأثيرات العملية النوعية للقوات المسلحة اليمنية التي استهدفت “تل أبيب” بطائرة يافا المسيرة،توضح صحيفة “كالكاليست” العبرية أن قوات العدو بمختلف تشكيلاتها كثفت جهودها وخاصة بالقرب من منصات الغاز الطبيعي وذلك بعد فشل منظومة الدفاع الجوي في اعتراض الطائرة المسيّرة من اليمن على “تل أبيب”، وتهديد “الحوثيون” بالرد على ضرب الحديدة. وتؤكد أن هجوم صنعاء على “تل أبيب” يشبه خطوات “السحر” في تجاوزه لأنظمة الرصد والدفاع الأمريكية والإقليمية والإسرائيلية. وكشفت أن العملية اليمنية خلقت وضعاً روتينياً مخادعاً للبحرية الأمريكية ثم أرسلت طائرة متطورة جديدة عبر مسار مختلف لتفاجئ “الإسرائيليين “في النهاية بهجوم غير مسبوق. وقالت الصحيفة ” لقد تمكن اليمنيون من اختراق دفاعات سفن البحرية الأمريكية وكذلك نظام الكشف الإسرائيلي، وأجهزة الاستشعار السعودية والمصرية لقد فوجئ العالم كله وليس “إسرائيل” فحسب حيث لم يتمكن أي عدو من ضرب “تل أبيب” من هذه المسافة”. وأضافت “إسرائيل” المحمية بتقنيات الكشف الأكثر تقدماً على هذا الكوكب، بالإضافة إلى دفاعات حاملة الطائرات الأمريكية والبوارج التابعة لها، وأجهزة الاستشعار السعودية والمصرية.، وبكل براءة اختراع تمكن الرأس اليهودي من اختراعها والجيب اليهودي من شرائها اخترقتها طائرة يمنية بعملية ذكية”. وأشارت صحيفة ” كالكاليست“ إلى أن في اليمن قيادة منظّمة تعرف كيف تستفيد من القليل الذي لديها وتنجح في تحقيق الاستفادة القصوى من المواقف المستحيلة. التحالف الغربي فشل في ردع اليمن وأكدت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن الجيوش الغربية فشلت في مهمة ردع القوات المسلحة اليمنية وإيقاف العمليات البحرية المساندة لغزة، معتبرة أن عملية “يافا” النوعية والتأريخية تعتبر تصعيداً كبيراً للتحدي الصعب الذي يمثله اليمن لكيان العدو وحلفائه الغربيين. ونشرت الصحيفة، تقريراً بعنوان “الجيوش الغربية عاجزة عن وقف هجمات الحوثيين”، أكدت فيه أن “عمليات نشر السفن الأميركية والأوروبية في البحر الأحمر، وكذلك الغارات الجوية الأميركية والبريطانية على اليمن فشلت في ردع القوات اليمنية عن مواصلة عملياتها”. واعتبر التقرير أن “الغارة التي نفذت بطائرة مسيرة، وأودت بحياة شخص وإصابة أربعة آخرين في تل أبيب، على مرمى حجر من القنصلية الأميركية، يوم الجمعة 19 يوليو، مثلت تصعيداً جديداً في التحدي الذي تشكله القوات اليمنية لإسرائيل وحلفائها الغربيين، وقد وجاء هذا العمل رداً على القصف الإسرائيلي لغزة” مشيراً إلى أن تأثير العمليات الغربية في البحر الأحمر يبدو “محدوداً للغاية حتى أن بعض المصادر الرسمية تتساءل الآن عما إذا كان ينبغي مراجعة النهج المتبع حتى الآن”. وأشار التقرير إلى أن “صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية نقلت قبل أسبوع رسالة مثيرة للقلق أرسلها الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية إلى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وفي هذه الرسالة، وفقاً لمسؤولين أميركيين نقلت عنهم الصحيفة، دعا الجنرال كوريلا إلى زيادة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية ضد “الحوثيين”، نظراً لأن الإجراءات المتخذة في البحر على مدى الأشهر السبعة الماضية فشلت في رأيه”. ونقل التقرير عن هيلويز فاييه، خبيرة شؤون الدفاع في الشرق الأوسط بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية قولها إنه “بعد أشهر من إطلاق عملية حارس الرخاء بقيادة الأمريكيين والأوروبيين وعملية أسبيدس التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن كل المؤشرات حمراء” في إشارة إلى عدم تحقيق أي نتائج.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: المسلحة الیمنیة الکیان المؤقت تل أبیب إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل يحقق جولاني العربي ما فشل فيه جولاني العبري؟
طيلة خمسة عشر شهرا من القتل والتدمير الإرهابي الأمريكي -الصهيوني الذي تعرض له أهلنا في غزة كانت قلوبنا تعتصر خوفا وقلقا وذنبا على كل ما يجري، كان هنالك مربطان للخوف تدور حولهما كل صور القلق والترقب والتوتر، المربط الأول هو العذاب والموت من قتل وقصف وتشريد وتجويع وصور الأطفال الأبرياء التي تفجع القلوب، المربط الثاني هو التهديدات التي تمثل محور العدوان الإرهابي بالقضاء على المقاومة وإزاحة حركة حماس والجهاد والفصائل المقاتلة من غزة والإطاحة بها، كلا المربطين ربما تسببا في تقدم أعمارنا بضع سنوات من فرط المخاوف المصحوبة بالعجز وسوداوية الصورة التي تخيفنا كل يوم أكثر، لكن المربط الأكثر خطورة كان ولا يزال هو مصير المقاومة الفلسطينية والتساؤل عن مصيرنا جميعا لو جرى أي شيء لهذه القوى، تساؤلات مرعبة تأكل نفوسنا: ماذا لو تمكنت قوى العدوان من الإطاحة بالمقاومة واعتقال قياداتها وعرضهم أمام الشاشات مكبلين بالأصفاد؟ ماذا لو تمكنت القوات المتحالفة من الوصول إلى معاقل الأسرى وتحريرهم وعرض تلك المشاهد كعمليات بطولية لانتصار العدو وإعلان فشلنا جميعا على مرأى التاريخ؟
لا يكاد يظهر تصريح لعصابة المجرمين من رئيس وزراء أو وزير دفاع أو رئيس أركان أو حتى المخلوقات الضارة من مثل السمين والثعبان الأشقر السام إلا ويظهر فيها تأكيد أو إعادة التثبيت بأن الإطاحة بالمقاومة هي هدف رئيسي لا حياد عنه، مع تدرج هزيمة الصهاينة انتقلت معركة القضاء على المقاومة إلى البعد الثاني وهو البعد السياسي الموثق بالتهديد العسكري، وها نحن اليوم نعايش قسطا من طوفان الأقصى عنوانه إزاحة حكم المقاومة من قطاع غزة باستخدام أداتين: الأولى هي مراودتها عن نفسها تحت ضغوط المساعدات وإعادة الإعمار والتهديد بترحيل سكان غزة إلى وجهات غير معلومة والثانية هي إدخال قوات عربية ضمن خطة مصرية (لإعمار قطاع غزة ) وإكرام أهله (بعدم ترحيلهم ).
لقد جاء أوان السؤال الأكبر الذي سيفضي إلى تقرير كل النهايات: ما هو المصير الذي ينتظر فصائل المقاومة وما هو مصير ظاهرة المقاومة داخل الشعب الفلسطيني والعربي الإسلامي؟ أم أن كل ذلك تحول إلى كلام مستهلك لا طائل من ورائه؟
تحريا للدقة ورسم خارطة الفهم الصحيح للأحداث لا بد من التحليق قليلا في الجو لرؤية الصورة من أعلى، والنظر جيدا إلى المنطقة والشرق الأوسط تحديدا لفهم ماذا يجري.
في داخل الدهليز السري لسيكولوجية القوى العظمى والجبروت الأعمى تكمن نوعية خاصة من المخاوف محتواها هو الخوف من الزوال والرهبة من الضعف أو الهبوط، وتحت دافعية هذه المخاوف يجري السعي الدائم نحو عاملين إثنين، الأول هو الضمانات المادية للبقاء من مصادر الغذاء والماء والطاقة والمعادن والثروات بمطلق مسمياتها وأنواعها، والثاني هو هالة النفوذ والسلطة، وهذه السيكولوجية هي الآن ما نراه رأي العين بتجرد مع الرئيس الأمريكي ترامب دون مواربة أو إخفاء، حيث العودة إلى الجذور دون ديكورات ولا مكياجات..
إن تحقيق الغايتين السابقتين كان يتطلب في الماضي شرعية معينة، تأتي هذه الشرعية عادة من نصوص دينية يتم تحويرها وإعادة صياغة معانيها لتناسب التطلعات الاستعمارية كما جرى مثلا في الحملات الصليبية والحرب الحالية على غزة، أو من نظريات علمية تبيح تفوق عرق على عرق كما في الداورينية الاجتماعية التي وضعها الإنجليز لتبرير غزو الشعوب والعالم وفقا لتفوق العرق الأبيض عمن سواه، في فترة لاحقة أعادت قوى الاستعمار الغربية صياغة حيلها على الشعوب والدول من خلال فكرة خلق مصطلحات فضفاضة ومضللة تضيق أو تتوسع حسب المطلوب من مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان والسيادة الدولية والاتفاقيات الدولية، أما اليوم فلم يعد هنالك من مبرر للجوء إلى أية مشرعات أو مسوغات لتطبيق الغايات الاستعمارية ويعلنها ترامب صراحة عندما سألوه عن مصدر الحق الذي يمنحه تهجير سكان غزة والاستيلاء على أرضهم فأجب الصحافية بأنه الحق الأمريكي !
حيال هذه المقدمة الاستعمارية كانت هنالك حركات الرفض وانتفاضات الشعوب ضد هذه الهيمنة، وللحقيقة والتاريخ يمكن القول بأن أحدث مظهر حقيقي للتحرر من القبضة الأمريكية كانت هي الثورة الإسلامية في إيران 1979م التي أطاحت بالعميل الأمريكي الصهيوني الشاه الإيراني وجاءت بحكم الثورة الإسلامية التي تمايزت جيدا، خاصة عقب سقوط القومية العربية وهزيمة الجيوش العربية في كل معاركها، ومنذ ذلك الوقت يمكن تصور سلسلة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط بمجملها للإطاحة بهذه الفكرة وهذه الثورة التي تشكل مضادا خطيرا للنموذج الاستعماري التقليدي وترفض التسليم بوجوده، وبغض النظر عن جدلية الاتفاق أو الاعتراض على النموذج الإيراني فعلينا بـن ندرك بأن محاولات الإطاحة بهذه الثورة ومنع تشكل نماذج مشابهة لها عربيا وإسلاميا تسببت في تداعيات هائلة في العالم والمنطقة.
إن الحدث الثاني التاريخي الذي يأتي مباشرة عقب الحدث الأول يتمثل في طوفان الأقصى في حجمه وأبعاده وتداعياته، وهنا قد يتساءل البعض من الغافلين عن حضور الاستعمار وكيفية تغلغله في حياة كل شعوب العرب، الجواب الخفي على ذلك يكمن في وجود احتلال مربطي داخل فلسطين ومستعمرة أمريكية بالكامل تشرف وتحرس مصالح الأب الكبير، هذه المستعمرة مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن الجحيم الظاهر والخفي الذي تعيشه كل بلاد العرب من تدهور اجتماعي واقتصادي وصناعي وعلمي وتعليمي وإفقار وفقر مستمرين واستيلاء على حقوقها الديموقراطية، وحقوقها في حياة كريمة والاستفادة من بترولها ومعادنها ومياهها والحصول على حياة كريمة وفقا لمعطيات العصر الذي تؤمنه ثروات المنطقة الهائلة المنهوبة والمستولى عليها بالكامل لصالح الاستعمار ورجالاته .
في الإجابة على سؤال مصير المقاومة إليكم الإضاءات الآتية:-
إن العامل الأول الضامن لديمومة وبقاء المقاومة الفلسطينية هو الضمان الأخلاقي والسلوكي الذي أظهرته المقاومة في كل قسط من مراحل العدوان على غزة وعلى عكس ذلك فإن ضمانة الزوال للكيان الصهيوني جاءت من سلوكه وقبح وفساد أخلاقه مما فعل بقتل الأطفال والاعتداء على المستشفيات وترك الجثامين لتأكلها الكلاب وتجويع شعب بأكمله والنظر إلى البشر على أنهم حيوانات.
الضامن الثاني لبقاء المقاومة وزيادة سعتها هي أنها قيم منتجة ميدانيا وماديا نجحت في رد الاعتبار لكرامة الفلسطيني والعربي أمام التهويد والاعتداءات الوحشية لحيوانات المستوطنين وتمكنت من تحرير الأسرى وتأسيس نواة حقيقية لمشروع التحرير فيما فشل كل دعاة التصالح والسلام والحمام والمؤتمرات والاتفاقيات التي يتعامل معها المجرمون مثل ورق التواليت في تحصيل أية مكتسبات، بل على العكس تزداد الأمور كل يوم سوءا.
لقد كسرت المقاومة الجدار الحديدي العسكري الأمريكي والإسرائيلي وأثبتت بالدليل القاطع بأن دبابات ميركافا وطائرات إف 16 و35 لا ترهب المقاومة الفلسطينية والعربية، لقد أثبت شعب اليمن بأن إرادته أقوى من البارجات وحاملات الطائرات ولم تردعه النار ولا القصف والحرق، لم تستسلم المقاومة لا في غزة ولا لبنان ولا اليمن رغما عن ضعف قدراتهم التي لا تذكر أمام العدو.
لو كانت حماس أو فصائل المقاومة شيئا منفصما عن الشعب الفلسطيني لكنا قد شاهدنا نوعا من الصفقات أو الهروب الكبير أو الانسحاب تحت شروط محسنة والقبول باستسلام، لكن جهل فريق العدو بحقيقة الأمر يسمح لهم بإطلاق تصورات وتصريحات تشابه المطالبة بالقضاء على عصابة تغتصب الحكم في غزة، ما لا يفهمه هؤلاء المجرمون هو أنه لا يوجد في غزة شيء اسمه حماس أو الجهاد بل توجد عقيدة حياتية متجذرة أحد أركانها هو عقيدة قتالية تبدأ بالكلمات وتنتهي بتقديم الروح على طبق من ذهب لوجه الله تعالى اسمها الثقافة الإسلامية التي تستنسخ أفرادا يمارسون إيمانهم الطبيعي بالدفاع عن بلادهم وأرضهم وأهلهم وحقلهم وزرعهم، هذه الحالة قد تأخذ أي اسم من كتائب شهداء الأقصى إلى حماس إلى الجهاد وقد تكون غدا شهداء غزة أو كتائب السنوار، هذه الحالة تحيطها هالة جبارة من التأثير المغناطيسي التي تلهم الأجيال على بعد ألوف الكيلومترات وتخترق الزمان والمكان ولا يمكن مسها أو ايذاؤها .
من تعايش مع ملامح شخصية السنوار في صلابتها وعظم بطولتها لاعتقد بينه وبين نفسه بأن سقوط هذا الرجل سوف يتسبب بسقوط كامل التنظيم، لو كانت المقاومة تعبد شخصا أو قيادات لشاهدنا زلزالا كاملا في بنائها عندما استشهد إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى وسائر الأساطير التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.
إن المقاومة الفلسطينية هي جزء من نسيج ظاهرة المقاومة العالمية ضد الإمبريالية الأمريكية، وهي جزء من النسيج الطبيعي للمقاومة ضد مشروع ابتلاع الشرق الأوسط، وهي بذلك جزء لا فكاك منه مع كل محاولة للخلاص من قيود الاستعمار وينضم إليها في ذلك ايران واليمن ولبنان والعراق وكل من يشارك في هذه المقاومة، و أي نظرة خلافا لذلك تعتبر ضربا من التجزيء الباطل، وبنفس المنطق فإن استهداف غزة ليس جزءا منفصلا عن استهداف لبنان وابتلاع سوريا والتخطيط لتوجيه ضربة لإيران ومخاطر أخرى تتهدد مصر والأردن.
سيعجز حلف الشيطان عن كسر إرادة هذه المقاومة كما عجز عن تحطيم روح غزة لسبب مجهول لا ينتمي لعالم الأرض، وسيفشل ترامب وفريقه الأكثر صهيونية من نتانياهو وبن زفير كما فشل بايدن من قبله أيضا لسبب مجهول مثنيٌ في طي الغيب، سيفشل الجنرال غالانت العربي ولواء غولاني العربي الخاص به في الاندساس وسحب سلاح المقاومة لسبب مجهول لا ينتمي لتحليلات العساكر ولا البشر ولا كل قوى الإنس والجن لأنه مربوط بحقائق إيمانية نراها رأي العين، سيفشلون جميعا لنفس السبب المجهول الذي مكن هذه المقاومة من استعادة الحياة خلال يوم واحد من الانسحاب الصهيوني وتقديم اكبر استعراض حي لقابلية الحياة وقابلية البقاء والصمود واستمرار القتال حتى النهاية رغما عن قنبلتي هيروشيما اللتين ألقيتا فوق غزة وشعبها الأبي.
اليوم التالي في غزة لن يكون قوات عربية ولا أوسلوية ولا دولية ولا أممية، اليوم التالي هو المقاومة فقط، ذاتها التي لا تفنى ولا تستحدث ولكنها تنتقل من جيل إلى آخر، وسيضطر هذا العدو للتفاوض مع هذه القوة الجبارة لتحسين مدة بقائه وشروط الحياة القصيرة التي تنتظره، قضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
كاتب فلسطيني