توجه أوروبي نحو التطبيع مع نظام الأسد.. هل تتخلى أوروبا عن اللاءات الثلاث؟
تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT
يشهد الموقف الأوروبي من النظام السوري تغيرات جذرية بدأت تخرج إلى العلن في الآونة الأخيرة، على وقع إعلان إيطاليا استئناف عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق وتعيين سفير لها، وهي الخطوة التي جاءت بالتزامن مع تحرك كتلة في الاتحاد الأوروبي للمطالبة بالتخلي عن "لاءات أوروبا الثلاث" التي تحدد موقع التكتل من بشار الأسد ونظامه.
وكان بشار الأسد كسر عزلته الدولية التي فرضت عليه بعد قمعه الوحشي للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت عام 2011، بعدما بدأت دول عربية بتطبيع علاقاتها معه، الأمر الذي أدى إلى حضور رئيس النظام السوري إلى قمتين متتاليتين لرؤساء دول الجامعة العربية، كان أولهما في أيار /مايو عام 2023.
وبدعم من حليفته الرئيسية روسيا، بدأ النظام بالتفاعل بشكل إيجابي مع مبادرات تركيا الرامية لتطبيع العلاقات بعد قطيعة استمرت لأكثر من 12 عاما، حيث من المتوقع بحسب تقارير صحيفة أن يلتقي الأسد وأردوغان خلال شهر آب/ أغسطس القادم من أجل تدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين الجانبين.
في غضون ذلك، تتجه العديد من الدول الأوروبية في ظل التجاهل الأمريكي والتوجه العربي والإقليمي نحو الأسد، إلى دفع الاتحاد الأوروبي إلى إجراء تغييرات جذرية في سياسته تجاه النظام السوري، بما في ذلك التخلي عن "اللاءات الثلاث" المتعلقة بالتطبيع وإعادة الإعمار ورفع العقوبات.
ومنذ قطع الدول الأوروبية والغربية علاقاتها مع نظام الأسد واستدعائها بعثاتها الدبلوماسية عام 2012 بسبب "العنف غير المقبول" الذي واجه فيه النظام الاحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد عقب اندلاع الثورة السورية في آذار /مارس 2011، شكلت لاءات أوروبا الثلاث (لا لرفع العقوبات عن النظام، لا لتطبيع العلاقات ، لا لإعادة عمار ما لم يتم تحقيق تقدم ملموس في العملية السياسة حسب القرار الدولي 2254) المرجعية الرئيسية للموقف الأوروبي تجاه الحرب الدموية التي شهدتها سوريا، والتي لا تزال ترزح تحت وطأة تداعياتها إلى الآن.
دعوات للتخلي عن "اللاءات الثلاث"
والأسبوع الماضي، أعلنت إيطاليا استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، كما عينت المبعوث الخاص لوزارة الخارجية حاليا إلى سوريا ستيفانو رافانيان، سفيرا لها، لتصبح بذلك أول دولة من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، التي تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق.
وجاءت الخطوة الإيطالية بعدما أرسل وزراء خارجية النمسا وقبرص وجمهورية التشيك وإيطاليا وكرواتيا وسلوفينيا واليونان وسلوفاكيا، رسالة مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل، تدعوه فيها إلى التفاعل مع التقارب العربي مع النظام السوري، الذي أسفر عن إعادة دمشق إلى مقعدها الجامعة العربية.
وبحسب الرسالة التي نشرت مجلة "المجلة" نصها، فإن وزراء الدول الأوروبية المشار إليها، اقترحوا إعادة النظر في الاستراتيجية الأوروبية المعتمدة في عام 2017 والتي تقوم على "اللاءات الثلاث"، معتبرين أن "الوضع على الأرض في سوريا وما حولها بشكل كبير. حيث استعاد النظام السوري السيطرة على حوالي 70 بالمئة من الأراضي، بينما استقرت المناطق خارج سيطرته نسبيا".
ولفتت الرسالة إلى التطبيع العربي مع نظام الأسد للاستدلال على وجود "ديناميكية إقليمية جديدة"، كما لفتت إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد والتردي الاقتصادي الكبير، بالإضافة إلى استمرار هجرة السوريين نحو القارة الأوروبية "الأمر الذي شكل ضغطا إضافيا على دول الجوار، في فترة يزداد فيها التوتر في المنطقة".
ولطالما برز ملف اللاجئين السوريين الذي غادروا بلادهم هربا من قمع النظام والحرب الدموية التي عمت البلاد خلال العقد الأخير، كأحد أبرز المحركات التي تدفع الدول إلى العمل على تطبيع علاقاتها مع بشار الأسد، لاسيما في البلدان التي تشهد صعودا لليمين المتطرف المعادي للاجئين.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أنه "عند النظر إلى دور قضية اللاجئين في صعود اليمين المتطرف إلى السلطة، نستطيع أن نلاحظ تأثير هذا الصعود على تحول سياسات بعض الدول الأوروبية تجاه الصراع السوري".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "الخطوة الإيطالية هي بداية انهيار الإجماع الأوروبي في الموقف تجاه نظام الأسد وتفسح المجال أمام دول أوروبية أخرى لإعادة تطبيع علاقاتها بدمشق. كما تعكس الكيفية التي تعمل قضية اللجوء على إحداث انقسام في السياسة الأوروبية تجاه الصراع".
وكانت الأزمة السورية أجبرت ما يقرب من 12 مليون سوريا على مغادرة منازلهم بين نازح داخل البلاد ولاجئ في دول الجوار والدول الأوروبية، ورغم تراجع حدة المعارك بين النظام السوري والقوى المسيطرة على مناطق مختلفة من سوريا بما في ذلك قوى المعارضة في الشمال، إلا أن لا يزال كثيرون يحاولون الوصول إلى أوروبا إما عبر تركيا أو شمال أفريقيا بتسبب تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وانعدام أي حل سياسي في الأفق.
وعلى الصعيد الأوروبي، تعد ألمانيا أكثر دول اتحاد الأوروبي استقبالا للاجئين السوريين حيث يزيد إجمالي عددهم على 780 آلف لاجئ، في حين تأتي السويد في المرتبة الثانية ومن بعدها هولندا. وعلى الرغم من توجه إيطاليا نحو التطبيع مع النظام وسط مخاوفها من ملف اللجوء، إلا أن روما تعد من أقل الدول الأوروبية استقبالا للاجئين السوريين بحصيلة لا تتعدى الآلاف.
مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، يرى أن "إيطاليا كانت تميل لموقف النظام السوري طوال سنوات الحرب، حيث لم تنقطع الاتصالات الاستخباراتية بينهما، وزار علي مملوك ( أحد أشهر الشخصيات الأمنية والاستخبارية في نظام الأسد) إيطاليا عدة مرات رغم وجوده على قائمة العقوبات".
ويستدرك في حديثه لـ"عربي21"، "لكن يبدو أن إيطاليا بهذه الخطوة تريد تحقيق مكاسب اقتصادية في مرحلة إعادة الإعمار، خاصة مع كثرة الحديث عنها مؤخراً، لذلك جاءت هذه الخطوة لتعكس رغبة إيطاليا في اتخاذ موقف متقدم لتحسين علاقاتها مع النظام السوري ولعب دور في إعادة إعمار البلاد".
دور اليمين المتطرف
ويأتي تحرك دول أوروبية لصالح التقارب مع النظام السوري على وقع صعود اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبي، الذي "تواصل أيديولوجياته في الانتشار واكتساب الزخم"، حسب تقرير سابق لـ"واشنطن بوست".
وتشهد إيطاليا حكومة هي "الأكثر يمينية منذ حكم الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني"، حسب تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، ذكر أن هناك عدة أسباب وراء "الطفرة الشعبوية"، ترجع بشكل عام إلى "معاناة عدة دول أوروبية من تباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدلات الهجرة وزيادة أسعار الطاقة".
ويشير العبد الله، إلى أن "الموقف من قضايا اللاجئين هو المحرك الأساسي لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، فهذه الأحزاب تسعى لكسب الأصوات في الانتخابات من خلال الترويج بأن إعادة العلاقات مع النظام السوري قد تحل أزمة اللاجئين وتحد من المخاطر الأمنية".
و"غالبا ما تتبنى هذه الأحزاب مواقف متشددة تجاه اللاجئين ولا تجد مشكلة في التعامل مع نظام الأسد لتحقيق أهدافها الانتخابية والسياسية"، وفقا لمدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون.
وعلى الرغم من التصدعات في الموقف الأوروبي تجاه دمشق، إلا أن الدول التي تقود الموقف الغربي من النظام السوري مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، لا تزال تظهر رفضا لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
وكانت واشنطن أعربت عن رفضها لمسار التقارب الذي تنتهجه أنقرة لتطبيع علاقاتها مع دمشق، في استبعدت ألمانيا تطبيع العلاقات مع النظام السوري الذي "يواصل ارتكاب جرائم".
والاثنين، الماضي، قالت وزارة الخارجية الألمانية، إنه "من الواضح أن النظام السوري يمنع حاليا أي تقدم في العملية السياسية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ويواصل ارتكاب أخطر جرائم حقوق الإنسان ضد شعبه بشكل يومي".
وأشارت إلى أنه "طالما أن الأمر كذلك، فلا يمكن أن تكون هناك رغبة حقيقية في تطبيع العلاقات مع النظام السوري".
علوش، يرجح أن "نشهد مزيدا من التحول الأوروبي تجاه الأسد، لكن مثل هذا التحول سيعمق الانقسام في سياسة الاتحاد الأوروبي وسيقوض قدرته على تقديم سياسة متماسكة".
"تراجع الدور الأمريكي"
وحول موقف الولايات المتحدة ودوره في تزايد أعداد الدول المتجهة إلى تعويم نظام الأسد، فإن علوش يلفت في حديثه لـ"عربي21"، أن "جانب رئيسي من دوافع التحولات الإقليمية والدولية في الصراع السوري مرتبط بتراجع الدور الأمريكي".
و"هذا التراجع يعمل كمحفز لبعض الدول لتغيير سياساتها في الصراع. نحن أمام سياسة أمريكية غير متماسكة في سوريا"، حسب الباحث.
ويوضح علوش، أن "الأمريكيين يعارضون الانفتاح على الأسد لكنهم لا يستخدمون نفوذهم لمنع حلفائهم في المنطقة من كسر عزلة الأسد. وفي حال عودة محتملة لترامب إلى البيت الأبيض، قد نشهد تحولا أمريكيا أكبر في سوريا".
وكانت الولايات المتحدة، على الرغم من معارضتها علنا للتطبيع مع نظام الأسد، إلا أنه لم تحول دون التقارب العربي مع النظام السوري. والآن تعمل تركيا على تطبيع علاقاتها مع دمشق في وقت يبدو فيه الملف السوري في أدنى قائمة أولويات واشنطن، التي تضع ثقلها في ملف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات رئاسية قد تخرج الإدارة الديمقراطية من البيت الأبيض وتعيد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
العبد الله، يعتبر أن "الصمت الأمريكي لا يمكن اعتباره بمثابة ضوء أخضر للمضي في التطبيع مع النظام السوري، والإدارة الأمريكية الحالية لم تؤيد هذه الخطوات بشكل صريح، لكنها لم تهدد الدول التي تقوم بالتطبيع مع النظام".
ويوضح في ختام حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الموقف قد يستمر حتى الانتخابات الأمريكية القادمة، حيث يمكن أن تأتي إدارة جديدة بموقف مختلف، فالإدارة الحالية ترى في هذه الخطوات وسيلة لتعديل سلوك النظام السوري فقط، وخاصة أنه وقف موقف محايد من الحرب في غزة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية إيطاليا أوروبا الأسد سوريا سوريا الأسد إيطاليا أوروبا المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تطبیع علاقاتها مع مع النظام السوری الدول الأوروبیة الدول الأوروبی الیمین المتطرف تطبیع العلاقات مع نظام الأسد العلاقات مع التطبیع مع حدیثه لـ إلا أن
إقرأ أيضاً:
أغنيس مريم الصليب.. راهبة الأسد
أغنيس مريم الصليب، والمعروفة أيضا بفادية اللحام وأغنيس مريم دي لاكروا، هي راهبة لبنانية ترأس دير القديس يعقوب الفارسي في بلدة قارة بدمشق التابع لأبرشية حمص في سوريا. تجمع بين العمل الرهباني والنشاط الاجتماعي والسياسي، عرفت بقربها من النظام السوري المخلوع وترويجها لروايته ضد الثورة السورية، مما جعلها محط انتقادات من معارضي نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في سوريا حتى لقبوها بـ"راهبة الأسد".
المولد والنشأةوُلدت ماري فادية اللحام في بيروت عام 1952 لأب فلسطيني نزح من الناصرة عام 1948 أثناء النكبة الفلسطينية، وأم لبنانية.
ولدت اللحام في أسرة ميسورة الحال، وتعلمت في مدارس الراهبات الفرنسيات، وتقول إنها عقب وفاة والدها، وكان عمرها آنذاك 15، سقطت في دائرة من الأسئلة الوجودية، وشعرت بخيبة أمل تجاه الأوضاع الاجتماعية في بلادها.
وأثناء بحثها عن "الحقيقية والرب" كما تصف، مع قناعتها بأن الثقافة الشرقية "عتيقة الطراز" على غرار الثقافات الغربية، قررت التمرد على مجتمعها وانضمت إلى حركة "الهيبيز" في أواخر الستينيات.
ونشأت حركة الهيبيز في بداية ستينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة الأميركية، ثم انتشرت حول العالم، وترفض العادات والتقاليد السائدة في المجتمع وتتحدى معاييره وقيمه السياسية، وتدعو إلى "الحرية والسلام والتحرر من التقاليد".
إعلانوبدأ توافد "الهيبيين" إلى بيروت من مختلف أنحاء العالم عام 1967، وانجذبت إليهم اللحام لما جسدوه في نظرها من "رسالة للحرية"، إضافة إلى تميزهم بأسلوبهم الفريد وأزيائهم غير التقليدية.
عقب عام من انضمامها سافرت اللحام مع الحركة حول العالم، وتنقلت بين أوروبا والهند وباكستان وإيران وبلاد أخرى، حاملة معها إنجيلها، وقالت إن تلك التجربة أعادتها في النهاية إلى الحياة الدينية، فعادت إلى بلادها وقررت الالتحاق بدير الكرمل (التابع لمطران الكاثوليك في بيروت) عام 1971.
في عام 1992 بدأت الأم أغنيس في تنفيذ مشروعها الهادف إلى إحياء التراث الروحي للكنيسة الأنطاكية، وتعزيز الوجود المسيحي في بلاد الشام والعراق، وحصلت على موافقة ودعم من رئيسة ديرها والمجتمع الرهباني.
سافرت إلى فرنسا لدراسة التقاليد الرهبانية القديمة، وتعلم اللغتين العبرية والسريانية، كما تواصلت مع الفاتيكان للحصول على دعم مالي ومعنوي لمساعدتها في تحقيق رؤيتها.
التجربة الدينيةكانت أغنيس تخطط لإنشاء دير في شمال لبنان، في منطقة الوادي المقدس، لكنها اكتشفت في الصحراء السورية بقايا دير قديم يعود إلى ما بين القرن الخامس والسادس، ورأت في ذلك "إشارة إلهية" لبدء مشروعها هناك.
بعد الحصول على موافقة الأسقف المحلي، بدأت في عام 1994 أعمال ترميم الدير بهدف "الحفاظ على التراث الروحي والهوية المسيحية في المنطقة"، إضافة إلى "خدمة المجتمع المحلي"، وأسست جماعة رهبانية تضم راهبات ورهبانا من عشر جنسيات.
كرّست الجماعة جهودها للصلاة، والعمل على وحدة المسيحيين، وحماية التراث المسيحي، وإثر اتهامها بالوقوف إلى جانب النظام قال الجماعة إنها قدمت المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب السورية على أسس العدالة والمصالحة، بموجب بيان مصدّق من المطران وليّ الأمر.
وعلى الرغم من هذه الأنشطة الإنسانية التي أنجزتها الجماعة، فقد اتسمت مواقف أغنيس السياسية بالجدل، إذ كانت من أبرز الشخصيات التي عبرت عن دعمها لنظام الأسد، وكانت تدافع عنه في قضايا متعددة، بما في ذلك المجازر التي ارتكبها في حق شعبه مستخدما الأسلحة الكيميائية.
إعلانإضافة إلى ذلك، تترأس أغنيس "جمعية ابن الإنسان"، التي تعمل في لبنان في المجال الإنساني والإغاثي وتتبع لأبرشية "حمص وحماة ويبرود وتوابعها الروم الملكيين الكاثوليك"، التي يترأسها المطران يوحنا عبدو عربش.
ترتبط أغنيس بمنظمة "إنقاذ مسيحيي الشرق"، التي أسسها تشارلز دي ماير وبنيامين بلانشارد ومقرها فرنسا، وكشفت تحقيقات موقع "ميديا بارت" عن دعمها المستمر لميليشيات قاتلت لصالح النظام السوري، وتزايدت التساؤلات حول طبيعة عمل الجمعية، خاصة وأنها تنشط في سوريا عبر شخصيات مرتبطة بالنظام مثل رجلي الأعمال سيمون الوكيل ونابل العبد الله.
علاقتها مع الأسدبرزت الأم أغنيس مناهضة شرسة للثورة السورية، ولفتت الأنظار لأول مرة عقب مجزرة الكيماوي على الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2013.
وفي لقاءات إعلامية شككت في مقاطع الفيديو التي تداولها ناشطون ومعارضون آنذاك وقالوا إنها توثق ضحايا المجزرة، وهي المقاطع التي استخدمها المجتمع الدولي دليلا رئيسيا لإثبات مسؤولية النظام السوري عن الهجوم.
وأوضحت أنها قدمت النتائج التي توصلت إليها عقب دراسة مقاطع فيديو المجزرة، لدبلوماسيين أجانب ومسؤولين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذلك في تقرير من 50 صفحة، وأشارت إلى ما اعتبرته فيديوهات غير متسقة، وتساءلت عن سبب قلة الصور التي تظهر النساء وعمليات الدفن، وهو ما استشهد به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد أيام.
وقالت أغنيس إن تلك المقاطع "ملفقة ومزورة" و"تضخم الخسائر البشرية"، وأضافت أن من تعرض للقصف بالكيماوي هو الجيش السوري، مما زاد من الشكوك بشأن موقفها الداعم للنظام.
وفي مواجهة مزاعم الأم أغنيس، صرّح مدير الطوارئ في منظمة "هيومن رايتس ووتش" بيتر بوكارت بأنه قسيسة و"ليست خبيرة في التسجيلات المصورة"، وأضاف "لم نجد أي دليل على تزييف أي من التسجيلات".
إعلانووفق تقرير صادر عن المنظمة في سبتمبر/أيلول 2013، فإن هجومين منفصلين بالأسلحة الكيميائية استهدفا غوطتي دمشق الشرقية والغربية في 21 أغسطس/آب، وأسفرا عن مقتل مئات المدنيين.
كما أكدت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن النظام السوري أطلق ما لا يقل عن 10 صواريخ محملة بغازات سامة، ما أدى إلى وفاة 1144 شخصا، بينهم 99 طفلا.
وفي أواخر عام 2013، تجولت الأم أغنيس في الولايات المتحدة وأوروبا للترويج لرواية النظام السوري حول الحرب، بتنظيم من "حركة التضامن السورية"، وهي منظمة مقرها كاليفورنيا كانت تعمل لدعم النظام السوري.
وفي سبتمبر/أيلول من العام نفسه، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن الأم أغنيس زارت إسرائيل واجتمعت مع مسؤولي أجهزتها الأمنية، مطالبة بدعم وحماية الأسد. كما أعربت عن قلقها من احتمال شن الولايات المتحدة هجوما كارثيا على سوريا، مدعية أن البلاد تضم 150 ألف مقاتل جهادي مدربين من 80 دولة، مدعومين من جهات عدة بينها أميركا.
وبسبب مواقفها الداعمة للنظام، أطلق عليها منتقدوها لقب "راهبة الأسد"، إلا أنها أنكرت ذلك لاحقا، قائلة "أنا لست راهبة الأسد، فقد قصفني 3 مرات بالهلكوبتر".
مقتل الصحفي الفرنسيوتُتهم الأم أغنيس بالمسؤولية عن مقتل الصحفي الفرنسي جيل جاكيه أثناء زيارته لتغطية الحرب عام 2012، وقد ساعدته على الحصول على تأشيرة دخول إلى سوريا، نظرا لعلاقتها الوثيقة بعلي مملوك، أحد كبار المسؤولين الأمنيين على عهد الأسد.
ووفقا لشهادات مختلفة، لم يكن جاكيه يرغب في زيارة مناطق النظام، إنما رغب بتغطية مناطق سيطرة المعارضة، لكنه أجبر على مرافقة الأم أغنيس خوفا من إلغاء تأشيرته. وفي النهاية، لقي جاكيه حتفه عندما سقطت قذيفة هاون على المبنى الذي كان فيه.
إعلانواتهمت زوجة جاكيه، التي كانت ترافقه، الأم أغنيس بالتواطؤ مع علي مملوك في تدبير عملية اغتياله، قائلة إن الراهبة كانت قد حذرته من تجاوز المسار المرسوم له من النظام السوري، ورفضت مرافقته إلى مناطق المعارضة بحجة أن المعارضة تريد قتلها.
وقُتل جاكيه أثناء وجوده في منطقة يسيطر عليها النظام، وقالت زوجة الصحفي إن النظام استهدفه لمنعه من الانتقال إلى مناطق المعارضة، بينما ادعى النظام أن المعارضة هي من أطلقت القذيفة.
وعقب سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 قالت الأم أغنيس إن سوريا قد تتجه نحو حكم ديني، مشيرة إلى أن الوضع في البلاد ما يزال في حالة ترقب، مدعية أن التصريحات التي تطمئن المواطنين تتناقض مع الأفعال التي تثير الخوف والقلق.
كما انتقدت الأم أغنيس ما حدث في الساحل السوري، ووصفت ما جرى بأنه تمرد أدى إلى مجازر بحق السوريين، متهمة فصائل مسلحة غير سورية بارتكاب هذه المجازر في المناطق السكنية.
وأضافت أن هذه الأحداث جاءت بعد هجمات من عناصر مرتبطين بالنظام السابق على المدنيين وعناصر الأمن العام، ما أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص.
وظهرت الأم أغنيس لاحقا في مقطع مصور من داخل قاعدة حميميم التي لجأ إليها علويون من أنصار النظام السوري السابق عقب أحداث الساحل، تدعوهم فيها إلى طلب التدخل الدولي لحمايتهم.
وواجهت الأم أغنيس انتقادات حادة بسبب تصريحاتها التي دعت فيها إلى تقسيم سوريا عبر تدخل روسيا وإسرائيل، وصرحت "قلت لـ(فلاديمير) بوتين و(دونالد) ترامب وإسرائيل: كفى، إذا أردتم تقسيم سوريا فتعالوا افعلوا ذلك، لكن توقفوا عن قتل الأبرياء".
وردا على هذه التصريحات، دعا المحامي السوري ميشال شماس المحامين السوريين إلى رفع دعوى ضدها لمحاسبتها على "تحريضها على تقسيم سوريا ودعوتها إسرائيل للتدخل"، مطالبا بطردها من البلاد، كما طالب راهب سوري رئيس الجمهورية اللبنانية بالتدخل لحل القضية، محذرا من بوادر فتنة بين السوريين بسبب مواقفها.
إعلان الجوائز والأوسمةنالت أغنيس عددا من الجوائز والتكريمات، منها:
ترشحها لجائزة نوبل للسلام مرتين. وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي برتبة فارس. جائزة فيميدا للسلام في روسيا. الصليب الذهبي من منظمة فرسان مالطا. دكتوراه فخرية من الاتحاد العالمي لنقابات الأشراف في بريطانيا.