في الاقتصاد والسياسة الخارجية.. بايدن حقَّق مكاسب مهمة
تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
من المبكر جدا الكتابة عن تَرِكَة (إنجازات) الرئيس بايدن. فلديه 6 أشهر إضافية في سدَّة الرئاسة. وفي هذه الأوقات المتقلِّبة يمكن أن يحدث الكثير. لكن يبدو من المفيد أن ننظر إلى الخلف وتحديدا إلى ما نعرف الآن أنها ستكون رئاسة لفترة واحدة ونسأل: ما الذي سيميِّزها في سجلات التاريخ؟
في اعتقادي الجانب المميز لرئاسة بايدن يتمثل في انفصاله الكبير عن عقود من السياسة الاقتصادية.
في الحقيقة السياسات المالية المميزة لحقبتنا كانت التخفيضات الضريبية. فالرؤساء رونالد ريجان وجورج دبليو بوش ودونالد ترامب شرَّعوا تخفيضات ضريبية كبيرة أفادت الأثرياء بشكل عام. وكانت النتيجة «ولاياتٍ متحدة» يمكن وصفها بالبذخ الخاص والتدهور العام. فهنالك منازل بقيمة 100 مليون دولار في بلد تمتلئ طرقاته بالحُفَر ويموت فيه الأطفال بمعدلات أعلى من أي بلد آخر في العالم الصناعي. هذه التخفيضات الضريبية إلى جانب الإنفاق على الحروب في أفغانستان والعراق مسؤولة عن جزء كبير من الدين الفيدرالي في الولايات المتحدة.
بايدن غيَّر هذه السردية. لقد استخدم موارد الحكومة الفيدرالية في استثمارات كبيرة في البنية التحتية ورعاية الطفل والصناعة التحويلية والطاقة. هذه الاستثمارات لن تُؤتي أُكُلها في أي وقت قريب. فالعديد منها بدأ لتوِّه. لكن يجري الآن أكبر تحديث للبنية التحتية في قطاع النقل بالولايات المتحدة منذ سنوات الخمسينات مع تدشين أكثر من 56 ألف مشروع سلفا. إنها تشهد ازدهارا في الاستثمار في الصناعة التحويلية والتوظيف يغيِّر اتجاها استمر لعقود من السنين. الطاقة الخضراء تزدهر أيضا. وأعان الائتمان الضريبي الموسَّع للأطفال الذي استحدثه بايدن على خفض فقر الأطفال في أمريكا بنسبة 46% خلال السنة التي كان فيها قيد التنفيذ، منتشلا بذلك عددا مذهلا بلغ 3.4 مليون طفلا من براثن الفقر في سنة واحدة. (انتهى سريان هذا الائتمان بعد عام ورفض الجمهوريون في الكونجرس تجديده).
ساعدت إجراءات بايدن على إطلاق أقوى تعافٍ في فترة ما بعد الجائحة لأي اقتصاد كبير. فالولايات المتحدة أوجدت أكثر من 15 مليون وظيفة (وهذا أكبر عدد يحققه أي رئيس أمريكي في فترة رئاسية واحدة). وظل معدل البطالة عند أقل من 4% لأكثر من سنتين. وهذه أطول فترة منذ الستينات. إلى ذلك، معدل مشاركة الأمريكيين السود في قوة العمل الآن أعلى من معدل مشاركة البيض لأول مرة على الإطلاق على أساس مستدام.
حقا التضخم ارتفع. وفي حين لعبت الجائحة دورا في ارتفاعه إلا أن الضخ المفرط للأموال النقدية في الاقتصاد ساهم فيه أيضا. ويجب تحميل بايدن المسؤولية عنه. هنالك جوانب في سياساته لا أوافق عليها. لكن إجمالا، وكما ذكر وزير الخزانة الأسبق لورنس سمرز لتلفزيون بلومبيرج، سِجِلُّ بايدن «لافت»، وأضاف سمرز «لا أعتقد أن هنالك أية إدارة أمريكية تفوقت بهذا النحو على التوقعات الاقتصادية التي صدرت عن أدائها في اليوم الذي تولت فيه الحكم».
لم يُمتدَح بايدن تقريبا على هذا الإحياء الاقتصادي. من بين أسباب ذلك الأثرُ المتبقي للتضخم واستمرار أزمة العجز عن مقابلة تكاليف الرعاية الصحية والسكن والتعليم العالي. لكن السبب الرئيسي كما ظللت أجادل منذ وقت طويل يعود إلى أننا نعيش في حقبة «سياسة ثقافية». فالقضية الأولى التي ظل الجمهوريون يهاجمون بايدن بشأنها لم تكن الاقتصاد ولكن الحدود. لقد كان موقف بايدن ضعيفا تجاهها لأنه مال إلى إرضاء جناحه اليساري لفترة أطول مما يلزم وسمح ذلك بانهيار نظام الهجرة تحت ضغط ملايين المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود ويطالبون بالحماية المصاحبة لطلب اللجوء. عدَّل بايدن أخيرا موقفه. لكن حينها كان ترامب قد منع أي تعاون جمهوري للتخفيف من حدة الأزمة.
المجال الآخر الذي وضع فيه بايدن بصمته هو السياسة الخارجية. لقد واجه التحديات التي ترتبت عن عودة روسيا وصعود الصين لكن ليس عبر تصرفات فردية أو حلول قاطعة. عززت الإدارة الأمريكية نظام التحالف الأمريكي بتقوية الناتو وإضافة عضوين جديدين له هما السويد وفنلندا. وعلى نحو شبيه بذلك في منطقة المحيطين الهندي والهادي أسس بايدن هياكل جديدة للتعاون والردع مع اليابان وكوريا الجنوبية والهند وأستراليا وبلدان أخرى. إجمالا، تعاملت إدارته مع قضايا العالم على نحو جيد ووافٍ بحيث تشير الاستطلاعات إلى أن تقييم معظم البلدان لبايدن والولايات المتحدة اليوم أفضل من تقييمها لترامب وأمريكا في عهده.
التركة الأخيرة لبايدن هي أنه أعاد الرئاسة إلى طريق الرشاد والاحترام والكرامة وطرح عنها التهريج الخطِر والخطاب والتصرفات المعادية للديموقراطية في الفترة التي سبقت توليه الرئاسة. لكن لكي تستمر هذه التركة وحتى لا تصبح فترة رئاسة بايدن مجرد لحظة عابرة في الزمن يلزمه ضمان إنهاء الولايات المتحدة فعلا حقبة ترامب. ولكي يساعد على ترجيح هذا الاحتمال اتخذ القرار المؤلم بالانسحاب من السباق الرئاسي والذي أيضا سيحفظ له مكانا خاصا في كتب التاريخ.
يشعر بايدن بأنه لم يحصل على التقدير الذي يستحقه طوال حياته. وإذا حكمنا بالفترة التي قضاها في البيت الأبيض سنجد إنه مُحِق في ذلك.
فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشئون الخارجية على شبكة سي إن ان
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
توقعات بإطلاق بايدن دعوة لإقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته
توقعت صحيفة إسرائيلية، أن يقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن على إطلاق دعوة للاعتراف بدولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته الرئاسية في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، وتسليم منصبه للرئيس المنتخب دونالد ترامب.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في مقال نشره السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل أورين: "قد يدعو بايدن إلى إقامة دولة فلسطينية قبل أن يخلفه ترامب".
وأضاف أورين أنه "رغم أن بايدن يعد صديقا لإسرائيل بشكل عام، إلا أنه ليس من محبي حكومة بنيامين نتنياهو"، مشيرا إلى أن بايدن قد يدعو الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته، والسبب هو إطلاق "الضحكة الأخيرة على نتنياهو"، على حد وصفه.
واستذكر أورين حادثة في 2016 عندما كان عضواً في الكنيست ومسؤولاً في مكتب رئيس الوزراء، حينما وافق الرئيس الأمريكي في حينه باراك أوباما على حزمة مساعدات أمنية وعسكرية، وبعد ثلاثة أشهر سمحت الولايات المتحدة بتبني قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يدين المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
وتحدث عن تحذيره من أن أوباما قد استخدم أشهره الأخيرة في منصبه لانتقاد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، قائلاً: "عرض علينا الدعم المالي بيد، ثم صفعنا باليد الأخرى".
"الآن، مع دخول إدارة بايدن أشهرها الأخيرة، يلوح في الأفق خطر متجدد يتمثل في صدور قرار آخر من مجلس الأمن هذه المرة، بدعم من الولايات المتحدة يدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية"، وفق أورين.
وقال إن "بايدن الذي يصور نفسه على أنه صهيوني وداعم لإسرائيل بشكل عام طوال الصراع، فإنه بلا شك يكن استياءً عميقاً من الحكومة الإسرائيلية وزعيمها"، منوها إلى إظهار بايدن استعداده لفرض عقوبات على عدد متزايد من الإسرائيليين بسبب "عنفهم المزعوم ضد الفلسطينيين".
وتابع قائلا: ""لا يمكننا استبعاد احتمال أن يشعر بايدن، مثل أوباما من قبله، بأنه مجبر على إنشاء سابقة سياسية في الأمم المتحدة"، مؤكدا أن "التفاصيل لا تزال غير واضحة، بشأن ما إذا كان القرار سوف يدعم إنشاء دولة فحسب، أو ما هو أهم من ذلك، الاعتراف بفلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة".
وحذر من العواقب المترتبة على ذلك والتي قد تعرض أمن إسرائيل للخطر، معتبرا أن "اعتراف مجلس الأمن بدولة فلسطينية اليوم من شأنه أن يخول المجلس صلاحية إعلان أي مستوطنة أو قاعدة عسكرية إسرائيلية باعتبارها انتهاكاً لسيادتها، وسوف تواجه إسرائيل تحديات قانونية متكررة في المحاكم الدولية، مما يؤدي إلى فرض عقوبات على قادة إسرائيل ومواطنيها".
وذكر أنه "بالرغم من أن بايدن قد يختتم ولايته كصديق عظيم لإسرائيل، فإننا لا نستطيع أن نستبعد احتمال أن يكون آخرون في إدارته أقل تسامحاً"، داعيا إلى "الاستعداد للأسوأ في مجلس الأمن".