إن مظلة العدالة في الإسلام تحمي الضعاف، وتحنو على الصغار وتحفظ حقوقهم وتنظم علاقاتهم فلا يستذل فيها ضعيف لضعفه، ولا يعتدى على عاجز لعجزه.
وفي الإسلام حقوق وواجبات ثابتة جاء بها هذا الدين، وامتلأت بها صفحات القرآن ودواوين السنة، التقصير فيها من الكبائر، والتفريط فيها من الموبقات. قرن الله الكثير منها بالأمر بتوحيده وعبادته ليبين جلالها، وينبه على خطرها.
ومن هذه الحقوق حق قديم زادت الحاجة إليه في هذه الأيام مع ما يعيشه المسلمون من مشكلات ويعانيه أهله من حروب وويلات ألا وهو كفالة الأيتام ورعايتهم.
اليتم محنة ومصيبة
اليتيم هو من فقد أباه ولمَّا يبلغ الحلم، فلا يُتْمَ بعد احتلام، ولذا فهو أحد الضعفاء وقد يكون أيضا أحد العاجزين، فهو من أضعف الناس لأنه فقد الظهر الذي كان يتقوى به ويحتمي بحماه، وهو من أعجز الناس؛ لأنه فقد الركن الذي كان يدبر أمره ويرعى شؤونه، وربما ترك له أبوه أمًّا هي أعجز منه وأضعف وأحوج إلى من يرعى شؤونها ويحفظ عرضها ويدفع عنها وعن صغارها.
إن أمثال هؤلاء لو تركوا وأهملوا، ولم يجدوا من يربيهم ويرعاهم ويقوم لهم مقام الأب المشفق والراعي الحاني، فإن أحدهم ينشأ نافر الطبع، شارد الفكر، لا يحس بأي ارتباط بينه وبين مجتمعه.. فلربما تلقفتهم أيد آثمة ونفوس قذرة فكانوا بعد ذلك آلة هدم وثمرة حنظل في حلق المجتمع، أو بؤر إرهاب وإفساد وانحلال تقض مضجعه وتخيف أمنه.
القرآن ورعاية الأيتام
كان لليتيم حظ موفور في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في القيام عليه: رعاية وتربية، وحفظا وتأديبا، وعناية وحماية، ونهيا عن إيذائه وقهره، أو نهره وزجره.
وفي القرآن الكريم أكثر من عشرين آية تتحدث عن الأيتام:
. فتارة تربط حقهم بحق الله سبحانه وتعالى: {وَاعبدوا الله ولاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَباِلْولِدَيْنِ إِحْسَـاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَـامَى وَالْمَسَـاكِينِ ...) [النساء:36].
. وتارة بالتهديد من إيذائهم ودفعهم والإساءة إليهم: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَر}[الضحى:9]، {كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[الفجر:17ـ18].
. وتارة يجعل إهانة اليتيم ودفعه من علامات التكذيب بالدين: {أَرَءيْتَ الَّذِى يُكَذّبُ بِالدّينِ فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ}[الماعون:1ـ2]. أي يدفعه بشدة، فجعله الله من المكذبين بالدين، وهو الحساب والعقاب والوقوف بين يدي الله الواحد الديان.. فلو كان من المؤمنين بهذا الموقف والمصدقين لما دفع الأيتام ونهرهم وأساء إليهم وقهرهم.
. وتارة بالترهيب من أكل أموالهم بغير حق: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}[الأنعام:152]، وكذلك قوله: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}[النساء:2].
وتوعد الذين يأكلون أموال اليتامى بالباطل بالنار: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:10].
. وتارة بالترغيب في الإحسان إليهم والرفق بهم والعطف عليهم، والنفقة عليهم، وأن ذلك من صفات الأبرار، فقال في وصف الأبرار في سورة الإنسان: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}[الدهر:8ـ9].
. وأخبر سبحانه أن إطعام اليتيم ورعايته مما يعين على تخطي عقبات يوم القيامة: {فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ}[البلد:11-15].
اجتنبوا السبع الموبقات:
ولقد عد النبي صلى الله عليه وسلم أكل أموال اليتامى من الموبقات التي توبق صاحبها في النار، ففي البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَنِ النَّبِيِّ صَلي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَات، قَالُوا: يَارَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: ”الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْر، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ).(متفق عليه).
وجعل النبي صلي الله عليه وسلم حق الضعيفين ـ اليتيم والمرأة ـ من أولي الحقوق بالرعاية والعناية، فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: حَقَّ الْيَتِيمِ، وَحَقَّ الْمَرْأَةِ) (أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه).
وأحرج: أي أجعل من أكله أو أخذه في حرج، وضيق وضنك؛ لأنه يأكل حق ضعيف هو يتيم أو حق ضعيفة وهي المرأة.. .
وفي كتاب الله والسنة المطهرة دعوات كثيرة تحث على الإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام، وتدعو إلى رعايتهم وتقديم العون لهم، وإطعامهم والقيام على شؤونهم.
فوائد وثمرات كفالة اليتيم
لقد كثرت والله الشدائد، وضاق على كثير من الناس أرزاقهم، وكثر بين المسلمين اليتامى والأرامل والمساكين الذي لا يجدون ما يقتاتون به، ويحتاجون في حياتهم ولو إلى القليل، فهذه أيام الفاقة والحاجة، فليبحث كل منا عن يتيم يكفله أو أيتام، ليس فقط لأن الأيتام يحتاجون هذا، ولكن لأننا نحن أشد حاجة منهم لذلك.. فإن لكفالة اليتيم فوائد وثمرات كبيرة في الدنيا والآخرة منها:
ـ أولها: صحبة النبي في الجنّة:
فهو الذي قال صلى الله عليه وسلم: (َأنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا، وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا)[رواه البخاري].. وكفي بذلك شرفا وفخرا.
وسواء كان هذا اليتيم قريبا لك أوغريبا، فكلهم تنال به هذا الشرف العظيم، كما جاء في صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (كافِلُ اليَتِيمِ، له أوْ لِغَيْرِهِ، أنا وهو كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ) وأَشارَ مالِكٌ بالسَّبَّابَةِ والْوُسْطَى.
ثانيا: لين القلب وقضاء الحوائج
فقد روى الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء قال: أتى النبي صلي الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه. قال: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك؛ يلن قلبك وتدرك حاجتك).
ثالثا: أن يحفظك الله في أيتامك وذريتك
قال تعالي: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}(النساء:9). فالجزاء من جنس العمل.
فهذه بعض ثمرات وفوائد كفالة الأيتام في الدنيا والآخرة؛ فاعلموها واعملوا بها تفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة.
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الله علیه وسلم أ م و ال
إقرأ أيضاً:
أيهما أفضل الإفطار قبل صلاة المغرب أم بعدها ؟
قال الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بـ دار الإفتاء المصرية، إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان إذا أذن المغرب وهو صائم كان يفطر أولًا ثم يصلي المغرب.
أيهما أفضل الإفطار قبل صلاة المغرب أم بعدها ؟وأضاف "وسام" خلال لقائه بالبث المباشر لصفحة دار الإفتاء المصرية، في إجابته على سؤال «هل يفطر الصائم قبل أن يصلي المغرب أم بعد أن يؤدي صلاة المغرب؟»، أن سُنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى هذا الأمر هو أنه كان يفطر أولًا، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» أخرجه أبو داود في سننه.
وأشار إلى أن السُنة والقدوة برسول الله (صلى الله عليه وسلم) أولى بالاتباع، وهي أن يكسر المسلم كما يقولون صومه ثم يصلى ثم يأكل بعد ذلك ما شاء.
حكم تأخير الإفطار لبعد صلاة المغربقال مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، إن الصلاة بحضرة الطعام مكروهة، فإذا كان الإنسان جائعًا، أو وضع أمامه طعاما يشتهيه فإن الأولى له أن يأكل أولا ثم يصلى حتى لا ينشغل عن الصلاة بالأكل، ويستحضر فيها الخشوع التام ولا يكون قلبه معلقًا بالطعام.
واستشهد المركز فى فتوى له، على ذلك بما أخرجه مسلم فى صحيحه عن عائشة رضى الله عنها قالت قال النبى صلى الله عليه وسلم «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ»، وحديث: «إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أحَدِكُمْ وأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَؤُوا بالعَشَاءِ ولَا يَعْجَلْ حتَّى يَفْرُغَ منه وكانَ ابنُ عُمَرَ: يُوضَعُ له الطَّعَامُ، وتُقَامُ الصَّلَاةُ، فلا يَأْتِيهَا حتَّى يَفْرُغَ، وإنَّه لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإمَامِ» (البخارى ومسلم)
وأفاد بأن الصلاة تكون مكروهة فى هذا الوقت، والكراهة لا تمنع صحة الصلاة، فالصلاة صحيحة لا شئ فيها لأنها مكتملة الشروط والأركان، أما النهى فى الحديث السابق فإنه يحمل على الكراهة، والنهى فى الحديث الأول يحمل على نفى الكمال لا نفى الصحة، أى لا صلاة كاملة ولكنها صحيحة.