النموذجان الآسيوي والعربي ما الذي صنع الفارق؟
تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT
خلال العقود الأربعة الماضية بدأت ظاهرة النمور الاقتصادية لدول جنوب شرق آسيا في الظهور على الساحة الاقتصادية الإقليمية والدولية، هذا الجزء الآسيوي من العالم تعرض لأقسى الحروب في التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الثانية ومن خلال التطرق إلى أرقام الضحايا الذين سقطوا في تلك الحروب سواء من خلال التدخلات الخارجية الاستعمارية أو من خلال الصراعات الداخلية يمكن القول إن هذا النموذج الآسيوي ينبغي التوقف عنده بشكل موضوعي ليس بهدف المقارنة بالعالم العربي على سبيل المثال ولكن للتفكير الموضوعي لتلك النقلة النوعية لدول لا تمتلك الكثير من المصادر الطبيعية وخرجت من حروب وصراعات طاحنة راح ضحيتها الملايين من الضحايا المدنيين علاوة على أن تلك البلدان ذات أعراق وديانات متباينة، وكصحفي في جريدة عمان لأكثر من عقدين ومن خلال عدد من المهام الصحفية زرت هذا الجزء من العالم وشاهدت جزءا من تلك التجربة بداية من أرض الشمس المشرقة مرورا بسنغافورة وتايلاند والفلبين وإندونيسيا وماليزيا علاوة على القراءات المتعددة حول تجارب فيتنام ولاوس وكمبوديا، وعلى ضوء ذلك يمكن القول بأن النموذج الآسيوي قدم تجربة مميزة على صعيد الانتقال من التجربة الزراعية المحدودة إلى عالم التصنيع والتكنولوجيا.
ولا يعني التعرض للنموذج الآسيوي هو تطبيقه بشكل ممنهج ولكن الطرح هنا هو الإرادة الوطنية لتغير الواقع السلبي إلى واقع مختلف من خلال إرادة واضحة تعتمد على المحاسبة والحوكمة والإنتاجية والشفافية واعتماد المؤشرات وأن يكون هناك قناعة واضحة لصناع القرار بأن عدم نجاح أي مسؤول في التناغم مع فكرة التقدم والتطوير وتقدم المؤشرات فعلي ذلك المسؤول أن يغادر مكانه ليعطي الفرصة لفكر مختلف ولعطاء متجدد مختلف وهذا ديدن الحكومات التي ليس لها المزيد من الوقت لتدخل التجربة تلو الأخرى.
الدول العربية ومنذ عهود الاستقلال كانت أمامها فرص كبيرة لإيجاد نموذج وخطط تجعلها على قدم المساواة ليس مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وإن كان ذلك طموح مشروع لكن على الأقل تصل إلى مستوى دول جنوب شرق آسيا بل وأفضل من ذلك النموذج. وقد يطرح تساؤل بأن بعض الدول العربية دخلت حروبا صعبة، هذا صحيح وكانت القضية الفلسطينية هي محور الصراع العربي الإسرائيلي ومع ذلك فإن مقارنة موضوعية بين الحروب العربية مع الكيان الإسرائيلي منذ عام ١٩٤٨وحتى عام ١٩٧٣ على صعيد حروب الجيوش النظامية لا يقارن بالحروب الكبيرة التي شهدتها دول جنوب شرق آسيا وربما الاستثناء الوحيد هنا هو الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت عام ١٩٨٠ وانتهت بنتائج كارثية للبلدين الجارين عام ١٩٨٨ ومع ذلك فإن حرب فيتنام ضد القوات الفرنسية وبعد ذلك ضد القوات الأمريكية نتج عنها أكثر من أربعة ملايين ضحية على ضوء بعض التقديرات الحرب في الفلبين وكوريا في عقد الخمسينات نتج عنها سقوط الملايين من الضحايا الحرب الكمبودية الأهلية بين الحكومة وجماعات الخمير الحمر نتج عنها ملايين الأرواح وكذلك الأمر في لاوس كما أن اليابان تعرضت كما تمت الإشارة إلى حرب نووية ضد مدن هيروشيما ونجازاكي وعند سماع قصص الرعب النووي ونحن نستمع مع عدد من الزملاء الصحفيين العرب عن نصب السلام التذكاري في هيروشيما ومن خلال سماع شهادات من أناس ناجين من مذبحة هيروشيما تدرك مدى الجريمة البشعة التي تعرض لها الشعب الياباني عام ١٩٤٥وعلى ضوء ذلك فإن التعاطي مع النموذجين الآسيوي والعربي لا ينطلق فقط من عوامل جيوسياسية وحروب ولكن من خلال الفكر والرؤية لما ينبغي أن تكون عليه الدول حتى وهي في أحلك الظروف كما في الحالة اليابانية التي زرتها واستمعت إلي قصص النجاح في هذه الدولة الصناعية العملاقة.
من العوامل الموضوعية التي تصب في مصلحة دول جنوب شرق آسيا واليابان هو غياب الموارد الطبيعية والجغرافية البركانية والزلازل كما هو الحال في الصين واليابان في حين أن إمكانات دولة عربية كالسودان تفوق حتى دول مجتمعة من الدول الآسيوية وقد زرت السودان شخصيا عام ٢٠١٥ خلال اجتماعات الاتحاد العام للصحفيين العرب وهي فعلا سلة الغذاء العربي وبها نهر النيل وتفرعاته الأزرق والأبيض وثروة حيوانية ومعدنية كبيرة ومع ذلك دخل السودان في حروب وصراعات داخلية منذ الاستقلال عن بريطانيا عام ١٩٥٦ ولا شك أن التدخلات الخارجية كانت حاضرة ومع ذلك فإن الإرادة الوطنية تعد هي العامل الأساسي للمحافظة على الوحدة الوطنية، وأيضا، تسخير الموارد والمقدرات لصالح الشعوب والنموذج السوداني ينطبق على عدد من الدول العربية وعلى ضوء ذلك فإن المقال الذي نحن بصدده لا يناقش مقارنات بين دول جنوب شرق آسيا والدول العربية لكنه يستلهم فكرة الإرادة والإحساس بأن الوصول إلى مستوى أفضل هي مسألة ممكنة إذا توافرت آليات تنفيذ حقيقية كما أن رابطة العرب القومية وهي جامعة الدول العربية ظلت أسيرة مواقف أعضائها طوال أكثر من سبعة عقود وأصبحت ثقة الشعوب العربية وحتى النخب في أدائها يتضاءل ويفقد الثقة وهذا شيء طبيعي، ولعلّ أحدث فصل ذلك العجز من الجامعة العربية هو عدم قدرتها على اتخاذ موقف فعلي تجاه العدوان الصهيوني الظالم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين بعد تسعة أشهر من المجازر والإبادة الجماعية والتي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ومن هنا فإن تغيير المشهد العربي يبدأ بمراجعة فعلية وموضوعية والنظر إلى النماذج الأخرى برؤية متوازنة.. وهناك ظروف مختلفة تاريخية وجغرافية ولكن التجارب الإنسانية ونجاحها تبنى على قواعد مشتركة وعلى استراتيجيات علمية واضحة ونرى الآن عملاق آسيا القادم الصين وهي تستعد لإزاحة الولايات المتحدة الأمريكية عن عرش الاقتصاد العالمي خلال عقدين من الزمن كما تشير إلى ذلك بعض الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية.
تمتلك الدول العربية إمكانات ومقدرات طبيعية وبشرية ولكن تبقى الرؤى والفكر والإرادة الوطنية وجودة التعليم أولا وأخيرا هي الأداة نحو الانطلاقة المختلفة التي تمكن تلك الدول من أخذ مكانها الطبيعي بين الدول المتقدمة في ظل مناخ تنافسي كبير ومعقد وفي ظل جيوسياسي في المنطقة العربية والعالم.
عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دول جنوب شرق آسیا الدول العربیة علاوة على على صعید ومن خلال ومن هنا ومع ذلک ذلک فإن من خلال عدد من
إقرأ أيضاً:
الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين
يمانيون../ اعتبر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، اليوم السبت، أن حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة على قطاع غزة منذ أكثر من عامين والهجمات في الشرق الأوسط “رسالة تخويف” إلى دول الجنوب.
وقال بيترو في تصريحات صحفية لقناة الجزيرة: إن كولومبيا مستعدة لاعتقال رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المُقال يوآف غالانت تنفيذا لأمر المحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف: إن “هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين”.. مشيرا إلى أن “ما يحدث بفلسطين والمنطقة ليس مجرد حرب بل رسالة تخويف من دول الشمال إلى الجنوب بأكمله”.
وتابع: إن “الدول التي تحلم بالسيطرة على العالم تزيد التوترات والحروب حفاظا على سيادتها وتحكمها”.. موضحا أن “الدول الكبرى تضرب بعرض الحائط القانون الدولي وحقوق الإنسان والحضارة الإنسانية”.”.
ويشير مصطلح “الجنوب العالمي” إلى بلدان مختلفة حول العالم تنتشر في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ولا تقع جميعها في نصف الكرة الجنوبي، لكنها كانت توصف أحياناً بأنها نامية أو أقل نمواً أو متخلفة، وذلك لأنها بشكل عام، أكثر فقراً، ولديها مستويات أعلى من عدم المساواة في الدخل وتعاني من انخفاض متوسط العمر المتوقع وظروف معيشية أقسى من البلدان الموجودة في “الشمال العالمي” أي الدول الأكثر ثراء التي تقع غالباً في أميركا الشمالية وأوروبا.
وحول تضامن بلاده مع الشعب الفلسطيني، قال بيترو: “عانينا من الوحشية والقتل ولذا فإننا نشعر أكثر بمعنى الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني”.. لافتاً إلى تأثر شعبه “بهول مشاهد الإبادة التي يراها في غزة وتجعله يسترجع ذكريات قاسية”.