كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن عددا يتجاوز العشرة من الموظفين الصغار في الكونغرس صعدوا يوم الأحد من اعتراضهم على دعم الولايات المتحدة إلى "إسرائيل" وأعلنوا عن موقع على الإنترنت يقومون وغيرهم من الذين يوافقونهم الرأي على نشر مذكرات بدون الكشف عن هويتهم، تنتقد السياسية الأمريكية من "إسرائيل" وحرب غزة، بما في ذلك انتقاد رؤسائهم بدون خوف من الانتقام.



وجاء هذا التطور بعد محاولات غير مجدية لإقناع الساسة على تغيير مواقفهم من الحرب. فمنذ اندلاعها في الخريف الماضي، تحدث مئات من المساعدين العاملين في الكونغرس ضد الدعم الأمريكي للحرب، حيث اختلف الكثيرون منهم مع مواقف رؤسائهم. وعملوا بشكل مجهول لحماية مناصبهم المطلوبة في الكونغرس وكتبوا رسائل ووزعوا عرائض ووضعوا منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي بعض الحالات، تركوا وظائفهم للضغط من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء شحنات الأسلحة المصنعة في الولايات المتحدة إلى "إسرائيل".

ويقول هؤلاء المساعدين إن أعضاء الكونغرس رفضوا الالتفات إلى اعتراضات الأمريكيين -التي عبروا عنها من خلال مئات الآلاف من المكالمات والرسائل والبريد الإلكتروني والزيارات الشخصية لمكاتبهم- على الحرب وسلوك "إسرائيل" فيها.

ويقول المنظمون إن المنبر الذي أطلق عليه "قناة المعارضة في الكونغرس" يحاكي قناة المعارضة في وزارة الخارجية للموظفين العاملين في السلك الخارجي، وهي القناة التي أنشئت أثناء الحرب في فيتنام، وهو نزاع آخر أدى إلى انقسام سياسي مر في الولايات المتحدة وأشعل حركة احتجاج، وتحديدا بين الشبان الأمريكيين.

وخلافا للقناة هذه التي ظلت  ضمن النظام الداخلي الحكومي، يلجأ إليها المعارضون لبث أفكارهم المعارضة لمواقف الحكومة سرا، فالموقع الجديد هو منصة عامة يقوم من خلالها المساعدون في الكونغرس بنشر انتقاداتهم والتركيز على الخلافات داخل مكاتبهم بالكونغرس.

وقامت نفس المجموعة التي نظمت  الخروج من العمل المؤيد لفلسطين في الكونغرس الأسبوع الماضي عندما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لجلسة مشتركة في فيه، وهي نفس المجموعة التي نظمت اعتصام الزهور في تشرين الثاني/ نوفمبر للدعوة إلى وقف إطلاق النار.

وفي بيان حول ما يريدون عمله، وصفت المجموعة نفسها بأنها "مجموعة من المساعدين في الكونغرس مكرسة لتغيير نموذج الدعم الأمريكي للإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة التي تنفذها دولة إسرائيل".

وهذا هو التحرك الأخير للمساعدين في الكونغرس الذين من المفترض أن يسمع صوتهم ولا يرى، والذين تقتصر وظائفهم على الالتزام بسياسات المسؤولين عنهم وتضخيم أصواتهم في "الكابيتال هيل".

ولا تتوفر لدى الموظفين في الكونغرس أي طرق للتعبير عن مواقفهم التي تختلف مع مواقف رؤسائهم، ومن يتجرأ منهم على المخالفة علنا يطرد من وظيفته.


وفي حين تشجع بعض المكاتب مساعديها علنا على تقديم آراء مخالفة بشكل خاص والسعي إلى الحصول على مدخلات سياسية من الناخبين في الدائرة التي يمثلها النائب، فإن حفنة من كبار المستشارين يمارسون عموما معظم السلطة في مكتب الكونغرس ويقررون الآراء التي يسمعها المشرع.

ونقلت الصحيفة عن مايكل ساتشكي، المتحدث باسم منظمة الموظفين التقدميين في الكونغرس والتي تدعم الكثير من الجهود الداعمة لفلسطين منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر إن المساعدين الذين يشاركون في قناة المعارضة يقومون بوظيفة مهمة من عملهم في الكونغرس: "ففي الوقت الذي قد نعمل ويوظفنا الكونغرس، فإن قسمنا مرتبط في النهاية بالدستور- الشعب الأمريكي". وعندما يرى المساعدون "خلافا واضحا" بين مواقف رؤسائهم وما يتوفر لديهم من مداخلات يسمعمونها من مواطني الدائرة فهم "ملزمون" لقول شيء.

ومن الناحية التقليدية، يحتفظ الموظفون المساعدون بمستوى متدن من الظهور ويتجنبون مخالفة أعضاء الكونغرس الذين يعملون معهم، لكن بعضهم في السنوات الأخيرة بدأوا يطالبون بتحسين ظروفهم ويرفعون أصواتهم بشكل عام.

وقال النائب الديمقراطي غلين أف أيفي إن الكونغرس كان يعرف في الثمانينات وبداية التسعينات بأنه "المزرعة الأخيرة"، حيث عمل كمساعد فيه ومستشار قانوني. وفي ذلك الوقت لم يكن للموظفين "أي حقوق"، وانتشرت التحرشات الجنسية وألوان عدة من التمييز، لكن لم يتم الحديث عنها أو حتى الإبلاغ عنها.

وفي هذه الأيام، اكتسب الموظفون الأصغر سنا على وجه الخصوص نشاطا متزايدا بسبب المشاعر المؤيدة للعمال التي اجتاحت البلاد مؤخرا. فقد اجتمعت العديد من جمعيات الموظفين معا في أعقاب هجوم 6 كانون الثاني/ يناير 2021 على مبنى "الكابيتال هيل" للضغط من أجل تعزيز تدابير السلامة وتوفير موارد الصحة العقلية الأكثر قوة للمساعدين الذين أصيبوا بصدمة بسبب أعمال الشغب.

وأنشأ المساعدون الشباب جمعية الموظفين التقدميين في  صيف ذلك العام وحساب بدون إسم على منصات التواصل الاجتماعي "دير وايت ستافر" نشرت من خلاله تقارير عن الجو المسموم في "الكابيتال هيل".

وبعد أقل من عام، تقدم موظفون في خمس مكاتب بعريضة تطالب بإنشاء نقابة جديدة في الكونغرس، نقابة العمال. وبعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7  تشرين الأول/ أكتوبر قامت حفنة من الموظفين التقدميين بإنشاء مجموعة منفصلة لغرض الدعوة إلى وقف إطلاق النار ووقف شحنات السلاح إلى "إسرائيل".

وقال مساعدون صغار في رسائل مفتوحة إنهم يتحملون العبء الأكبر من ردود الفعل العنيفة من جانب الناخبين تجاه الهجوم الإسرائيلي على غزة، وذلك ردا على عشرات الآلاف من المكالمات والرسائل الإلكترونية والخطابات والزوار لمكاتبهم، ويزعمون أن كبار المسؤولين يتجاهلون معظمها.

وجاء في بيان إنشاء الموقع "نعيش في لحظة من السياسة الخارجية الأمريكية محفوفة بالمخاطر، يتم فيها إسقاط القنابل المصنوعة في أمريكا على البيوت والمدارس والمستشفيات ويدفع ثمنها دافع الضريبة الأمريكي".

 وواصل البيان: "رغم الأدلة الواضحة للعيان، يتم تهميش وتجاهل وتشويه الأصوات في الكونغرس الداعية لحل براغماتي وأخلاقي يدعم التزامنا بالمعاهدات ويمكن أن تكون وسيطا للسلام".

وإلى جانب بيان المهمة احتوى الموقع على صورة التقطت في غرفة بالكونغرس أثناء جلسة استماع وتظهر ثلاثة أشخاص تم التمويه على وجوههم وهم يحملون طائرة بدون طيار قابلة للنفخ وبعلم إسرائيلي صغير ولافتة مكتوب عليها بالخط العريض "نحن نعارض".

وقال المنظمون للموقع إنهم حصلوا على إذن الدخول للغرفة والذي يحتاج لإذن من عضو في الكونغرس، وذلك لالتقاط الصورة ولفت الانتباه إلى الطريقة التي تسلح فيها أمريكا "إسرائيل".

وحتى يوم الإثنين نشر الموقع ستة مذكرات من  الكونغرس ووقع عليها المساعدون توقيعات عامة مثل "مساعد لجنة في الكونغرس لديمقراطي من شمال- شرق".


 وطلب من المساعدين الذين يريدون وضع مذكرات اتباع نموذج مقدم وإرسال مذكراتهم عبر البريد الإلكتروني إلى صندوق الوارد الخاص بقناة المعارضة.

ثم يقوم فريق مكون من أعضاء حاليين وسابقين من الموظفين بقراءة وتقييم محتوى المذكرة والتحقق من هوية المؤلف ونشرها على الموقع. ويحتوي الموقع على لقطات فيديو يتم فيها إخفاء الوجوه والأصوات للتمويه على هوية المتقدمين بها.

والنتيجة هي ظهور أصوات معارضة للموظفين العاملين مع المسؤولين واختلافهم في الموقف.

وقال أيفي الذي ظل مدافعا عن "إسرائيل" ورفض الدعوات لوقف إطلاق النار، إن موظفا صغيرا استقال من طاقمه بسبب مواقفه من الحرب. وقال إن على الموظفين إجراء بحث عن مواقف المشرع وإن كانوا يتفقون معها قبل الموافقة للعمل معهم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الكونغرس غزة امريكا غزة الكونغرس ابادة صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قناة المعارضة فی الکونغرس إطلاق النار

إقرأ أيضاً:

السودان.. هل تعلمت المعارضة الدرس؟

تلعب المعارضة المدنية في أي بلد – من الناحية النظرية – دورًا محوريًا في ترسيخ أركان الحكم الرشيد، وفي مواجهة الأزمات الوطنية، فهي تمثّل صوت الشعب وتطلّعاته نحو مستقبل أفضل.

وفي السودان، عُلّقت آمال عريضة على ما عُرف بـ"قوى الحرية والتغيير" عقب الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، حيث توقّع السودانيون أن تقود هذه القوى البلاد نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

بيدَ أن مسيرة هذه القوى شابها الكثير من خيبات الأمل والإخفاقات، وهو ما تجلّى بشكل خاص في تعاملها مع الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد.

ويثير هذا الواقع تساؤلًا جوهريًا: لماذا أخفقت المعارضة المدنية السودانية – وعلى رأسها "قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي"، التي يُعد رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك من أبرز وجوهها – في الاضطلاع بدورٍ فعّال في مواجهة الأزمة الحالية وتقديم حلول عملية؟

ويتفرع من هذا السؤال المحوري أسئلة أخرى: لماذا اتخذت موقفًا ضبابيًا، أو مؤيدًا إلى حدٍّ كبير، لمليشيا الدعم السريع وتجنبت إدانة جرائمها بشكل صريح؟

كيف أدت مواقفها السياسية إلى إضعاف المبادرات الداخلية وربط مصير الحركة المدنية بأجندات خارجية لا تخدم المصالح السودانية بالضرورة؟ كيف أثّر غياب القيادة الكاريزمية والموحدة في قدرتها على حشد الجماهير والتأثير في مسار الأحداث؟ وكيف أدّت حالة الترقّب للحلول الخارجية إلى جعل هذه المعارضة في موقع ردّ الفعل بدلًا من أن تكون قوة فاعلة؟ وكيف أدّى الارتهان للخارج والانقسامات الداخلية إلى فقدانها أي تمثيل حقيقي للقاعدة الشعبية في الداخل؟

إعلان

إن فشل المعارضة في إدانة مليشيا الدعم السريع وجرائمها ضد الإنسانية، واستمرارها في تبني منطق انتظار الحلول من الخارج دون بناء قوة داخلية موحدة وذات مشروع وطني واضح المعالم، جعلها جزءًا من المشكلة لا من الحل.

فالتواصل مع المجتمع الدولي والإقليمي – وإن بدا أحيانًا ضروريًا – يجب أن يتم على قاعدة إجماع داخلي واسع، وبالاستناد إلى رؤية وطنية خالصة تُعبّر عن مصالح السودانيين. إن استعادة المعارضة قرارها السيادي المستقل، هي الخطوة الأولى نحو دمجها في الحراك الوطني، ومن ثمّ الاضطلاع بدورها في تحقيق الحكم الرشيد، ومواجهة الأزمات بفاعلية.

الموقف الضبابي من الأزمة الحالية

إن الموقف السلبي للمعارضة السودانية المدنية، بقيادة عبدالله حمدوك وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) – والتي تسمّت في فترة وجيزة بسبب الانقسامات الداخلية بأسماء جديدة مثل (تقدّم) و(صمود) – كان موقفًا وُصف بالضبابي – في أحسن الأحوال – من الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان 2023 بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع.

وهي حرب لم تكن مجرد صراع على السلطة كما تم توصيفها أحيانًا، بل هو تمردٌ واضح على الدولة ومؤسساتها. هذا الموقف الملتبس جرّ على المعارضة الكثير من الانتقادات، وفتح الباب لتوجيه اتهامات مباشرة لها بدعم المليشيا سياسيًا، أو في أقل تقدير، بتوفير غطاء ناعم لتحركاتها الإجرامية.

من أبرز ما أُخذ على قوى الحرية والتغيير، أنها لم تُدن صراحةً مليشيا الدعم السريع، رغم تورطها في إشعال الحرب وارتكابها انتهاكات واسعة بحق المدنيين، بل جاءت بياناتها في كثير من الأحيان بصيغة الحياد السلبي إذ تُحمّل المسؤولية للطرفين، وكأن الطرفين متكافئان من حيث المشروعية والسلوك.

بل وقّعت اتفاقًا مع قائد المليشيا برعاية أجنبية في إثيوبيا. كما تمسكت بما عرف بـ(الاتفاق الإطاري) الذي كان مثار جدل واسع قبيل اندلاع الحرب، والذي رأى فيه كثيرون محاولة لتفكيك الجيش، وإعادة هندسة المؤسسة العسكرية بما يخدم مصالح فئة ضيقة.

إعلان

وتم هذا الاتفاق برعاية رئيس بعثة الأمم المتحدة، التي كان حمدوك قد طلبها إبان رئاسته مجلس لوزراء دون علم الجيش. بعد اندلاع المعارك، واصل بعض قادة المعارضة الحديث عن هذا الاتفاق، وكأنه ما يزال صالحًا، متجاهلين تحولات الواقع الكارثي الذي فرضته المليشيا.

واحدٌ من أكثر المواقف المثيرة للجدل كان في توصيف الأزمة بأنها "صراع بين جنرالين"، وهو توصيف ساوى بين مؤسسة الدولة العسكرية النظامية، وبين مليشيا مسلحة خارجة عن القانون.

كما بدت المعارضة، في كثير من مواقفها، وكأنها تتبنى مقاربة خارجية للأزمة، مركّزة على المبادرات الدولية والإقليمية المرتبطة بالمصالح الأجنبية، دون تقديم رؤية وطنية مستقلة أو جهود حقيقية لرأب الصدع داخل الصف الوطني.

وقد شاركت المعارضة في مبادرات خارجية مشبوهة لم تُدرج ضمن أولوياتها مساءلة مليشيا الدعم السريع عن انتهاكاتها، وكأنها تتعامل مع المليشيا كطرف سياسي، لا كقوة تمرد مسلحة.

ومن المآخذ الأخرى على المعارضة أنها استمرّت في المناداة بضرورة "إصلاح الجيش"، وإعادة هيكلته، بينما لم تُظهر الجدية نفسها في المطالبة بنزع سلاح مليشيا الدعم السريع، أو محاسبتها على الجرائم الفادحة التي ارتكبتها.

لقد تعززت الاتهامات ضد المعارضة المدنية استنادًا إلى قرائن عدة، من بينها استمرار التواصل المباشر أو غير المباشر مع قيادة مليشيا الدعم السريع حتى بعد اندلاع الحرب، في لقاءات كشفتها تقارير مسرّبة وأخرى علنية. كما أن علاقات بعض قيادات المعارضة بدولٍ متهمة بدعم المليشيا زادت من الشكوك حول أجنداتهم.

كما كشفت تصريحات بعض القادة عن ازدواجية في الخطاب؛ إذ بينما يدعون في العلن إلى إيقاف الحرب، يروّجون في الكواليس لفكرة أن انتصار الجيش يمثل خطرًا بعودة النظام القديم، فيما بدا تبريرًا ضمنيًا لبقاء المليشيا كعامل توازن.

إعلان

هذا الموقف جعل المعارضة تفقد كثيرًا من رصيدها السياسي الشعبي، وأعطى الانطباع بأنها لم تكن حريصة على الوطن بقدر حرصها على استعادة السلطة، حتى لو كان الثمن هو التحالف الضمني مع مليشيا ارتكبت فظائع ضد شعبها.

إشكالات هيكلية وتنظيمية

ظلت الانقسامات العميقة داخل صفوف المعارضة نفسها، تُغري الأطراف الخارجية بالتعامل الانتقائي معها، مما يعزز من تبعيتها للخارج ويحول دون توحيد كلمتها على أسس وطنية متينة.

هذا التشتت يُضعف الشرعية التمثيلية لهذه الفصائل لدى القاعدة الشعبية في الداخل، التي قد لا تجد صوتها ممثلًا بشكل حقيقي في كيانات تعتمد على نيل شرعيتها من الخارج، خاصة بعد تمرّد مليشيا الدعم السريع.

إلى جانب هذا الارتهان للخارج، تعاني المعارضة المدنية السودانية من ضعف تنظيمي مزمن، وانقسام حاد، وغياب قيادة موحدة. وهي تحديات تفاقمت بشكل خاص بعد نيلها السلطة التنفيذية عقب سقوط نظام البشير.

هذه الهشاشة الهيكلية، المتمثلة في تعدد الفصائل والتيارات السياسية والأيديولوجية، أضعفت قدرتها على تبني مواقف موحدة وفعّالة في مواجهة التحديات المختلفة.

فالانقسامات السياسية والأيديولوجية – التي تتراوح بين الأحزاب التقليدية وما يسمى بالقوى الثورية الحديثة والنشطاء المستقلين – تخلق صراعات مستمرة حول الرؤى والأولويات والتكتيكات، مما يعيق صياغة إطار عمل وطني موحّد.

كما أن غياب القيادة الكاريزمية والموحدة، بعد تشتّت تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، أدّى إلى تشتّت المرجعية وتنافس الشخصيات على الزعامة، مما أضعف التماسك الداخلي وقوّض القدرة على حشد الجماهير والتأثير في مسار الأحداث.

هذا الضعف المؤسسي، حيث تعتمد بعض الجماعات على قيادات فردية وهياكل تنظيمية هشّة، يجعلها أكثر عرضة للانشقاق، ويحدّ من قدرتها على التخطيط الإستراتيجي وتنفيذ الخطط بفاعلية.

إعلان

إن استمرار هذه الحالة من الارتهان للخارج والضعف الداخلي، يثير تساؤلات جدية حول قدرة المعارضة السودانية على لعب دور فاعل ومؤثر في مستقبل البلاد.

في لحظات ضعف السلطة المركزية، تزداد فرص المعارضة في التأثير والحضور، كما حدث عقب انتفاضات شعبية تاريخية مثل أكتوبر/ تشرين الأول 1964، وأبريل/ نيسان 1985، وديسمبر/ كانون الأول 2018، حيث اندفعت الجماهير إلى الشارع، فظهرت المعارضة وكأنها المعبر السياسي عن هذا الحراك. لكن هذا الصعود عادةً ما يكون مؤقتَا إذا لم يُترجم إلى بنية سياسية مستقرة قادرة على استيعاب التحولات وقيادة التغيير.

إن التوحد الظاهري الذي بدا داخل صفوف المعارضة شكّل لحظة استثنائية في مسارها، لكنه سرعان ما تبدد بسبب التباينات الأيديولوجية والمناطقية والجهوية، مما أدى إلى حالة من التشرذم أفقدت المعارضة قدرتها على الفعل السياسي المؤثر.

المثال الأبرز لذلك هو ما حدث لقوى الحرية والتغيير، التي بدأت كجسم موحّد وقوي، ثم ما لبثت أن تشظّت بفعل صراعات القيادة وتناقض الرؤى حول أولويات المرحلة الانتقالية.

مع مرور الوقت، فقدت المعارضة الصلة بالجماهير، فقد انشغلت بالصراعات الداخلية وبالحصول على مكاسب تفاوضية على حساب التعبير عن تطلعات الشارع.

هذا الانفصال سيظل يزداد حدة كلما اختزلت المعارضة دورها في اللقاءات النخبوية أو المؤتمرات الصحفية، بدلًا من النزول إلى الأرض وتنظيم الجماهير، وتقديم خطاب سياسي واضح يعالج قضايا الناس اليومية.

فهل تتعلّم المعارضة السودانية الدرس بأن الرهان المفرط على الدعم الخارجي، دون امتلاك أدوات داخلية للتغيير، يفقدها كثيرًا من هيبتها؟ فكلما انتظرت الضوء الأخضر من العواصم الدولية، بدت عاجزة عن اتخاذ قراراتها من منطلق وطني مستقل، مما يُضعف ثقة الشعب بها.

فضلًا عن أن الخطابات الثورية التي لا تستند إلى خطط عملية واضحة لم تعد تُقنع الشارع الذي أصبح أكثر وعيًا وإلحاحًا في مطالبه.

لذا، يصبح من الضروري على قوى المعارضة أن تعيد تقييم إستراتيجياتها، وأن تعمل بجدية على بناء مشروع وطني جامع يعتمد على الإرادة الداخلية ووحدة الصف، عوضًا عن انتظار الحلول أو الوعود من الخارج، التي غالبًا ما تأتي محمّلة بأجندات لا تخدم بالضرورة مصلحة السودان وشعبه.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • بعد ساعات من اعتراضها صاروخا.. إسرائيل تعلن اسقاط طائرة مسيرة أطلقها الحوثيون من اليمن
  • استطلاع أمريكي: ترامب يواجه معارضة متزايدة وتراجعًا في شعبيته
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (7) جابوتنسكى «الملهم»
  • حزب الوعي ردًّا على ترامب: لن تمر فوق مياه مصر إلا السفن التي تحترم القانون
  • كبسولات في عين العاصفة : رسالة رقم [173]
  • موظفون في "غوغل" ببريطانيا يرفضون صفقات مع إسرائيل
  • معارضة غينيا بيساو تجتمع في باريس لبحث الأزمة السياسية بالبلاد
  • قتلى بنيران مسلحين على منجم للذهب في نيجيريا
  • السودان.. هل تعلمت المعارضة الدرس؟
  • كبسولات في عين العاصفة : رسالة رقم [172]