بعد أن ساءت أزمة سيارات المعاقين أصدر د مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء قرارًا بوقف منظومة سيارات المعاقين لحين وضع ضوابط تمنع وصول هذه السيارات إلى غير مستحقيها فى الوقت الذى تنفق الحكومة مليارات الدولارات لشراء هذه السيارات، وبعيدًا عن الكيفية التى يتم بها الحصول على خطابات المعاقين فقد بات واضحًا للجميع كيف يسعى العديد من التجار على اختلاف نوعية تجارتهم، فى التحايل على القانون والاستيلاء على أموال الدعم التى تقدمه الدولة للمستحقين.
ولم تكن سيارات المعاقين هى الوحيدة التى يجب أن يتوقف عندها رئيس الوزراء ويوقف التعامل بها لأجل غير مسمى، ولكن هناك السيارات التى تشتريها بعض شركات السياحة من الخارج بالعملة الصعبة، ويتم اعفاؤها من الجمارك أيضًا، والاختلاف هنا هو أن سيارات المعاقين ليست موديلات نفس سنة التصنيع، وغالبًا ما تكون مستعملة والقليل منها تكون ماركات باهظة الثمن، أما سيارات الشركات السياحية والتى تكلف الدولة أضعاف أضعاف ما تتحمله لسيارات المعاقين، والغريب فى الأمر هو أن الدولة تتحمل الجمارك المقررة على هذه الفئات العالية من السيارات باهظة الثمن ليستمتع بها أيضًا فئة المحظوظين، من رجال الأعمال والمستثمرين الذين يغيرون الموديل سنويًا ولا يستوقفهم أحد، ولا يتتبع خطواتهم وتحركاتهم أحد، كما يحدث مع المعاقين الذى يتحكم فى مكاسبهم السماسرة.
والأمر بالنسبة للسيارات السياحية المعفاة من الجمارك لمدة ٥ سنوات أيضًا يتم بيعها للأقارب والأصدقاء بعقود داخلية لا يطلع عليها غيرهم، ويتم تحرير عقود ايجار من بعض الشركات لأصحاب هذه السيارات بخطوط سير تتناسب مع محل إقامتهم إذا اعترضهم أحد، وهناك من يشتريها بنفس الإعفاء ويؤجرها للشركة، أو تبيعها الشركة ويتم اقتسام الأرباح، وخلال السنوات الأخيرة التى قفز فيها الدولار لمستويات غير مسبوقة، أصبح الاستثمار الأمثل لهذه السيارات هو تخزينها لمدة ٥ سنوات وبيعها بحالة كسر الزيرو، بأسعار تزيد على فوائد البنوك عدة أضعاف، وبدون مخاطر تذكر.
ولم تكن السيارات الملاكى فقط هى المعفاة لدى بعض شركات السياحة التى تدير هذا البيزنس، ولكن السيارات الميكروباص أيضًا يطبق عليها نفس الشروط، ونفس العقود الداخلية وخطوط السير وعقود الإيجار.
الغريب فى الأمر أن السيارات التابعة لبعض هذه الشركات السياحية لم تثر حولها نفس الضجة التى أثيرت حول سيارات المعاقين، ولم يصدر بشأنها أي قرارات، ولم يتطرق إلى البيزنس الخاص بهم أحد ولكن أردنا أن نشير لطبيعة الشعب المصرى الذى يلعب بالبيضة والحجر إذا تعثرت خطاه اقتصاديًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الشعب المصرى هموم وطن طارق يوسف رئيس مجلس الوزراء سیارات المعاقین هذه السیارات السیارات ا
إقرأ أيضاً:
سيرة أمير العمرى المُدهشة (1-3)
أنا واحد مَمن يُفضلون قراءة التاريخ من مسارات مُغايرة للمسار السياسى التقليدي، لذا فإن كُتب السير الذاتية للمُثقفين تُعد فى رأيى رافدا مُهما وحياديا للاطلال على تاريخنا المُعاصر. ومما كان لافتا ومشوقا فى الأيام الأخيرة، تلك السيرة العجيبة للناقد السينمائى الكبير أمير العمري، والتى صدرت مؤخرا عن دار نظر للمعارف بالقاهرة وحملت عنوان « الحياة كما عشتها».
وأمير العمرى واحد من أفضل النقاد السينمائيين العرب، إذ قضى نحو خمسة عقود مُتنقلا بين مهرجانات السينما العالمية، مُحللا، ومفككا، ومُطلعا، ومتابعا لحركات الفن العالمية، مُتخذا من العاصمة البريطانية لندن مستقرا.
وقد عرفناه صحفيا عتيدا فى كبرى وسائل الإعلام بدءا من هيئة الإذاعة البريطانية «بى. بى. سي» مرورا بالحياة اللندنية، والقدس العربي، وصحيفة العرب، وغيرها، فضلا عن رئاسة مهرجان القاهرة السينمائى.
والمثير أن سيرته تتجاوز سيرة ناقد سينمائى لترصد تحولات كبرى فى عالم الصحافة والاعلام العربي، وتقدم حكايات مشوقة وحصرية عن شخصيات سياسية، وفنية، وإعلامية معروفة، تتسم بنبرة الصراحة التامة.
إن أول ما يلفت نظرنا فى حكاية الناقد المولود فى 1950 بمدينة المنصورة، هو ذلك التنوع العجيب الذى شكل شخصيته، بدءا من والده مهندس المساحة الوفدي، الذى تنقل من مدينة إلى مدينة ليتعرف على محيطات مجتمعية مختلفة، ودراسته العميقة للطب وتفوقه فيه ثم تعيينه طبيبا فى أقاصى الصعيد، وانتقاله لاحقا من قرية إلى قرية، وصولا إلى صداقاته وعلاقاته الوطيدة بالمثقفين والمبدعين ومجانين الكتابة فى مصر الستينات والسبعينات.
كانت المنصورة وقتها مميزة بوجود جالية أجنبية كبيرة يغلب عليها الطليان، الذين أسسوا دور سينما عديدة واهتموا بعرض أحدث الأفلام. وهُنا أحب الفتى الصغير، السينما وارتبط بها، وسعى للالتحاق بمعهد السينما بعد إتمامه الثانوية، لكن رضخ لرغبة والده وإلحاحه بدراسة الطب. كان يشعر بأنه يُسدد دينا لوالديه، وظل طوال سنوات الدراسة متعلقا بالسينما ومديرا لنادى ثقافى أسسه مع بعض الشباب لمتابعتها. وبعد أن جرب حظه فى العمل طبيبا فى أسيوط والقاهرة، ثم عمل طبيبا فى الجزائر بمدينة بسكرة، وجد أن مهنة الطب لا تُرضى طموحه، فغادرها تماما بعد وفاة والديه حيث رحلت أمه فى 1971، ووالده فى مطلع الثمانينات، وأنهى عمله بالجزائر وسافر إلى لندن ليبدأ حياة جديدة.
فى لندن كان هناك عالم جديد للصحافة والاعلام يتشكل مع تحولات السياسة العربية فى ذلك الوقت. كان ألمع عقول العالم العربى الفكرية يعملون فى صحف ممولة من العراق وليبيا والسعودية وغيرها، وتعرف أمير بكثير من النجوم اللامعين كان منهم عماد أديب، هالة سرحان، عمرو عبد السميع، أمجد ناصر، صبرى حافظ، عثمان عمير، منى غباشي، أحمد الهوني، مجدى نصيف، وجميل مروة، وغيرهم.
وهو يقدم لنا حكايات عجيبة جدا عن هؤلاء وغيرهم ممن شهد بداياتهم وهم مفلسون، حالمون، أنقياء، ثُم تحولوا فى زحام لندن وسحرها إلى ملوك وسماسرة ومليارديرات. يتذكر أمير جيدا وجه الشاب الطموح الذى طُرد من إحدى مجلات «الحياة اللندنية» لاتهامه بمخالفات مالية، ثُم رآه بعد سنوات معروفا بالملياردير إيهاب طلعت.
كما يتذكر كيف كان هناك صحفى فلسطينى متواضع الحال، ومتخصص فى الصحافة الرياضية واسمه عبد البارى عطوان، تعرض للبطالة فجأة بعد استغناء الشرق الأوسط عنه، وظل شهورا بلا عمل حتى عرف باعتزام منظمة التحرير الفلسطينية اصدار صحيفة فى لندن، فساق كل علاقاته توسطا ليتولى إدارتها. ثم يذكر كيف قرر الناشر الفلسطينى إقالة عبد البارى عطوان بسبب موقف الصحيفة المناصر لصدام حسين خلال احتلاله الكويت، لكن «عطوان» تمكن بفضل تهديد عدد من أنصاره بالانسحاب من العودة مرة أخرى، وظل فى موقعه حنى 2013.
وللحكايات بقية..
والله أعلم
[email protected]