ماذا نحن فاعلون إذا نفذت الدولة الصهيونية تهديداتها وهاجمت لبنان ودكت مدنه بالصواريخ والقنابل الأمريكية والغربية ثم اجتاحت أراضيه مثلما فعلت مع غزة؟ هل سنبقي أنفسنا خارج الصراع ونكتفي ببيانات الاستنكار والإدانة وطلب الجلسات العاجلة لمجلس الأمن والمنظمات الدولية وإطلاق الحملات الشعبية لجمع التبرعات لأهل لبنان، فيما يساند بعضنا مجرم الحرب نتنياهو في السر ويدعمه بالسلاح والغذاء وربما بالمال أيضا؟
تبدو الحرب الإسرائيلية على لبنان أقرب مما يظن البعض، خاصة بعد أن أعلنت عدة شركات طيران دولية وقف رحلاتها إلى مطار بيروت، وتزايد التوقعات بتوجيه العدو الصهيوني ضربة إلى لبنان، ردا على مقتل 12 شخصا في مرتفعات الجولان السورية المحتلة السبت الماضي.
أتمنى أن نستبق الأحداث هذه المرة، وأن يكون موقفنا مغايرًا لمواقفنا السابقة، ليس فقط عن إيمان وعقيدة راسخة بوحدة المصير العربي المشترك، ولكن أيضا دفاعا عن الكرامة العربية المهدرة في غزة التي ما زالت تنزف على مدى ثلاثمائة يوم تقريبا، وقبلها في العراق واليمن وسوريا على أيدي الصهيونية العالمية.
لقد كشف الاستقبال الأمريكي الحار لقائد الإبادة الجماعية في غزة، وتصفيق أعضاء الكونجرس الأمريكي للأكاذيب التي كررها أكثر من مرة، إلى جانب تصويت الكنيست الإسرائيلي على استبعاد خيار السلام تمامًا وإلغاء حل الدولتين، أنه لا أمل يلوح في الأفق للوصول إلي سلام دائم وعادل مع هذا العدو الغاصب المتباهي بجرائمه ضد الإنسانية والمتحدي لكل القوانين والأعراف والقرارات الدولية، والمدعوم دوما من كل الرؤساء والحكومات التي تتابعت على إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أن تم زرع هذا الكيان اللقيط في المنطقة في السنوات الأخيرة من أربعينيات القرن الماضي.
لن تتراجع إسرائيل عن خططها الدموية في تدمير لبنان مثلما دمرت غزة إلا بموقف عربي واضح وصريح وموحد يجعل من لبنان خطًا أحمر لا يسمح بتجاوزه تحت أي ظرف، ومواجهة تهديدات إسرائيل بتهديدات عربية لا تتوقف فقط عند حد قطع علاقات الدول المطبعة معها ووقف مسيرات التطبيع الجديدة، بل تصل أيضًا إلى حد التلويح بالتدخل العسكري إذا ضربت إسرائيل بيروت، ولو بإقامة منطقة حظر طيران فوق كامل الأراضي اللبنانية لوقف التفوق الجوي الصهيوني، وإمداد لبنان بكل ما يحتاج له من أسلحة وذخائر وقوات. وإذا أضفنا هذه التهديدات العربية إلى تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول احتمالية تدخل بلاده في حرب غزة، وما تقوم به اليمن، فإن كل ذلك قد يمثل رادعًا لإسرائيل يجعلها تفكر ألف مرة قبل أن تجتاح لبنان.
يجب ألا نقف كثيرًا أمام الأكاذيب الأمريكية والإسرائيلية التي حرص نتنياهو على تكرارها أكثر من مرة في خطابه أمام الكونجرس. اليد الطولى لإسرائيل التي يتباهى بها تتمثل في الأساس في سلاح الجو الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا وأوربيًا، والذي لم يجد من يوقفه في غزة وسوريا واليمن. هذه اليد يمكن قطعها وتحييدها باستخدام الدفاعات الجوية وأسلحة الجو المتاحة لدى دول الطوق المحيطة بإسرائيل وغيرها، والرد على كل غارة إسرائيلية على لبنان بغارة مماثلة على الداخل الإسرائيلي، خاصة أن هذه الأسلحة الجوية أنفقت عليها الدول العربية المليارات دون أن تستخدمها، وربما تكون هذه فرصة للاستفادة منها في ردع العدو الصهيوني ولو بالتهديد فقط.
لقد فضح نتنياهو من أسماهم «أصدقاءه العرب» عندما زعم أن «أمريكا وإسرائيل وأصدقاؤنا العرب نواجه محور الإرهاب بقيادة إيران». هؤلاء الأصدقاء المعروفون منهم وغير المعروفين لا يجب أن يصدقوا نتنياهو ولا أن يأملوا فيه خيرا. ويكفي أن يطالعوا شاشات التلفزيون العالمية لكي يدركوا أن هذا الصهيوني لا يعترف سوى بالقوة ولا يرضى إلا بالدماء، ولا يريد سلاما بل إبادة كاملة للجنس العربي بمن فيهم أصدقاؤه العرب أنفسهم.
الفرصة متاحة لهؤلاء الأصدقاء العرب بالعودة إلى عروبتهم خاصة إذا تعلق الأمر بلبنان. فإذا كان البعض يلتمس لهم العذر في الوقوف في صف أصدقاء نتنياهو، وتعمد التقاعس عن نصرة غزة لخوفهم من انتصار قوى المقاومة الإسلامية، فلن يكون لهم في التقاعس عن نصرة لبنان وهي دولة عربية كاملة السيادة. لا تقل لي إن إيران تقف خلف المقاومة في جنوب لبنان.. نحن لا نتحدث هنا عن جنوب لبنان فقط بل عن اجتياح إسرائيلي محتمل لكل لبنان. ولم ننس بعد مذابح صبرا وشاتيلا في 1982، ولا المذابح التي ارتكبها المجرمون الصهاينة في حرب 2006. يجب أن نتوقف عن استخدام التصنيفات الدعائية الصهيونية التي تضحك بها على أمريكا والعالم، وأن نقول بصوت العقل إن إيران ليست عدوتنا ولا تتزعم محورًا للشر في منطقة الشرق الأوسط. إن رفضنا لهذه الأطروحة المغرقة في الخطأ الفكري قد يمثل بداية الاستفاقة من الأوهام الأمريكية الصهيونية. لقد مر أكثر من 45 عاما منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979، ولم تقم إيران «الإرهابية» بالمفهوم الصهيوني بغزو دولة عربية أو تهديدها ولم تقم بأعمال إرهابية ضد مصالح عربية أو غير عربية، بل هي من تتعرض باستمرار لهجمات إرهابية من إسرائيل وأمريكا.
من الضروري في هذه المرحلة الفاصلة في تاريخ العرب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، وأن نعلنها صريحة ونقول إن محور الشر والإرهاب الآن في المنطقة والعالم هو المحور الإسرائيلي-الأمريكي-البريطاني-الفرنسي-الألماني. هذا المحور هو من شجع ويشجع إسرائيل على الاستمرار في حربها غير المتكافئة مع غزة، ويدعم وبقوة الإبادة الجماعية لأهلها ويمنع وصول المساعدات إليهم، وهو محور الشر نفسه الذي غزا العراق استنادًا إلى أكاذيب ودون تفويض من مجلس الأمن، وغزا أفغانستان، ودمر ليبيا واليمن وسوريا.
لقد قال نتنياهو: إن «انتصار» إسرائيل سيكون انتصارًا للولايات المتحدة، و«نحن لا نحمي أنفسنا فقط.. نحن نحميكم، أعداؤنا هم أعداؤكم، معركتنا هي معركتكم، وانتصارنا سيكون انتصاركم». هذا التحالف الشيطاني الذي أودى بحياة ما يقرب من 50 ألف شهيد من المدنيين في غزة، لن يتوانى عن التضحية بضعف هذا الرقم في لبنان، وربما بملايين آخرين من العرب في السنوات القادمة لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات.
إن الحساب الحقيقي عن هذه الخسائر المروعة في البشر يجب أن يشمل من صفقوا لنتنياهو في الكونجرس. لا يجب أن يمر هذا الحدث مرور الكرام. نحتاج إلي وضع قائمة بأسماء هؤلاء النواب والشيوخ نطلق عليها «القائمة السوداء» ومنعهم من دخول الدول العربية، وهذا في ظني أضعف الإيمان.
أ.د حسني محمد نصر أكاديمي في قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی غزة یجب أن محور ا
إقرأ أيضاً:
مسؤول أمريكي: إذا فازت «هاريس» ستتبع سياسة «بايدن».. و«ترامب» سيتخذ قرارات لصالح إسرائيل
أفاد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقًا، اليوم السبت: «لا أتصور أن الرئيس السابق لأمريكا دونالد ترامب يعرف ما يريد القيام به، إذ أنه قد يقول للحكومات العربية وإسرائيل توصلوا إلى السلام، لكنه لم يسعى لإحلال هذا السلام خلال ولايته الأولى».
وأضاف بولتون، في حوار خاص لقناة «القاهرة الإخبارية»: «اتخذ عدد من القرارات في صالح إسرائيل، مثل نقل سفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان».
وتابع: «أنا وافقت على هذه القرارات خلال عملي كمستشار أمن قومي خلال ولاية دونالد ترامب وأنا مؤمن بصحتها، لكنه لم يصل إلى النقطة التي تجعل الشرق الأوسط يعيش بشكل سلمي».
وأوضح أن «جاريد كوشنر كبير مستشاريه عمل على الوصول إلى السلام في المنطقة من خلال خلق فيما بدى أنذاك علاقات تجارية جيدة بين إسرائيل والدول العربية، إلا أنه لم يتناول ترامب خلال حكمه القضية الفلسطينية على المدى الطويل».
واختتم مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق: «إذا فازت نائبة الرئيس الحالي ومرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس ستكون سياستها نفس سياسة بايدن على الأقل في السنة الأولى، وإذا تم سؤالي عن ماذا سيفعل ترامب بشأن القضية الفلسطينية، فأن لا أعرف، وهو كذلك لا يعرف».
اقرأ أيضاًعضو الحزب الديمقراطي: «بايدن» صهيوني.. و«هاريس» لديها موقف إيجابي تجاه القضية الفلسطينية
3 أيام تفصل أمريكا عن حسم المصير.. هاريس وترامب في سباق النار نحو البيت الأبيض
ترامب على متن شاحنة قمامة.. ما القصة؟ ورسالة نارية لـ كامالا هاريس