لجريدة عمان:
2024-11-22@22:35:58 GMT

أسطوريات لبنانية

تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT

لو عدنا إلى تاريخ الأدب في العالم، لوجدنا أن الكثير من الأمكنة، غير الموجودة في الواقع، قد تحولت إلى أمكنة أسطورية، وأقصد إلى جغرافيا متخيلة، لم تكن حاضرة إلا في خيالات مبدعيها.

هكذا مثلا تأتينا «ماكوندو» جابرييل جارسيا ماركيز، التي دارت فيها أحداث واحدة من أعظم رواياته، «مائة عام من العزلة»، ليصبح المكان نقطة استدلال، ولو وهمية.

من يعرف مثلًا، أين تقع صحراء الترتار، تلك التي كتب عنها الروائي الإيطالي دينو بوتساتي روايته الكبيرة «صحراء الترتار»؟ بالتأكيد لا أحد. لأنه مكان متخيّل أيضا.

من جهتها، كانت أليس تعرف إلى أين تقودها رحلتها: إلى بلاد العجائب، أما نحن، القراء، فلا، إذ ما من خارطة تشير إليها. الحال كذلك مع غابة بروسيلياند وأفالون في «الملك آرثر». ناهيك عن كلّ تلك الأمكنة الوهمية في الأوديسية والإلياذة، إذ لا وجود حقيقيا لجُزُر كاليبسو ولوتوفاج والسيكلوب، وغيرها. وتطول اللائحة فعلًا.

ربما نعرف اليوم، في الأدب اللبناني، ظاهرة معكوسة، بمعنى أن ثمة أمكنة حقيقية، كانت موجودة، وتحولت -ربما بفعل الحروب المتعددة التي عرفتها «جمهوريتنا السعيدة»- إلى أماكن أسطورية، لأنها غابت في واقع الأمر، أي أنها أصبحت شبيهة بتلك الأمكنة التي لا نصل إليها مطلقا، ولا يعرف الجيل الشاب أين كانت تقع بالضبط، لأنها لم تعد موجودة، إلا في ذاكرة الأجيال الماضية، وهي أجيال تختفي تدريجيا، بفعل .. منطق الحياة.

لو عدنا مثلًا إلى منطقة رأس بيروت، لوجدنا أنها كانت تضم العديد من هذه الأماكن التي لا تزال عالقة في الذاكرة. لنأخذ مثلا مقهى «الهورس شو»، وبعيدا عن كونه مقهى بعض مثقفي الستينيات والسبعينيات، ثمة حدث مسرحي حصل فيه، أبقاه خالدا في الذاكرة. تقول القصة: إن «الأمن العام» منع عرض مسرحية «جحا في القرى الأمامية» على خشبة «مسرح بيروت» (الذي عرف بدوره نهضة المسرح اللبناني، وتحول إلى أسطورة من هذه الأساطير)، بسبب موضوعها السياسي، فما كان على الممثلين يومها (ومن بينهم نضال الأشقر وجلال خوري وروجيه عساف...) إلا أن أتوا وعرضوها على رصيف المقهى، ليشكل رواده والناس، حاجزا منع الشرطة من إيقافها. لكن الحرب أتت بعد سنوات، حيث دخل أحد رجال الميلشيات وأطلق النار على شخص كان هناك، فأرداه قتيلًا، ليقفل بعدها أبوابه (يروي الكاتب إلياس الديري تلك الحادثة وتفاصيل المقهى في روايته «الفارس القتيل يترجل») وتبقى الذكرى والذاكرة. «السماغلرز إن»، وهو مطعم وصالة عرض للفن التشكيلي، ينتمي بدوره إلى هذه الميثولوجيا، فمن استطاع كسب رضا جورج الزعني (صاحب المكان) كي يعرض له، فقد تحول بين ليلة وضحاها إلى فنان شهير. مقاهي «الستراند» و«الإكسبرس» و«الالدورادو» لا تشذ عن تلك الأماكن، مثلها مثل حانة «شي أندريه»، التي كان من زبائنها شارل أزنافور وداليدا وجوني هاليداي... وفي فترة لاحقة، زياد الرحباني وفرقته، حيث ولدت غالبية مسرحياته الأولى. بالأحرى، نجد أن مسرحيته «بالنسبة لبكرا شو؟» تدور في حانة، هي طبق الأصل، عن حانة «شي أندريه». و... كلّ هذه الأماكن اندثرت ولم يبق منها سوى الذكرى.

أتذكر بعض هذه الأماكن، بسبب الكتاب الصادر مؤخرا عن «دار نلسن» في بيروت بعنوان «مطعم فيصل - ذاكرة المكان» للكاتبة الصحفية إيمان عبدالله، التي تعيد فيه بناء حكاية هذا المقهى والمطعم «الخرافي» -الذي تأسس في بداية القرن العشرين- والذي شهد الكثير من نقاشات التحولات السياسية في لبنان في فترة ما قبل الحرب، وهو كان يقع بالضبط، أمام مدخل الجامعة الأمريكية في بيروت، وقد أقفل أبوابه عام 1985.

وإذ كانت تلك المقاهي التي ذكرتها، تميل أكثر إلى استقبال فنانين وكتّاب وشعراء، فإن مطعم فيصل، كان أكثر استقبالًا للمتعاطين بالشأن السياسي وفكره، حيث ولدت فيه حركة القوميين العرب، و«جمعية العروة الوثقى» وما تفرع عنهما لاحقا من أحزاب قومية عربية وقوى سياسية، كذلك بعض تنظيمات البعث، والناصريين وغيرها من حركات عرفت أوجها في بيروت الستينيات.

بهذا المعنى، شكّل مطعم فيصل ناديًا للفكر السياسي، أكثر من كونه مكانًا يقدم وجبات غذائية ممتازة، كان ملتقى جميع التيارات، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. كان مكانًا حقيقيًا للتلاقي وطرح الأفكار، حين كانت مدينة بيروت، لا تزال تشكل منارة ما، قبل أن تغرق في عتمة الزمن وأوحاله.

في واحد من مقاطع الكتاب، تميل المؤلفة إلى تشبيه «مطعم فيصل» بمقهى «كافيه دو فلور» كما بمقهى «ليه دو ماغو» وهما مكانان باريسيان، عرفا شهرة كبيرة بسبب تردد جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار إليهما، ومن لف لفيفهما من وجوديين ويساريين. لا أعتقد أنها مخطئة في ذلك، فلو عدنا فعلًا إلى شخصيات ذاك المكان الذي يبدو اليوم وكأنه كان خارج الزمن، لوجدنا أن من بينهم المؤرخ نقولا زيادة، المفكر قسطنطين زريق، المفكر منح الصلح، الكاتب سلام الراسي، معن بشور الذي كان يعتبر «مطعم فيصل» ناديًا لبنانيًا وعربيًا .. ويصفه بالقول: «كنت أعتقد أنه الجامعة الثانية أو الثالثة التي أدرس فيها، لأنني كنت أدرس في الجامعة اللبنانية والجامعة الأمريكية وفي جامعة مطعم فيصل»؛ وعلينا أن لا ننسى بالطبع الصحفي المصري الكبير أحمد بهاء الدين، الذي اعتبر الشارع الذي يقع فيه المطعم -شارع بلس- بأنه تحول إلى «الحيّ اللاتيني»، نظرًا لحيويته في شتى المجالات، واللائحة تطول وتطول فعلًا.

«مطعم فيصل» هو أيضا، «مطعم الثورا»، المكان المفضل الذي كانت تجتمع فيه المعارضات السياسية العربية التي تسكن بيروت، والتي بدأت بالمغادرة عام 1975، مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، لتترك فراغا في المكان، لكنها أبقت ذكريات، لا يزال البعض منا، «يحن» إليها وإلى ما كانت تمثل.

بدأب وبحث معمق وعمل أرشيفي فعلي، تعود بنا الكاتبة إلى أجواء ذاك المكان منذ نشأته ولغاية إقفاله، لتمر على غالبية التفاصيل التي شكلت روحه وروح رواده، الذين أضفوا حيواتهم على المكان.

ربما الأمر الوحيد الناقص في هذا الكتاب الذي لم تمر عليه المؤلفة، هو دور مطعم فيصل في الرواية اللبنانية، على الأقل تمر ببالي في هذه اللحظة، رواية «لا تنبت جذور في السماء» ليوسف حبشي الأشقر (وهو بالنسبة إليّ أب الرواية اللبنانية الحديثة) حيث كان بطلها من المياومين هناك، كما رواية «شاي أسود» لربيع جابر، الذي نجد أن بطلها كان يمشي في شوارع بيروت، بحثا عن تلك الأمكنة التي اختفت في الحرب، ومن بينها «مطعم فيصل»، وغيرها.

كتاب إيمان عبدالله، ليس سيرة مكان فقط، بل ذاكرة عصر وبلد اعتقد أنه نجح في بناء جمهورية خرافية حصينة، لكنه لم يفعل شيئا سوى توليد حروب ودمار لا يريدان أن ينتهيا. كأننا كلنا أصبحنا من هذه الكائنات الأسطورية.

إسكندر حبش كاتب وصحفي من لبنان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مکان ا

إقرأ أيضاً:

خبيرة علم «طاقة المكان»: بلاش السرير تحت الشباك.. واحذروا باب الحمام في اتجاه القبلة|فيديو

قالت سها عيد خبيرة علم طاقة المكان، إن علم طاقة المكان منتشر بشكل كبير في دول إيطاليا وفرنسا وأمريكا.

وأضافت «سها عيد»، خلال لقائها مع الإعلامية فاتن عبدالمعبود ببرنامج صالة التحرير المذاع على قناة صدى البلد، أن اختيار باب الحمام بالمنزل بعيدًا عن اتجاه القبلة يجلب الرزق، معقبة: «لازم الحمام يكون في الجهات الشمالية.. وباب البيت لما يكون عنده قمامة فدا لا يجلب الخير».

خبيرة طاقة المكان: تصميم المنزل وألوانه يؤثران على الطاقة الإيجابية والراحة النفسية خبيرة طاقة المكان: الحيوانات الأليفة تجلب الطاقة الإيجابية ولا تمنع الحظ خبيرة طاقة المكان تحذر: تخزين الأغراض تحت السرير يؤثر على جودة النوم خبيرة : الطاقة الإيجابية تعتمد على ترتيب المكان وليس على الخرافات

وتابعت خبيرة علم طاقة المكان: «الحمام اللي بيكون في الجنوب يوحي بمشاكل في التواصل مع الآخرين، ويجب الابتعاد عن وضع السرير تحت الشباك أو بجانب الباب».

 تربية الحيوانات تجلب طاقة إيجابية

وأشارت إلى أن  تربية الحيوانات تجلب طاقة إيجابية متحركة في المنازل، وتجلب للأهالي النشاط والحركة، مضيفة أنه يجب توزيع الملابس الفائضة للمساكين لجلب الخير.

مقالات مشابهة

  • تعديلات لبنانية للمقترح الأميركي وحديث إسرائيلي عن تسوية وشيكة
  • نوال الزغبي.. “لبنانية للنخاع”
  • إنذار قبل القصف.. جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء لـ 3 قرى لبنانية
  • خبيرة علم «طاقة المكان»: بلاش السرير تحت الشباك.. واحذروا باب الحمام في اتجاه القبلة|فيديو
  • خبيرة طاقة المكان: تصميم المنزل وألوانه يؤثران على الطاقة الإيجابية والراحة النفسية
  • خبيرة طاقة المكان: الحيوانات الأليفة تجلب الطاقة الإيجابية ولا تمنع الحظ
  • خبيرة طاقة المكان تحذر: تخزين الأغراض تحت السرير يؤثر على جودة النوم
  • خبيرة : الطاقة الإيجابية تعتمد على ترتيب المكان وليس على الخرافات
  • شاهد .. ناشطة لبنانية تفضح نهب الحوثي لأموال ورواتب اليمنيين وارسالها لحزب الله (فيديو)
  • وسائل اعلام لبنانية: الجيش الإسرائيلي عاجز عن التقدم باتجاه بلدة الناقورة