كتب - محمود مصطفى أبوطالب:

قال الدكتور أحمد الحسنات، مفتي المملكة الأردنية الهاشمية، إن رحلة الإسلام بدأت دعوةً عالمية لنشر الخير والفضيلة، بعد أن انتشر الجهل بين الناس، وعمّ الظلم بين البشر، واستفحلت الأخلاق الفاسدة بين الأمم، فبعث الله تعالى نبيه ليصحح مسار التاريخ، ويعيد ترتيب المنظومة الإنسانية على ما يحبه الله تعالى ويرضاه، وكان من أبرز عناصر هذه الدعوة رحلة المسلمين إلى أرض الحبشة، بتوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم، فابتدأت بذلك منظومة التعاون والوئام بين الناس جميعًا لتحقيق مفهوم الخير الشامل، والتعاون على تعزيز قيم الصلاح التي ترتقي بالناس.

وأضاف خلال كلمته في فعاليات الجلسة الختامية بالمؤتمر العالمي للإفتاء، نجد هذا المفهوم في محاورة سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه التي لخّص فيها رسالة الإسلام بأنها دعوة لعبادة الله عز وجل، ونشر قيم الخير والفضيلة، فقال رضي الله عنه: (أيُّها الملِكُ كنَّا قومًا أَهْلَ جاهليَّةٍ نعبدُ الأصنامَ، وَنَأْكلُ الميتةَ، وَنَأْتي الفواحِشَ، ونقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجوارَ، ويأكلُ القويُّ منَّا الضَّعيفَ، فَكُنَّا على ذلِكَ حتَّى بَعثَ اللَّهُ إلينا رسولًا منَّا نعرفُ نسبَهُ، وصِدقَهُ، وأمانتَهُ، وعفافَهُ، فدعانا إلى اللَّهِ لتوحيدِهِ، ولنَعبدَهُ ونخلعَ ما كنَّا نعبدُ نحنُ وآباؤُنا من دونِهِ منَ الحجارةِ والأوثانِ، وأمرَنا بصِدقِ الحديثِ، وأداءِ الأمانةِ، وصلةِ الرَّحمِ، وحسنِ الجوارِ، والكفِّ عنِ المحارمِ والدِّماءِ، ونَهانا عنِ الفواحشِ، وقولِ الزُّورِ، وأَكْلِ مالِ اليتيمِ، وقذفِ المُحصنةِ، وأن نعبُدَ اللَّهَ لا نشرِكُ بِهِ شيئًا)، فكانت هذه المنظومة الأخلاقية التي ذكرها جعفر بن أبي طالب سببًا للتعاون بينهم وبين النجاشي ملك الحبشة رضي الله عنه والحفاظ عليهم وحمايتهم في بلاده.

وتابع: تعتبر الفتوى أحد أهم العوامل في توجيه الرأي العام، ولم تعد الفتوى محصورة في أهل بلدةٍ أو بلد بإطارٍ محددٍ خاص بأهل تلك البلاد، ولكنها في زماننا أخذت صفة العموم، فمن الممكن اليوم للفتوى أن تطير عبر الآفاق بثوانٍ معدودة بسبب ثورة المعلومات، والعالم الرقمي الذي أصبح هو عصب الحياة في زماننا هذا، لذلك كان لزامًا على مؤسسات الإفتاء في العالم توحيد جهودها في القضايا العامة التي تهم الأمة بمجموعها، وجمع كلمتها وتوجيه بوصلتها باتجاه يخدم مصالح الأمة ويضعها على خارطة الحضارة العالمية كجزء من البناء الإنساني.

ولفت إلى أن هناك مجموعة من العوامل ساهمت في زيادة أثر الفتوى في الأمن الاجتماعي وجعلته في هذا العصر أكثر من أي عصر مضى. وأشار إلى أن من بين هذه العوامل:

أولًا: التطور الهائل في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مما زاد في سرعة انتشار الفتوى وجعلها أكثر تأثيرًا في الأمن الاجتماعي، وهذا يتطلب من وسائل الإعلام أن تنشر الفتاوى الموثوقة وأخذها عن العلماء الموثوقين وعدم السماح لغير المؤهلين بالمشاركة في برامج الفتاوى وعدم نشر فتاواهم.

ثانيًا: الوعي الديني الذي تعيشه الأمة في هذا الزمن، وقد زاد هذا الوعي من نسبة التدين لدى المسلمين، مما جعل للفتوى تأثيرًا مهمًا ومباشرًا على حياتهم.

ثالثًا: عموم الفتوى:

ذلك أن من صفات الفتوى أنها تأخذ صفة العموم، بخلاف القضاء الذي يكون للأشخاص المتخاصمين فقط، ولا يتعداهم إلى غيرهم، أما الفتوى فإذا ما صدرت فإنها تأخذ صفة العموم وتكون تشريعًا عامًّا لجميع المسلمين، وهذا يجعلها أكثر أثرًا وأعظم خطرًا وأكبر تأثيرًا، ويجب أن يلاحظ هذا المفتون والقائمون على شأن الفتوى، ولذا فيجب أن تقتصر الفتاوى العامة التي تهتم بالشؤون العامة على مجالس الإفتاء والمجامع الفقهية دون الفتاوى الفردية.

رابعًا: تعدد جهات الفتوى وتجرؤ الكثير ممن ليس له أدنى معرفة بالعلم الشرعي على الفتوى فصدرت فتاوى ساهمت في تهديد منظومة القيم الأخلاقية، والاعتداء على الكرامة الإنسانية، والإخلال بالأمن الاجتماعي ممن ليس بأهل للفتوى بعدم إدراك خطورة الفتوى وأهميتها، ولأجل ذلك فالمسؤولية الجماعية تحتم علينا جميعًا أن ننتبه لأهمية الفتوى وخطورتها.

وأكد مفتي الأردن أن حالة الفوضى التي يعيشها العالمي اليوم تدعونا جميعًا علماءَ ومفتين وقادةً دينيين إلى توحيد الجهود وتكاتفها لنعيد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح، وأن نصحح مسار البشرية، إيمانًا منَّا بوجوب تحقيق أمانة الاستخلاف التي كلّفنا الله تعالى بها في قوله سبحانه: (إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، فينبغي لنا أن لا نترك حفظ هذه الأمانة لأصحاب الجهل والظلم، ليتحكموا بمصير العالم، بل لا بد من إعادة بناء منظومة القيم الإنسانية العالمية، المبنية على أسس أخلاقية، وجّهنا لها الله سبحانه وتعالى، وأمرنا بها نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.

كما شدد على أن اجتماع المؤسسات الإفتائية والقادة الدينيين هو أصل من أصول شريعتنا الغرّاء دلتنا عليه النصوص الشرعية الكريمة، وتعلمناه من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في بناء أمته، وتربية صحابته الكرام، وأول هذه الأصول التي نستند إليها في وجوب التعاون بين مؤسساتنا هو قول الله سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فالتعاون بين الناس جميعًا على إقامة البناء الإنساني على أساس راسخ من الحق والعدالة، أصل عظيم من أصول شريعتنا الغرّاء، لا بد أن نحافظ عليه، وأن نستثمر فيه كافة الجهود، فبالتعاون تتوحد الجهود، وتشتد العزيمة، وتنتظم مسيرة الحضارة الإنسانية.

وأوضح أن الإنسان مكرّم عند الله بصفته الإنسانية، وهو أيضًا بناء الله، ولا يجوز هدمه والاعتداء عليه، مشيرًا إلى أننا نعيش اليوم في عالم متسارع شهد خلال المائة عام الماضية نهضة علمية هائلة فاقت التطور البشري خلال مسيرته الإنسانية على وجه الأرض منذ وجوده ونشأته عليها، فشهد العالم التقدم التكنولوجي والميكانيكي، واستطاع الوصول إلى الفضاء، وصنع الأسلحة الفتاكة التي بإمكانها تدمير كوكب الأرض خلال دقائق، ولكن مع هذا التقدم العلمي الهائل شهدنا تخلفًا في مجال القيم والأخلاق، وبدل أن تستخدم هذه العلوم لسعادة الإنسان وتيسير أموره، أصبحت سببًا لشقائه وتعاسته، واستخدمت الأسلحة للفتك بالبشرية، والوسائل التكنولوجية لترويج الرذيلة والتفاهات على مستوى العالم، وتم استغلال التقدم العلمي كوسيلة للربح والتجارة والتكسب.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: أولمبياد باريس 2024 زيادة البنزين والسولار انحسار مياه الشواطئ نتيجة الثانوية العامة الطقس أسعار الذهب إسرائيل واليمن سعر الدولار هدير عبدالرازق حكومة مدبولي التصالح في مخالفات البناء معبر رفح سعر الفائدة فانتازي الحرب في السودان مفتي الأردن غزة الله تعالى جمیع ا

إقرأ أيضاً:

بعد حديثه حول «الجنّة والنار».. مفتي مصر السابق يثير جدلاً واسعاً!

أثارت تصريحات مفتي مصر السابق، علي جمعة، ضجة بين نشطاء على مواقع التواصل تحدث فيها حول فناء النار ومصير أهلها إذا ما قرر الله إنهاء النار.

وفي لقاء على قناة العربية السعودية تطرق جمعة إلى عدة قضايا جدلية وفقهية، ومنها قوله في إحدى الحلقات “إنه وارد ربنا يلغي النار بالآخرة”.

وبسؤاله عن دوافعه وأدلته الشرعية حول هذا الرأي، قال جمعة إن ذلك “رأي أهل السنة والجماعة، وليس رأياً جديداً، أن الله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده ولكن قد يخفف وعيده.. وقضية أن النار قد تفنى أو قد تلغى أو يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء بتجلي رحمته”.

وأضاف “لو أن الله سبحانه وتعالى أذن أن تصفق النار بعضها في بعض وأن ينهيها فإن من فيها يكونوا عدما، من قال إنه سيدخل الجنة؟ ومن قال إن فناء النار سيؤدي إلى دخول الجنة؟”.
واستطرد المفتي السابق قائلا: “ثم إنني لا أقول بفناء النار أصلا ولكن أنا افتح باب رحمة للناس وأقول هذا وارد، لماذا؟ لأن الناس شغلت نفسها بالجنة وبالنار وتركت هذه العبادة المحببة والشوق إلى الله سبحانه وتعالى..”.

وتابع: “تركنا أصل المسألة وذهبنا نتكلم في كلام لا طائل من خلفه، من الذي سيدخل الجنة ومن الذي سيدخل النار، النار ستبقى أو لا تبقى؟ طيب ما هو ربنا سبحانه وتعالى، العقيدة تقول أنه لابد أن نؤمن برحمته وبعفوه وبرضاه وبهدايته بأنه سبحانه وتعالى حبيب إلى قلوبنا هذا هو المعنى الذي نريد أن نوصله..”.

كما أشار إلى أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه ذهب إلى إمكانية فناء النار، وذهب ابن تيمية إلى هذه الإمكانية.وقال إن “رحمة الله واسعة، وهذا هو المعنى الذي نريده من غير تغبيش ولا جدل”.

مفتي مصر السابق علي جمعة: فناء النار لا يعني دخول أهلها الجنة.. ولم أقل إنها ستفنى لكنني فتحت باب الرحمة لاحتمال ذلك لأن الناس انشغلوا بها وتركوا عبادة الله حبا وشوقا إليه#سؤال_مباشر#قناة_العربية pic.twitter.com/PVo1QyDp3r

— العربية برامج (@AlArabiya_shows) February 21, 2025

آخر تحديث: 22 فبراير 2025 - 14:27

مقالات مشابهة

  • مفتي مصر يشعل ضجة بسبب حديثه عن إلغاء النار يوم القيامة
  • مفتي الجمهورية السابق يوضح الأعمال المستحبة للصائم في رمضان
  • كيف يعمل النظام الانتخابي في ألمانيا؟ وما أبرز التعديلات الجديدة التي طرأت عليه هذا العام؟
  • بعد حديثه حول «الجنّة والنار».. مفتي مصر السابق يثير جدلاً واسعاً!
  • ما الحالات التي يباح فيها الفطر في رمضان؟ .. مفتي الجمهورية السابق يجيب
  • مفتي مصر السابق يشعل ضجة بتصريح حول فناء النار ودخول الجنّة
  • مفتي الديار اليمنية: الشهيد القائد حسن نصر الله لقي ربه في أشرف معركة
  • مفتي تنزانيا يشيد بجهود المملكة لخدمة الإسلام والمسلمين بالعالم
  • بعد الهجوم عليه.. زوج آية عادل المتهم بإنهاء حياتها بالأردن يغلق حسابه على فيسبوك
  • مفتي الديار: التفكك الأسري يولد حالة من الانفلات الأخلاقي