هروب نافع..هل يمثل تحوطاً لمفاوضات سويسرا؟
صلاح شعيب

 

بعد أقل من يومين كذب نافع على نافع المتحدث باسم الشرطة العميد فتح الرحمن التوم الذي قال لصحيفة «الشرق الأوسط»، إن السلطات «لن تسمح على الإطلاق بمغادرة المنتظرين بالسجون والفارين من مناطق النزاعات إلى خارج السودان». الحقيقة أن نافع وزملاءه يدركون أن لا ضمانات أمام بقائهم في البلاد، خصوصا أن البرهان المتحالف معهم الآن يمكنه التضحية بهم إذا ذهب وتعرض إلى ضغط في مفاوضات سويسرا.

ولعلكم تابعتم أنباءً من مصادر متعددة عن انشقاقات أصابت المؤتمر الوطني. إذ اختلفت القيادات حول جدوى الذهاب أو مقاطعة الدعوة الأميركية للتفاوض. وحتى تتأكد لنا هذه الأنباء في ظل عدم رد الجيش على الدعوة إلى الآن فإن الإسلاميين يدركون بعضهم بعضاً جيداً. وإذا عدنا لأحاديث الترابي لقناة الجزيرة فإنهم – وفقاً لما قال – يمكنهم اغتيال زملائهم دع عنك تسليمهم للجنائية. إن هروب نافع إلى تركيا أكد بما لا يدع مجالا للشك أن الضمانات للنجاة وسط هذا الانشقاق الإسلاموي محل شك. ولذلك لا نستبعد أن بقية المتهمين من قبل الجنائية، ورموز النظام السابق، سوف يحذون حذو نافع حتى يجد القادة الإسلاميين في حل من بعض بنود اتفاق جدة، من ناحية، وليأمنوا غدر زملائهم من الناحية الأخرى. الآن كواليس المسرحية أصبحت منظورة لكل الشعب السوداني. فالقادة الإسلاميون الذين أوقدوا نار هذه الحرب سوف يغادرون البلاد بعد أن شح النصر، وسيتركون البرهان، وأعضاء الكابينة وحيدين. ولن تكون محطتهم تركيا فقط، فمثلما فتحوا باب السجن من قبل للداعشيين الذين هربوهم للصومال وأفغانستان فإنهم سيتشتتون في الأرض، ولكن العدالة الدولية ستجلبهم أنى ساروا. بعد انقلاب اكتوبر أحاط الإسلاميون بالبرهان من كل حدب وصوب، ولذلك استطاعوا استرداد ممتلكاتهم التي صادرتها لجنة التمكين. وفي لحظات الحرب الأولى أطلقوا سراح المساجين كمدخل لتحرير قادتهم. ولاحقاً أعادوا كل المفسدين الذين أحالتهم حكومة الثورة للمعاش، والمحاكم. ونجح أبو سبيحة في فك حسابتهم المجمدة، وإسقاط كل القضايا المرفوعة ضدهم. وبعد الحرب لم يجد المؤتمر الوطني بدأ في استرداد أنفاسه في الخدمة المدنية، وأجهزة الإعلام المحلية، والقضاء. وبالتزامن مع هذه الأوضاع الجديدة التي كفلت لجهاز الأمن العودة للاعتقال والتعذيب وجد قادة المؤتمر الوطني الفرصة سانحة للمشاركة في خطط الحرب، واختطاف إعلام الجيش والحرب معا. ولهذا ليس غريباً أن يتمكن نافع من إيجاد مجال للهرب عبر مطار الخرطوم بينما مداد تصريح الناطق باسم الشرطة لم يجف بعد. حتى الآن لا نعرف بالضبط مكان البشير، وبقية المتهمين لدى المحكمة الجنائية، وكذلك بقية رموز المؤتمر الوطني الذين ساهموا في جرائم دارفور، واغتيال شباب ثورة ديسمبر، والفساد. ولكن المؤكد أن معظم قادة الحزب المحلول الذين طالتهم اتهامات بالقتل والفساد قد هربوا إلى الخارج لتكتمل بذلك إستراتيجية المؤتمر الوطني في خلط الأوراق بعد الحرب، ومن ثم يكون الحزب قد نجح في خلق وضع فوضوي يتجاوز الانتقال الديمقراطي لثورة ديسمبر. وفي ذات الوقت يعيد السلطة الاستبدادية للمؤتمر الوطني داخل الأرض الضيقة التي يسيطر عليها الآن، ولكن هيهات. لا اعتقد أن هذا كل ما في ذهن هذه الجماعة المجرمة. فالمتوقع هو – مع استمرار انحسار مساحة الجيش – السعي إلى خلق فوضى عارمة عبر مليشيات تفجيرية تخترق المناطق التي يحوز عليها الدعم السريع. مناورات البرهان، وجيشه، لن تنتهي. وسوف يسعون للاحتيال على المجتمع الدولي الذي يحاول تجنيب السودان الانهيار الكامل. إننا نتمنى أن يقاطع الجيش مفاوضات سويسرا حتى يدرك العالم من هم الذين يطيلون أمد المأساة الإنسانية. وعندئذ تبقى هناك الأسباب الموضوعية كافة لدى المجتمع الدولي لإنقاذ شعب السودان بشكل عاجل. ولا بد إذن من الأهمية بمكان إرسال قوات دولية تضطلع بفتح ممرات إنسانية، وحمايتها، وتوزيع الإغاثة للمواطنين في كل مناطق السودان، وتأهيل المستشفيات لعلاج المرضى، وفرض الأمن، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، ومن ثم استئناف الانتقال نحو الديمقراطية عبر حكومة يقودها مدنيون ممثلون لأصحاب المصلحة الحقيقيين. إن السودان بحاجة إلى خطة مارشال جديدة إنسانية تشارك فيه الأمم المتحدة، والدولة الصديقة، والمنظمات القارية، والإقليمية، والإنسانية. ونرى أن من واجبات المجتمع الدولي الملحة إنقاذ الملايين من الطبقتين الوسطى والفقيرة الذين يعانون من الجوع، وفقدان الأمن، وبقية المتطلبات الخدمية. ويجب ألا تتمشدق الطبقة المثقفة بعبارات مثل السيادة، والشرعية الوطنية، في ظل هذا الوضع الإنساني الخطير الذي يحاصر بلادنا بينما وجدنا مجرميها الذين أشعلوا الحرب قد بدأوا في مغادرة البلاد الآيلة للانهيار.

الوسومالنظام البائد تركيا سوسيرا نافع علي نافع هروب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: النظام البائد تركيا نافع علي نافع هروب

إقرأ أيضاً:

هل بدأت رياح ترمب تهب في السودان ؟

محمد المكي أحمد:

رفعت الولايات المتحدة في شهر يناير 2025 سقف اهتمامها بالوضع المأساوي في السودان، الناجم عن الحرب، التي اندلعت في 15 أبريل 2023، ويتصدر ساحاتها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان ( حميدتي) و”شركاء” للقائدين ، في معارك التدمير للسودان والأذى الشديد للسودانيين.
أبرز دليل على ارتفاع معدلات الضغط الأميركي جاء في قرارات فرضت عقوبات، شملت في البداية ( حميدتي) ثم اتسعت الدائرة لتشمل البرهان في 16 يناير 2025 ، وترى واشنطن ان قوات ( الدعم السريع) والقوات المسلحة السودانية ارتكبت جرائم حرب بقيادة القائدين العسكريين.
حينما أعلنت واشنطن فرض عقوبات على قائد ( الدعم السريع) ابتهجت أوساط تدعم البرهان لمواصلة الحرب، لكن سرعان ما فاجأتها أميركا بفرض عقوبات على البرهان، فأصابتها صدمة، بسبب ضعف الخيال السياسي، والفشل في قراءة مسارات الأحداث في واشنطن ، وداخل الأمم المتحدة التي شهدت خلال الفترة الماضية جلسات نقاش مهمة، هيأت الراي العام الدولي لقرارات مرتقبة ، تهدف لوقف الحرب وحماية السودانيين من الحرب والجوع والمرض.
لم يكن هناك خيار مُتاح أمام دعاة الحرب وداعميها ،ومن يصبون الزيت على نيرانها سوى الصمت أوالتنديد سرا ، بعيدا عن الأضواء بعد صدور قرار العقوبات ضد البرهان .
لا خيار أمام آخرين مؤيدين لاستمرار الحرب، وهم قلة، سوى التنديد العلني بالقرار الأميركي، تحت تأثير المصالح الشخصية وأعباء الدور الوظيفي.
أصوات بعض هواة الشجب للقرارات الايجابية الداعمة لحقوق الانسان عالية ، لأن منافقة الحاكم تتيح المزيد من أعمال التسويق للذات والمتاجرة بأوجاع الناس، سعيا وراء مصالح شخصية لا علاقة لها بكرامة الانسان، ومصالح الشعب، المطحون بمواجع التشرد، واللجوء ، والجوع.، والمرض
لم استغرب صدور قرارات عقوبات أميركية ضد حميدتي والبرهان وآخرين ، لأن الانتهاكات لحقوق الانسان السوداني والممارسات السيئة لا يمكن انكارها، وقد اعترف قائد الدعم السريع بحدوثها،.
لكن البرهان لا يعترف بارتكاب قواته وقوات حلفائه انتهاكات صارخة لحقوق الانسان السوداني، وهو لم يعترف حتى الآن أنه نفذ انقلابا على حكم انتقالي مدني في 25 اكتوبر 2021، ويصف انقلابه بـأنه ” تصحيح مسار”.
كان حميدتي اعترف بخطأ مشاركته في الانقلاب ولكن بعد فوات الأوان، وكان هو الخاسر الأكبر كما كتبت في مقال بعد مشاركته في الإنقلاب.
كتبت في وقت سابق مقالات تنتقد التعنت، ورفض ايقاف الحرب واستمرار قتل وتشريد السودانيين، وانتهاك الأعراض واقتحام البيوت وتدميرها ومواصلة قصف المدنيين والمنشات العامة بالطائرات بمختلف مسمياتها .
شجبت عدم التجاوب مع مبادرة ” منبر جدة” وقلت إن القادة العسكريين يسعون إلى شرعية مستحيلة، بعد انقلابهم على حكومة مدنية انتقالية، ورأيت وما زالت أرى أن الملاحقة الأميركية والأوروبية لقادة الحرب والدمار في السودان والمنتهكين لحقوق الانسان ستستمر، و ستطالهم اليوم أو غدا عقوبات دولية متعددة الأشكال.
القرار الأميركي الأخير الذي أدخل البرهان في دائرة العقوبات الأميركية جاء غداة انتهاكات صارخة طالت مدنيين أبرياء في ولاية الجزيرة ( ود مدني) وأقبح ما فيها أنها انطلقت من نزعات عنصرية بغيضة، وكشفت روحا شريرة ، تستهين بانسانية الانسان، فتقتله بدم بارد، وتذبحه، وترمي به في النيل!!!!
القرار الأميركي ضد البرهان تزامن مع تأكيدات جديدة لقائد الجيش يؤكد مضمونها أنه يدعم استمرار الحرب، ولا يستجيب للنداءات الاقليمية والدولية بحل الصراع بالمفاوضات، كما استخف بالعقوبات الأميركية بعدما تسربت للصحافة الأميركية وقبل صدورها رسميا في بيان للخارجية الأميركية.
لا توجد حرب في العالم كله توقفت من دون تفاوض، وحتى في السودان فان الحرب التي خاضتها كل الحركات التي (تمردت) وقاتلت الحكومة المركزية خلال سنوات مضت، وبينها حرب خاضتها قبل سنوات حركات مُشاركة في حرب البرهان- حميدتي قد توقفت بعد جلسات تفاوض خارج السودان .
اللافت في توقيت القرارات الأميركية ضد حميدتي والبرهان أنها جاءت في الأيام الأخيرة لفترة حكم الرئيس الأميركي جو بايدن ، أي عشية جلوس الرئيس المنتخب دونالد ترامب على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض في 20 يناير 2025.
تحليلي أن بايدين وهو يودع البيت الأبيض يسعى للقول أنه حقق انجازات شملت الاهتمام بقضية حرب السودان، وهو حاول أيضا التأكيد في اطلالة تلفزيونية بأنه ساهم في نجاح مفاوضات الدوحة” ببلورة اتفاق ينص على وقف اطلاق النار في غزة والافراج عن رهائن أميركيين واسرائيليين، وكلام بايدين صحيح نسبيا.
مسارات الأحداث تؤكد أن بصمات ترامب قبل دخوله إلى البيت الابيض بدت واضحة من خلال ضغوط شديدة حملتها تصريحاته التي هددت بـ ” جحيم ” و” مشكلات كبيرة” ستحدث في حال عدم التوصل لاتفاق بشأن غزة يضمن اطلاق الرهائن، وبينهم أميركيون.
أعتقد بان رياح ترامب بدأت تهب في السودان، وأن مقدماتها بدت واضحة في قرارات إدارة بايدين التي تناولت حميدتي والبرهان ، إذ ان هناك تنسيقا بين إدارتي بايدين وترامب بشأن غزة والسودان وملفات اخرى.
ترامب عشية دخوله إلى البيت الابيض طرح عنوانا لافتا لآلية تنفيذ سياسته التي قال إنها تهدف إلى إحلال السلام في العالم ، وهي آلية تستخدم ( القوة) لتحقيق السلام وفقا لتصريحاته ، وهذا يعني أن السودان لن يكون بمنأى عن سياسة ترامب الجديدة.
لكن هل سيمارس ترامب مجددا سياسة الابتزاز للجالسين على كراس ” الحكم” الانقلابي في السودان مثلما مارسها في فترة الحكومة المدنية الانتقالية ، بشأن قضية ( التطبيع) وهل سيلجأ البرهان أو حميدتي إلى استخدام ورقة ( التطبيع) مع اسرائيل كورقة لتجنب يد ترامب الطويلة وقراراتها الحاسمة؟
ترامب سيكشف عن سياسته الجديدة بشأن السودان بعد دخوله البيت الأبيض، لكن أعتقد أن أية مراهنة من البرهان أو حميدتي على ورقة ( التطبيع) ستكون خاسرة، لأن انقلابهما على الحكم المدني في العام 2021 أفقدهما شرعية مستمدة من ( انحيازهما) لثورة الشعب، وقد أطاح انقلابهما بهذه ( الشرعية) أي لا شرعية لهما حاليا، ولا شرعية للحكم في السودان بعد الانقلاب وفي ظل الحرب .
ورقة ( التطبيع) ستكون ورقة خاسرة أيضا لأن ترامب فرض ضغوطا شديدة على صديقه بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي كي يوافق على اتفاق الدوحة، بشأن وقف اطلاق النار في غزة،.
لا اعتقد بأن ترامب سيُجامل البرهان وحميدتي بشأن استمرار حرب السودان، أو يدعمهما أو يدعم أحدهما ليواصل حكم السودانيين بالحديد والنار.
مشكلة البرهان الكبرى تكمن أيضا في حلفائه الذين يسمون أنفسهم بـ ( الإسلاميين) وهم من أجنحة متشددة ومتطرفة ولا تمثل كل ( الحركة الإسلامية) وفقا للمواقف المعلنة، وتعكس تصريحات الأمين العام لحزب( المؤتمر الشعبي) دكتور علي الحاج خلافا واضحا مع داعمي الحرب، اذ يدعم السلام والحكم المدني.
أصحاب المواقف المتطرفة حكموا السودان 30 عاما، وقدموا تجربة حكم فاشلة، ويخوضون الحرب مع البرهان بشراسة ، ويسعون إلى استعادة حكمهم على انقاض بلد دمرته الحرب وشردت انسانه.
هذا التحالف يصطدم مع تطلعات معظم أهل السودان، ودول فاعلة في الاقليم ، والدول الكبرى التي تعلن من وقت لآخر دعمها لاستعادة الحكم المدني في السودان .
قلت في مقال قبل عام إن البرهان وحميدتي غير مؤهلين لحكم السودان ليوم واحد بعدما انقلبا على الحكم المدني.
وهاهي أميركا تقول في توقيت متأخر جدا في بيان لوزارة خارجيتها في 16 يناير 2025 أن ” أيًا من الرجلين ( البرهان وحميدتي) غير لائق لحكم السودان المستقبلي المسالم، تظل الولايات المتحدة ملتزمة بمحاسبة المسؤولين عن الفظائع المرتكبة في السودان ودعم الانتقال الديمقراطي المدني).
هذا الموقف الأميركي رسالة ساخنة وواضحة وتحمل انذارا واضحا للقائدين العسكريين ، وأعتقد بأن هذا الموقف سيجد دعما من حلفاء واشنطن في العالم، وخصوصا من بريطانيا ، في إطار احكام الحصار على كل الاطراف التي تساهم في الحرب الشرسة في السودان، في سبيل وقف شلال الدم ، وبدء مرحلة جديدة في السودان.
قناعتي التي أكررها هي أن لا مستقبل للانقلابيين في السودان والعالم ، سواء صدق ترامب في قوله بأنه يسعى إلى السلام في العالم أم أنه يرمي بتصريحاته إلى اطلاق بالونات اختبار، للضغط على قيادات في العالم يسعى لتغيير سياساتها؟.
المستقبل في السودان للسلام والحرية والعدالة والحكم المدني الذي يحترم حقوق الانسان، ولا يستهين بأرواح البشر باختلاف أديانهم وأعراقهم وتوجهاتهم السياسية.
mohamedelmaki.com

   

مقالات مشابهة

  • رئيس الجمهورية يتوجه غداً إلى سويسرا
  • منتدى دافوس ينطلق غداً في سويسرا بمشاركة 3 آلاف شخصية
  • الشهادة السودانية كرقصة التانغو (1-2)
  • لماذا وافقت إسرائيل على الصفقة الآن بعد تعنت طويل؟
  • المؤتمر: مناقشة تطوير التعليم قبل الجامعي بالحوار الوطني خطوة لبناء جيل مواكب للتطورات العالمية
  • ما بين جوبا وودمدني، السياسة ووجدان الشعوب
  • هل بدأت رياح ترمب تهب في السودان ؟
  • ملجأ آمن.. كنيسة لبنانية تواجه خروقات إسرائيل بـالصمود
  • خبير إسرائيلي: الحرب القانونية ستلاحقنا سنين طويلة حتى بعد انتهاء حرب غزة
  • الدور على السودان وليبيا واليمن