فلسطين كلمة السر الانتخابية وبوابة القصور الرئاسية
تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT
في ظلال #طوفان_الأقصى “98”
#فلسطين كلمة السر الانتخابية وبوابة القصور الرئاسية
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
غدا الطامحون إلى الفوز بالرئاسة، والحالمون بالأغلبية في المقاعد الانتخابية، والساعون إلى تمديد ولايتهم وإعادة انتخابهم وتجديد الثقة بهم، وغيرهم ممن يبحثون عن أدوارٍ لهم في بلادهم، إلى الاستعانة بالقضية الفلسطينية في حملاتهم الانتخابية، وإبراز مواقفهم منها، وإصدار تصريحاتٍ بشأنها، أو إطلاق وعودٍ تتعلق بها، ولا يتردد المرشحون الجدد في إعلان تأييدهم للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل التحرير واستعادة وطنهم وإعلان استقلالهم، ولا يتأخرون عن توجيه انتقادهم إلى حكومة الكيان الإسرائيلي، وتحميلهم المسؤولية عما يرتكبه جيشهم من جرائم ضد الإنسانية، ومذابح ومجازر بشعة بحق الشعب الفلسطيني.
لعل أشهر الحرب الوحشية العشرة على قطاع غزة، شهدت انتخاباتٍ في أكثر من دولةٍ أوروبية وغيرها، تنافست فيها أحزابٌ قوميةٌ يمينيةٌ متطرفة، وأخرى وطنية يسارية تقدمية، وغيرها من معسكرات الوسط والاعتدال، المهتمة بالبيئة والمناخ وحقوق الإنسان، إلا أن أغلبها استخدم القضية الفلسطينية، وسلط الضوء على إدانة الحكومة الإسرائيلية في حربها على قطاع غزة، عندما وجد بعضهم أن الشارع العام في بلادهم قد خرج في مظاهراتٍ ومسيراتٍ ضد الحرب، يدين الكيان، وينتقد الصمت الدولي، ويستنكر الازدواجية في المعايير، ويعيب الدعم الدولي المقدم من حكومات بلادهم للكيان الصهيوني، الذي يستخدم ما يصله من بلادهم في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته ومساكنه وكل مقومات حياته.
لكن بعض المرشحين للانتخابات على أنواعها، لم يكونوا في حاجةٍ إلى رأي الشارع الثائر ضد الكيان لينحازوا إليه، بل كانوا أنفسهم مقتنعين بمظلومية الشعب الفلسطيني، ويعرفون ما لحق به وأصابه، وكانوا يدركون عدوانية الكيان الصهيوني، ولديهم من الأدلة والبراهين ما يثبت ارتكابه مئات المجازر ضد الفلسطينيين، وتعمده قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والجرحى والأسرى واللاجئين والنازحين وذوي الحاجات الخاصة، دون مراعاةٍ للقانون الإنساني الدولي، ولا للشرائع الدولية وقرارات الجمعية العامة للأم المتحدة ومجلسها الأمني، ولهذا كانوا سباقين في رفع اللافتات الانتخابية المعارضة للكيان الصهيوني، والمنددة بسياسات حكومته العنصرية، وجرائمها البشعة ومجازرها اليومية بحق المدنيين الفلسطينيين.
قد لا تكون الحرب على غزة سبباً مباشراً في تغيير مزاج بعض الناخبين، وتغيير ولاءاتهم من حزبٍ إلى آخر، لكنها كانت بالتأكيد سبباً في تحريك المستقلين، ودفع الكتلة الأكبر من الصامتين أصحاب الحق في الاقتراع، لاختيار مرشحي الأحزاب المناوئة للحرب، والمعارضة لسياسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة، تماماً كما حدث في الانتخابات البرلمانية البريطانية، التي أقصت المحافظين الداعمين بالمطلق للكيان، وأعادت حزب العمال الذي يتميز في مواقفه، ويبدو أبعد نسبياً عن دعم الكيان، وأقرب إلى الدعوة لوقف الحرب، وإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني.
والتغيير الحادث في الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن إغفاله، إذ بدت مرشحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس أكثر انتقاداً لرئيس حكومة الاحتلال، واستخدمت في استقباله وبعد لقائها معه، مفرداتٍ أكثر وضوحاً وحدةً ضد سياسته، وتمايزت في موقفها نسبياً عن رئيسها بايدن، واختلفت عن موقف مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب الأقرب إلى بنيامين نتنياهو، حيث تشير أغلب استطلاعات الرأي أنها طوت الفجوة بينها وبينه، وغدت نسبة المؤيدين لها أعلى من نسبة المؤيدين له، في أول مؤشرات جدية لتنامي أصوات المعارضين للحرب على غزة، واستعداد الناخبين الجدد، المستقلين الصامتين والطلاب المتظاهرين وغيرهم، لمنحها أصواتهم في الانتخابات الرئاسية القادمة.
كما لعب الشارع الأوروبي الرافض للحرب على غزة، والمؤيد للشعب الفلسطيني في نضاله في سبيل حقوقه، في اختيار ممثلي البرلمان الأوروبي، وذلك في ظل تنامي المد الشعبي في العديد من الدول الأوروبية، المندد بالسياسة الإسرائيلية، وتزايد المظاهرات الشعبية والدعوات إلى وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر التي تستخدمها في حربها ضد الفلسطينيين.
ولا يمكن تجاهل الأصوات العربية والإسلامية في أوروبا عموماً، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نهض العرب والمسلمون من المهاجرين القدامى والجدد، من أصحاب الحق في الانتخاب والاقتراع، وبعد أن كانوا كتلةً صامتةً لا تشارك في الانتخابات ولا تهتم بها، أصبحت تهتم بصوتها، وتطور كتلتها، وتدعو إلى انتخاب المعارضين للحرب على غزة، وهي كتلةٌ كبيرة العدد، واسعة الانتشار، تسيل لعاب الكثير من مرشحي الأحزاب الأوروبية والأمريكية.
ولعل التراجع النسبي لحظوظ حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات البلدية الأخيرة في شهر مارس/آذار الماضي، كانت بسبب ضبابية موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الحرب على غزة، وعدم جدية مواقفه المعارضة للكيان، خاصة تلك المتعلقة بالجانب الاقتصادي والتبادل التجاري بينهما، والتي تغيرت بعد ذلك وانسجمت مع الشارع التركي المؤيد للفلسطينيين، والمعارض كلياً للحرب الإسرائيلية على غزة.
أليس غريباً أن تصبح فلسطين الأسيرة المحتلة، الجريحة الكسيرة، المستباحة أرضها والمعذب أهلها، المحاصرة المضيق عليها، والمسكوت عن ظلمها، والعاجز العالم عن نصرتها، والخائف من قاتلها، والمتهيب من المعتدي عليها، التي يقصى محبها، ويعاقب المنتصر لها، ويحاسب المتضامن معها، هي الفيصل في الانتخابات، والبوصلة في التوجهات، والحاسمة في المستقبل والمآلات.
إنها فلسطين المباركة باتت تحدد الفائزين، وتقصي الظالمين، أنصار الباطل المعتدين، وترسم السياسات، وتحدد الخيارات، تأييداً لحقها في مستقبلها وأجيالها، بدولةٍ مستقلةٍ، ووطنٍ حرٍ، وعلمٍ يرفرف، وسيادةٍ لا تنتهك، وحدودٍ لا تخترق، وأرضٍ لا تنتقص، وشعبٍ لا يضطهد، فهنيئاً لمن فهم المعادلة والتزم، وناصر الحق وانتُخب، وأحب فلسطين فأحبه محبوها، وقدموه وقربوه، ومن بين المرشحين ميزوه واختاروه، وإلى القصور الرئاسية وتحت قباب البرلمانات أدخلوه.
بيروت في 30/7/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: طوفان الأقصى فی الانتخابات على غزة
إقرأ أيضاً:
هل نشهد عودة الملكية لمصر؟!
ليس موفّقا.. هذا ما قلته، والجنرال يدخل إلى قصره الجديد، في العاصمة الإدارية الجديدة، مختالا، ومقلدا لرئيس وحيد في طول العالم وعرضه، هو الرئيس الروسي بوتين، وهو الذي نقلت الشاشات مشيته الاستعراضية في قصره مرة واحدة، فصار هذا الأمر عرفا لدى الجنرال، فلا يزال معجبا به حتى بعد هزيمة الروس في سوريا، وقد ولّت قوات بوتين الدبر، فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى!
ليس موفقا، لأن "القصور الرئاسية الجديدة" مثلت أزمة كبرى، وكانت موضوع المهندس والمقاول محمد علي في أول ظهور له، وأحدثت ضجة في ربوع مصر، ودفعت لأول خروج جماهيري، منذ الحراك الشعبي بعد الانقلاب، والمظاهرات التي شهدتها البلاد بعد التفريط في تيران وصنافير، ووصل القلق إلى الحكومة نفسها، على النحو الذي عبر عنه الجنرال نفسه ليغطي على ما جرى، ونقل مخاوف من حوله بسبب هذا الاستفزاز، وإن قال بنيت وسأبني باعتبار هذه القصور ليست ملكية خاصة له، ولكن لمصر، فقد كان هذا قفزا خطوة للأمام لا تخفي القلق ولم تمنع الهلع، ولو كان بناء القصور مما يدعو للفخر والاعتزاز الوطني، لما انتظر إعلان محمد علي من الخارج، ولأعلنها بنفسه!
وعندما يستعرض الآن القصر الجديد، وغالبية المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وبعد نجاح الثورة السورية، وفي قمة الدول النامية، فإن الأمر كاشف عن عدم التوفيق. فليست القصور الرئاسية إنجازا وطنيا يستحق هذا الاستعراض والمباهاة، لكن ما لفت انتباهي في هذا كله هو هذا الظهور الإمبراطوري، الذي لا يليق برئيس محدد المدة، أو حتى يخطط لتعديل الدستور، ليكون رئيسا مدى الحياة، إنه التفكير في العودة للملكية!
عندما يستعرض الآن القصر الجديد، وغالبية المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وبعد نجاح الثورة السورية، وفي قمة الدول النامية، فإن الأمر كاشف عن عدم التوفيق. فليست القصور الرئاسية إنجازا وطنيا يستحق هذا الاستعراض والمباهاة
استعراضات الأبهة:
وقد عرفت مصر الملكية قبل حركة ضباط الجيش في سنة 1952، فلم ينقل لنا مصورون الحظوة الملكية مثل هذا الاستعراض، وإن لم تخلو الملكية من استعراضات الأبهة، لا سيما الملكيات القديمة مثل المملكة المتحدة مثلا، وهي مظاهر لا وجود لها في ملكيات أخرى، أو حتى ملكيات الإقليم؛ المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ومملكة البحرين!
لقد ضجت منصات التواصل الاجتماعي بالآيتين في مدخل القصر الرئاسي الجديد، فإذا بالأولى "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي"، والثانية: "وأوحينا إلى أم موسى وأخيه أن تبوّءا لقومكما بمصر بيوتا"..
وقد يكون هذا نوعا من الاختيار غير المدروس، وقد صارت الآية المعتمدة لمحلات عصير القصب مثلا "وسقاهم ربهم شربا طهورا"، وعلى بوابات البيوت في الريف المصري "إنا فتحنا لك فتحا مبينا"!
وقد يكون عدم الوعي في الربط بين الآيتين الأولى والثانية، فالقائل في الأولى هو فرعون، وفي الثانية وحي لعدوه ولأمه، وكأنه يدعو لمصالحة وطنية بينهما. والثانية تعني بناء بيوت لبني إسرائيل، ولا يمكن أن تعتبر أن من اختار الآية انصرف وعيه إلى ذلك!
أستبعد أن يكون الاختيار تم من وراء ظهر الجنرال السيسي، لكن ما شغله هو موضوع "ملك مصر"، ولم يشغله القائل وهو فرعون، فتنتاب الحاكم المصري سعادة أن يوصف بأنه فرعون، بغض النظر عن الموقف الديني منه، ودون التفكير في النهاية الأليمة له ولمن معه (فأغرقناهم أجمعين). وفي نهاية الثمانيات قال لي نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، وأحد الضباط الأحرار، حسن التهامي، إنه قال لعبد الناصر إنه فرعون مصر الجديد، فابتسم، وضحك، واستراح، بحسب قول التهامي لي!
فقطعا، ما يعنيه في الآية الأولى هو "ملك مصر" بصرف النظر عن القائل ونهايته، وما أغراه بالثانية هو عملية "بناء البيوت" ولا شيء آخر، فهل المُلك عنده كلمة عابرة؟!
المقبرة وما بعدها:
لقد تبين أنه كتب على مقبرة العائلة آية "ربي قد أتيتني من المُلك وعلمتني من تأويل الأحاديث.."، وقد نتجاوز عن المعنى في هذه المرحلة المبكرة، فليس لأحد أن يفكر في الملك أو في الرئاسة في عهد مبارك، وإن كان البعض يروج بأن التخطيط كان في المخابرات الحربية لتولي السيسي الرئاسة بعد مبارك، فهو كلام لاستخدامه سند ملكية، فلم يكن جهازه هو صاحب قرار سياسي في ذلك الوقت، فالجهاز السيادي القوي هو المخابرات العامة، وإذا استمدت الحربية نفوذا بعد الثورة، فبفضل المشير محمد حسين طنطاوي، الحاكم المفوض من قبل مبارك!
وقد تكون اللافتة قد نُقشت بعد الانقلاب، للتأكيد على المعنى السابق، وقد كان مجرد ضابط يحمل رتبة أدنى من اللواء، ولم يكن من ضباط المخابرات كما يشيع البعض، لكن اللافت أنه نفسه قرأ الآية في ختام خطاب له "رب قد أتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث.."!
وقبل ذلك شاهدناه عند افتتاح تفريعة قناة السويس، وعلى باخرة الملك الراحل وبعصا المارشال، ليكشف هذا عن طموح صاحبهم منذ البداية، أن يكون "ملك مصر"، فهل هذا جائز؟!
السياق العام لا يوحي بأنهم فقط "يومين" ثم يأتي حاكم جديد من بعده، وقد بدأت أصوات خجولة تتحدث عن تعديل الدستور، بما يسمح له بخوض الانتخابات بعد انتهاء ولايته في 2030، وإن كان المقطوع به أنه سينتظر الفرصة المواتية لذلك، فإن نجح فسيكون لها ما بعدها
قبل الثورة، وقد بدا الناس في يأس من التغيير، طالعنا دعوات عن أن حل مشكلة مصر هي عودة الملكية، وقد قمت بالرد على هذه الدعوة التي كانت تظهر وتختفي: ومن سيكون الملك؟ وعلى أي أساس يتم اختياره؟ وكان هناك من ينظر إلى الملك السابق المكلف وهو لا يزال على قيد الحياة، وكان ردي: إن القدرة على فرضه ملكا تكفي لإسقاط مبارك، وانتخاب غيره على قواعد الجمهورية، لكنه اليأس الذي كان يملأ النفوس!
في الملكيات التقليدية فإن الملكية سلالة، هم أصحاب البلد، أو أصحاب فضل في تحريرها أو اكتشفها، وحتى حكم آل سعود مثلا له سياقه التاريخي، والتاريخ لا يُخترع ولا يُصنع من عدم!
الهلع من مصير بشار:
إن بناء القصور الرئاسية بهذا الإسراف المبالغ فيه، لا يمكن قبوله مع خطاب "كلها يومين"، والذي هو خطاب استعطافي يتكرر مع الأزمات، وفي الأيام الماضية أُطلق مع الحاصل في سوريا، من نجاح الثوار الأكثر نفيرا في إسقاط نظام بشار الأسد، وتقرب المجتمع الدولي منهم، بما يخالف طبيعة الأشياء!
وينتاب القوم في مصر هلع يعبر عنه الجنرال نفسه، كما تعبر عنه الأبواق الإعلامية، على نحو يفهم منه أن الثوار على أعتاب القاهرة، وتنظر حولك فلا تجد أحدا، ولا تسمع همسا، بيد أن القوم يهددون بالجيش، الذي هو ليس الجيش السوري، ويحذرون من الاقتراب منه، وتقرأ عن الأشرار، فتقول ربما يرون ما لا نرى!
بيد أن السياق العام لا يوحي بأنهم فقط "يومين" ثم يأتي حاكم جديد من بعده، وقد بدأت أصوات خجولة تتحدث عن تعديل الدستور، بما يسمح له بخوض الانتخابات بعد انتهاء ولايته في 2030، وإن كان المقطوع به أنه سينتظر الفرصة المواتية لذلك، فإن نجح فسيكون لها ما بعدها!
مرحبا بكم في المملكة المصرية!
x.com/selimazouz1