احتفاء الحردلو بالطبيعة يعيد للأذهان ذكرى بعض الشعراء الرومانتيكيين الكبار مثل (وليم ووردورث) و(جون كيتس) ..فـ"ووردورث" مأخوذاً باغترابه عن التغيير السريع مع بداية "عصر التصنيع" يتجه بحثاً عن ملجأ في أحضان الطبيعة :
لقد قفز قلبي من بين الضلوع عندما سطع قوس قزح في السماء
هل هذا الحال هو الذي بدأت عليه حياتي.

.؟!
وهل إلا الآن أشعر بنفسي كإنسان..؟!
لعلها تكون الحال عندما أتقدم في العمر..
أو فلتدعني أموت..!
الطفل هو الأب القادم للرجل المُسن..!
كل ما أرجوه أن تكون أيامي القادمات..
..مقرونة ببعضها بفضل طُهر الطبيعة..!
هذه هي ذات الأمنيات يتردد صداها عند الحردلو .."هكذا يقول صاحب كتاب صائد الجمال" فهو يحن إلى الطبيعة وتلال البطانة التي تمرح فيها الظباء والشياه ويتقافز فيها صغار البَهم فرحاً مزهواً بخلائه:
قوز ود ضياب يا الليل ترى بي شياهو
بهماً بطّرد فرحان وعاجبو خلاهو
زولاً في أم قدود المولى كان أداهو
بقعد عندهن ويترك لهن مأواهو
I would forsake my own home
إنها ذات العودة للطبيعة (back to nature) التي صاح بها الشعراء الرومانتيكيين..!
**
كذلك يستدعي شغف الحردلو بالطبيعة ذكرى الشاعر الانجليزي جون كيتس (1795-1821) مثل رصيفه ووردزورث؛ لقد تحدّث جون كيتس عن الطبيعة باعتبارها مصدراً للجمال؛ كما إنها بمثابة المهرَب والمفزَع والملجأ من ضغوطات الحياة وإكراهات المدينة. وهو يرى أن دنيا الطبيعة الحميمة هي "العالم المثال" بل هي صورة من (جنّة عدن) وهي وحدها البيئة الحقيقية التي يمكن أن تقدم التصوّر الأسمى لما يحلم به الخيال الإنساني..!
ويرى جون كيتس أن فهم الجمال هو السبيل لأن ينسجم الإنسان مع الحقيقة....قال هذا في خاتمة وخلاصة كتابه الشهيرGrecian Urn (الجرّة الإغريقية)...!
يقول:
الجمال هو الحقيقة..والحقيقة هي الجمال..
أيها الإنسان..هذا كل ما يتوجّب معرفته..!
**
في "مسدار الصيد" يقدم الحردلو صورة حيّة للطبيعة في البطانة، ويذكر على غرار جون كيتس جُملة من أسماء نباتات وموجودات الطبيعة..وهو لا يعزل نفسه عن الطبيعة - حال المشاهد السلبي- بل يجعل نفسه جزءاً من المشهد..فهو عاشق ولاعب في المسرح وراوٍ وحارس لهذا الجمال الذي يتجلّى في الطبيعة ..
إنه منافح حقيقي ضد صيد حيواناتها..!
عقبن "ود دعول" بجرن شفاقه عُدال
ختمن "مقرح الحربه" الـجبالا طوال
قِلت "أمّات قرود" وردنّو بي القبّال
خِلقن كيف برمولهن دمير حبّال
كيف لمثل هذا المخلوقات الجميلة يتم نصب الشراك والحبال لاصطيادها..؟!
How come creatures of such beauty
should end up in snares..?!
**
يمثّل "مسدار الصيد" سردية باذخة في حب الطبيعة واحتفاءً حميماً بالجمال والسلام..! ويبرز كمثال رائع لأشعار الرحلات في السودان: ونموذج حيّ للشعراء الآخرين..ويتضمّن المسدار معظم الملامح المتميّزة للشعر البدوي الذي مرّ بمرحلة تحوّل إلى أشكال جديدة من الشعر الغنائي مثل (أغاني الحقيبة) والأغاني الوترية الحديثة..!
يتضمّن شعر الحردلو معظم السمات المتميزّة للشعر البدوي الذي اتخذ لاحقاً أشكال جديدة من الشعر الغنائي مثل (أغاني الحقيبة) والاغنية الوترية الحديثة..!
"تشديد الحروف" الذي يتسم به شعر الحردلو والشعر البدوي عامة.. يقوي من رنّة القافية ونهايات المقاطع ويعين على الترنّم بالشعر ..!
وتشديد الحروف (Gemination) شائع في قصائد الحردلو ومربوعاته..ويمكن أن تنظر إلى التشديد الذي يعطي إيقاعاً حيوياً للقافية في مفرداته..مثل الراء المشددة في: (مرّاقة/ برّاقة/ زرّاقه/ طرّاقة)..
درعاتاً على عليو النعام مرّاقه
درجت عقلي في نجيم عقلتا ام برّاقه
تف ام ايد نفج حَرِبتو مي زرّاقه
حاده برا نفخ كوراً كتير وطرّاقه
والياء المشددة في (رّيس/ كيّس/ سيّس / كويّس):
كم شويم لهن وكتاً بفافق وريّس
كم وديت لهن من عندي واحد كيّس
بسرق دغمتن نعمني فيهن سيّس
داك وكت الزمان بلحيل معانا كويّس...!
"الدُغمة في شفاه النساء هي اللون الأسود او المزرقن؛ إن كان طبيعة أو من "دق الإبار"..وقد أراد الشاعر بـ"سرقة الدغمة" اختلاس القبلة..أو ربما "العضّة الخفيفة" على الشفاه..!!
**
الحردلو يختار بعناية فائقة ونظر دقيق مفرداته من البيئة..ويؤكد هذا الاختيار معرفته العميقة ببيئته المحلية؛ فهو قد يستخدم كلمات (مِعزة وسخلة وبهمة) للإشارة إلى الظبية صغيرة السن؛
بينما يستخدم حسب سنين العمر كلمات مثل (ديفة) للظبية الراشدة التي في ريعان الشباب..!
أو كلمات مثل (راهويه) للظبية الصغيرة ذات الجاذبية؛ ومفردة (لخلوخة) للظبية ممتلئة الجسم قليلاً (وحيلة المشي)..كما يقول شعراء الحقيبة (تمشي خطوة اتنين مستحيل)..!
وهو يطلق صفة (الدرعة) على الظبية التي تحمل خطوطاً بيضاء أو صفراء على عنقها..مثل (العقد أو الشولق في البنات)..!
كما أن المفردات الوصفية التي يطلقها على النباتات والحشائش والأعشاب تتباين بالنظر إلى حالات النمو المتدرّج للنباتات..مثل إطلاق مفردة (الفوسيب) على القصبة الخضراء الريانة الرفيعة اليانعة و(اللتيب) أعواد الذرة الناضجة قبل أن تحمل القندول..!
ويقول موقع "هنداوي" إن "المسّيك" هي مرحلة الإنبات، و"القصبة" هي مرحلة تكون فصوص الساق، و"الحِملة" مرحلة تكون القندول، و"الفسخان" مرحلة إطلالة القندول، و"الشراية" مرحلة الإزهار، واللبنة" أو "اللتيبة" مرحلة الإثمار، و"الفريك" مرحلة بداية النضوج، و"السنبلة" هي مرحلة الحصاد.
ويقول الحردلو:
ناساً كلهم في جملتم يهدوني
من اللبّنت "فوسيب" جزائر عوني
أكتم حبها واخفاهو ما بدروني
يظهر كل مرّه ويفضحنو عيوني
ويقول:
"لتيباً" حارسو حرّاتو ومسايس وفارق
عقب الحرّه صقار من سموم مدّارق
إتناين عروقو وراح فصيصو يزارق
لامِن جاهو نسّام الغفر مسّارق..!
تقول القواميس إن "الغفر" نبات ينبت ويزدهر في السهول والروابي كأنه عصافير خُضر..!!

مرتضى الغالي

murtadamore@yahoo.com
/////////////////////

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

رسامة 5 قمامصة جُدد بيد البابا تواضروس الثاني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهدت مدينة الإسكندرية، اليوم السبت، رسامة خمسة قمامصة جُدد، أربعة منهم لكنائس الإسكندرية والقمص الخامس من كنيسة الشهيد مار جرجس في ڤانكوڤر بكندا، بيد قداسة البابا تواضروس الثاني، وذلك بالتزامن مع احتفال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالعيد الـ ١٢ لتجليس قداسته على كرسي القديس مار مرقس الرسول.

وصلى قداسة البابا، صباح اليوم، القداس الإلهي في الكاتدرائية المرقسية بالإسكندرية، وشاركه الأنبا باڤلي الأسقف العام لكنائس قطاع المنتزه، والأنبا إيلاريون الأسقف العام لكنائس قطاع غربي الإسكندرية والأنبا هرمينا الأسقف العام لكنائس شرقي الإسكندرية والقمص أبرآم إميل وكيل عام البطريركية بالإسكندرية ومجمع كهنة الإسكندرية وعدد كبير من أبناء الكنيسة بالإسكندرية.

وألقى قداسته عظة القداس، وفصل إنجيله من (يو ١٦: ٢٠ - ٣٣)، وتأمل في إحدى آياته وهي: "اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ. (أية ٢١)
وربط بينها وبين خدمة الكاهن مشيرًا إلى أنها تمر بثلاث مراحل تتشابه مع فترة الحمل والمخاض والولادة، وهذه المراحل الثلاثة، هي:
المرحلة الأولى: مرحلة الاشتياق والتعب والسعي "اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ":
وفيها يتعب الكاهن ويبذل نفسه لكي يهيئ أبناءه للحياة الأبدية ويبحث عن الضال ويفتقد النفوس وهي يتطلع ويشتاق إلى توبتهم وعودتهم إلى الله.

المرحلة الثانية: مرحلة التوبة والعودة إلى الله "وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ":
وهي لحظة العودة إلى الله كما فعل الابن الضال، وهي اللحظة التي ينتظرها الكاهن لأبنائه، ينتظرها دون يأس بل برجاء كامل.

المرحلة الثالثة: مرحلة الفرح "لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ":
وهنا يفرح الكاهن لأنه ولد ابنًا جديدًا لملكوت السموات، وهذه العملية عملية متكررة ومستمرة في خدمة الكاهن.

وعقب صلاة الصلح تمم قداسة البابا صلوات طقس رسامة القمامصة الخمسة الجدد.

مقالات مشابهة

  • إلهام شاهين عن مهرجان الفيوم: هنا أرض الجمال.. والسجادة الخضراء رمز الحياة
  • مهرجان الجمال في إزمير يعيد إحياء التراث التقليدي
  • العربية لحماية الطبيعة تغرس أشجار الزيتون واللوزيات في ارض عائلة الشهيد الجازي / صور
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • بالفيديو.. بن ناصر يتخطى مرحلة الخطر
  • شاهد.. القمر والغيوم يرسمان لوحات طبيعة في سماء أرض الفيروز
  • أرباح مرحلة
  • رسامة 5 قمامصة جُدد بيد البابا تواضروس الثاني
  • أستاذ طب نفسي: سمة «العند» تكثر في مرحلة الطفولة
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار