لكبيرة التونسي (أبوظبي)
غالباً ما يستخدم الآباء أسلوب المقارنة بين الإخوة، لتحفيزهم أو لتغيير سلوكهم للأفضل، إلا أن ما لا يعرفه هؤلاء الآباء أن هذه المقارنات قد تضر بالأبناء وتسبب لهم مشاكل نفسية مستدامة يصعب التخلص منها، في هذا الصدد، للإضاءة على الموضوع أكثر، قالت منيرة الكيومي أخصائية نفسية بمؤسسة التنمية الأسرية ضمن مقال لها بمجلة «دارنا» التي أصدرتها مؤسسة التنمية الأسرية مؤخراً: إن الوالدين يستخدمان في أغلب الأحيان أسلوب المقارنة بين الإخوة بشكل تلقائي، بهدف توفير جوٍّ من التنافس بينهم، أو تعديل سلوك غير مرغوب به لدى الطفل، حيث تتم مقارنته بأخيه الأفضل وفق معايير الوالدين، وأحياناً يستخدم بهدف تحفيز الطفل لسلوك معين كي يكون مثل أخيه.


ميول وهوايات
وأوضحت الكيومي أن الإخوة ينشؤون في المنزل نفسه ويتلقون التربية نفسها ويعيشون حياة مشتركة، إلا أنهم لا يشبهون بعضهم بعضاً بشكل مطلق، وإن كانت هناك اهتمامات وأنشطة مشتركة، ولكن هذا لا يعني أن نطالب أطفالنا بأن يشبهوا بعضهم بعضاً، وما علينا إدراكه كآباء وأولياء أمور أن هناك اختلافاً في القدرات الجسدية والإدراكية بين الإخوة، إضافة إلى الاختلافات في الميول، والهوايات والأنشطة والاهتمامات.
مقارنة مدمرة 
ولفتت الكيومي إلى أن الوالدين يلجؤون للمقارنة للتحفيز على سلوك معين، من دون وعي بالضرر المترتب على هذا الأسلوب، فليس من المنطق أن نطالب أطفالنا بأن يكونوا نسخاً مكررة من بعضهم بعضاً، وأحياناً قد يحقق الأب أو الأم الهدف الذي يرجونه من المقارنة مثل: «ادرس مثل أخيك»، «كن مرتباً مثل أختك»، وقد يمتثل الطفل لهذا الأمر، لكن هذا لا يعنى أن الطفل اكتسب السلوك الصحيح، فهذا الامتثال قد يكون لحظياً فقط، لكن الواقع يكون عكس ذلك تماماً. 

أخبار ذات صلة «التنمية الأسرية»: تعزيز مهارات السنع للأطفال «التنمية الأسرية» تنمي مهارات «إعلامي المستقبل»

نظرة الطفل لنفسه
وأشارت الكيومي إلى أن المقارنات بين الإخوة لها تأثير ضار على الطفل، حيث إنه يستقبل رسائل بشكل متكرر تشعره بأنه أقل مستوى من أخيه، وأن أخاه أفضل منه، موضحة أن المقارنات غير الصحية تؤدي إلى تأثيرات سلبية قد تستمر لسنوات، وتسهم في تشكيل هوية ونظرة الطفل لنفسه، وتابعت: غالباً ما يكون تأثير ما يقوله الوالدان لأطفالهم قويّاً، فالكلمات التي يتلقاها الطفل يتعامل معها على أنها حقيقة، وعندما يطالبه الوالدان بأن يكون مثل أخيه، يتولد لديه انطباع بأن أخاه هو الأفضل دائماً، وبذلك ينمو لدى الطفل تقدير ذات منخفض، ومع مرور الوقت تتعمق بداخله نظرة دونية لنفسه.
تصدع العلاقة
حذرت الكيومي من مخاطر المقارنات بين الإخوة وانعكاسها على نوع العلاقة بينهم وجودتها، مشيرة إلى أن المقارنة غير الصحية بين الإخوة، ينتج عنها مخاطر جمّة، تتمثل في تصدع العلاقة بينهم، وأضافت «المقارنة غير الصحية بين الإخوة، ينتج عنها الحزن والغضب لدى أحد الأطراف، وقد تتراكم هذه المشاعر السلبية داخل الطفل من دون أن يعبر عنها لفظياً، لكنها تظهر من خلال ردود أفعاله ومشاجراته مع أخوته، نتيجة شعوره بالغيرة. 
ضعف الشخصية
أكدت منيرة الكيومي أن المقارنات تؤدي إلى غياب فرص التعلم لدى الطفل، وتحرمه من الحرية في تحديد هواياته واهتماماته وخياراته ومهاراته، مما يقلل من رغبته في الاستكشاف وحب المعرفة وشغف التجربة، وفي النهاية يصبح شخصية ضعيفة واعتمادية وتابعة على المدى البعيد.
تمرد
أكدت منيرة الكيومي، قائلة: التمرد رد فعل طبيعي ينتج عن المقارنات بين الإخوة، فالطفل الذي ينشأ في بيئة أسرية تنتشر المقارنات بشكل دائم بين أفرادها، يشعر بأنه بلا قيمة، كما أنه يستمر في بذل الكثير من الجهد ليكون مثل أخيه، ومع الوقت يتخلى عن محاولاته ويبدأ في التمرد والرفض.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: مؤسسة التنمية الأسرية الأسرة الأبناء التنمیة الأسریة بین الإخوة

إقرأ أيضاً:

ماذا يكون بعد أن حكم القضاء في تونس؟

لن يكون شيء، فاذهب أيها القارئ العابر إلى مقال آخر قد تجد فائدة، فهذا الموقع غني بالأقلام الجادة. تونس لم تعد مصدرا لأي حدث جميل، عجبا أهذه تونس نبع الربيع العربي ومصدر الإلهام الديمقراطي؟ نعم، لقد وصلت تونس إلى حالة من عدم التأثير في ما حولها، بل هي تأكل نفسها مثل نار نفد حطبها. ذلك الحلم الجميل أغلق، لكن لماذا تطرح السؤال في العنوان؟ إن ذلك العنوان هو الجملة التي يطرحها على نفسه كل تونسي حمل ذلك الحلم ثم رآه يتلاشى، وقد يصل الأمر ببعض الناس إلى السير في الشوارع يكلمون أنفسهم كالزومبي. من أوصل البلد إلى هذه الحالة؟ وكيف يمكن أن يخرج مما هو فيه من بؤس سياسي؟

تحميل المسؤوليات

الجميع يبرئ نفسه ويتهم الآخرين، هذه رياضة وطنية في تونس.. الآخرون هم السبب. من هنا بدأت الأزمة التي توجتها الأحكام الجائرة في حق النخبة السياسية باختلاف الأسماء والتوجهات السياسية. انقسم الشارع الافتراضي الذي لا يزال مفتوحا؛ إلى مواقف متضادة يمكن تلخيصها في ما يلي:

- موقف الشامتين في المحكوم عليهم، يكتبه وينشره قوم من المعارضة يعيشون خيبة أمل كبيرة في النخب، ويرون أن المحكومين كانوا سببا في ما حصل وليسوا أبرياء مما أصابهم. فقد ساهموا بدرجات في ترذيل الوضع السياسي قبل الانقلاب ولم يبنوا عملهم السياسي ضمن مشروع ديمقراطي جامع، بل تحركوا بمنطق التكايد السياسي خاصة ضد حزب النهضة منذ الثورة، بل كان بعضهم مساندا ومبررا للانقلاب حتى انقلب على الجميع. وهذا الموقف ينتهي عند الشماتة المُرة ولا يبلغ مبلغ التفكير في ما بعدها، وغالبا يختم قوله بجملة محبطة "خليها تخرب على الجميع". هذا الموقف هو قمة اليأس السياسي وهو موقف واسع، ويضم كل مساكين حزب النهضة وكثير من الحالمين الذين أعادت لهم الثورة أرواحهم بعد موات وخيبت النخب آمالهم.

- موقف الحائرين الذين لا يختلفون في تحليل الوضع عن الشامتين، لكنهم يبحثون عن حل فيه ربع أمل في أن تتحول الأحكام الجائرة إلى محرض على اجتماع سياسي يمهد لوضع بديل. وهذا ما يُسمع في صفوف جبهة الخلاص أو ما تبقى منها يقف في الشارع وقفات خجولة ومترددة أو غير مؤمنة إيمانا كاملا بالمستقبل، ولكنها تقترب من رفع العتب ولا تنتج خطة فعالة للتجميع.

- موقف المتشفين من المحكوم عليهم، وهذا موقف أنصار النظام ويضم فصائل يسارية وقومية يرون في ما يجري فتح طريق لتملك السلطة زمنا طويلا ويرون في المرحلة مرحلة تنظيف. وهم غير مهتمين بالسؤال: ماذا بعد؟ فما يجري هو خطتهم، فهم السلطة. وتصدر عن هذا الموقف تهديدات بالسحل لمن يشكك في القضاء الشامخ.

وينتشر حول هذه المواقف خطاب التخلي الشامل عن كل طموح. ففئة واسعة من التونسيين ودّعت أحلامها وقالت ننتظر حكم الطبيعة، فالطبيعة لا تنسى مهماتها. ويعقبون حتى بعد حكم الطبيعة: سنجد أنفسنا في نفس الوضع القديم، فالنخب لم تقرأ درس الديمقراطية عند معلم جاد.

ألا يوجد حل؟

بلى يوجد لكنه حل روائي لنقل يوجد حل مثالي، يقوم على مراجعات جادة من قبل الجميع باستثناء المتشفين من أنصار السلطة، لكن هذه الرواية تقوم على شجاعة استثنائية لذلك فهي غير واقعية.

تحديد قائمة الأخطاء في حق المسار الديمقراطي الذي راكم تراثا لم يندثر من النفوس ومن الورق، فهناك دستور يمكن البدء منه. لم يكن "دستور الخوانجية" بل دستورا تونسيا بُذل فيه جهد واجتهاد كبير. هذه خطوة مؤسسة ومنها يستعاد العمل السياسي الجماعي بهدف واضح اسمه استعادة الديمقراطية.

هناك باب للعمل الفعلي (الميداني)، أن تؤجل الأسئلة المتعلقة بمن أخطأ أكثر من الآخرين في حق المسار، وهذا يعني أن يوقف نزيف الاتهامات بين فرقاء كثر. فكثير من الأخطاء سيردمها الفعل البنّاء إذا انطلق، وسيكون من العيب العودة إليها إذا فتح صندوق الانتخابات. فالمحاسبات تتم في وضع ديمقراطي، حينها يكون لها تأثير إيجابي، أما الآن فهي مواصلة لعملية التخريب التي تصب في مصلحة الانقلاب. من سيتجاوز أولا إلى مبدأ العمل الجماعي؟ بعد أسبوع من صدور الأحكام لم نسمع من يقول بالتجاوز وبدء العمل من الصفر.

هنا تظهر مهمة أخرى نضالية بامتياز، قطع الأمل من وصول نجدة خارجية متعاطفة مع الديمقراطية في تونس، هذه النجدة لن تأتي أبدا. "حك جلدك بظفرك"، هذا عنوان رئيسي في كل جهد قادم للخروج من الوضع البائس. لقد تخلى العالم (الديمقراطي) عن تونس، والحقيقة أنه لم يكن أبدا مع الديمقراطية في تونس أو في غيرها. فالتونسيون الذين لهم عقول يذكرون جيدا وزيرة خارجية فرنسا تعرض المساعدة العسكرية على نظام بن علي حتى الدقيقة الأخيرة قبل ركوبه الطائرة هاربا.

التونسيون عاشوا حرب الطوفان ورأوا الغرب (المُنْجِد) يدمر شعبا في غزة ويجد اللغة الكافية لتبرير فعله. وإذا صحت الأخبار عن بدء حملة دولية لتدمير الحواضن الشعبية العربية للمقاومة، فإن مرحلة جديدة من التدمير السياسي توشك أن تحل على الرؤوس. وعندنا علم بتونسيين تحسسوا الموقف الأمريكي من الانقلاب منذ عهد بايدن، فقيل لهم "حلوا مشاكلكم بأنفسكم، اللي فينا مكفينا".

لنختم بشيء من الفلسفة، فالرواية الرومانسية لن تكون غدا أو بعد عام. من الفلسفة أن نقول كان هذا الانقلاب ضروريا، فهو تمحيص وغربلة وقد صفى وغربل ونخل وقدم صورة شاملة عن النخبة السياسية التونسية، فأسقط أنصاف الزعماء وكل الأدعياء ووضح الطريق لمن يؤمن بالعمل الجماعي لبناء الديمقراطية، وقد صورناه ونواصل رؤيته على المدى البعيد حريق الغابة الذي سيمهد لنبت جديد. وهذا ليس من الشماتة ولا تشفيا في المساجين، ومن يدري فقد يولد منهم في سجونهم مؤمنون بالديمقراطية ويؤسسون من هناك لخطاب جامع.

لنغلق بمشهد تمثيلي؛ أن ينصب من تبقي معارضا للانقلاب خيمته أمام السجن ويقول "اسجنونا معهم أو نعود بهم نحو المستقبل"، ساعتها سيبدأ ربيع عربي ثان من تونس.

مقالات مشابهة

  • العلاقة بين الكبد الدهني ونقص فيتامين د.. كيف تؤثر صحتك وما الذي يمكنك فعله لتحسين الامتصاص؟
  • جلسة حوارية حول تربية الأبناء على السمت العُماني بمعرض مسقط الدولي للكتاب
  • علماء: تقلبات الحرارة المفاجئة تؤثر على العدد الأكبر من البشر بحلول نهاية القرن
  • ماذا يكون بعد أن حكم القضاء في تونس؟
  • طريقة ذكية تساعد الأهل على اكتشاف تعرّض الأبناء للتنمر الإلكتروني
  • خبراء النوم : القيلولة بعد الثالثة عصرًا تؤثر على النوم ليلاً
  • هشام الحلبي: الحرب على غزة تؤثر على اقتصاد الولايات المتحدة
  • إيواء شاب يعاني نفسيا مستشفى انزكان بعد احتجاج عائلته على عدم قبوله
  • جحود الأبناء.. قصة رجل ضحى بعمره من أجل أولاده فطردوه من المنزل
  • مع موجات الحر الشديدة.. تأثير درجات الحرارة العالية على القلب والرئتين.. وطرق الوقاية