نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك قالت فيه إن حرب الاحتلال الإسرائيلي التي تبدو بلا نهاية، تجبر العالم على الاعتياد على مستوى فظيع من الموت والمعاناة.

فقد تلقى بنيامين نتنياهو تصفيقا حارا، الأربعاء الماضي، بعد خطابه أمام الكونغرس الأمريكي. كانت لحظة بدا أنها تبشر بمرحلة جديدة من الحرب في غزة - وهي المرحلة التي لا يتم فيها التسامح معها باعتبارها ضرورة مؤسفة فحسب، بل يُنظر إليها أيضا على أنها شيء سيستمر دعمه بلا شك دون حدود، ودون خطوط حمراء ودون تقدير تكتيكي.



 إن محو إسرائيل المستمر للعائلات والمنازل والثقافة والبنية الأساسية - دون نهاية أو إشارة إلى متى سيحقق أي من ذلك أهدافها - أصبح الآن مجرد جزء من الحياة.

في الوقت نفسه، تتقدم المرشحة الديمقراطية المفترضة، كامالا هاريس، بنداء لا معنى له مفاده "لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح مخدرين" تجاه ما يحدث وأنها "لن تصمت"، عندما يكون الشيء الوحيد المهم هو أن تستمر الولايات المتحدة في تسليح وتمويل إسرائيل.

كل هذا يمثل فَناء ليس فقط للقانون الدولي، بل لقانون إنساني أساسي. من بين التجاوزات التي تقلب الحياة اليومية، ربما يكون الموت بالقتل، كما يُزعم، أسوأ جريمة وأكثرها انحطاطا.

 إن قدسية الحياة البشرية، وفكرة أنه لا يمكن إنهاؤها دون مبرر، هي ما يفصلنا عن البربرية. وهكذا، مع مرور الأشهر التسعة الماضية، مع كل حلقة بارزة من القتل، كانت هناك لحظات عديدة ظننا فيها أنها أقصى ما يمكن أن تصل إليه الأمور.

عندما تم انتشال أول طفل مُعفر بالغبار من تحت الأنقاض. عندما تم تصوير المدنيين العزل بالكاميرات وهم يتعرضون للقصف بصواريخ المسيّرات. عندما توفيت هند رجب البالغة من العمر خمس سنوات وهي تنتظر المساعدة بين أقاربها القتلى، وعندما قُتل عمال الإسعاف الذين أرسلوا لمساعدتها.


 عندما أصيب عمال المطبخ العالمي بصواريخ دقيقة. عندما هاجم كلب تابع للجيش الإسرائيلي رجلاً مصاباً بمتلازمة داون في منزله، ثم تُرك ليموت بعد أن أبعد الجنود عائلته ومنعوهم من العودة. لكن الحرب لم تتوقف.

لقد كانت هناك بالطبع محاولات للحفاظ على القواعد الهشة للقانون الدولي والإنساني وتطبيقها. ومرة أخرى، كُنّا نأمل أن تؤدي الأحكام التي صدرت إلى نهاية الهجوم.
عندما أعلنت محكمة العدل الدولية أن الفلسطينيين لديهم الحق المعقول في الحماية من الإبادة الجماعية وطلبت من إسرائيل وقف هجومها على رفح. عندما تقدمت المحكمة الجنائية الدولية بطلب للحصول على مذكرة اعتقال بحق نتنياهو. وعندما وجدت محكمة العدل الدولية أن إسرائيل مسؤولة عن الفصل العنصري.

وفي هذا الجهد، انضم إليهم ملايين المحتجين في جميع أنحاء العالم الذين أزعجت أفعالهم سياساتهم الداخلية بطريقة تشير إلى أن الوضع غير قابل للاستمرار. ولكن الحرب وجدت مكانها مرة أخرى، مختبئة داخل الوضع الراهن.

 لقد لعبت قضية غزة دورا كبيرا في سياستنا الضيقة، وتداخلت مع استياء الناس. وقد أدت إلى نشوء أصوات احتجاجية ساعدت في فوز عدد قياسي من المستقلين لعضوية البرلمان في المملكة المتحدة، وأحدثت اضطرابات انتخابية لسياسيي المؤسسة. كما شهدت الجامعات في الولايات المتحدة مشاهد تاريخية من الاحتجاجات والعنف المفرط من الشرطة.

ورغم أن ما حدث يشكل تحولا تاريخيا في الرأي العام العالمي بشأن إسرائيل، فإنه لا يزال لا يمثل أي أهمية تذكر بالنسبة لأولئك في غزة الذين لا يدركون حتى ما يحدث وهم يحاولون تفادي القنابل، والبحث عن الطعام، واستخراج جثث قتلاهم.

وكل ما نجم عن ذلك كان المزيد من التحدي والعدوان من جانب إسرائيل، وإدانة الأحكام القضائية من جانب حلفائها، وتشهير أعداد كبيرة من الناس الذين يريدون فقط وقف القتل. ويبدو أن كل هذا يعني: نعم، هذا هو العالم الذي نعيش فيه الآن. تعوّدوا على ذلك.

كيف يبدو التعود على ذلك؟ يبدو الأمر وكأنه قبول حقيقة مفادها أن هناك مجموعات معينة من الناس يمكن قتلها. وأن من المعقول والضروري في واقع الأمر أن يموتوا من أجل الحفاظ على نظام سياسي مبني على عدم المساواة في الحياة البشرية. وهذا ما يسميه الفيلسوف أشيل مبيمبي "سياسة الموت" ـ ممارسة السلطة لإملاء الكيفية التي يعيش بها بعض الناس والكيفية التي يجب أن يموت بها آخرون.

إن سياسة الموت تخلق "عوالم الموت" حيث توجد "أشكال جديدة وفريدة من الوجود الاجتماعي حيث تخضع أعداد هائلة من السكان لظروف معيشية تمنحهم وضع الموتى الأحياء". وفي عوالم الموت هذه، فإن قتل الآخرين وتدمير مواطنهم من خلال القدرات العسكرية الملحمية التي لا يشعر مواطنو البلدان المسؤولة بفتكها قط، يضفي المزيد من القيمة على إنسانية أولئك الذين يعيشون في الغرب "المتحضر". إنهم معفون لأنهم طيبون، وليس لأنهم أقوياء. يموت الفلسطينيون لأنهم أشرار، وليس لأنهم ضعفاء.

إن تخفيض قيمة الحياة الفلسطينية ينطوي على فصل حياتنا عن حياتهم، وفصل العالمين القانوني والأخلاقي إلى عالمين ــ عالم نعيش فيه ونستحق الحرية من الجوع والخوف والاضطهاد، وعالم ثانٍ حيث أظهر الآخرون بعض الصفات التي تثبت أنهم لا يستحقون نفس الشيء. ولهذا السبب، من المهم بالنسبة للمدافعين عن حرب إسرائيل أن يزعموا أنه لا يوجد أبرياء في غزة، وأن حماس تختبئ خلفهم، وأن أولئك الذين تتعاطف معهم سيكونون أول من يضطهدك إذا كنت مثليا أو امرأة. إنهم ليسوا مثلنا. بمجرد تعليمك التوقف عن التماهي مع الآخرين على أساس إنسانيتهم، يكتمل عمل سياسة الموت.


والنتيجة هي عالم يبدو وكأنه في منتصف هذا التحول. حيث تتحرك الأحداث السياسية إلى الأمام بسرعة، فتطوي غزة إلى الوضع الطبيعي. تتنافس الصور والروايات من غزة، وأحدثها لأطباء أمريكيين يخبرون قناة سي بي إس نيوز عن أطفال مصابين بجروح قناص في الرأس والقلب، مع الاهتمام الذي استوعبته الانتخابات الأمريكية.

أي عالم سيظهر بعد هذا؟ إن الحرب على غزة ضخمة للغاية، وحية للغاية، ولا هوادة فيها إلى الحد الذي يجعل من المستحيل تطبيعها قسرا دون عواقب غير مقصودة. والنتيجة النهائية هي تدهور البشرية جمعاء. والنتيجة النهائية هي عالم حيث عندما يأتي النداء لمساعدة المحتاجين، لن يكون أحد قادرا على الاستجابة له.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الإسرائيلي نتنياهو الكونغرس غزة الفلسطينيين إسرائيل فلسطين غزة نتنياهو الكونغرس صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الغارديان: هل يمكن للعلماء تحديد العدد الحقيقي لضحايا غزة؟

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، لرئيسة الصحة العامة بجامعة إدنبرة، ديفي سريدار، قالت فيه إن: "الباحثين العلميين يقتربون من التعرّف على حجم الوفاة والمرض المُريع في غزة".

وأشارت سريدار، خلال المقال نفسه، الذي ترجمته "عربي21" إلى "إصابة طفل في غزة بشلل الأطفال، وهي أول حالة مؤكّدة في القطاع منذ 25 عاما"، مردفة  أن "الشلل سيكون على ما يبدو دائما، ولا يوجد علاج للمرض، مع أن لدينا لقاحات فعّالة قادرة على منعه".

"الحرب الدائرة بالمنطقة، تعني أن حملات التطعيم قد توقّفت. وهناك حتمية على ما يبدو من انتشار موجة شلل أطفال، نظرا لأن المرض ينتشر خلال المياه الوسخة، والقاذورات التي تحيط بمن يعيشون في المخيمات" تردف رئيسة الصحة العامة بجامعة إدنبرة.

وتابعت: "إن الاتفاق على فترة توقّف القصف مدة تسع ساعات في اليوم، وعلى مدى أيام كان أمرا جيدا، وذلك للسماح بتطعيم الأطفال وكجزء من حملة صحية طارئة للأمم المتحدة". مبرزة أن أول هذه الفترات التي استمرت ثلاثة أيام، انتهت يوم الثلاثاء الماضي، وسوف تستمر الفترة التالية حتى نهاية الأسبوع. 

واستطردت بأن "إسرائيل هاجمت المستشفيات والمدارس وشاحنات المساعدات وموظفي الأمم المتحدة في الماضي. ولم تعد وكالات الأمم المتحدة مثل برنامج الغذاء العالمي ترسل موظفيها إلى غزة، بعد أن فتحت القوات الإسرائيلية النار على شاحنة تحمل علامة برنامج الغذاء العالمي، حتى بعد حصول المركبة على الموافقة من الجيش الإسرائيلي".

وتقول سريدار إنّه "من السهل جدا الاتفاق على فترة توقف على الورق وسوف يكون الاختبار الحقيقي هو ما إذا كان سيتم احترامها في الواقع"، مضيفة أن "اكتشاف شلل الأطفال في غزة هو تذكير لنا بأن تقدير الثمن الإنساني  للحرب هناك بات صعبا على نحو متزايد".

واسترسلت بالقول: "نحن لا نملك فكرة عن مدى انتشار الأمراض والمجاعة أو ما يسمى بالوفيات غير المباشرة. ونجهل تماما العدد الإجمالي للوفيات، وعادة ما يتم جمع البيانات من المستشفيات والمشارح التي تقدم شهادات عن  كل حالة وفاة وتبلغ عنها وزارة الصحة؛ ولكن أنظمة التسجيل المدني هذه انهارت في غزة، وهذا يعني عدم وجود بيانات دقيقة عن عدد الوفيات".


وأشار المقال، إلى أن  وزارة الصحة في غزة، كانت تُحاول جمع الأرقام باستخدام التقارير الإعلامية. مبرزا أن التقديرات هناك، هي أكثر من عشرة آلاف جثة مدفونة تحت الأنقاض، أي أنه لا يمكن إحصاؤها، إضافة للعدد المتزايد من الجثث التي لا يمكن التعرف عليها. 

وتقول الباحثة العلمية، إن "وجود طريقة مقبولة وموثوقة للحصول على تقديرات عن العدد الحقيقي للموتى وعن بعد أمر مهم. وعلى مدى عدة عقود، تم تطوير أساليب لبناء مجموعات البيانات في الحالات التي تعاني من ضعف أو تتعرض فيها أنظمة الرقابة والصحة للضرر".

وبحسب المتحدثة نفسها، فإن دراسة "العبء العالمي للمرض"، التي موّلتها مؤسسة بيل وميليندا غيتس تعدّ "المعيار الذهبي هنا؛ والهدف هو التوصل إلى عملية لتقدير الوفيات، ثم التثليث عبر مجموعات البحث والأساليب المختلفة لمعرفة ما إذا كان من الممكن الاتفاق على رقم قوي ومقبول عالميا. وهي عملية تقوم على المراجعة بين الباحثين الأقران والتشاور بين العلماء". 

وقد نشرت المجلة الطبية "لانسيت"، في الفترة الأخيرة، تقديرا للوفيات في غزة، وقام بها عدد من الباحثين، الذي قدموا صورة عن الطريقة  التي توصلوا فيها إلى تقديرهم 186,000 وفاة. وذلك من خلال المقارنة مع الحروب المماثلة والأرقام النهائية. 

وتوصل الباحثون إلى أن الرقم المقدر بحلول حزيران/ يونيو 2024 يمثّل نسبة 7.9 في المئة من سكان غزة. ولو استمر معدل القتل على هذا المستوى اليومي أي 23,000 شخصا في الشهر، فستكون هناك 149.500 حالة إضافية بنهاية العام الحالي، أي بعد حوالي ستة أشهر ونصف من التقدير الأولي في منتصف حزيران/ يونيو. 

إلى ذلك، يبرز المقال، إلى أنه باستخدام هذه الطريقة، سيتم تقدير إجمالي الوفيات منذ بدء الحرب بحوالي 335,500 حالة وفاة في المجموع. فيما تقول الكاتبة إنها "قامت وبطريقة مماثلة بحسبة تقريبية في الشتاء الماضي، ومن خلال النظر في حالات الصراع الأخرى وتقييم عدد القتلى الذين قد يسقطون إذا استمر القتال دون تدخل دولي".

وفي كانون الأول/ ديسمبر  2023، كان تقديرها، هو: حوالي نصف مليون قتيل دون وقف إطلاق النار. وهذا يتماشى تقريبا مع تقديرات مجلة "لانسيت". موضّحة ما كان يمكن أن يحدث لو لم يتحرك المجتمع الدولي، ولم يستغل الفرص المتاحة لتقديم المساعدات والرعاية الطبية.

وقالت: "تم إنقاذ العديد من الناس من خلال هذه التوقّفات المختلفة، في القتال والتدخلات الإنسانية، حتى لو تم فرضها بشكل متقطع"، مردفة: "من السهل  أن نضيع في هذه الأرقام، وننسى الاسم والوجه وراء كل منها. ورغم أن الوضع في غزة قد يبدو ميؤوسا منه، إلا أنه ليس كذلك".


وتابعت: "محاولات الأمم المتحدة للوصول إلى القطاع، مثل تلك التي أدّت إلى توقف إنساني للتطعيم ضد شلل الأطفال، تُنقذ الأرواح وتحدث فرقا لمئات الآلاف من الأسر، حتى في ظل الرعب المروع الذي تسببه الحرب".

واختتمت بالقول: "هذا ليس جدالا أو نقاشا سياسيا، بل يعني أن تعاون العلماء لإثبات الحقائق والبيانات الموثوقة، أمر مهم جدا من أجل توثيق ما يحدث في الحرب بقطاع غزة، وسوف يساعد أولئك الذين يعملون من أجل إيجاد حلول على حماية حياة الإنسان والحفاظ على صحته".

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تغلق المعابر الحدودية مع الأردن.. وتضيق على الفلسطينيين بالضفة الغربية
  • صحيفة الغارديان: أستراليا صاحبة أكبر نسبة خاسرين في العالم
  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل السبب الرئيسي للأزمات التي تشهدها المنطقة (فيديو)
  • إسرائيل تعيد تشغيل معبر اللنبي لعودة المسافرين الفلسطينيين العالقين بداخلة للضفة الغربية بعد إغلاقة لساعات
  • ترويض الموت في مرايا الحياة
  • "التضامن الدولية": "إسرائيل" تستهدف النشطاء لعزل الفلسطينيين
  • إسرائيل تطبق سياسة الحرب الشاملة.. وتحاول تهجير الفلسطينيين
  • التاريخ اليهودي وسياسية إسرائيل.. هذه الدورات التي تلقاها يحيى السنوار
  • «العكلوك»: مصر أوقفت خطة إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة
  • الغارديان: هل يمكن للعلماء تحديد العدد الحقيقي لضحايا غزة؟