لبنان ٢٤:
2025-02-02@09:20:12 GMT

أين سوريا من العاصفة اللبنانية؟ محللون يشرحون!

تاريخ النشر: 30th, July 2024 GMT

أين سوريا من العاصفة اللبنانية؟ محللون يشرحون!

رغم اختلاف موقف سوريا من حركة "حماس" عن ذاك الذي يقف عنده بخصوص العلاقة مع "حزب الله" والحليف المشترك المتمثل بإيران، يستبعد مراقبون وخبراء أن تغيّر دمشق الاستراتيجية التي تتبعها منذ السابع من تشرين الأول الماضي، في حال تدحرجت كرة النار على نحو أكبر في جنوب لبنان.

وتتجه الأنظار في الوقت الحالي إلى طبيعة "الرد" الذي ستنفذه إسرائيل ضد "حزب الله" بعدما اتهمته بالوقوف وراء هجوم مجدل شمس في الجولان، مما أسفر عن مقتل 12 طفلا وفتى.



وبينما تخيّم لغة التهديد و"الإيذاء" من جانب المسؤولين الإسرائيليين تثار تساؤلات عن ماهية السلوك الذي سيتخذه الرئيس السوري بشار الأسد، وسيناريوهات تطويره أو الالتزام به كما كان سائدا على مدى الأشهر الماضية من الحرب في غزة.

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، في تشرين الأول الماضي، اقتصرت الرواية السورية على التنديد والتأكيد على المواقف، بعيدا عن التهديد أو حتى التلويح بفتح جبهات "الساحة السورية"، ضمن إطار ما يعرف منذ سنوات بـ"وحدة ساحات المقاومة".

وبعد ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق، والرد الإيراني، لم يطرأ أي تغير على سلوكه الروتيني، القائم على التنديد ومخاطبة مؤسسات الأمم المتحدة.

ويعتبر هجوم مجدل شمس، الذي تنصل "حزب الله" من المسؤولية عنه، أحدث محطات التصعيد المرتبطة بحرب غزة، ويشكّل نقطة "مفصلية" في المواجهة "عن بعد" التي خاضتها إسرائيل و"حزب الله"، على مدى أشهر مضت.

وفي حين أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً دانت فيه ما وصفته بـ"الجريمة البشعة" في مجدل شمس، ومحاولات التصعيد وتوسيع "دائرة العدوان"، لم تشر إلى نيتها اتخاذ خطوات أخرى، سواء على الأرض، أو بأروقة المؤسسات الأممية.

واعتبر المحلل العسكري اللبناني، العميد المتقاعد خالد حمادة أن بيان الخارجية من دمشق كان "سياسيا"، لكي يعبّر النظام السوري عن موقفه من الصراع الدائر.

وقال حمادة لموقع "الحرة" إن البيان أيضا "نوع من الاصطفاف السياسي"، وأضاف: "إن محاولة وضع المعتدي أمام المجتمع الدولي كان واجبا روتينيا ولم تقم به الحكومة السورية، ولم تتصرف أيضا بما تمليه أبسط قواعد المسؤولية الوطنية".

"بين حليفين ونظرتين"   وتتلقى سوريا دعماً من إيران، كما أن لها حليف قديم وبارز لـ"حزب الله" في لبنان، الذي انخرط معه بالمواجهة العسكرية على الأرض ضد فصائل المعارضة بعد عام 2011.

وفي المقابل، تحظى سوريا بدعمٍ من روسيا، الدولة البعيدة التي لم تتخذ الكثير من المواقف العلنية بشأن الأحداث والتطورات المتعلقة بالحرب في غزة، قياسا بنظيراتها في الغرب.

وقبل هجوم مجدل شمس بيومين وصل الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، وبعد لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قال الأخير إنه "ولسوء الحظ تميل الأمور إلى التفاقم في المنطقة، وهذا ينطبق أيضا على سوريا بشكل مباشر".

وأثناء تطرق بوتين إلى "العلاقات التجارية والاقتصادية والاتجاهات الواعدة في هذا الشأن" حملت كلماته التي نقلها الكرملين مؤشرا على محاولة تقودها موسكو لإبعاد سوريا عن النار المندلعة، وبهدف دفعها إلى الاستقرار.

لكن قبل اللقاء الذي جمع الأسد وبوتين بشهرين فقط، ذهب الأسد إلى طهران، وبعدما قدم التعازي بمصرع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي تلقى رسائل تذكير من المرشد الإيراني، علي خامنئي.

ومضت تلك الرسائل باتجاه التأكيد على "سوريا كدولة مقاومة" والحفاظ على "هويتها"، مع تبيان محاولات إخراجها من "المعادلات الإقليمية" بوعود "لن يوفوا بها أبدا".

ومع أن نظرة إيران في سوريا تختلف عن روسيا بالنظر إلى ما قاله بوتين للأسد، وما ذكّر به خامنئي، لا يرى الخبير في الشؤون السورية بمؤسسة القرن، آرون لوند، المشهد عبارة عن "صراع"، بل أقرب إلى "تباعد المصالح نوعا ما".

وفي حديثٍ عبر موقع "الحرة"، يقول لوند: "لا طهران ولا موسكو تريدان صراعاً كبيراً مع إسرائيل، وإن كانا قد يختلفان في مدى استعدادهما للذهاب في دفع سوريا إلى البقاء متورطة، إذا اندلع مثل هذا الصراع على أي حال".

وبمعنى آخر، يضيف الباحث، أن "موسكو وطهران مهتمتان ببقاء الأسد، لكنهما قد تختلفان في مقدار المخاطر التي قد تكونان على استعداد لتحملها عندما تدخل مصالح أخرى في الاعتبار".

ماذا عن "حزب الله"؟   وكان "حزب الله" انخرط في الأعمال العسكرية الداعمة لسوريا بعد عام 2011، ونشر منذ تلك الفترة مسلحين وقياديين كبار، استشهد بارزون منهم بضربات إسرائيلية متفرقة، بعد حرب غزة وقبلها.

وقبل محطة 2011 كان أكثر ما ميّز النظام في دمشق و"حزب الله" في لبنان الدعم وجبهة الإسناد بالسلاح والصواريخ، التي قدمها الأول له عندما اندلعت حربه مع إسرائيل في 2006.

ورغم أن الظروف تختلف في الوقت الحالي، على صعيد الشرارة الأولى التي أدخلت "حزب الله" إلى المواجهة مع إسرائيل إلا أن النظرة باتجاه موقف دمشق تبدو أساسية، بحسب من تحدث إليهم موقع "الحرة".

وبالنسبة لإيران، فإن بقاء "حزب الله" ونجاحه أمر بالغ الأهمية، ولكن روسيا سوف ترغب في المقام الأول في تجنب الانجرار مباشرة إلى صراع، بحسب الباحث لوند.

ولكن في نهاية المطاف، لا يعتقد لوند أن الأسد "يخضع لسيطرة أي من الطرفين"، في إشارة إلى الروس والإيرانيين.

مع هذا، فقد لا يكون الأسد قادراً على التحكم فيما يفعله حلفاؤه على الأراضي السورية وفي المجال الجوي السوري في حالة الأزمة الكبرى، و"لكنه قادر على التحكم في نظامه، ومصلحته الأساسية الآن هي ضمان بقائه"، وفقا للخبير في الشؤون السورية بمؤسسة القرن.

ويرى الخبير العسكري، العميد المتقاعد حمادة، أن النظام في دمشق سيواصل اتباع سلوك "الانكفاء"، مشيراً إلى أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل خيّمت على التطورات التي جرت على حدود إسرائيل وفي غزة، منذ السابع من تشرين الأول الماضي.  ومنذ اندلاع الحرب في غزة، يقول حمادة إن سوريا "تتصرف وكأنها ليس جزءا من الصراع ولا تنتمي للعالم، وهو ما كان ملفتا للنظر".

ولا يعتقد الخبير العسكري الآن أن "يكون النظام السوري موجوداً على الساحة أو يتخذ أي دور"، ويضيف: "النظام ربما يعتقد أن الالتزام بالسياسة الحالية بشكل ساكن هي أحد عوامل بقائه وعدم إسقاطه".

ويعتقد أيضا أن "الاستراتيجية السورية ترتكز على ما يمكن أن يزيد من أوراق النظام ويساهم في ثباته وليس باتجاه معالجة سوريا كوطن مستباح لقوى إقليمية ودولية".

"بيضة قبان"   وكانت سوريا تعرضت لعدة هجمات نسبت لإسرائيل خلال الأشهر الماضية، أسفرت عن مقتل قادة كبار في "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله".

ووصل التصعيد في الأول من نيسان 2024 إلى حد قصف القنصلية الإيرانية وسط العاصمة دمشق، مما دفع طهران إلى تنفيذ "رد" عابر للحدود، قالت إسرائيل إنها تصدت له.

ولم يتعاط النظام السوري مع تلك التطورات بمحمل الجد، ومن منطق الدولة التي تتعرض لـ"عدوان".

وبينما اكتفى ببيانات الإدانة والاستنكار، كانت وسائل إعلام مقربة منه وحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تنشر صوراً للأسد وعائلته في شوارع العاصمة، كأن شيئا لا يحدث في محيطه.

ومن وجهة نظر من دمشق، لا يعتقد الكاتب والصحفي، عبد الحميد توفيق أن "الموقف السوري سيخرج عن الاستراتيجية المتبعة في إدارة الملفات والأزمات"، في رده على الموقف الذي سيتخذه النظام إزاء احتمالية التصعيد الكبير بين إسرائيل و"حزب الله".

ويعتبر في حديثه لموقع "الحرة" أن "سوريا في قلب العاصفة"، ولا يمكن لها "إلا أن تكون في ذلك، وهي تدفع ثمن تموضعها في محور (المقاومة)".

و"فيما لو حدث عدوان إسرائيلي على لبنان تحت ذريعة ضرب حزب الله"، على حد وصف الكاتب المقيم في دمشق "لن يكون انخراط سوريا بالمعنى الميداني، كما لن تكون جزءا في مواجهة العدو الإسرائيلي".

لكنه يوضح في المقابل أن "الأمور ستبقى مقتصرة على الدعم الإسنادي وبالطرق التي اعتادتها سوريا في إسناد حزب الله وبقية فصائل المقاومة". (الحرة)

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله مجدل شمس فی دمشق فی غزة

إقرأ أيضاً:

العلاقات الروسية السورية.. أبعاد تاريخية واستراتيجية لسورية الموحدة

يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025

رامي الشاعر

أفضت المحادثات الروسية السورية -الثلاثاء الماضي-  والتي تمخضت عن زيارة وفد روسي رفيع المستوى إلى دمشق برئاسة الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى مباحثات إيجابية وبناءة، تركزت على أبعاد العلاقة التاريخية والاستراتيجية بين البلدين وخصوصاً فيما يتعلق باستقلال، وسيادة، ووحدة أراضي الجمهورية  العربية السورية.

بالإشارة إلى اللقاء الذي استغرق أكثر من ثلاث ساعات تخلله غداء عمل ضم الوفد الروسي وممثلين عن الحكومة السورية، وممثلين عن مختلف المؤسسات الحكومية الروسية، فقد عكست الزيارة محددات أبعد مما يقال بأن السياسة رمال متحركة، أو مصالح متبادلة، أو خلافات بين حكومتين، بقدر ما جاء اللقاء نابعاً من تاريخية العلاقة بين البلدين وطابعها متعدد الجوانب، والمرتبط ارتباطاً بنيوياً بالثقافة التاريخية والمترسخة في ضمير السوريين، وتطلعاتهم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا.

الزيارة ذاتها، جاءت لتضع النقاط على الحروف، مصححةً الكثير من الخطابات الشعبوية والإعلامية المسيسة التي استهدفت الدور الروسي في سورية، فوضعته في خانة الدفاع عن شخص أو نظام فاسد مستبد، كفرضية لا يمكن لدولة عظمى مثل روسيا أن تضعها في اعتباراتها ومصالحها كحسابات قاصرة وضيقة، بقدر ما جاءت في سياق اتفاقيات وقرارات دولية في مقدمتها القرار 2254 الذي توافقت علية جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وبرعاية دولية وإقليمية، حيث جلس ممثلو الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا والجامعة العربية، الذين أخذوا على عاتقهم ضرورة البدء بتنفيذ القرار كمرجعية أممية، بدءاً من الإجراءات التنفيذية لوقف إطلاق النار، التي تمخض عنها فيما بعد عمليات خفض التصعيد. كما ألزم القرار الأممي جميع الدول في محاربة الجماعات المصنفة إرهابياً استناداً للقرار ذاته، وعلى هذا الأساس القانوني كان التدخل الروسي في سورية في العام 2015، وبعد أن أوشكت دمشق على الدخول في حرب أهلية كان المستفيد الوحيد منها هو تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يشكل حينذاك القوة الأقوى عسكرياً على الأرض.

لقد طالب النظام البائد مراراً من روسيا الحسم العسكري في إدلب، وفي كل مرة كانت القيادة الروسية ترى في ذلك تجاهلاً لمصير أكثر من أربعة مليون سوري بينهم نازحين من كل المحافظات. الحال ذاته، عندما طلبت القيادة الروسية من رئيس النظام السوري البائد الجلوس مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للبدء بإجراءات التسوية والانتقال السلمي للسلطة، إلا أنه وفي كل مرة كان يماطل ويطالب بالتسليم غير المشروط لإدلب، وهو ما رأت فيه القيادة الروسية ضرباً من المستحيل، وتجاهلاً للكثير من الهواجس والتحديات الاجتماعية والأمنية لسكان المنطقة الذين يشكلون في غالبيتهم العظمى أشخاصا مطلوبين للنظام.

لم يكن القرار الروسي برحيل الأسد، والطلب من وزارة الدفاع السورية بعدم المقاومة مجرد قرار روسي تم اتخاذه في الساعات الأخيرة وحسب، بقدر ما جاء في سياق متصل، يعود لمراحل ما قبل عملية “ردع العدوان” التي كان مخططاً لها أن تكون حصاراً لحلب لمدة لا تقل عن ستة أشهر.

وفي سياق جاء بين أخذٍ ورد، وصبرٍ وتمهل، سببه التخوف من انفراط عقد الدولة السورية ومؤسساتها، ودخولها في حرب أهلية بين فصائل المعارضة المسلحة والجيش السوري، أدركت روسيا بأن السوريون جاهزون لأي تغيير ما بعد الأسد، وأن الأخير مازال متعنتاً ورافضاً لأية عملية سياسية تفضي لانتقال سلمي للسلطة. وأمام هكذا مواقف اتخذت القيادة الروسية قرارها، فكان ما كان في الثامن من ديسمبر/ كانون الثاني 2024.

في مراحل ما قبل سقوط الأسد، لم تسلم روسيا من اتهامها بفرضية قاصرة سياسياً مؤداها الدفاع عن شخص الأسد. الحال ذاته كان ما بعد سقوط النظام البائد، إذ لم تسلم روسيا أيضاً من اتهامات بعض السوريين، بأن روسيا “سلمت سورية للإرهابيين” حسب زعمهم، و أنّ من جاؤوا إلى السلطة ليسوا على مستوى الكفاءة، متناسين -على أقل تقدير- أن هؤلاء مثلهم مثل أي سوري يناضل لإسقاط الأسد، وأنهم علاوة على ذلك، أفضل بكثير من أداء النظام وأداء باقي مكونات المعارضة في مناطقهم، الذي يوجهون اليوم سهام النقد على السلطة الجديدة، تبريراً لفشلهم، ولمجرد أنهم لم يكن لهم دور في سقوط النظام، بل عدم حصولهم على مناصب في الإدارة الجديدة هذا من جهة، كما انكشافهم وفشلهم في إدارة مناطقهم التي لم تختلف عن مناطق النظام من حيث الفساد والمحسوبيات والصراع على المال والسلطة، وتهميش الكوادر الوطنية، وتجهيل المواطنين وابتزازهم، ولهذا يحجمون عن الاعتراف بأن من دخلوا دمشق هم مناضلون كافحوا من أجل الخلاص من الاستبداد، وتمكنوا من ذلك، فقط لأنهم نجحوا في حوكمة المناطق التي يسيطرون عليها، بالرغم من العقوبات والعزلة المفروضة عليهم، في الوقت الذي فشلت فيه باقي مناطق النفوذ سواء تلك المدعومة من قوى دولية وإقليمية، أو تلك الهيئات السياسية المعارضة التي اعترفت بها غالبية دول العالم.

لنعترف؛ لقد شهدت إدلب خلال حكومة الإنقاذ ما يؤهلها لأن تكون وريثةً، وجسراً لعبور سورية التي خرج من أجلها السوريون مطالبين بالحرية والكرامة، حيث نجحت تجربة حكومة الإنقاذ بتقديم الخدمات للمواطنين، وأسست لنظام صحي وخدمي وتعليمي، وانتشرت الجامعات والمدارس، كما شهدت نوعاً من الحريات العامة وحرية التعبير، وقد شاهد السوريون المظاهرات السلمية في إدلب دون أن تجابه بالرصاص أو التنكيل، وهي الحالة التي لم نشهدها في مرحلة النظام، كما لم نشهدها في مناطق نفوذ المعارضات الأخرى، التي كانت تجابه المحتجين بالرصاص أو التخوين.

 

لقد قدمت حكومة الإنقاذ في إدلب نموذجاً مصغراً لدولة بخدماتها للمواطنين، وبتوزيعها للمؤسسات الحكومية بين مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية، في الوقت الذي كانت تعاني فيه باقي مناطق النفوذ من حالة سلطوية عسكرية وأمنية، ترافق ذلك مع فقدان للخدمات وغياب للمدارس والتعليم، فتفشت الأمية والفقر والأتاوات والسرقات، وغابت عمليات التنمية في مناطق تشكل خزاناً اقتصادياً في سورية.

هذه المقارنات وحدها كفيلة بأن تفرض حكومة الإنقاذ نفسها كبديل ونواة لحكومة انتقالية شاملة تبدأ بحوار سوري-سوري فعلي، يؤسس لجمعية تأسيسية تعمل على دستور جديد للبلاد. ولهذا يخطأ من يظن بأن الروس كانوا يجهلون هذه التجربة، أو أن الروس يدعمون إرهابيين على حد زعمهم، بقدر ما هو خيار روسي أخذ على عاتقة فكرة الدولة السورية ومؤسساتها، لا أشخاصها، أو مجموعاتها أو تياراتها، وهي الفكرة التي دافع عنها الروس من أجل سورية كشريك استراتيجي، سواء قبل النظام وبعده.

من هذه النقطة بالذات، جاء لقاء الوفد الروسي بالحكومة السورية الجديدة في دمشق، من أجل إعادة سورية كدولة طبيعية تعمل مع دولة عظمى كروسيا لإعادة تموضع سورية في مكانتها الإقليمية والدولية، كدولة موحدة ذات سيادة، ولهذا جاء تقييم الزيارة بأنها إيجابية.

لقد أخذ الطرفان على عاتقهم إنقاذ سورية من مشروع تقسيمها الذي يتربص بها، ولهذا ترى القيادة الروسية بأن من يتولون زمام المبادرة لإنقاذ سورية هم أشخاص لديهم الكفاءة والمسؤولية والوطنية والحرص على سورية وشعبها، وهي عوامل كفيلة لأن تكون نواة لنقل سورية إلى دولة يشارك في بنائها جميع أبنائها على أساس المواطنة المتساوية، بعد أن كانت رهينة بيد ضباط، ووزراء، وأعضاء مجلس شعب، همهم الوحيد الاغتناء على حساب تجويع الشعب السوري، وما على السوريين -دون غيرهم- إلا أن يتكاتفوا ويشاركوا مع سلطتهم الجديدة لعبور سورية إلى بر الأمان، فسورية بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى العامل الذاتي الذي يجمع السوريين، ويوحدهم، وذلك بالنأي بأنفسهم عن النزوع إلى السلطة، كثقافة رسخها النظام السابق.

لقد عكست الزيارة الارتباط الوثيق بعقيدة السوري المؤمن بوحدة كل شبر من ترابه، من المالكية في أقصى الشمال الشرقي في سورية إلى القنيطرة والجولان في أقصى الجنوب الغربي. كما تشير الزيارة مواقف روسيا النابعة من ارتباط  السوري بقضيته المركزية فلسطين، كقضية عربية وإسلامية مقدسة، تعد من أولويات السياسية الخارجية الروسية، ولا ينسى السوريون المواقف المبدية والثابتة للاتحاد السوفياتي، التي ورثتها روسيا كمدافعة عن هذه القضايا.

ختاماً؛ وبعيداً عن الإعلام الشعبوي وذبابه الالكتروني الذي مازال يضخ في عقول السوريين إشكاليات تشوش على العلاقات السورية الروسية؛ لا بد من القول، إن علاقة البلدين هي علاقات مبدئية استراتيجية، وهوية سياسية ثابتة لا تتبدل بتبدل الحكومات أو الرؤساء، بل ومرتبطة ارتباطاً تاريخياً بوثاق استراتيجي عصي على المخططات الغربية التي تضع على طاولتها اليوم موضوع تقسيم سورية، من بوابات وهمية كحماية الأقليات وحقوق المرأة وغيرها، في بلد -كسورية- قدم للإنسانية منذ آلاف السنين نماذج حضارية في العدالة الاجتماعية والمساواة والتسامح. فالسوريون قادرون على إعادة وجه سورية الحقيقي، كدولة قوية، سيدة، موحدة، وندّية في علاقاتها مع جميع دول العالم، ومن حسن حظ سورية اليوم، أنها طوت صفحة الاستبداد تزامناً مع تبلور نظام عالمي متعدد الأقطاب، وما عليها إلا أن تُحسن تموضعها في إطار ذلك .

مقالات مشابهة

  • حتى لا يكسر العدوان الإسرائيلي معنويات السوريين
  • اعتقال عاطف نجيب ابن خالة الأسد.. تسبب بانفجار الثورة السورية
  • غارات إسرائيلية تستهدف الحدود اللبنانية السورية
  • كيف تعاملت مخابرات الأسد مع انهيار النظام السريع؟.. وثائق تكشف تفاصيل مثيرة
  • للمرة الأولى بعد انتصار الثورة وسقوط النظام… الفرقة السيمفونية السورية تعزف لشهداء سوريا ولمجدها
  • العلاقات الروسية السورية.. أبعاد تاريخية واستراتيجية لسورية الموحدة
  • وثائق للمخابرات السورية توثّق انهيار النظام ومحاولات لإنقاذه.. هذا ما نعرفه
  • محللون: إعلان استشهاد الضيف يؤكد قوة حماس ولن يفيد إسرائيل إستراتيجيا
  • وزير الشؤون الخارجية القطري: نقف قلبا وقالبا مع عدالة القضية السورية
  • بالأسماء.. الفصائل المسلحة التي «حلّت نفسها» وشاركت بـ«مؤتمر النصر» في سوريا