قد ينقذنا الذكاء الاصطناعي وقد يقتلنا بفيروس
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
إليكم صفقة مروعة إلى أقصى حد: بأقل من مائة ألف دولار، قد يتسنى استعمال الذكاء الاصطناعي في تخليق فيروس قادر على قتل ملايين البشر.
هذا ما يخلص إليه جيسون ماثني رئيس مؤسسة راند، وهي مركز بحثي معني بدراسة الشؤون الأمنية ومواضيع أخرى.
قال لي ماثني «إن التكلفة لن تزيد عن ذلك لتخليق مسبب مرضي قادر على قتل مئات الملايين من البشر في مقابل مسبب لمرض قادر على قتل مئات الآلاف من البشر».
وأشار إلى أنه في المقابل قد يتكلف إنتاج لقاح جديد أو مضاد للفيروس مليارات الدولارات.
قلت لماثني إنني كنت رئيس مكتب نيويورك تايمز في طوكيو حينما استعملت جماعة دينية تدعى آوم شينريكو أسلحة كيميائية وبيولوجية في هجمات إرهابية، منها هجمة في عام 1995 أسفرت عن مصرع ثلاثة عشر شخصا في محطة أنفاق بطوكيو. فقال ماثني إن «هؤلاء اليوم قادرون على إلحاق ضرر أكبر كثيرا».
أحظى منذ أمد بعيد بعضوية (مجموعة استراتيجية آسبن)، وهي منظمة من الحزبين تبحث في القضايا الأمنية العالمية، وقد ركز اجتماعنا السنوي الذي عقد هذا الشهر على الذكاء الاصطناعي. ولهذا السبب انضم إلينا ماثني وغيره من الخبراء، ثم أفزعونا.
في مطلع القرن الحالي، تخوف بعضنا من طرح الجدري بوصفه سلاحا بيولوجيا في حال سرقة الفيروس من معامل أطلنطا ومن منطقة نوفوسييبرسيك بروسيا التي تحتفظ بالفيروس منذ القضاء على المرض. ولكن في ظل البيولوجيا التركيبية، لم تعد سرقته اليوم أمرا لازما.
قبل بضع سنوات اخترع فريق بحثي شبيها بفيروس الجدري خلال ستة أشهر في مقابل مائة ألف دولار، وباستعمال الذكاء الاصطناعي سيكون أيسر وأرخص أن يتم صقل هذا الفيروس.
من أسباب قلة استعمال الأسلحة البيولوجية أنها قادرة على الارتداد. فلو أطلقت روسيا فيروسًا في أوكرانيا قد ينتشر في روسيا. لكن جنرالا صينيا متقاعدا أثار احتمال قيام حرب بيولوجية تستهدف سلالات أو أعراق معينة (وقد يكون ذلك بشكل غير كامل) من شأنها أن تجعل الأسلحة البيولوجية أكثر استعمالا. وقد يكون ممكنا تخليق فيروس قادر على أن يقتل أو يصيب بالشلل شخصا معينا، لعله رئيس مزعج أو سفير، إذا ما تيسر الحصول على حمضه النووي خلال عشاء أو حفل استقبال.
تحاط التقييمات لبحوث الاستهداف العرقي في الصين بالسرية، ولعل هذا هو السبب الذي جعل وزارة الدفاع الأمريكية تقول إن أهم أخطار الحرب البيولوجية بعيدة المدى تأتي من الصين.
والحق أن للذكاء الاصطناعي جانبه المشرق بطبيعة الحال. فهو يعد بتحسين التعليم، وتقليل الحوادث المرورية، ومعالجة السرطانات، وتخليق أدوية جديدة إعجازية.
ومن أفضل فوائده طي البروتين، الذي قد يفضي إلى تطورات ثورية في الرعاية الطبية. فقد كان العلماء يقضون سنين أو عقودا في معرفة أشكال البروتينات الفردية، ثم طرحت شركة جوجل مبادرة تدعى «آبل فولد» قادرة على التنبؤ بالأشكال في غضون دقائق. فـ«هي بمنزلة خرائط جوجل للبيولوجيا» كما قال لي كينت ووكر، رئيس الشؤون العالمية في جوجل.
ويستعمل العلماء منذ ذلك الحين نسخا محدثة من «ألفا فولد» للعمل على أدوية تحوي لقاحا مضادا للملاريا، وهي من أبشع قتلة البشر على مدار التاريخ.
ولذلك ليس معروفا هل سينقذنا الذكاء الاصطناعي أم أنه سيقتلنا أولا.
لقد استكشف العلماء لسنين كيف يمكن أن يسيطر الذكاء الاصطناعي على الحرب، بطائرات أو روبوتات ذاتية القيادة مصممة للعثور على الأهداف والقضاء عليها فورا. فقد تصبح الحروب عبارة عن روبوتات تقاتل روبوتات.
ولن تكون للروبوتات القاتلة قلوب بالمعنى الحرفي، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن تكون عديمة الرحمة. فهي لن تغتصب، وقد تكون أقل عرضة من الجنود البشريين للغضب الذي يفضي إلى مجازر أو إلى تعذيب.
ومن الشكوك الكبيرة المحيطة بالذكاء الاصطناعي ما يتعلق بمدى وتوقيت فقدان الوظائف -لسائقي الشاحنات، والمحامين، وقد يشمل الأمر المبرمجين- الذي قد يؤدي إلى تضخيم الاضطرابات الاجتماعية. ولقد غفل المسؤولون الأمريكيون قبل جيل عن تكلفة التبادل التجاري مع الصين التي تتكبدها وظائف المصانع فأدى ذلك في ظاهر الأمر إلى ازدياد الموت يأسا وصعود الشعبوية اليمينية. فقد نحسن صنعا بإدارة الاضطرابات الاقتصادية من جراء الذكاء الاصطناعي.
من أسباب حذري الشخصي من الذكاء الاصطناعي أنني وإن كنت أرى وعوده، فإن السنوات العشرين الماضية تذكرة بقدرة التكنولوجيا على القمع. لقد كانت الهواتف الذكية مبهرة -وأعتذر لك لو أنك تقرأ هذه السطور عبر شاشة هاتفك- لكن ثمة أدلة تربطها بتدهور الصحة العقلية للشباب. فقد انتهت تجربة عشوائية محكومة نشرت هذا الشهر إلى أن الأطفال الذين تخلوا عن هواتفهم الذكية ينعمون بقدر أكبر من السلامة.
وقد استفاد الطغاة من التكنولوجيات الجديدة. فقد ظن ليو شياوبو، المنشق الصيني الذي حصل على جائزة نوبل للسلام، أن «الإنترنت هدية الله للشعب الصيني». ولكن الأمور لم تسر على هذا النحو: فمات ليو سجينا في الصين، واستخدمت الصين الذكاء الاصطناعي لتكثيف المراقبة وتشديد الخناق على المواطنين.
وقد يسهّل الذكاء الاصطناعي أيضا التلاعب بالناس، بطرق تذكرنا بأورويل. فقد انتهت دراسة صدرت هذا العام إلى أنه عندما توافرت لـ«تشات جي بي تي 4» معلومات أساسية عن الأشخاص الذين تعامل معهم، كان احتمال إقناعه الشخص أعلى بنسبة 80% من الإنسان إذا توافرت له البيانات نفسها. ولذلك فقد كان الكونجرس محقا في القلق من التلاعب بالرأي العام من خلال خوارزمية تيك توك.
كل هذا يؤكد أهمية أن تحافظ الولايات المتحدة على ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي. وبالقدر نفسه يجب أن نكون حريصين على وضع أقدامنا على دواسة الوقود، فهذه ليست المنافسة التي يقبل فيها أن نكون وصيفا للصين.
ويأتي الرئيس بايدن على رأس هذا الجهد، والقيود التي فرضها على وصول الصين إلى أكثر شرائح الكمبيوتر تقدما ستساعد في الحفاظ على تقدمنا. وقد جندت إدارة بايدن أشخاصا من الدرجة الأولى من القطاع الخاص للتفكير في هذه الأمور وأصدرت أمرا تنفيذيا مهما العام الماضي بشأن سلامة الذكاء الاصطناعي، ولكننا سوف نحتاج أيضا إلى وضع أنظمة جديدة في السنوات المقبلة لتحسين الحوكمة.
لقد كتبت عن الصور ومقاطع الفيديو العارية المزيفة التي تم إنشاؤها عن طريق الذكاء الاصطناعي، وعن عدم الإحساس بالمسؤولية لدى كل من شركات التزييف العميق ومحركات البحث الرئيسية التي تدفع إلى مواقع التزييف العميق. وقد استخدمت شركات التكنولوجيا بشكل دوري الحصانات لتجنب المساءلة عن الترويج للاستغلال الجنسي للأطفال. ولا شيء من هذا يبعث على الثقة في قدرات هذه الشركات على الحكم الذاتي بشكل مسؤول.
قالت سوزان رايس، التي كانت مستشارة الأمن القومي للرئيس باراك أوباما: «لم نواجه قط ظرفا تكون فيه التكنولوجيا الأكثر خطورة والأكثر تأثيرا بالكامل لدى القطاع الخاص. لا يمكن أن تقرر شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون مصير أمننا القومي وربما مصير العالم دونما قيود».
من جانبي أعتقد أن هذا صحيح. فإدارة الذكاء الاصطناعي دون كبته ستكون من أعظم التحديات التي نواجهها مع تبنينا ما قد يكون أكثر التقنيات ثورية منذ أن جلب لنا بروميثيوس النار.
نيكولاس كريستوف كاتب عمود رأي في جريدة نيويورك تايمز نشر مذكراته حديثا بعنوان «مطاردة الأمل.. حياة مراسل».
خدمة نيويورك تايم
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی قادر على
إقرأ أيضاً:
راغب علامة آخرهم..نجوم وقعوا ضحايا الذكاء الاصطناعي
أثار تسجيل "مفبرك" منسوب إلى اللبناني راغب علامة والفنان الإماراتي عبدالله بالخير، الجدل على منصات التواصل الاجتماعين بسبب ما قيل إنه مساس بحسن نصرالله.
وسارع علامة وبالخير لنفي ما ورد في التسجيل، مؤكدين تزييف صوتهما عبر وسائل تقنية إلا أن النفي وحده لم يكن كافياً مقابل حملة شرسة شنها أنصار حزب الله ضد النجم اللبناني، مع توجيه تهديده إذا سافر إلى بيروت، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل امتد لتحطيم وتكسير وحرق مدرسة لعلامة في لبنان.تُسلط هذه الواقعة الضوء على "تزييف" أصوات وصور الفنانين والمشاهير واستخدامها في الاحتيال أو شحن الرأي العام في اتجاهات سياسية أو دينية.
في هذا السياق، لم يكن علامة وبالخير، أول فريسة هذه الطرق الاحتيالية، فقد تعرض كثيرون لذلك وهو ما يرصده 24.
نشر توم هانكس، عبر إنستغرام، صورة مزيفة مأخوذة من فيديو بواسطة الذكاء الاصطناعي، يُستخدم في إعلان خادع للترويج لعلاج الأسنان، لافتاً إلى تزييف شكله وتوظيفه دون موافقته.
A post shared by Tom Hanks (@tomhanks)
تايلور سويفتوفي يناير (كانون الثاني) الماضي، انتشرت صور إباحية مزيفة للمغنية تايلور سويفت عبر الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.
وأثارت الواقعة الجدل، ما دفع مُحبي سويفت، إلى شن هجوم كبير على إكس، لسماحها بانتشار الصور دون التصدي لها، حيث اطلقوا وسماً حمل اسم "#ProtectTaylorSwift"، للدفاع عنها.
بدورها، أصدرت نقابة ممثلي الشاشة، وفق موقع "Cbs news"، بيانا عن القضية، وصفت في صور سويفت بـ "مزعجة ومضرة ومثيرة للقلق العميق".
سكارليت جوهانسونواجهت الممثلة والمغنية الأمريكية سكارليت جوهانسون، تحديات التزييف العميق بعد توظيف وجهها في أفلام مُخالفة.
ورغم العقبات القانونية والاعتداءات، أعربت الممثلة عن صعوبة اتخاذ إجراءات ضد هذه الفيديوهات التي تصنع بالذكاء الاصطناعي.
ضحايا آخرينواجه مشاهير ونجوم آخرين أمثال، الهندية راشميكا ماندانا، والبريطانية كاترينا كايف، وروبرت باتينسون، ومورغان فريمان، وجيمي دونالدسون، وكريستين بيل، نفس المشكلة مع التزييف العميق وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وحسب نتائج دراسة نشرتها "الغارديان" البريطانية في 21 مارس (آذار) الماضي، وقع 250 من المشاهير والنجوم ضحايا للمواد الإباحية المزيفة، حيث أظهر تحليل للقناة الرابعة لأكثر خمسة مواقع ويب مزيفة زيارة، أن هناك ما يقرب من 4000 شخصية مشهورة مدرجة في القائمة، بينهم 255 بريطانيا.