لا يزال المشهد عالقا في ذهني عندما سافرت برفقة والدي لأول مرة إلى محافظة ظفار، حينها كنت في الخامسة من العمر متشوّقا لزيارة المحافظة التي نشاهد مناظرها الخلابة فقط في التلفزيون خلال موسم الخريف. تلك اللحظات تميّزت بشغف السفر وباكتشاف موقع سياحي جديد في سلطنة عُمان، تزامنت هذه الزيارة مع بدء الإجازة الصيفية وتخطيط غالبية الأسر للتنزه في ربوع عُمان التي شهدت تطورا ملحوظا في معظم مواقعها السياحية وتحديثا للبنى الأساسية وتوفير الخدمات، التي ينشدها السياح من مقار للسكن وأنشطة ترفيهية وفعاليات متنوعة، إضافة إلى تنوّع أصناف الوجبات التي يقدمها الباعة الجائلين في المواقع السياحية.
محافظة ظفار بجميع ولاياتها تمثّل هاجسا وجدانيا للسياح بدءًا من ولاية ثمريت التي يتوقّف عندها غالبيتهم للتزوّد بالوقود والتهيؤ لارتياد طريق الجبل -المعروف باسم الخط الأخضر؛ لاكتسائه بالأشجار الخضراء- حيث يتميّز بنسمات الأجواء الباردة مع زخات المطر. وولاية ثمريت رغم بعدها عن تأثيرات السحب الماطرة وارتفاع درجات الحرارة؛ إلا أنها تحتضن في مناطقها مزارع بمساحات شاسعة، أصبحت محط أنظار المستثمرين من مختلف محافظات وولايات سلطنة عُمان، وهي إحدى المناطق الواعدة لتعزيز برامج الأمن الغذائي؛ لعدم اكتظاظها بالسكان ولملاءمة طقسها لكثير من المزروعات التي تنمو في البيئة الصحراوية، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من مساحتها في توظيف الطاقة الشمسية لتوفير بعض الخدمات وغيرها من الفرص الثمينة التي يمكن استكشافها في الولاية واستثمارها مستقبلا بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة أو المهتمين ببعض الصناعات الإبداعية والابتكارية. ومن الجيد التفكير أيضا في إمكانية الاستفادة من المساحات الشاسعة في ولاية ثمريت لإنشاء مجمعات سكنية بمرافق وخدمات متكاملة للسياح؛ لتسهم في معالجة الازدحام الحاصل في ولاية صلالة، ولإنعاش الولاية اقتصاديا بحيث يقضي السياح وقت النهار في المواقع السياحية وفي الليل يعودون إلى ثمريت للمبيت.فعند رؤية السحب الركامية باللون الرمادي وهي تغطي جبل الخط الأخضر ويبدأ الرذاذ يتساقط على الزجاج الأمامي للمركبة ونوافذها يتحول تعب مشقة الطريق الطويل إلى شغف بالوصول إلى قلب المحافظة للاستمتاع بأجواء الخريف الباردة والانتقال من مرحلة تأثيرات الحر في مسقط رأس السائح إلى مرحلة البرد اللطيف بزخات المطر الهادئة التي تزيد اكتساء المسطحات المرتفعة والمنخفضة والجبال والسهول في بهاء وجمال المكان خاصة في طريق الجبل الأخضر، الذي يشهد حركة سياحية نشطة طيلة المرسم في مناطق طيطام وغدو وغيرها من البلدات الرائعة والجميلة ذات الأجواء المعتدلة، والأجمل من ذلك قيام بعض السياح بممارسة بعض الرقصات الشعبية وترديد الفنون الشعبية المغنّاة مثل الهبوت والنانا؛ فهي بمثابة الترحيب بحفاوة لاستقبال السياح من داخل سلطنة عُمان وخارجها. وعند النزول من طريق الجبل يحتار السائح في اختيار الموقع المراد زيارته، فكل موقع سياحي يجذبه للزيارة، فهل يتجه العيون المائية والشلالات أم السهول والتلال، أم يتجه إلى منطقة المغسيل حيث الشواطئ الذهبية الناعمة، أم يذهب بعيدا باتجاه ولايتي طاقة ومرباط لاستكشاف المواقع الأثرية والتعرف على النزل التراثية؟
إن محافظة ظفار بجميع ولاياتها ومواقعها السياحية تمثّل هاجسا وجدانيا لكل من تعوّد على زيارتها سنويا أو على فترات متقاربة؛ فهي تحوي بين ولاياتها مواقع أثرية جديرة بالتعرف عليها عن قرب وقراءة تاريخها والتمعن في تفاصيلها؛ فهي مدرسة ينبغي الاستفادة من كل أركانها لإثراء الجانب المعرفي. وتُعد ولايتا طاقة ومرباط من الولايات الجميلة في المحافظة؛ لجوهما العليل ونسمات هوائهما الباردة وشطآنهما التي تروي حكايات تاريخية يفوح منها عبق الماضي ومنجزات الآباء والأجداد على مر العصور. أما سوق الحافة الذي يقصده غالبية زوّار محافظة ظفار؛ لتنوع المنتجات والسلع المعروضة في السوق الذي تفوح منه رائحة البخور واللبان والعود التي يحرص السياح -الخليجيون خاصة- على شرائها؛ لتبقى ذكرى زيارة المحافظة، وما يميّز الحافة عن غيرها من المناطق أنها قريبة من منطقة الحصيلة التي يحرص السياح على ارتيادها؛ لشراء المشلي والنارجيل؛ كونها تحوي أكشاكا عديدة تعرض مختلف المنتجات الزراعية المحلية. ويشهد شاطئ الحافة أيضا حركة نشطة من السيّاح في معظم الأوقات؛ لتوفّر جميع المقومات الجاذبة ولوجود الكثير من المشروعات الشبابية مثل الكافيهات وغيرها، وأيضا لتوفّر الجلسات المناسبة للعوائل وتناول الوجبات المختلفة؛ بهدف قضاء أجمل الأوقات على هذا المكان. أما وادي دربات وشاطئ المغسيل فهما من الأماكن التي يستشعر الزائر فيهما حجم التطور والتحديث في الفعاليات والأنشطة المقامة.إن محافظة ظفار بجميع مقوّماتها وإمكاناتها السياحية تُعد فرصة للتنزه والاستمتاع بأجواء الخريف الاستثنائية، وحضنا لمن تعوّد على زيارتها سنويا وكوّن ذكريات لطيفة في أرجائها، ومتنفسا للعوائل والأسر وأفراد المجتمع عموما؛ لقضاء الإجازة الصيفية والاستعداد جيدا للعام الدراسي المقبل، إنها فرصة للاستمتاع بالإجازة الصيفية وشحذ الهمم للعودة للعمل بطاقة إيجابية.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: محافظة ظفار
إقرأ أيضاً:
عجمان تستعرض مقوماتها السياحية في معرض بورصة برلين
تشارك دائرة التنمية السياحية بعجمان، في معرض بورصة برلين الدولي لعام 2025، الذي يقام في برلين في الفترة من 4 إلى 6 مارس (آذار) الجاري، ويعدّ منصة عالمية تجمع آلاف العارضين وقادة الأعمال وخبراء قطاع السياحة الدولي.
وتستعرض الدائرة، خلال المعرض، أهم الخدمات التي تقدمها إمارة عجمان في المجالات السياحية والثقافية وقطاع الضيافة، في خطوة تؤكّد التزامها بتعزيز مكانتها وجهة سياحية رائدة عالمياً؛ من خلال جذب أبرز القادة في الصناعة ومقدمي خدمات الجولات والرحلات السياحية ومحبي السفر من جميع أنحاء العالم.وتسلط الدائرة في هذا الحدث الضوء على رؤية عجمان الاستشرافية لتحقيق التنمية المستدامة، وترسيخ مكانة الإمارة وجهة بارزة للشركات السياحية الدولية، التي تبحث عن أسواق واعدة وزوار من حول العالم.
ويشهد المعرض مشاركة وكالات السفر ومنشآت الضيافة الرائدة في عجمان، والتي ستسهم في إبراز المشهد السياحي، وإلقاء الضوء على قطاع الضيافة في الإمارة. رؤية استراتيجية وأكد محمود خليل الهاشمي، مدير عام الدائرة سعى الدائرة للارتقاء بالسياحة المحلية، عبر استعراض أهم المعالم والمقاصد السياحية التي تمتاز بها الإمارة، وسط منصة تجمع مشاركين من كل أقطار العالم.
وقال: "تأتي مشاركتنا في معرض بورصة برلين الدولي لعام 2025؛ تماشياً مع رؤيتنا الاستراتيجية الرامية الى تعزيز حضور ومكانة عجمان وجهة عالمية للسفر ،تجمع الأصالة والجمال والحداثة في جميع القطاعات البيئية والثقافية والفندقية، إلى جانب إبراز أهم الفرص الاستثمارية، وإبرام الشراكات الاستراتيجية، والتزام الإمارة بدفع التنمية السياحية المستدامة".