مصير مفاوضات التهدئة في غزة...إلى أين ؟!
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
مما لا شك فيه أن انسحاب جو بايدن المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية التي ستجرى في الخامس من نوفمبر القادم قد ترك آثارا عديدة على الساحة الأمريكية وهو ما سيستمر إلى ما بعد الانتخابات، ومن ثم في تفاعلات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في السنوات القادمة بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج مباشرة وغير مباشرة، ومن تفاعلات السياسة الأمريكية في المنطقة خاصة في مرحلة الاستقطاب الأمريكي الحاد، الذي تمر به بفعل التنافس القوي بين قطبي السياسة الأمريكية أي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهو ما ستتكشف أبعاده خلال الفترة القادمة بوسائل وأساليب مختلفة ليس أقلها تدني مستوى اللغة والاتهامات المختلفة التي استخدمها الطرفان، خاصة قبل إعلان انسحاب بايدن من السباق وبعد ذلك.
وأيا كانت الأسباب التي أقنعت بايدن بالانسحاب من سباق الانتخابات، فإنها انطوت في الواقع على قدر غير قليل من الشجاعة والواقعية في قراءة الموقف واحتمالاته بالنسبة لجو بايدن وفرص فوزه التي أظهرت آخر استطلاعات للرأي العام ضعف فرصه في التغلب على ترامب خاصة بعد ترسخ صورة كل من المرشحين لدى الناخب الأمريكي بشكل أو بآخر، ولم يكن ذلك في صالح استمرار بايدن، ومن ثم كان قرار الانسحاب هو في الواقع قرار بإنقاذ حملة الحزب الديمقراطي والبحث عن بديل قادر على خوض غمار المنافسة أمام ترامب الذي يعلن راية التحدي والاستهزاء بحملة ومرشحي الحزب الديمقراطي الذي لم يعلن مرشحيه رسميا حتى الآن على الأقل برغم كل ما يقال بالنسبة لفرص نائبة الرئيس بايدن السابقة كامالا هاريس وترشحها المنتظر لمنصب الرئيس في ظل التأييد المتزايد لها داخل الحزب الديمقراطي وفي أوساط الشباب الأمريكي بشكل أو بآخر. وفي ظل الجدل المشتعل داخل الساحة الأمريكية الذي ازداد بعد إعلان بايدن انسحابه من المنافسة، خاصة فيما يتصل بفرص كامالا هاريس من ناحية وبالنسبة لمصير مفاوضات التهدئة في غزة وصفقة إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس من ناحية ثانية، التي أصبح مصيرها أبعد عن الوضوح أكثر من أي وقت مضى؛ فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها: أولا، إن تقييم المرحلة الحالية من المفاوضات حول التهدئة في غزة وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين وعدد من المعتقلين الفلسطينيين يشير بوضوح إلى أن هناك تعطيلا وعرقلة متعمدة للمفاوضات من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو لخدمة مصالح بقائه وائتلافه الحاكم في السلطة لأطول فترة ممكنة، وجرت بسبب ذلك خلافات بينه - نتانياهو - وبين مسؤولين في الجيش تارة وفي أجهزة الأمن الإسرائيلية تارة أخرى. ولا تزال هذه السياسة من جانب نتانياهو مستمرة حتى الآن وسوف تتواصل على الأرجح خلال الأشهر القادمة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخامس من نوفمبر القادم. وليس أدل على ذلك من أن نتانياهو يواصل التأكيد في كل تصريحاته على أنه يسعى إلى تدمير حركة حماس في غزة، وأنه يريد إنهاء تهديدها لإسرائيل في المستقبل. ويؤكد تمسك نتانياهو بذلك رغم صعوبة تحقيقه عمليا، وإنه خلال زيارته الأخيرة للتحدث أمام الكونجرس الأمريكي فقد اصطحب معه «القبعة الزرقاء» التي تشير إلى تمسكه بهدفه في تحقيق الانتصار الكامل ضد حماس في النهاية، والمرجح أنها إشارة موجهة إلى خليفة بايدن في الرئاسة الأمريكية وللتأكيد عليها بعد انسحاب بايدن من الانتخابات الأمريكية، وأن هذا التغيير لا يعني أي مرونة في السياسة الإسرائيلية، ولعل ذلك لا ينفصل في الواقع عما أظهره نتانياهو من انزعاج حيال تصريحات كامالا هاريس حول الأوضاع في غزة، وهو ما دعاها إلى إعادة تصريحاتها بلهجة مختلفة خاصة قبيل مغادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي عائدا إلى إسرائيل. ورغم اجتماع روما أمس الأول الذي ضم وفودا من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل وعززه نتانياهو بالحديث عن حدوث تقدم ما في المفاوضات بسبب ما زعم نتانياهو أنه ضغط عسكري على حماس، إلا أن نتائج الاجتماع لن تختلف عن النتائج السابقة؛ لأن الهدف لم يتغير، ومن ثم ستستمر المماطلة وإضاعة الوقت حتى تمر الأشهر الثلاثة القادمة أو المائة يوم حتى موعد إجراء الانتخابات الأمريكية القادمة. وما يرجح هذا الاحتمال أن نتانياهو يريد أن يجعل من التوصل إلى اتفاق بشأن التهدئة وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين جائزة للطرف الأمريكي - لبايدن قبل انسحابه - فهل سيحل محله ترامب أم أن كامالا هاريس ستتمكن من الالتقاء مع نتانياهو في منتصف الطريق، وبناء علاقة أكثر ودا من العلاقة التي كانت مع بايدن؟ وبالطبع سيحاول ترامب تخريب ذلك بتحريض نتانياهو ضدها وهو ما حدث حتى الآن بالفعل.
ثانيا، إنه في الوقت الذي كان فيه بايدن يتوق إلى التوصل إلى اتفاق للتهدئة في غزة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وبعض المعتقلين الفلسطينيين، وإتاحة الفرصة للسير على طريق تنفيذ حل الدولتين ولو على مراحل، إلا أنه كان يشعر دوما أن نتانياهو يقف حجر عثرة أمام تحقيق ذلك، وأنه يعمد إلى حجج ومبررات عديدة، وكان يفهم دوافع نتانياهو وانحيازه لمصالحه الشخصية، ولعل يقينه العميق بذلك كان من بين أسباب قبوله الانسحاب من سباق الانتخابات؛ لأن تحقيق السلام في الشرق الأوسط كان سيجعل منه - أي بايدن - بطلا للسلام في المنطقة وهو ما كان يتمناه بالفعل. أما وقد نجح نتانياهو في عرقلة مسيرة بايدن السياسية والإسهام في دفعه إلى خارج الحلبة فإنه لن يقوم بمنح الجائزة إلا لمن يراه يستحقها أو لمن يثق أنه سيستحقها، ومن المؤسف أن نتانياهو لا يرى أن هناك -حتى الآن- على الساحة من يستحق ذلك لا كامالا هارييس ولا ترامب لأسباب مختلفة، ومن شأن ذلك أن يخفف الضغط عن نتانياهو ويضعه في موقف مريح جزئيا خاصة وأن فترة الأشهر الثلاثة لن تكون كافية لإتمام خطوات ضرورية في أي اتفاق للتهدئة في غزة وصفقة إطلاق الرهائن الإسرائيليين وبعض المعتقلين الفلسطينيين، وهو ما يجمل دلالة على أن الفترة الماضية ورغم جهود الوساطة المكثفة في هذا المجال وحتى الآن لم تسفر عن الكثير في هذا المجال، ولا يزال نتانياهو يغير من مواقفه ويضيف مطالب جديدة ترفضها حماس وبالعكس، وبالتالي يمكن أن ينفد الوقت دون التوصل إلى شيء، أو يمكن المراهنة عليه بشكل عملي دون إثارة الكثير من المشكلات داخل إسرائيل. إن المشكلة داخل إسرائيل وخارجها تكمن في أنه لا يمكن إعلان ذلك عمليا ولا علنيا لأنه سيؤدي إلى إثارة الكثير من المشكلات داخل إسرائيل أكثر مما هو قائم بالفعل، ومن غير المستبعد أن يقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بشكل أو بآخر ترك العجلة تدور بالدفع الذاتي لاستنفاد أكبر وقت ممكن من الأسابيع القادمة، ومع اقتراب موعد الخامس من نوفمبر، أي موعد الاقتراع في انتخابات الرئاسة سيكون الجميع مشغولا بقضايا مختلفة، ومن ثم يمكن أن تتأجل مفاوضات التهدئة وصفقة الرهائن إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية وفق حسابات مختلف الأطراف وفي ظل التوتر المتصاعد لدى بيهم.
ثالثا، إنه في ظل الأوضاع المتغيرة في الشرق الأوسط وفي ظل التوتر المتزايد في البحر الأحمر واليمن وفي جنوب لبنان فإنه ليس من السهل الجزم بالاتجاه الذي ستسير فيه التطورات في المنطقة خلال الأسابيع الحرجة القادمة، خاصة أن انفجار الأوضاع في جنوب لبنان أو تصاعد التوتر في البحر الأحمر قد يدفع بالتطورات في اتجاهات مختلفة ومغايرة لما يتردد من تصورات وتوقعات في تفكير كثير من الخبراء والمعنيين بالأوضاع في المنطقة والراغبين في الحفاظ على حد أدنى من التهدئة على نحو أو آخر؛ لأن المواجهات المحتملة يمكن أن تحمل معها احتمالات خطرة بأكثر مما يتوقع الكثيرون، خاصة في وقت يصعب التحكم فيه باتجاه الأحداث سواء من خلال أي من الإدارتين الجمهورية والديمقراطية ستحكم، أو من خلال التوصل إلى حسم أي من قضايا المنطقة المحتملة، ومن ثم لن يتم حل أو الاقتراب من حل أي من القضايا المطروحة التي ستتأجل على الأرجح حتى تستقر الأوضاع ولو نسبيا إقليميا ودوليا بكل ما قد يترتب على ذلك من نتائج مباشرة وغير مباشرة. وبقدر ما يخدم ذلك نتانياهو، بقدر ما يضر بالفلسطينيين.
د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کامالا هاریس أن نتانیاهو فی المنطقة التوصل إلى حتى الآن یمکن أن فی غزة ومن ثم وهو ما
إقرأ أيضاً:
ترامب يؤكد وقوفه إلى جانب نتانياهو على جميع الصعد
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، بعد مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقوفه إلى جانبه على جميع الصعد.
وكتب ترامب عبر حسابه على منصة تروث سوشيال: ": تحدثت إلى نتنياهو بشأن إيران والتجارة".
وأضاف الرئيس الأميركي: "المكالمة على ما يرام، فنحن متفقون بشأن جميع القضايا".
كانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد نقلت عن مصادر مطلعة داخل الإدارة الأميركية ومسؤولون على علم بخطط إسرائيلية سرية، أن ترامب أوقف هجوما عسكريا إسرائيليا كان مقررا في مايو المقبل ضد منشآت إيرانية نووية، مفضلا فتح باب التفاوض مع طهران للتوصل إلى اتفاق يقيد برنامجها النووي.
وبحسب الصحيفة الأميركية فإن إسرائيل كانت قد وضعت بالفعل خططا لمهاجمة منشآت نووية إيرانية بمساعدة من واشنطن خلال أسابيع، بهدف تعطيل قدرة طهران على تطوير سلاح نووي لمدة عام على الأقل.
وأفادت أن تنفيذ هذه الخطة كان يتطلب دعما أميركيا مباشرا، سواء لصد أي رد إيراني محتمل أو لضمان نجاح الضربات الجوية.
لكن قرار ترامب، بحسب "نيويورك تايمز"، أجهض خطط إسرائيل، بعد أشهر من الجدل داخل الإدارة الأميركية بين "صقور" يدفعون نحو دعم التحرك العسكري الإسرائيلي، وآخرين أكثر تشككا في جدوى شن هجوم يمكن أن يشعل حربا إقليمية أوسع في الشرق الأوسط.
وبحسب مصادر الصحيفة، خلصت إدارة ترامب إلى "توافق هش" لصالح المسار الدبلوماسي، تزامنا مع بدء المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، والاتفاق على استئنافها.
وأضافت، أنه "في اجتماع عقد في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن، أبلغ ترامب ضيفه بشكل مباشر أن الولايات المتحدة لن تدعم الضربة المخطط لها".
وعبر نتنياهو عن موقفه بعد لقاء ترامب، بقوله إن "أي اتفاق مع إيران لا بد أن يتيح للموقعين عليه تفجير المنشآت النووية وتفكيك المعدات تحت إشراف وتنفيذ أميركي".
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه "بينما كانت إسرائيل تراهن على الدعم الأميركي، بدأت واشنطن نقل حشود عسكرية إلى المنطقة، من بينها حاملة الطائرات كارل فينسون، وقاذفات (بي 2)، ونظام الدفاع الصاروخي (ثاد)، في خطوة فسرها البعض على أنها استعداد لدعم محتمل للضربة الإسرائيلية على إيران".
لكن مصادر مطلعة أوضحت أن هذه التحركات "قد تستخدم أيضا ضد الحوثيين في اليمن، أو للرد على أي رد فعل إيراني محتمل".