لجريدة عمان:
2025-03-12@09:45:36 GMT

حرب تجاوزت المعقول

تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT

تجاوزت حرب غزة حدود المعقول منذ 9 أشهر إلى درجة إصرار الاحتلال الغاشم على تنفيذ العمليات العسكرية اليومية التي لا تبقي ولا تذر للإنسان الفلسطيني المطارد من الموت من بقعة إلى أخرى في القطاع، فشبحه يسكن في كل واحد فيهم، تجاوزت الحرب حدود المعقول بنسف الاحتلال كل أخلاقيات الحروب التي تجنب المدنيين من أطفال ونساء وكبار في السن وتحفظ وجودهم لأنه لا ذنب لهم، بل أثبتت أن ما وضعه العالم من شرقه إلى غربه من قواعد ومعايير للحروب على مدى 200 عام في مرحلة تأسيس الدول الحديثة ومحاولاته ترسيخ مفاهيم الأخلاقيات والمحافظة على مكونات المجتمعات الإنسانية والحضارية التي ترسخ مبادئ حفظ الأرواح وإبقاء مقومات الحياة قائمة من مسكن وتغذية وحق في العلاج طيلة صراعات الحروب ألغاها الاحتلال الإسرائيلي.

لذلك ثارت على إسرائيل شعوب الأرض التي كرهت أن يكون لها دور في هدم الحضارة الإنسانية، وواجهت قياداتها استهجانا شعبيا عارما كرئيسها في إيطاليا ورئيس وزرائها في نيويورك، وتواصل الرفض الشعبوي الذي رافق تلك الاعتداءات الوحشية في العالم ونهضت مكوناته من سباتها ومن حالة التضليل والخداع عندما اكتشف أنه كان يرى مشاهد مزيفة بسبب ضعف الإعلام الغربي الذي عجز عن دوره في إيصال الحقائق طيلة الـ 75 عاما الماضية، ما يدور في غزة ليس تجاوز المعقول وشل حركة قرابة مليونين و300 ألف مواطن فلسطيني، وأصبح كبيرهم وصغيرهم وقودا للحرب في عملية عسكرية طاحنة يراد لها أن يرفع الغزاويون راية الاستسلام وتتم مساومتهم على الخروج من غزة إلى أرض المنفى الدائم فقط، بل هي أيضا حرب تصفية بين الكبار من دول العالم يحققون منها مصالحهم للضغط على بعضهم بعضا، وما يحدث في مجلس الأمن الذي أقر إيقاف القتال فورا منذ شهور خير دليل على ذلك، في غياب من هو الذي يملك القرار الفوري لوقف القتال. إن حرب غزة لها أبعاد متعددة على المستويين الخارجي والداخلي ولها حسابات متقاطعة ومعقدة، فهي ليست حربا عابرة أو آنية تنتهي ككل الحروب، فالعالم عاجز حتى اللحظة عن إيجاد نهاية لها رغم إخفاق الاحتلال في تصفية فصائل المقاومة فيها، وهو مصدوم أيضا من قدرة المقاومة التي ما زالت تملك كل مقومات الاستمرار على ميدان المواجهة، وتستطيع الوصول إلى قلب مدن الاحتلال الكبرى، تساندها فصائل مقاتلة؛ حزب الله في الشمال والمقاومة من الشرق وأنصار الله من الجنوب وكلها تمتلك أسلحة صاروخية متقدمة. ومع أن قوات الاحتلال منهكة من الخسائر البشرية والآلية اليومية التي تتكبدها، وإذ لم يحدث لها ذلك منذ احتلال فلسطين عام 1948 إلا أن حسابات إيقافها ما زالت تحتاج إلى نفس أطول رغم تقارب الطرفين من التوصل لاتفاق اختلفوا طيلة الشهور الماضية على مفهوم بعض بنوده التي تعطي حق الاستمرار للاحتلال أن يعود إلى العمليات العسكرية القتالية متى ما أراد، وهو ما ترفضه فصائل المقاومة، وقد يكون لهذه الحرب جانب إيجابي وهو أن تتقارب الفصائل الفلسطينية كما يحدث حاليا في الصين، بعد أن عجزت في ذلك منذ 17 عاما، وهي تعيش فيما بينها مخاض الشك والتشويش. لن تكون حرب غزة رغم الألم والفجع الذي نعيشه يوميا الأولى والأخيرة في هذه البقعة، وستغير من قواعد التعاطي بين القوى في المنطقة، فهي ليست الحرب على القطاع بل هي حرب ضد الإنسانية وضد العرب والمسلمين وضد الجغرافيا والتاريخ، وعلى العالم أن يختار بين مناصرة الحق أو الباطل، وقد اختار بعض الغرب الحق من خلال الاعتراف بفلسطين.

سالم الجهوري كاتب صحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

سلاح التجويع.. جريمة على مرأى العالم أجمع

ما زالت إسرائيل مصرة على ارتكاب جرائمها في غزة، ورغم أن حركة حماس ملتزمة بقرار وقف إطلاق النار، إلا أن الاحتلال عاد ليستخدم التجويع سلاحا لكسر إرادة الفلسطينيين في غزة، في تحد مستمر للشرعية الدولية ولأبسط مبادئ الإنسانية في ظل غياب الأعذار السابقة حينما كانت المقاومة مستمرة في مقاومتها للاحتلال. لا يمكن فهم هذه السياسة التي أوقفت المساعدات في شهر رمضان المبارك وقطعت الكهرباء عن محطة تحلية المياه باعتبارها تكتيكا تفاوضيا في وقت تبدي فيه حماس مرونة كبيرة في المفاوضات وفي تطبيق بنود الاتفاق، لكن الأمر يُقرأ في سياقه التاريخي ما يعني إمعان الاحتلال في جرائمه التي تهدف إلى فرض واقع جديد، واقع يجبر الفلسطينيين على الرضوخ أو التهجير.

والقانون الدولي واضح في هذا الشأن حيث تشير المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة إلى إلزام القوة المحتلة بضمان إمداد السكان بالمواد الغذائية والطبية، كما أن استخدام التجويع كسلاح محظور بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. لكن رئيس وزراء «دولة» الاحتلال واليمين المتطرف الذي يسانده في «الحكومة» يواصلون تجاهل هذه القوانين، مدعومين بغطاء سياسي أمريكي يتزعمه ترامب الذي ما زال مصرا على خطة التهجير وتحويل القطاع إلى «ريفييرا» في سياق فرض استراتيجيته الأوسع لترسيخ الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.

إن همّ نتنياهو، وترامب أيضا في هذه المرحلة ليس النصر على حماس أو إذلال سكان القطاع ومن دعمهم في معركة طوفان الأقصى ولكن الهدف الاستراتيجي الذي بدا الآن واضحا رغم أن مساره معد ليكون متوسط المدى هو العمل على إعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية لغزة عبر إعادة بناء نموذج الضفة الغربية في المستوى الأول أو عبر إعادة تشكيل الشرق الأوسط في المستوى الأوسع. هذا الفكر الذي بدأ يتشكل على الواقع يشير إلى أن ما يطرحه نتنياهو وترامب حول التهجير من أجل الإعمار ما هو إلا خدعة أخرى ضمن سلسلة خدع مستمرة يبيعها ساسة إسرائيل وساسة الغرب للمنطقة. وبعيدا عن القانون الدولي فإن الناحية الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع تشير إلى قرب تصنيف كل مدن غزة أنها في مجاعة، فقد عاد مئات الآلاف من السكان إلى المدن الشمالية في القطاع بعد بدء سريان وقف إطلاق النار ورغم أن المساعدات للشمال كانت شحيحة جدا إلا أنها توقفت تماما عن الشمال والجنوب الأمر الذي زاد معاناة الناس هناك بشكل مخيف جدا. وحذرت الأمم المتحدة في أكثر من مناسبة من أن أي قيود إضافية على المساعدات ستؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث بدأت مشاهد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية تظهر في تقارير المنظمات الحقوقية.

ثمة أمر غاية في الأهمية لا تعيره إسرائيل أو الدول الغربية القادرة على الضغط على إسرائيل كثير أهمية وهو تعميق الكراهية بين الداعمين والمتعاطفين مع سكان غزة، وهم كثر في مختلف أنحاء العالم، وبين الإسرائيليين والغرب الداعمين لسياسات إسرائيل، وتعميق هذا الخطاب ينعكس بشكل سلبي على الغرب ويتحول مع الوقت إلى أعمال ميدانية تتمثل في عمليات مسلحة وطعن ودهس كما حدث في مدن غربية كثيرة خلال الفترة الماضية.

ترفض إسرائيل أن تقرأ التاريخ جيدا، تاريخ الشعب الفلسطيني على أقل تقدير والذي يشير بشكل واضح تماما إلى أن إرادته لا يمكن أن تنكسر في طريق تحرير أرضه والحصول على حقوقه وأن العقاب الجماعي أو الفردي لن يجدي نفعا أبدا بل إنه سيؤدي إلى تأجيج المقاومة وتوسعة قاعدتها الشعبية، إضافة إلى تعزيز نفوذ الجماعات والقوى الإقليمية المناوئة للاحتلال. أما الحقيقة التي على إسرائيل أن تضعها دائما في اعتبارها فهي أن أية محاولة لتجاهل الواقع الفلسطيني أو إزالته بالقوة هي ضرب من الوهم، لأن القضية ليست فقط في غزة، بل في الضفة والقدس والشتات، حيث الذاكرة الفلسطينية لا تموت، والحقوق المسلوبة لا تسقط بالتقادم.

مقالات مشابهة

  • سلاح التجويع.. جريمة على مرأى العالم أجمع
  • تجاوزت 800 شخص.. منظمة حقوقية تحصي قتلى أحداث الساحل السوري
  • عن الأسير الخامس الذي لم يتسلمه لبنان.. هذا ما أعلنته رئاسة الجمهورية
  • غارات جوية وتوغل عل الأرض.. ما الذي يريده الاحتلال من سوريا؟
  • مع قرب المهلة التي منحها السيد القائد.. حماس: العدو يواصل إغلاق معابر غزة بشكل كامل
  • ترك أوبن إيه آي ليؤسس شركة تجاوزت قيمتها 30 مليار دولار.. من هو؟
  • العريس الذي كان يتجهز لزفافه لكنه زُفّ إلى الجنة
  • رابطة العالم الإسلامي تدين قطع حكومة الاحتلال الإسرائيلي الكهرباء عن قطاع غزة
  • الجزيرة نت ترصد الدمار الذي خلفه الاحتلال بمستشفيات الجنوب اللبناني
  • إليك أغرب أشكال الاحتجاج التي شهدها العالم على مر التاريخ (صور)