بوابة الوفد:
2024-09-08@15:07:16 GMT

السودان موسم الهجرة إلى المجهول

تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT

هدير الطائرات يتداخل مع زلزلة رعد السماء يزاحمان الضباب الأسود الكثيف، الناس يهرون حاملين بضع ما تبقى من متاع مهترئة شردتهم الحرب على الطرقات مزقت احلامهم وأفقدتهم الأمان.. هجرت الطيور كما البشر حدائق 6 إبريل بقلب العاصمة السودانية المثلثة الخرطوم وانطفأت فرحة اقتران النيلين الأبيض والأزرق عند «المقرن» فيما كان يعرف بأطول قبلة عرفها التاريخ ليشكلا نهر النيل شاقا طريقه لشمال القارة السمراء.

لم يعد الخريف موسما مناخيا فحسب فى البلد الشقيق المكتوى بنار الصراع بين الاخوة الاعداء ولكنه حمل معه حرب اخرى زادت « الطين بلة» ودفعت بالسودانيين للبحث عن ملاذ جديد للنزوح.. ربما نتلعثم من كثرة إحصاء عدد مرات النزوح على مدار عام ونصف من الحرب الضروس بين الجيش وقوات الدعم السريع

وشيدت مخيمات النازحين دون مراعاة للظروف المناخية مثل الأمطار والرياح والغالبية منها فى مواقع منخفضة لتصبح بؤرة لتجمع مياه السيول وتجددت معاناة المقيمين بالمخيمات الصناعية بمدينة كسلا شرق السودان بعد أن اجتاحت مياه الأمطار الغزيرة التى جرفت خيامهم فقد كتب عليهم النزوح وهم كارهون.

يؤكد بعض من شهود العيان ان المياه الراكدة تجمعت فى دور الإيواء منذرة بتوالد البعوض والذباب، وبالتالى انتشار أمراض مثل الملاريا وغيرها مع الحاجة اللى شفط المياه وعمل مجار تساهم فى تصريفها.

وأشاروا إلى أن وضع الحمامات والمراحيض فى مراكز الإيواء مخالف للظروف الصحية والبيئية، بعد أن طفت مخلفات الصرف الصحى مما يتطلب تجفيفها خشية انتشار الأمراض مما دعا المنظمات الأهلية والنشطاء للاطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعى لانقاذ الضحايا.

العراب

يطل «الطيب صالح» الأديب الراوئى السودانى الكبير من إحدى نوافذ السماء بملامح» مصطفى سعيد»- بطل راويته « موسم الهجرة إلى الشمال»- ليحصد الاجابات المرة لواقع يكسر كل حدود العقل فى الاجابة عن استفهاماته.

بصعوبة يحاول «صالح» ضبط خطواته المنزلقة فى وحل الطرقات فيما تغرق المياه نصف جسده النحيل -بفعل الايام- يقطع صدمته عويل السيدات وصراخ الاطفال ليتساءل مــن أيــن يأتى هـــؤلاء ؟

لم تعد السماء صافية فوق أرض السودان فقد حجبوها بالأكاذيب وفقد النازحون بوصلتهم لمطار الخرطوم يهيمون على وجوههم يريدون الهرب إلى أى مكان تخونه العبرات وهو يهمهم «ضاق عليهم البلد الذى مزقته الحرب ولم يعد يتسع لهم كأنى بهم ينتظرون منذ تركتهم فى ذلك اليوم عام ثمانية وثمانين»!

لا أحد يهمّه أمرهم يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى؟ وعن الأمن والناس فى ذُعر؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟

يتداخل طيف « الطيب» فى خطوات «مصطفى سعيد» بينما ظلهما ممد على الأرض كشجرة « شاف» أنهكتها طعنات المطرقة فتوارات لتسرق بضع دقائق وتستريح من طعنات الموت.

يتقاسم « الطيب وطيفه بعض من « الكسرة» – نوع من الأكلات السودانية- وكوب من الجبنة» نوع من القهوة « على وقع «ونسة» قلما جادت بها الأيام فى ذلك الظرف الإنسانى الاستثنائي

«أنا إنسان بسيط، المتدينون يعتبروننى ماجنا والمعربدون يحسبوننى متدين أى ثمن باهظ يدفعه الإنسان حتى تتضح له حقيقة نفسه وحقيقة الأشياء» بينما يدير بيده المرتعشة مؤشر مذياع قديم كان حظه وفيرا للنزوح يقطعه موجز للانباء.

يخوض الجيش السودانى بقيادة رئيس مجلس السيادة «عبد الفتاح البرهان»، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتى»، منذ منتصف أبريل من العام الماضى حربا أسفرت عن نحو 150 ألف شهيد وملايين المشردين مابين نازح ولاجئ حسب إحصاءات سودانية وإنسانية وحقوقية متعددة.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية- وللأسف مجرد حبر على ورق– لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذى امتد إلى 12 ولاية من أصل 18 فى البلد الشقيق فضلا عن موسم الخريف المعروف بفيضانه فيما غرقت معظم الولايات خاصة الشرقية على البحر الأحمر.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي، أنه سيوسع بشكل عاجل جهوده لتوفير المساعدات الغذائية المنقذة للحياة فى السودان، حيث يعانى حاليا 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائى الحاد، وهو رقم تضاعف ثلاث مرات تقريبا منذ عام 2019؛ ويعانى ما يقرب من أكثر 5 ملايين من مستويات الجوع الطارئة، كما تصدر السودان قائمة الدول الأعلى تسجيلًا فى مفوضية اللاجئين بمصر، هذا إضافة إلى قوائم المهاجرين ممن ينتظرون الإشارة بالرحيل، أو من تقطعت بهم السبل.

وحذر برنامج الأغذية العالمي، أن موسم الأمطار فى السودان دمر الطرق ولم تعد صالحة للمرور مما يجهض كل المحاولات الإنسانية لإنقاذ الأبرياء.

يقول الصحفى السودانى « عزمى عبد الرازق « فى شهادته على أضخم كارثة إنسانية فى التاريخ أرخت بظلالها الموحشة على بلاده» مثل العديد من السودانيين فقد رأيت الحرب كفاحًا، كان أولها كلامًا وشرارة تشظّت– بصورة سينمائية – لدرجة أننى بقيت محاصرًا داخل جزيرة توتى وسط الخرطوم، لعدة أشهر، دون ماء وكهرباء أو طعام كاف»

ويستكمل « عبد الرازق « لم تكن تلك هى المشكلة الوحيدة، كان الرصاص يخترق النوافذ التى ظلت مغلقة على الدوام، ولذلك لم يكن ثمة مجال للنجاة من الموت سوى النزوح، وقطع مسافات ماراثونية؛ لأجل الوصول إلى أى مكانٍ آمن، وتقديم طلبات اللجوء».

ولا يزال السلام بتعدد منابره لوقف الحرب يراوح مكانه فى العواصم المكيفة بينما تغلى الخرطوم وأخواتها على مرجل المجهول.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حرب منسية المجهول السودان الاخوة الاعداء

إقرأ أيضاً:

خُطة سَلام السودان ..(الدخول عبر بوّابة الخُروج)…!

أهم أربعة عناصر أسهمت في اندلاع الحريق ونشوب الحرب في بلدنا هي:
أولاً: توغُّل الأصابع الأجنبية في التعامل مع الشأن السُّوداني دون معرفة كافية بطبيعة تعقيداته وكيمياء المزاج العام.

ثانياً: الطموح السلطوي لآل دقلو والوضع الشاذ للدعم السريع كقوة موازية للجيش تعمل لأن تكون بديلة له، والأهم من ذلك استسهال إنجاز المهمة بانقلاب سريع وخاطف والاستهوان بالجيش كمؤسسة وقيادة قادرة على مُواجهة ذلك السيناريو.

ثالثاً: دور الحرية والتغيير “قحت” في تحميل الفترة الانتقالية أوزاناً وأثقالاً أكبر من طاقة احتمالها، والاحتكار الحصري لوصف المكون المدني وهم أقصر من قامة تحديات الانتقال، وأضيق سعةً في التعبير عن جموع السُّودانيين.

رابعاً: تهاون مؤسسة الجيش في التعامل مع مخاطر الأمن القومي، وعدم اتخاذ خطوات استباقية ما قبل وقوع الكارثة، وبطء ردود فعلها ما بعد وقوعها.

وكذلك إسراف قيادة الجيش في التكتيكات السياسية دون رؤية استراتيجية حاكمة وناظمة.
بعد كل الضحايا والخسائر المترتبة على هذه الحرب الكارثيّة، تنحصر مجهودات القوى الدولية في السعي لإعادة الوضع على ما كان عليه ما قبل قرارات 25 أكتوبر.

القراءة السياسية لتلك القوى لما حدث في 25 أكتوبر، أنّ ذلك الموقف مترتبٌ على اتحاد البندقيتين (الجيش والدعم السريع) تحت مشروع واحد.

كان مشروع فولكر مع “قحت” في ذلك الوقت، المسارعة بدقِّ إسفين داخل المكون العسكري عبر تقديم مقترح الاتفاق الإطاري الذي وصفته حينها بأنه خارطة طريق للوصول إلى حرب..!
فكانت الزيارة المُريبة للمبعوث الأممي فولكر إلى حميدتي في الجنينة بصحبة الطاهر حجر والهادي إدريس..!

وعندما اندلعت المعارك، ظلت القوى الدولية تُردِّد مقولة واحدة وهي أنّ هذه الحرب ليس فيها منتصرٌ.
بمعنى أوضح أنّ من سينتصر عسكرياً سيُجرّد من الامتيازات السياسية المُترتِّبة على الانتصار بالمُلاحقة الجنائية الدولية.

حينذاك ستسقط تفاحة سلطة الحكم الانتقالي المُستدام إلى أجل غير مسمى في أيدي قلة سياسية انتهازية (متغربة)، عارية من الرصيد الشعبي، تمثل الوكيل الحصري المحلي المُعتمد لتنفيذ وتطبيق الرؤية الغربية في السُّودان..!

ولكن…..!
توقُّف العمليات القتالية مع الاحتفاظ بالدعم السريع في المُعادلة السياسية وداخل المنظومة العسكرية، بإعادة إنتاج الاتّفاق الإطاري تحت مُسمّى جديد مثل استبدال “قحت” بـ”تقدُّم”، وهذا من الواضح خيار حمدوك ورهطه والمليشيا والرُّعاة الدوليين والإقليميين أجمعين، لا يعني عملياً تحقيق سَلامٍ مُستدامٍ في السُّودان.

بل ذلك لا يتجاوز ترحيل الحرب والخيارات الانقلابية من الحاضر اللحظي إلى المُستقبل المفتوح.

وهذه الصيغة الملغومة لن تبث الطمأنينة في قلوب المُواطنين حتى يكون خيارهم المُفضّل العودة إلى منازلهم.

كما أنّها ستكون مانعاً طبيعيّاً من أن ينفق رجل أعمال أو مُستثمر أجنبي دولاراً واحداً في سياق مشروع سلام وهمي قابل للانفجار في أيّة لحظة مثل ما حَدَثَ في 15 أبريل..!
يقول أينشتاين: «الجنون هو أن تفعل نفس الشيء مرَّةً بعد أُخرى وتتوقَّع نتائج مُختلفة».
المعنى: لا يُمكننا حلُّ المُشكلات المُستعصية، إذا ظللنا نُفكِّر بنفس العقلية التي أوجدتها..!

ضياء الدين بلال

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الجيش يهاجم مواقع للدعم السريع في الخرطوم وشرق النيل
  • الخرطوم: نرفض تقرير بعثة تقصي الحقائق الأممية “جملة وتفصيلا”
  • خُطة سَلام السودان ..(الدخول عبر بوّابة الخُروج)…!
  • مسؤولة في الهيئة العامة للآثار والمتاحف: المسروقات تم توزيعها في حدود السودان مع بعض دول الجوار ولا سيما جمهورية جنوب السودان
  • نزوح كثيف في الخرطوم وحقوق الانسان تدعو لحماية فورية للمدنيين
  • عرمان: الحرب القادمة ستدور في مناطق مأهولة بالسكان والنازحين
  • نزوح من الخرطوم على وقع اشتباكات ودعوة أممية لنشر قوات محايدة
  • نزوح كثيف من الخرطوم بسبب تبادل القصف بين الجيش والدعم السريع
  • كيف أسست أمريكا سياستها تجاه السودان على معلومات استخباراتية خاطئة؟
  • الحوار والدراسات المستقبلية: الحلقة المفقودة في السودان