بوابة الوفد:
2024-11-23@14:58:38 GMT

السودان موسم الهجرة إلى المجهول

تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT

هدير الطائرات يتداخل مع زلزلة رعد السماء يزاحمان الضباب الأسود الكثيف، الناس يهرون حاملين بضع ما تبقى من متاع مهترئة شردتهم الحرب على الطرقات مزقت احلامهم وأفقدتهم الأمان.. هجرت الطيور كما البشر حدائق 6 إبريل بقلب العاصمة السودانية المثلثة الخرطوم وانطفأت فرحة اقتران النيلين الأبيض والأزرق عند «المقرن» فيما كان يعرف بأطول قبلة عرفها التاريخ ليشكلا نهر النيل شاقا طريقه لشمال القارة السمراء.

لم يعد الخريف موسما مناخيا فحسب فى البلد الشقيق المكتوى بنار الصراع بين الاخوة الاعداء ولكنه حمل معه حرب اخرى زادت « الطين بلة» ودفعت بالسودانيين للبحث عن ملاذ جديد للنزوح.. ربما نتلعثم من كثرة إحصاء عدد مرات النزوح على مدار عام ونصف من الحرب الضروس بين الجيش وقوات الدعم السريع

وشيدت مخيمات النازحين دون مراعاة للظروف المناخية مثل الأمطار والرياح والغالبية منها فى مواقع منخفضة لتصبح بؤرة لتجمع مياه السيول وتجددت معاناة المقيمين بالمخيمات الصناعية بمدينة كسلا شرق السودان بعد أن اجتاحت مياه الأمطار الغزيرة التى جرفت خيامهم فقد كتب عليهم النزوح وهم كارهون.

يؤكد بعض من شهود العيان ان المياه الراكدة تجمعت فى دور الإيواء منذرة بتوالد البعوض والذباب، وبالتالى انتشار أمراض مثل الملاريا وغيرها مع الحاجة اللى شفط المياه وعمل مجار تساهم فى تصريفها.

وأشاروا إلى أن وضع الحمامات والمراحيض فى مراكز الإيواء مخالف للظروف الصحية والبيئية، بعد أن طفت مخلفات الصرف الصحى مما يتطلب تجفيفها خشية انتشار الأمراض مما دعا المنظمات الأهلية والنشطاء للاطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعى لانقاذ الضحايا.

العراب

يطل «الطيب صالح» الأديب الراوئى السودانى الكبير من إحدى نوافذ السماء بملامح» مصطفى سعيد»- بطل راويته « موسم الهجرة إلى الشمال»- ليحصد الاجابات المرة لواقع يكسر كل حدود العقل فى الاجابة عن استفهاماته.

بصعوبة يحاول «صالح» ضبط خطواته المنزلقة فى وحل الطرقات فيما تغرق المياه نصف جسده النحيل -بفعل الايام- يقطع صدمته عويل السيدات وصراخ الاطفال ليتساءل مــن أيــن يأتى هـــؤلاء ؟

لم تعد السماء صافية فوق أرض السودان فقد حجبوها بالأكاذيب وفقد النازحون بوصلتهم لمطار الخرطوم يهيمون على وجوههم يريدون الهرب إلى أى مكان تخونه العبرات وهو يهمهم «ضاق عليهم البلد الذى مزقته الحرب ولم يعد يتسع لهم كأنى بهم ينتظرون منذ تركتهم فى ذلك اليوم عام ثمانية وثمانين»!

لا أحد يهمّه أمرهم يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى؟ وعن الأمن والناس فى ذُعر؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟

يتداخل طيف « الطيب» فى خطوات «مصطفى سعيد» بينما ظلهما ممد على الأرض كشجرة « شاف» أنهكتها طعنات المطرقة فتوارات لتسرق بضع دقائق وتستريح من طعنات الموت.

يتقاسم « الطيب وطيفه بعض من « الكسرة» – نوع من الأكلات السودانية- وكوب من الجبنة» نوع من القهوة « على وقع «ونسة» قلما جادت بها الأيام فى ذلك الظرف الإنسانى الاستثنائي

«أنا إنسان بسيط، المتدينون يعتبروننى ماجنا والمعربدون يحسبوننى متدين أى ثمن باهظ يدفعه الإنسان حتى تتضح له حقيقة نفسه وحقيقة الأشياء» بينما يدير بيده المرتعشة مؤشر مذياع قديم كان حظه وفيرا للنزوح يقطعه موجز للانباء.

يخوض الجيش السودانى بقيادة رئيس مجلس السيادة «عبد الفتاح البرهان»، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتى»، منذ منتصف أبريل من العام الماضى حربا أسفرت عن نحو 150 ألف شهيد وملايين المشردين مابين نازح ولاجئ حسب إحصاءات سودانية وإنسانية وحقوقية متعددة.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية- وللأسف مجرد حبر على ورق– لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذى امتد إلى 12 ولاية من أصل 18 فى البلد الشقيق فضلا عن موسم الخريف المعروف بفيضانه فيما غرقت معظم الولايات خاصة الشرقية على البحر الأحمر.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي، أنه سيوسع بشكل عاجل جهوده لتوفير المساعدات الغذائية المنقذة للحياة فى السودان، حيث يعانى حاليا 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائى الحاد، وهو رقم تضاعف ثلاث مرات تقريبا منذ عام 2019؛ ويعانى ما يقرب من أكثر 5 ملايين من مستويات الجوع الطارئة، كما تصدر السودان قائمة الدول الأعلى تسجيلًا فى مفوضية اللاجئين بمصر، هذا إضافة إلى قوائم المهاجرين ممن ينتظرون الإشارة بالرحيل، أو من تقطعت بهم السبل.

وحذر برنامج الأغذية العالمي، أن موسم الأمطار فى السودان دمر الطرق ولم تعد صالحة للمرور مما يجهض كل المحاولات الإنسانية لإنقاذ الأبرياء.

يقول الصحفى السودانى « عزمى عبد الرازق « فى شهادته على أضخم كارثة إنسانية فى التاريخ أرخت بظلالها الموحشة على بلاده» مثل العديد من السودانيين فقد رأيت الحرب كفاحًا، كان أولها كلامًا وشرارة تشظّت– بصورة سينمائية – لدرجة أننى بقيت محاصرًا داخل جزيرة توتى وسط الخرطوم، لعدة أشهر، دون ماء وكهرباء أو طعام كاف»

ويستكمل « عبد الرازق « لم تكن تلك هى المشكلة الوحيدة، كان الرصاص يخترق النوافذ التى ظلت مغلقة على الدوام، ولذلك لم يكن ثمة مجال للنجاة من الموت سوى النزوح، وقطع مسافات ماراثونية؛ لأجل الوصول إلى أى مكانٍ آمن، وتقديم طلبات اللجوء».

ولا يزال السلام بتعدد منابره لوقف الحرب يراوح مكانه فى العواصم المكيفة بينما تغلى الخرطوم وأخواتها على مرجل المجهول.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حرب منسية المجهول السودان الاخوة الاعداء

إقرأ أيضاً:

روسيا من دنا عذابها إلى أخت بلادي!

روسيا من دنا عذابها إلى أخت بلادي!

بثينة تروس

من أخطر سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي تغبيش الوعي حول أهم المعلومات والحقائق، بصنع الانحيازيات وتوجيه الآراء حيث الانقسامات بحسب التوافق السياسي، إذ بات يعتمد انتشار المعلومة للأعلى والأجهر صوتاً والأكثر إنتاجاً بغض النظر عن صحة المعلومات، دقتها، أو سطحيتها.. ولقد صنعت هذه الحرب اللعينة سوق معلوماتي اختلف عن بقية أسواق الميديا في خطورته بتوجيه دفة المعارك على الأرض من جهلاء بالحرب والسياسة، والحس الإنساني السليم، في وقوفهم مع استمرار الحرب، التي ساقت أهلهم وارحامهم الي حتفهم، وساهمت من ثم في تشريدهم وذلهم في معارك ليس لها من الكرامة غير اسمها الذي اختاره لها الاخوان المسلمون!

ومن أبرز نماذج انتفاع الحركة الإسلامية في هذا السوق الزخم ما تناقلته تلك الوسائط من شعور بالغبطة والنشوة باستخدام روسيا لحق الفيتو واسقاط اجماع 14 دولة عضو في مجلس الامن على وقف الحرب.. والغريبة أن الاقتراح الذي تم رفضه يشمل فيما يشمل قرارات إدانة وتجريم لقوات الدعم السريع لما ارتكبته في الجزيرة ودارفور، حيث انتهكت حرمات البيوت، والاعراض، وقتلت، ونهبت، واغتصبت النساء، وأذلت الشيوخ والمسنين من النساء والرجال.. ولذلك كان استخدام روسيا لحق نقض القرار عملا محبطاً لدعاة السلام وحقن الدماء.

وبالطبع امتطي البرهان موجة البطولات المضللة متوهماً ان له دبلوماسية محترمة، وسيادة معترف بها قائلا (البارحة شهدنا الموقف الروسي الداعم لسيادتنا… فالسودان يعمل بشكل وثيق مع أصدقائه وأصدقاء شعبه، لمنع صدور القرار المعيب والخادش للسيادة السودانية) فكأنما روسيا استخدمت حق الفيتو (العزيز الاستخدام) من اجل الكيزان! وهي تعلم انهم حكام كرتونيون من بقايا دولة (إعادة صياغة الانسان السوداني) التي كانت تمثل فيها روسيا رمز الشيطان مصدر حربهم (يا حبذا الجنات واقترابها** أمريكا وروسيا قد دنا عذابها** على إن لاقيتها ضرابها) وبالطبع ليس هي بالسذاجة التي تجعلها تقف في وجه أمريكا وأوروبا، مستعطفه رضا حكومة بورتسودان المتصدعة.

روسيا التي كايدت مشروع التصويت على قرارات مجلس الامن من اجل وقف حرب السودان، تهمهما في المقام الاول حربها مع أوكرانيا، وقرارات بايدن والديموقراطيين في البيت الأبيض، والسماح لأوكرانيا باختراق الأراضي الروسية بصواريخ مدمرة طويلة المدي، وهو الشي الذي سوف يعقّد مشهد العلاقة بين ترامب وبوتين في أثناء دورة حكم الجمهوريين المقبلة.

ومن سخرية القدر وخفة عقل الفلول، تصوراتهم ان روسيا هي خارج حلبة صراع موارد السودان، كما انها تجهل ان الجنرال البرهان لا يحكم فيما يملك، بل هو عاجز عن استرداد قيادة الجيش من سطوة الحركة الإسلامية، وحماية المواطنين واسترداد الأراضي المحتلة من قبل صنيعته مليشيا الدعم السريع.. واما عطايا حكومة الحركة الإسلامية لروسيا فهي لم تتوقف منذ ان قام الاسلاموي البشير بمقابلة بوتين في عام 2017 وصرح (انه يحتاج لحماية من الاعمال العدوانية للولايات المتحدة ضد السودان) مقابل (امتيازات التعدين وبناء قاعدة بحرية علي البحر الأحمر في بورتسودان بوابة البلاد للتجارة).. انتهى- الجزيرة- تحت عنوان (مغامرة فاغنر لماذا تتورط روسيا في صراع السودان) 5/ 8 /2023.

كما ان روسيا لا تحتاج ان تتخذ قراراتها مراعاة لقائد مليشيات الدعم السريع حميدتي وال دقلو أصحاب “جبل عامر”، أكبر مناجم الذهب في السودان وافريقيا، اذ أن كليهما يبيعان لروسيا الذهب طواعية، من اجل شراء السلاح، لإبادة وتقتيل الشعب الأعزل. اما ترهات الجنرال في (نحن نعرف كل من وقف مع الشعب السوداني، وسنقدر هذا الأمر، وسيستند التعاون والتحالف مع دول الإقليم ودول العالم على مخرجات ومحصلات هذه الحرب)! فهي وعود ليست للإعمار والنهوض بالدولة، كما لن تعود للشعب المشرد اللاجئ بنفع، بعد ان فقد أبناءه وهُجّر من ارضه، وهو المحروم طوال ثلاث عقود من حكم الحركة الإسلامية من خيرات أرضه، التي تقدمها الحكومة رشاوي وضرائب لتلك الدول حتى تضمن استمرار بقائها في السلطة، وتحمي مصلحة افراد التنظيم، وتشتري بها ذمم جنرالات الجيش الفاسدين، واليوم تشتري بتلك الموارد السلاح لاستباحة دماء المواطنين، يقتلهم الجنجويد ارضاً، وتقصفهم قوات الجيش جواً.

فإن كانت تلك الآلات الإعلامية الفرحة باستمرار الحرب، يطرب زامرها حكومة الامر الواقع، فعلى وطن اسمه السودان السلام.. فقد أسفر صراع المطامع الدولية عن فصيح نواياه حول حرب السودان، ولا رادع له غير ان يجتمع السودانيين حول وقف الحرب.. كما ان التعويل علي وحدة الصف السوداني للجنرال المستلب الإرادة البرهان تعني الامتثال لشروط الحركة الإسلامية، التي تستجلب عضويتها للاستوزار في بورتسودان، وهو يعلن (.. يجب أن تنتهي الحرب، وبعدها نجلس في حوار سوداني – سوداني، ليقرر السودانيون كيفية إدارة بلادهم، فإذا قرروا إبعادنا لا نمانع، وسنعيد لهم أمانتهم وبلدهم نظيفاً من هؤلاء المتمردين الخونة، سيكون هذا الأمر قريباً).. كالعادة وعود الجنرال الانقلابي بالتخلي عن السلطة، وإنهاء الحرب (بالتوافق السلمي او بالانتصار)، حبر على ورق، وتفتقد الى النية الصادقة، حيث لم ينجح في الوفاء بأيهما رغم تكرارهما منذ رئاسته لمجلس السيادة المحلول او كقائد للجيش. ولن يكون هنالك حوار سوداني برعاية حكومة الحرب، وجميع الذين ينادون بوقف الحرب مدانون بتهم العمالة والخيانة الوطنية. كما اثبتت الأيام فشل الدعم السريع في ادارة مناطقه وتأمين المواطنين، ولم يفعل سوي تهجيرهم خارجها.

tina.terwis@gmail.com

الوسومالبشير الجزيرة السودان بثينة تروس جبل عامر حميدتي دارفور روسيا فاغنر مليشيات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • المساعدات .. الحرب تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان
  • الهجرة الدولية: نزوح 6 آلاف أسرة من بلدة التكينة وسط السودان
  • لمنع انزلاق اليمن نحو المجهول .. رئيس المكتب السياسي السابق لحركة الحوثيين يوجه دعوة هامة لكافة الأطراف اليمنية شمالاً وجنوباً 
  • في شهرها العشرين وقف الحرب واستدامةالديمقراطية؟
  • 17 مليون طفل سوداني بلا تعليم بسبب الحرب
  • مستشار مجلس الوزراء: نستهدف رفع قدرات البنية التحتية لتحقيق التنمية المستدامة
  • حسن الجوار… مبدأ وسياسة
  • روسيا من دنا عذابها إلى أخت بلادي!
  • الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
  • الغريب.. والأغرب