السودان موسم الهجرة إلى المجهول
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
هدير الطائرات يتداخل مع زلزلة رعد السماء يزاحمان الضباب الأسود الكثيف، الناس يهرون حاملين بضع ما تبقى من متاع مهترئة شردتهم الحرب على الطرقات مزقت احلامهم وأفقدتهم الأمان.. هجرت الطيور كما البشر حدائق 6 إبريل بقلب العاصمة السودانية المثلثة الخرطوم وانطفأت فرحة اقتران النيلين الأبيض والأزرق عند «المقرن» فيما كان يعرف بأطول قبلة عرفها التاريخ ليشكلا نهر النيل شاقا طريقه لشمال القارة السمراء.
لم يعد الخريف موسما مناخيا فحسب فى البلد الشقيق المكتوى بنار الصراع بين الاخوة الاعداء ولكنه حمل معه حرب اخرى زادت « الطين بلة» ودفعت بالسودانيين للبحث عن ملاذ جديد للنزوح.. ربما نتلعثم من كثرة إحصاء عدد مرات النزوح على مدار عام ونصف من الحرب الضروس بين الجيش وقوات الدعم السريع
وشيدت مخيمات النازحين دون مراعاة للظروف المناخية مثل الأمطار والرياح والغالبية منها فى مواقع منخفضة لتصبح بؤرة لتجمع مياه السيول وتجددت معاناة المقيمين بالمخيمات الصناعية بمدينة كسلا شرق السودان بعد أن اجتاحت مياه الأمطار الغزيرة التى جرفت خيامهم فقد كتب عليهم النزوح وهم كارهون.
يؤكد بعض من شهود العيان ان المياه الراكدة تجمعت فى دور الإيواء منذرة بتوالد البعوض والذباب، وبالتالى انتشار أمراض مثل الملاريا وغيرها مع الحاجة اللى شفط المياه وعمل مجار تساهم فى تصريفها.
وأشاروا إلى أن وضع الحمامات والمراحيض فى مراكز الإيواء مخالف للظروف الصحية والبيئية، بعد أن طفت مخلفات الصرف الصحى مما يتطلب تجفيفها خشية انتشار الأمراض مما دعا المنظمات الأهلية والنشطاء للاطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعى لانقاذ الضحايا.
العراب
يطل «الطيب صالح» الأديب الراوئى السودانى الكبير من إحدى نوافذ السماء بملامح» مصطفى سعيد»- بطل راويته « موسم الهجرة إلى الشمال»- ليحصد الاجابات المرة لواقع يكسر كل حدود العقل فى الاجابة عن استفهاماته.
بصعوبة يحاول «صالح» ضبط خطواته المنزلقة فى وحل الطرقات فيما تغرق المياه نصف جسده النحيل -بفعل الايام- يقطع صدمته عويل السيدات وصراخ الاطفال ليتساءل مــن أيــن يأتى هـــؤلاء ؟
لم تعد السماء صافية فوق أرض السودان فقد حجبوها بالأكاذيب وفقد النازحون بوصلتهم لمطار الخرطوم يهيمون على وجوههم يريدون الهرب إلى أى مكان تخونه العبرات وهو يهمهم «ضاق عليهم البلد الذى مزقته الحرب ولم يعد يتسع لهم كأنى بهم ينتظرون منذ تركتهم فى ذلك اليوم عام ثمانية وثمانين»!
لا أحد يهمّه أمرهم يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى؟ وعن الأمن والناس فى ذُعر؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟
يتداخل طيف « الطيب» فى خطوات «مصطفى سعيد» بينما ظلهما ممد على الأرض كشجرة « شاف» أنهكتها طعنات المطرقة فتوارات لتسرق بضع دقائق وتستريح من طعنات الموت.
يتقاسم « الطيب وطيفه بعض من « الكسرة» – نوع من الأكلات السودانية- وكوب من الجبنة» نوع من القهوة « على وقع «ونسة» قلما جادت بها الأيام فى ذلك الظرف الإنسانى الاستثنائي
«أنا إنسان بسيط، المتدينون يعتبروننى ماجنا والمعربدون يحسبوننى متدين أى ثمن باهظ يدفعه الإنسان حتى تتضح له حقيقة نفسه وحقيقة الأشياء» بينما يدير بيده المرتعشة مؤشر مذياع قديم كان حظه وفيرا للنزوح يقطعه موجز للانباء.
يخوض الجيش السودانى بقيادة رئيس مجلس السيادة «عبد الفتاح البرهان»، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتى»، منذ منتصف أبريل من العام الماضى حربا أسفرت عن نحو 150 ألف شهيد وملايين المشردين مابين نازح ولاجئ حسب إحصاءات سودانية وإنسانية وحقوقية متعددة.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية- وللأسف مجرد حبر على ورق– لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذى امتد إلى 12 ولاية من أصل 18 فى البلد الشقيق فضلا عن موسم الخريف المعروف بفيضانه فيما غرقت معظم الولايات خاصة الشرقية على البحر الأحمر.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي، أنه سيوسع بشكل عاجل جهوده لتوفير المساعدات الغذائية المنقذة للحياة فى السودان، حيث يعانى حاليا 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائى الحاد، وهو رقم تضاعف ثلاث مرات تقريبا منذ عام 2019؛ ويعانى ما يقرب من أكثر 5 ملايين من مستويات الجوع الطارئة، كما تصدر السودان قائمة الدول الأعلى تسجيلًا فى مفوضية اللاجئين بمصر، هذا إضافة إلى قوائم المهاجرين ممن ينتظرون الإشارة بالرحيل، أو من تقطعت بهم السبل.
وحذر برنامج الأغذية العالمي، أن موسم الأمطار فى السودان دمر الطرق ولم تعد صالحة للمرور مما يجهض كل المحاولات الإنسانية لإنقاذ الأبرياء.
يقول الصحفى السودانى « عزمى عبد الرازق « فى شهادته على أضخم كارثة إنسانية فى التاريخ أرخت بظلالها الموحشة على بلاده» مثل العديد من السودانيين فقد رأيت الحرب كفاحًا، كان أولها كلامًا وشرارة تشظّت– بصورة سينمائية – لدرجة أننى بقيت محاصرًا داخل جزيرة توتى وسط الخرطوم، لعدة أشهر، دون ماء وكهرباء أو طعام كاف»
ويستكمل « عبد الرازق « لم تكن تلك هى المشكلة الوحيدة، كان الرصاص يخترق النوافذ التى ظلت مغلقة على الدوام، ولذلك لم يكن ثمة مجال للنجاة من الموت سوى النزوح، وقطع مسافات ماراثونية؛ لأجل الوصول إلى أى مكانٍ آمن، وتقديم طلبات اللجوء».
ولا يزال السلام بتعدد منابره لوقف الحرب يراوح مكانه فى العواصم المكيفة بينما تغلى الخرطوم وأخواتها على مرجل المجهول.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حرب منسية المجهول السودان الاخوة الاعداء
إقرأ أيضاً:
السودان يثمن اعتذار أوغندا عن تصريحات قائد جيشها باجتياح الخرطوم
ثمّنت الحكومة السودانية اعتذار أوغندا رسميا عن تصريحات نجل الرئيس يوري موسيفيني باجتياح الخرطوم.
وقالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان أمس الأحد، إنها تُعرب عن ترحيبها باعتذار الحكومة الأوغندية رسميا عن التصريحات التي نُشرت في منصة إكس، في 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، باسم قائد قوات الدفاع الأوغندية.
وكان موهوزي موسيفيني نجل الرئيس الأوغندي والذي يشغل منصب قائد الجيش قد كتب على منصة إكس قائلا "سنتمكن من الاستيلاء على الخرطوم بدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقب تسلمه رئاسة الولايات المتحدة. سوف تنتهي هذه الفوضى في السودان قريبا"، قبل أن يحذف ما كتبه لاحقا.
وطالبت الحكومة السودانية أوغندا باعتذار رسمي عن تلك التصريحات التي وصفتها بالمؤسفة.
وقالت وزارة الخارجية الأوغندية، في مذكرة وجهتها لسفارة السودان بكمبالا، إن تلك التعليقات لا تمثل الموقف الرسمي للحكومة الأوغندية، وإن منصة إكس ليست القناة الرسمية لإعلان مواقف الحكومة الأوغندية.
وأكد بيان وزارة الخارجية الأوغندية التزام الحكومة بالتعايش السلمي وتقوية العلاقات الثنائية مع السودان، بما في ذلك التعاون لمعالجة تحديات السلم والأمن.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
إعلانوتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.