حمود الطوقي
تأملت وأنا في مسقط التصفيق الحار من قبل المرضى والمُمرضين والطاقم الطبي وأهالي غزة الأبية، عندما كان ينجز الطبيب العُماني العائد من غزة، والتي قضى فيها قرابة الخمسة أسابيع أجرى خلالها نحو 300 عملية جراحية هاني القاضي، لإنقاذ أرواح المدنيين من أبناء غزة؛ حيث قامت الآلة الإسرائيلية بقصفهم دون رحمة ولا إنسانية، تأمَّلتُ ذلك وكيف كان الدكتور هاني ورفاقه من الأطباء يتلقون التَّحية والتصفيق من قبل المدنيين بعد إنجاز كل عملية جراحية ناجحة.
تأمَّلتُ سيلًا من القذائف العشوائية التي كانت تسقط وتستهدف المدنيين، وكيف يتَّحد أبناء غزة لإنقاذهم وحمل المصابين لتلقي العلاج.. تأملت هذه المشاهد الإنسانية كما لو أنني كُنت معهم في هذا العمل الإنساني.
وفي نفس الوقت، استحضرتُ هذه المشاهد الإنسانية وأنا اتابع كلمة رئيس وزراء الكيان أمام أعضاء مجلس الكونجرس. قارنتُ بين تصفيق الجرحى والمصابين للطبيب العُماني الذي استحقَّ هذا التصفيق بامتياز، وذلك التصفيق الساذج والكاذب لأعضاء الكونجرس للمجرم المدعو نتانياهو، والذي لم أرَ في حياتي سذاجة مثلما رأيت في كلمته الملفّقة والساذجة التي ألقاها أمام الكونجرس، هذه الكلمة رغم أنها عرَّت وبشكل يُثير السخرية، لكنها حظيت بتصفيق من أعضاء الكونجرس، تصفيقاً غير حقيقي ومتكلف وتمثيلياً.
هذه الكلمة المصطنعة ستترُك وصمةَ عار سلبي على الشعب الأمريكي؛ حيث انكشفت وتجلَّت معالم السخرية كما لم تتجلَ من قبل؛ فكل من تابع الكلمة وحتى الأطفال أصيبوا بدهشة التصفيق المصطنع، لهذا النتن والممثل الفاشل، الذي يستخدم كل "فنون النصب" التي أصلاً لا يجيد غيرها، لكسب مزيد من التصفيق من قبل الصهاينة والمتصهينين، ولعله من خلال هذه الكلمة الساخرة، سيزيد كُره العالم المُحِب للسلام لهذه الشخصية العدوانية، النتن ورفاقه ومن يدعمونهم من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة ذلك العجوز الخرف بايدن؛ فهؤلاء القتلة يقودون منذ السابع من أكتوبر حرب الإبادة الشاملة تجاه شعب أعزل، همه الوحيد أن يعيش وينعم بسلام واستقرار كبقية شعوب العالم. فهذه الحرب العبثية ستزيد كراهية العالم لدولة الصهاينة ومن يتحالفون معهم. أمَّا دولة الاحتلال فحتماً ستزول وسينتصر الشعب الفلسطيني البطل. فالنصر الفلسطيني سيكون بالعزيمة والمقاومة، وسيكثف التاريخ الجرم باستهداف الكيان الصهيوني السلاح، المحرم دوليا؟
كنت أتساءل وأنا أتابع هذا الخطاب كيف لهؤلاء السذج أن يصدقوا وهم يصفقون لهذا المعتوه وهم يعلمون أنه يلقي قنبلة وزنها أطنانًا على المدنيين في قطاع غزة، ويقتل الأطفال والنساء ولا يجد القانون الأمريكي ولا الدولي مجالًا لمحاكمة هؤلاء المجرمين، هؤلاء هم من شرعوا بالقتل. والشيء الغريب والأكثر غرابة أنَّ هذا المعتوه يفتخر أمام هذا السيل من التصفيق بأن حكومته تحمي الكيان والمصالح الأمريكية لذلك؛ فقد طلب المزيد من السلاح، الأمريكي في الوقت الذي طالب بجعل غزة منزوعة السلاح. هذا هو مضمون خطاب نتانياهو، والباقي تفاصيل استعراضية لا معنى لها؛ حيث ظاهرة التصفيق الكاذبة التي تنسجم مع كذب المتحدث. المتتبع للغة الجسد سيكتشف منذ الوهلة الأولى أن نتناياهو في أعماقه لا يشعر بالنصر ولا بالبطولة، ولا أعضاء الكونجرس كذلك؛ فالميدان العسكري في غزة هو من قرَّر من هو البطل ومن هم الجبناء القتلة.
كل من كانوا يصفقون في تجمع الكونجرس يعرفون كيف علَّمت المقاومة جنود الاحتلال درسًا لن ينسوه، ورغم حجم المآسي بتدمير البنية التحتية في غزة إلا أنَّ أهالي غزة يشعرون بأنَّ النصر قريب، ويعرف المصفقون أن ما نجحت فيه حليفتهم فقط هو قتل المدنيين وتخريب جميع أنواع الممتلكات بما فيها الأشجار والكتب والبيوت.
وكلهم يعرفون أنَّ هذا الحليف غير قادر أصلاً لا على حماية نفسه، فكيف سيحمي الولايات المتحدة. كلهم يعرفون أن الاتصالات الأمريكية الآن وغدا، والتي تجري في الخفاء، تجري من جهات أخرى يبدو أنها الأقوى؛ ومثال الأفلام الأمريكية معروف في الانحياز للقويّ.
إنَّ الصهيوني المتطرف نتناياهو يعلم يقينا أنَّ كل التصفيقات لن تحقق له غاياته الشخصية الاستبدادية في الحكم من جهة، ولن تنقذ دولة الاحتلال. يُكرِّر في كلمته الكاذبة والمصطنعة مخاطبا الأمريكان: "نحن نحميكم"!
أية سخرية هذه التي حدثت في الكونجرس الممثل للدولة الكبرى في العالم، وهو الذي يشدد على "أن أعداء إسرائيل هم أيضا أعداء الولايات المتحدة، نحن لا نحمي أنفسنا فقط. نحن نحميكم، أعداؤنا هم أعداؤكم، معركتنا هي معركتكم، وانتصارنا هو انتصاركم". أية أخلاق هذه التي تقرها الدولة الأولى في العالم؛ فهل فعلا أعداء الاحتلال هم بالضرورة أعداء الولايات المتحدة؟ أي سذاجة تلك التي يستمع لها نواب الشعب الأمريكي.
فلهذا يضع نتانياهو فشله بطلب المزيد من السلاح الأمريكي ومن الدول الحليفة المتصهينة، هذه هي اللغة التي يعرفها الاحتلال منذ تكونت عصاباته الغادرة على أرض فلسطين، حتى الآن وغدا، فدولة احتلال لا تعيش إلا بطلب المزيد من السلاح لابادة شعب اعزل. يشعر نتانياهو بالفخر عندما يدعو الولايات المتحدة إلى تسريع وتيرة دعمها العسكري لإسرائيل المحتلةً للمساعدة في وضع حد للحرب في غزة، هذا الذي كشفته الحرب الجبانة على غزة؟ فهل كانت دولة الاحتلال بدون سلاح؟ هل نقصها السلاح فعلا؟ الجواب أن حامل السلاح ليس بالضرورة فارسا، فقط كانت الحرب على المدنيين وأرضهم.
ادَّعى نتانياهو "أن تسريع المساعدات العسكرية الأمريكية يمكن أن يسرع بشكل كبير إنهاء الحرب في غزة، ويساعد في منع اندلاع حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط". إنه ادعاء غريب كذبته أسلحة المقاومة البسيطة.
غزة بدون سلاح، أية مفارقة هذه التي نعيشها؟! يريد الاحتلال مزيدا من السلاح في الوقت الذي يسعى لوجود غزة بدون سلاح، فلمن إذن تعبِّئ دولة الاحتلال مخازنها؟
يدَّعي نتانياهو أن "غزة منزوعة السلاح وخالية من المتطرفين يمكن أيضا أن تفضي إلى مستقبل من الأمن والازدهار والسلام. تلك هي رؤيتي حيال غزة". تلك هي كذبته المفضوحة، وهو الذي ينحر غزة من الوريد الى الوريد.
يعود نتانياهو من الولايات المتحدة "وهو نافخ ريشه" كطاووس، لكنه لا يرى عري رجليه القبيحتين، تلك الطاووسية لن تجلب أمنا ولا سلاما.
تعب المصفقون من التصفيق، وبان تكلفهم، بل بان تثاقلهم حين القيام للتصفيق، منتظرين بشغف انتهاء الخطاب، وهم تحت تأثير الخوف من اللوبي المؤيد لليهود، في الوقت الذي تظاهر يهود الولايات المتحدة ضد جرائم الحرب.
يقول كل ما يقوله مطالبا بإشاعة ثقافة عدم كراهة اليهود، فعن أي يهود يتحدث نتانياهو؟ عن أي أزمنة وأمكنة؟ هل هناك من قرأ تاريخ اليهود في أوروبا والولايات المتحدة؟ وهل هناك من قرأ تاريخ اليهود في داخل المجتمع العربي والإسلامي؟
"أنا لا أكره الناس.. ولا أسطو على أحد.. ولكني إذا ما جعت.. آكل لحم مغتصبي.. حذارِ.. حذارِ.. من جوعي ومن غضبي".. هكذا حسم شاعرنا الكبير محمود درويش هذه المسألة، فشعب فلسطين العريق والإنساني شعب يعي الفرق بين الاحتلال والأديان مهما كانت.
وهكذا ارتاح أعضاء الكونجرس خصوصا من غزا الشيب مفارقهم، وصفقوا للمرة الأخيرة، مودعين نتانياهو بعد بذل ما بوسعه لحماية الولايات المتحدة!
لا بارك الله الحلف العدائي بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، ولن يبارك الشعب الأمريكي هذا التحالف الذي يتم فيه ذبح فلسطين باسمه.
تلك قصيدة محمود درويش "عن إنسان":
وضعوا على فمه السلاسلْ رابطوا يديه بصخرة الموتى.. وقالوا: أنت قاتلْ!.. أخذوا طعامَهُ والملابسَ والبيارقْ ورموه في زنزانة الموتى.. وقالوا: أنت سارقْ!.. طردوه من كل المرافئْ أخذوا حبيبته الصغيرة.. ثم قالوا : أنت لاجئْ! يا دامي العينين والكفين! إن الليل زائلْ لا غرفةُ التوقيف باقيةٌ ولا زَرَدُ السلاسلْ! نيرون مات ولم تمت روما.. بعينيها تقاتلْ! وحبوبُ سنبلةٍ تموت! ستملأُ الوادي سنابلْ"!
لم تمت غزة كما لم تمت فلسطين، ولا نتانياهو بخالد، ولا بايدن ولا ترامب. ستعيش الشعوب يوما بسلام واحترام. أما القتلة، فلن يذكرهم التاريخ.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ترامب يؤكد وقوفه إلى جانب نتانياهو على جميع الصعد
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، بعد مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقوفه إلى جانبه على جميع الصعد.
وكتب ترامب عبر حسابه على منصة تروث سوشيال: ": تحدثت إلى نتنياهو بشأن إيران والتجارة".
وأضاف الرئيس الأميركي: "المكالمة على ما يرام، فنحن متفقون بشأن جميع القضايا".
كانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد نقلت عن مصادر مطلعة داخل الإدارة الأميركية ومسؤولون على علم بخطط إسرائيلية سرية، أن ترامب أوقف هجوما عسكريا إسرائيليا كان مقررا في مايو المقبل ضد منشآت إيرانية نووية، مفضلا فتح باب التفاوض مع طهران للتوصل إلى اتفاق يقيد برنامجها النووي.
وبحسب الصحيفة الأميركية فإن إسرائيل كانت قد وضعت بالفعل خططا لمهاجمة منشآت نووية إيرانية بمساعدة من واشنطن خلال أسابيع، بهدف تعطيل قدرة طهران على تطوير سلاح نووي لمدة عام على الأقل.
وأفادت أن تنفيذ هذه الخطة كان يتطلب دعما أميركيا مباشرا، سواء لصد أي رد إيراني محتمل أو لضمان نجاح الضربات الجوية.
لكن قرار ترامب، بحسب "نيويورك تايمز"، أجهض خطط إسرائيل، بعد أشهر من الجدل داخل الإدارة الأميركية بين "صقور" يدفعون نحو دعم التحرك العسكري الإسرائيلي، وآخرين أكثر تشككا في جدوى شن هجوم يمكن أن يشعل حربا إقليمية أوسع في الشرق الأوسط.
وبحسب مصادر الصحيفة، خلصت إدارة ترامب إلى "توافق هش" لصالح المسار الدبلوماسي، تزامنا مع بدء المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، والاتفاق على استئنافها.
وأضافت، أنه "في اجتماع عقد في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن، أبلغ ترامب ضيفه بشكل مباشر أن الولايات المتحدة لن تدعم الضربة المخطط لها".
وعبر نتنياهو عن موقفه بعد لقاء ترامب، بقوله إن "أي اتفاق مع إيران لا بد أن يتيح للموقعين عليه تفجير المنشآت النووية وتفكيك المعدات تحت إشراف وتنفيذ أميركي".
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه "بينما كانت إسرائيل تراهن على الدعم الأميركي، بدأت واشنطن نقل حشود عسكرية إلى المنطقة، من بينها حاملة الطائرات كارل فينسون، وقاذفات (بي 2)، ونظام الدفاع الصاروخي (ثاد)، في خطوة فسرها البعض على أنها استعداد لدعم محتمل للضربة الإسرائيلية على إيران".
لكن مصادر مطلعة أوضحت أن هذه التحركات "قد تستخدم أيضا ضد الحوثيين في اليمن، أو للرد على أي رد فعل إيراني محتمل".