الدكتور إدريس الفهري: مقصد بعثة الرسول هو في جوهره تتميم لمكارم الأخلاق
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
أكد الدكتور إدريس الفاسي الفهري، الأستاذ بكلية الشريعة بفاس ونائب رئيس جامعة القرويين بالمملكة المغربية، أن مقصد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في جوهره تتميم لمكارم الأخلاق، كما اشتهر من رواية الإمام البيهقي: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وفي رواية الإمام مالك بلاغًا: حَسن الأخلاق، وفي رواية الإمام أحمد: صالح الأخلاق.
وجوهر مفهوم الفتوى بما هو عليه من العموم في الاستجابة لحاجات أهل الإسلام، هو مقصد التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام الغزالي في كتاب نهج الشريعة: «ولا يُستغنى عن الفقيه المفتي المنصوب في الناحية بالقاضي، فإن القاضي مُلْزِمُ من رُفعَ إليه عند التنازع، والمفتي يَرجع إليه المسلم في جميع أحواله العارضة.»
وأضاف خلال كلمته في جلسة الوفود بمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، أن حاصل الجمع بين هاتين المقدمتين كل الوفاء بجوهر هذا اللقاء، فإن المعهود في المفتي أن يرشد قبل الإدلاء بفتواه، وفي أثنائها، وفي ختامها، إلى مقتضيات الأخلاق المحمدية، والبناء الأخلاقي العام الذي يتفرد به الهدي الإسلامي، والفقيه المفتي يُثَوِّرُ القرآن، ويستهدي بالهدي النبوي، وبأقوال وسلوك الأئمة المهتدين، كما يَـمْتَحُ من معطيات الأعراف القويمة، ومقتضيات الأخلاق المستقيمة، ومخرجات العقول السليمة، بحيث إذا ذكر الحقوق لا يغفل عن الوجه الآخر للقضية، وهو ما يستلزمه كل حق من الواجب أو من الواجبات، وبحيث إذا تحدث الناسُ عن إعلان حقوق الإنسان هكذا على إطلاقه، يبين لهم أن المفترض دينيًّا، وهو ما جاء به القرآن، وتواترت به السنن: الالتزام بإعمال وتفعيل تكريم الإنسان.
مؤكدًا أنه إذا جاء الناس بتقنين أخلاقي يتحدث عن اللذة والمنفعة والمصالح مطلقًا، يبين أن لكل منفعة أو لذة أو مصلحة وجوهًا من الاعتبار، ومسبارًا تترتب فيه الأولويات وتراعى فيه الموازنات. وإذا بنى عليها حكمًا حدد له مناطه العام ومناطه الخاص لتقاس المصلحة بحسب ما تنطوي عليه من الصلاح والإصلاح، ولتنفي عنها شوائب الفساد، وهذا مما قد غدا أوجب من كل وقت مضى، فإن العالم من حولنا صائر إلى افتقاد الآدمية ومقتضياتها الدينية، والأخلاقية، والاجتماعية، بداعي التحرر على إطلاقه تارة، وبداعي الحقوق المطلقة تارة، وبداعي المنفعة والمصلحة المطلقة تارات أخرى.
كما أن المجتمع الدولي الذي لا يمكن الفكاك عن التعامل معه صائر إلى التنكُّب عن مقتضيات الكرامة الإنسانية، والمعروفِ من الأخلاق الكونية، إلا فيما يُلاكُ من الشعارات بحسب المناسبات، ومن آية ذلك أن القانون الدولي بمعاهداته ومواثيقه ممتنعٌ عن التفعيل، ومتعذرٌ على الإلزام بداعي سيادة الدول، وموازين العدل فيه مائلةٌ صعودًا ونزولًا بميلان موازين القوة.
وتابع: الحديث ذو شجون، ولا يتسع المقام لبث شؤونه، ولكن أرى لزامًا أن أثير في هذا المقام نقاطًا أربعًا تتعلق بمفهوم الفتوى، وواجب المفتين، وهي مما لا أشك أن السادة الحاضرين في هذا المجمع الكريم من أعلام المفتين يشاركونني الرأي فيه:
الأولى: أن مما حققه بعض السادة الشافعية أن الفتوى: «جواب حديث لأمر حديث.». فليست الفتوى بالعلم البائت ولا في الأمر الفائت، وإنما هي البصر بالواقع والمتوقع. بل لقد ذهب الإمام الغزالي إلى نفي صفة الفقه عمن لا يوفي بهذا القدر، ونصه: «إذا لم يتكلم الفقيه في مسألة لم يسمعها ككلامه في مسألة سمعها، فليس بفقيه.».
والثانية: أن المفتي الذي لا يتصور ما يجري من حوله بالدقة اللازمة، ولا ينظر من وراء سُجُفِ الأحداث حقائقها، ولا يستشرف مآلها، ولا يقدر التقدير الصحيح عواقب ما يصدر عنه من الفتاوى، ولا يتسلح لذلك بالعدة المعرفية الكافية في عموم معارف عصره، لا يعد فقيهًا، بل لـمَّا يشمَّ أنفُه رائحة الفقه. قال الخطيب البغدادي: «واعلم أن العلوم كلها أبازير الفقه، وليس دون الفقه علم إلا وصاحبه يحتاج إلى دون ما يحتاج إليه الفقيه، لأن الفقيه يحتاج أن يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وإلى معرفة الجد والهزل، والخلاف والضد، والنفع والضر، وأمور الناس الجارية بينهم، والعادات المعروفة منهم.».
والثالثة: أن من بين المتوسمين بالعلم أنماط يقوم قولهم وسلوكهم مقام الفتوى، وهؤلاء هم الخطباء في الجمعات والأعياد، والوعاظ في الجوامع والمجامع، والأئمة القائمون على المساجد، والمدرسون خصوصًا من تهمَّم منهم بدرس في مادة شرعية أيًّا كانت. وهؤلاء كلهم ممن ينبغي أن يتصدروا درس الأخلاق وأن يتحملوا بين يدي الله كامل المسؤولية فيما يسوقون إليه الناس ممن يرهفون إليهم أسماعهم، أو تبلغهم أصواتهم.
والرابعة: أن ما نحتاجه اليوم وأكثر من أي وقت مضى هو انتهاض المرشدين المستبصرين بواجبهم في الفضاء السيبراني، ليكفوا ركام الغلط، ويحدوا سيل اللغط الذي تدوي به وسائل التواصل المتاحة اليوم، وهو أمر يتوقف عليه أداء مهمتهم في حسن التبليغ، بل إن من أوجب الواجبات التي ينبغي أن تضطلع بها المؤسسات العلمية عمومًا، والمؤسسات القيمة على شأن الإفتاء خصوصًا، الحرص على تكوين، وتأهيل، وانتداب، أفواج من العلماء، ينخرطون بالوتيرة الوافية بهذا الغرض، والكفاءة العالية لتسديده، عسى أن يوفروا ولو قليلًا من التوازن الوازن أخلاقيًّا، الواعي معرفيًّا، في هذا الفضاء السيبراني المفتوح على مصراعيه.
اقرأ أيضاًمفتي تونس: مقدساتنا مستهدفة وقبلتنا الأولى ينكل فيها بشعب شقيق
مستشار الرئيس الشيشاني: البناء الأخلاقي للعالم مهدد بالانهيار بسبب القتل والتدمير
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء دار الإفتاء المصرية مفتي الجمهورية
إقرأ أيضاً:
حكم ذكر اسم الشخص في الدعاء في الصلاة
اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "ما حكم ذكر اسم الشخص في الدعاء في الصلاة؟ فهناك بعض الناس من أهل الفضل عليَّ، فهل يجوز لي أن أقوم بالدعاء لأحدهم في الصلاة مع تعيينه بالاسم؟".
وردت دار الإفتاء موضحة: أنه لا حرج شرعًا على الإنسان من تخصيص أحد من أهل الفضل - كوالديه أو أستاذه- بالدعاء له في الصلاة مع ذِكْر اسمه عند ذلك، سواء أكانت الصلاة فريضة أم نافلة.
مذاهب الفقهاء في حكم الدعاء في الصلاة بغير الواردمن المقرر شرعًا بالكتاب والسُّنَّة استحباب الدعاء، فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وقوله سبحانه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55]، وقوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 110].
ويدل عليه من السُّنَّة ما أخرجه أصحاب السنن والحاكم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ثم قرأ: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ﴾ [غافر: 60].
وما أخرجه الإمام الترمذي في "سننه" من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ».
وعلى ذلك اتفاق جمهور الأمة من العلماء والفقهاء والمحدثين.
قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 395، ط. دار الفكر): [اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدِّثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف: أن الدعاء مستحبٌّ] اهـ.
حكم الدعاء في الصلاةالدعاء في الصلاة مشروعٌ، إلَّا أن فقهاء الحنفية -في ظاهر الرواية- قيدوا ذلك بكون ألفاظ الدعاء موجودة في القرآن الكريم.
قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "البناية" (2/ 277، ط. دار الكتب العلمية): [م: (قال: ودعا).. (بما شاء) ش: أي بالذي شاء م: (مما يشبه ألفاظ القرآن) ش: أراد به كون لفظ الدعاء موجودًا في القرآن، وليس المراد حقيقة المشابهة؛ لأن القرآن معجز لا يشابهه شيء من كلام الناس] اهـ.
وذهب المالكية والشافعية إلى مشروعية الدعاء بكلِّ ما هو خير للعبد في الدين والدنيا والآخرة، وإن كان الدعاء بالوارد وما هو للآخرة أولى.
قال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 251-252، ط. دار الفكر): [(و) ندب (دعاء بتشهد ثان) يعني تشهد السلام بأيِّ صيغة كانت.. (لا) يكره الدعاء (بين سجدتيه) ولا بعد قراءة وقبل ركوع، ولا بعد رفع منه ولا في سجود، وبعد تشهد أخير، بل يندب في الأخيرين، وكذا بين السجدتين؛ لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول بينهما: «اللهم اغفر لي وارحمني واسترني واجبرني وارزقني واعف عني وعافني» (و) حيث جاز له الدعاء (دعا بما أحب) من جائز شرعًا وعادة إن لم يكن لدين بل (وإن) كان (لـ) طلب (دنيا..)] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 265، ط. المكتب الإسلامي): [ويستحب الدعاء بعد ذلك، وله أن يدعو بما شاء من أمر الدنيا والآخرة، وأمور الآخرة أفضل... والصواب الذي عليه الجماهير جواز الجميع. لكن ما ورد في الأخبار أحب من غيره] اهـ.
واختلفت الرواية عن الحنابلة فيما يُشرع به الدعاء في الصلاة، فاتفقوا على مشروعية بما ورد من قرآن وسُنَّة، وأما غير المأثور فلا يجوز إلا إذا كان يوافق المأثور ويقصد به الآخرة، أما ما يقصد به تحصيل ملاذِّ الدنيا وحوائجها فاختلفت فيه الرواية عن الإمام أحمد أيضًا بين الجواز وعدمه.
قال الإمام المرداوي في "الإنصاف" (2/ 81-82، ط. دار إحياء التراث العربي) في الدعاء بغير الأدعية المأثورة من القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية وما ورد عن الصحابة والسلف الصالح: [مفهوم كلام المصنف: أنه إن دعا بغير ما ورد في الأخبار: أن به بأسًا، وهو قسمان: أحدهما: أن يكون الدعاء من أمر الآخرة كالدعاء بالرزق الحلال، والرحمة والعصمة من الفواحش ونحوه، ولو لم يكن المدعو به يشبه ما ورد فهذا يجوز الدعاء به في الصلاة، على الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه الجمهور.. وعنه: لا يجوز، وتبطل الصلاة به في وجه.. القسم الثاني: الدعاء بغير ما ورد، وليس من أمر الآخرة، فالصحيح من المذهب: أنه لا يجوز الدعاء بذلك في الصلاة، وتبطل الصلاة به. وعليه أكثر الأصحاب، وعنه: يجوز الدعاء بحوائج دنياه، وعنه: يجوز الدعاء بحوائج دنياه وملاذها] اهـ.
حكم ذكر اسم الشخص في الدعاء في الصلاةأما الدعاء في الصلاة لشخصٍ معين بذكر اسمه، فقد اختلف الفقهاء في مشروعيته: فذهب المالكية والشافعية، والحنابلة في الصحيح من المذهب إلى جواز ذلك.
قال الإمام الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 251-252): [(و) ندب (دعاء بتشهد ثان) يعني تشهد السلام بأيِّ صيغةٍ كانت.. (لا) يكره الدعاء (بين سجدتيه) ولا بعد قراءة، وقبل ركوع ولا بعد رفع منه، ولا في سجود وبعد تشهد أخير، بل يندب في الأخيرين، وكذا بين السجدتين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول بينهما: «اللهم اغفر لي وارحمني واسترني واجبرني وارزقني واعف عني وعافني» (و) حيث جاز له الدعاء (دعا بما أحب) من جائز شرعًا وعادة إن لم يكن لدين بل (وإن) كان (لـ) طلب (دنيا وسمَّى) جوازًا (من أحب) أن يدعو له أو عليه] اهـ.
وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (2/ 227، ط. دار المنهاج) وهو يُرجِّح عدم منع ذلك: [فتسمية الواحد منَّا في دعائه شخصًا وشيئًا بمثابة ما صحت الرواية فيه] اهـ.
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 82): [يجوز الدعاء في الصلاة لشخصٍ معينٍ في الصحيح من المذهب، كما كان الإمام أحمد يدعو لجماعة في الصلاة، منهم الإمام الشافعي رضي الله عنهم] اهـ.
كما حقق العلامة زين الدين ابن نجيم الحنفي مشروعية ذلك؛ حيث قال في "البحر الرائق" (1/ 351، ط. دار الكتاب الإسلامي): [يمكن أن يقال: إنه على الخلاف أيضًا وإن الظاهر عدم الفساد به، ولهذا قال في "الحاوي القدسي": من سنن القعدة الأخيرة الدعاء بما شاء من صلاح الدِّين والدنيا لنفسه ولوالديه وأستاذه وجميع المؤمنين، وهو يفيد أنه لو قال: اللهم اغفر لي ولوالدي ولأستاذي لا تفسد، مع أن الأستاذ ليس في القرآن، فيقتضي عدم الفساد بقوله: اللهم اغفر لزيد] اهـ.
والقول بالجواز هو المختار، وذلك لموافقته لما ورد في السُّنَّة المطهرة من تخصيص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشخاصًا بعينها في القنوت، فقد أخرج الإمام البخاري -واللفظ له- ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو في القنوت: «اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف».
ووجه الدلالة: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر أشخاصًا بأسمائهم، وهذا أيضًا روي عن غير واحد من الصحابة الكرام والتابعين والسلف الصالح أجمعين رضوان الله عليهم.
قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (2/ 450، ط. مكتبة الرشد): [روي عن ابن عمر أنه قال: "إني لأدعو في صلاتي حتى لشعير حماري وملح بيتي"، وعن عروة بن الزبير مثله. وكان رسول الله يدعو في الصلاة فيقول: «اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين، واشدد وطأتك على مضر». فإن قيل: يحتمل أن يكون هذا وقت إباحة الكلام في الصلاة، ثم نسخ بعد ذلك. قيل: قد روي عن السلف استعمال الحديث، ولا يجوز أن يخفى عليهم نسخه لو نسخ، فكان علي بن أبي طالب يقنت في صلاة على قوم يسميهم، وكان أبو الدرداء يدعو لسبعين رجلًا في صلاته، وعن ابن الزبير أنه كان يدعو للزبير في صلاته، فإذا انضاف قول هؤلاء إلى قول عروة وابن عمر جرى مجرى الإجماع؛ إذ لا مخالف لهم] اهـ.
ومما يدل على مشروعية ما ذهب إليه الجمهور من مشروعية الدعاء لشخصٍ معينٍ باسمه أيضًا ما أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء».
فالأمر بالدعاء جاء في الحديث عامًّا، والقاعدة أنَّ اللفظ العام يبقى على عمومه، والمطلق يجري على إطلاقه حتى يأتي مُخَصِّص أو مُقَيِّد. يُنظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (5/ 8، ط. دار الكتبي)، و"التلويح على التوضيح" للعلامة التفتازاني (1/ 117، ط. مكتبة صبيح).
وفي هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة ما يدل على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
قال الإمام زين الدين العراقي في بيان وجه دلالة حديث "الصحيحين" المذكور سابقًا وغيره في "طرح التثريب" (2/ 291، ط. الطبعة المصرية القديمة): [فيه حجة على أبي حنيفة في منعه أن يدعى لمعينٍ أو على معينٍ في الصلاة، وخالفه الجمهور فجوزوا ذلك لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة] اهـ.
وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فلا حرج شرعًا على الإنسان من تخصيص أحد من أهل الفضل -كوالديه أو أستاذه- بالدعاء له في الصلاة مع ذِكْر اسمه عند ذلك، سواء أكانت الصلاة فريضة أم نافلة.