أكد الدكتور إدريس الفاسي الفهري، الأستاذ بكلية الشريعة بفاس ونائب رئيس جامعة القرويين بالمملكة المغربية، أن مقصد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في جوهره تتميم لمكارم الأخلاق، كما اشتهر من رواية الإمام البيهقي: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وفي رواية الإمام مالك بلاغًا: حَسن الأخلاق، وفي رواية الإمام أحمد: صالح الأخلاق.

وجوهر مفهوم الفتوى بما هو عليه من العموم في الاستجابة لحاجات أهل الإسلام، هو مقصد التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام الغزالي في كتاب نهج الشريعة: «ولا يُستغنى عن الفقيه المفتي المنصوب في الناحية بالقاضي، فإن القاضي مُلْزِمُ من رُفعَ إليه عند التنازع، والمفتي يَرجع إليه المسلم في جميع أحواله العارضة.»

وأضاف خلال كلمته في جلسة الوفود بمؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، أن حاصل الجمع بين هاتين المقدمتين كل الوفاء بجوهر هذا اللقاء، فإن المعهود في المفتي أن يرشد قبل الإدلاء بفتواه، وفي أثنائها، وفي ختامها، إلى مقتضيات الأخلاق المحمدية، والبناء الأخلاقي العام الذي يتفرد به الهدي الإسلامي، والفقيه المفتي يُثَوِّرُ القرآن، ويستهدي بالهدي النبوي، وبأقوال وسلوك الأئمة المهتدين، كما يَـمْتَحُ من معطيات الأعراف القويمة، ومقتضيات الأخلاق المستقيمة، ومخرجات العقول السليمة، بحيث إذا ذكر الحقوق لا يغفل عن الوجه الآخر للقضية، وهو ما يستلزمه كل حق من الواجب أو من الواجبات، وبحيث إذا تحدث الناسُ عن إعلان حقوق الإنسان هكذا على إطلاقه، يبين لهم أن المفترض دينيًّا، وهو ما جاء به القرآن، وتواترت به السنن: الالتزام بإعمال وتفعيل تكريم الإنسان.

مؤكدًا أنه إذا جاء الناس بتقنين أخلاقي يتحدث عن اللذة والمنفعة والمصالح مطلقًا، يبين أن لكل منفعة أو لذة أو مصلحة وجوهًا من الاعتبار، ومسبارًا تترتب فيه الأولويات وتراعى فيه الموازنات. وإذا بنى عليها حكمًا حدد له مناطه العام ومناطه الخاص لتقاس المصلحة بحسب ما تنطوي عليه من الصلاح والإصلاح، ولتنفي عنها شوائب الفساد، وهذا مما قد غدا أوجب من كل وقت مضى، فإن العالم من حولنا صائر إلى افتقاد الآدمية ومقتضياتها الدينية، والأخلاقية، والاجتماعية، بداعي التحرر على إطلاقه تارة، وبداعي الحقوق المطلقة تارة، وبداعي المنفعة والمصلحة المطلقة تارات أخرى.

كما أن المجتمع الدولي الذي لا يمكن الفكاك عن التعامل معه صائر إلى التنكُّب عن مقتضيات الكرامة الإنسانية، والمعروفِ من الأخلاق الكونية، إلا فيما يُلاكُ من الشعارات بحسب المناسبات، ومن آية ذلك أن القانون الدولي بمعاهداته ومواثيقه ممتنعٌ عن التفعيل، ومتعذرٌ على الإلزام بداعي سيادة الدول، وموازين العدل فيه مائلةٌ صعودًا ونزولًا بميلان موازين القوة.

وتابع: الحديث ذو شجون، ولا يتسع المقام لبث شؤونه، ولكن أرى لزامًا أن أثير في هذا المقام نقاطًا أربعًا تتعلق بمفهوم الفتوى، وواجب المفتين، وهي مما لا أشك أن السادة الحاضرين في هذا المجمع الكريم من أعلام المفتين يشاركونني الرأي فيه:

الأولى: أن مما حققه بعض السادة الشافعية أن الفتوى: «جواب حديث لأمر حديث.». فليست الفتوى بالعلم البائت ولا في الأمر الفائت، وإنما هي البصر بالواقع والمتوقع. بل لقد ذهب الإمام الغزالي إلى نفي صفة الفقه عمن لا يوفي بهذا القدر، ونصه: «إذا لم يتكلم الفقيه في مسألة لم يسمعها ككلامه في مسألة سمعها، فليس بفقيه.».

والثانية: أن المفتي الذي لا يتصور ما يجري من حوله بالدقة اللازمة، ولا ينظر من وراء سُجُفِ الأحداث حقائقها، ولا يستشرف مآلها، ولا يقدر التقدير الصحيح عواقب ما يصدر عنه من الفتاوى، ولا يتسلح لذلك بالعدة المعرفية الكافية في عموم معارف عصره، لا يعد فقيهًا، بل لـمَّا يشمَّ أنفُه رائحة الفقه. قال الخطيب البغدادي: «واعلم أن العلوم كلها أبازير الفقه، وليس دون الفقه علم إلا وصاحبه يحتاج إلى دون ما يحتاج إليه الفقيه، لأن الفقيه يحتاج أن يتعلق بطرف من معرفة كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، وإلى معرفة الجد والهزل، والخلاف والضد، والنفع والضر، وأمور الناس الجارية بينهم، والعادات المعروفة منهم.».

والثالثة: أن من بين المتوسمين بالعلم أنماط يقوم قولهم وسلوكهم مقام الفتوى، وهؤلاء هم الخطباء في الجمعات والأعياد، والوعاظ في الجوامع والمجامع، والأئمة القائمون على المساجد، والمدرسون خصوصًا من تهمَّم منهم بدرس في مادة شرعية أيًّا كانت. وهؤلاء كلهم ممن ينبغي أن يتصدروا درس الأخلاق وأن يتحملوا بين يدي الله كامل المسؤولية فيما يسوقون إليه الناس ممن يرهفون إليهم أسماعهم، أو تبلغهم أصواتهم.

والرابعة: أن ما نحتاجه اليوم وأكثر من أي وقت مضى هو انتهاض المرشدين المستبصرين بواجبهم في الفضاء السيبراني، ليكفوا ركام الغلط، ويحدوا سيل اللغط الذي تدوي به وسائل التواصل المتاحة اليوم، وهو أمر يتوقف عليه أداء مهمتهم في حسن التبليغ، بل إن من أوجب الواجبات التي ينبغي أن تضطلع بها المؤسسات العلمية عمومًا، والمؤسسات القيمة على شأن الإفتاء خصوصًا، الحرص على تكوين، وتأهيل، وانتداب، أفواج من العلماء، ينخرطون بالوتيرة الوافية بهذا الغرض، والكفاءة العالية لتسديده، عسى أن يوفروا ولو قليلًا من التوازن الوازن أخلاقيًّا، الواعي معرفيًّا، في هذا الفضاء السيبراني المفتوح على مصراعيه.

اقرأ أيضاًمفتي تونس: مقدساتنا مستهدفة وقبلتنا الأولى ينكل فيها بشعب شقيق

مستشار الرئيس الشيشاني: البناء الأخلاقي للعالم مهدد بالانهيار بسبب القتل والتدمير

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء دار الإفتاء المصرية مفتي الجمهورية

إقرأ أيضاً:

الصدق في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

الصدق في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يعتبر الصدق من أعظم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام وأمر بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. 

كانت حياة النبي الكريم مثالًا يُحتذى به في الصدق، حيث عرف بين قومه بالصادق الأمين حتى قبل البعثة.

 يُعَدُّ الصدق أساسًا للنجاح في الدنيا والآخرة، ومن خلال دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يمكننا أن نستخلص دروسًا عظيمة حول أهمية التحلي بهذه الفضيلة في حياتنا اليومية.

الصدق في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

#### 1. **الصدق في القول:**
من أعظم صفات النبي صلى الله عليه وسلم هي صدقه في القول، فلم يُعرف عنه كذبٌ قط.

الصدق في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

 كان كل من تعامل معه يثق في كلامه دون تردد. 

حينما بدأ بالدعوة إلى الإسلام، شهد له قومه بالصدق، رغم معارضتهم لدعوته.

 كان هذا الصدق سببًا في إيمان الكثيرين برسالته، فقد كان الناس يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق.

#### 2. **الصدق في الأمانة:**
منذ صغره، عرف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة والصدق في المعاملات.

 كان أهل مكة يودعون أماناتهم عنده، وكان يحافظ عليها بكل حرص. 

حتى في أصعب الأوقات، لم يتخلّ النبي عن أماناته، بل حرص على إعادتها إلى أهلها عند هجرته من مكة إلى المدينة.

 هذا الموقف يبين كيف أن الصدق في الأمانة كان جزءًا لا يتجزأ من شخصية النبي صلى الله عليه وسلم.

التسامح في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

#### 3. **الصدق في الدعوة إلى الله:**
كان النبي صلى الله عليه وسلم صادقًا مع الله في دعوته، فلم يبتغِ من ورائها مكاسب دنيوية. 

تعرض للعديد من الإغراءات والتهديدات كي يتخلى عن دعوته، لكنه بقي ثابتًا على صدقه مع الله، داعيًا الناس إلى الإسلام بكل إخلاص. 

كانت دعوته تتسم بالشفافية والوضوح، فكان يقول الحق دون مجاملة أو تحريف، وهذا ما جعل دعوته تنتشر بين الناس بقوة الحق.

#### 4. **أثر الصدق في المجتمع:**
من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، نرى أن الصدق هو الأساس في بناء مجتمع متماسك وقوي.

 فقد أثبت النبي أن الصدق يعزز الثقة بين الأفراد، ويؤدي إلى بناء علاقات متينة قائمة على الاحترام المتبادل.

 الصدق في التعاملات يضمن حقوق الناس ويجعلهم يعيشون في بيئة يسودها الأمن والأمان. 

من خلال التحلي بالصدق، يمكن لنا أن نحقق الاستقرار والنجاح في حياتنا الشخصية والمهنية.

أهمية الصلاة على النبي في يوم مولده الشريف النبي محمد صلى الله عليه وسلم نموذجا الصدق 

لقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم نموذجًا للصدق في جميع جوانب حياته، سواء في القول أو الفعل.

 من خلال اتباع هذا النموذج، يمكن لنا أن نعزز من قيمة الصدق في حياتنا، مما يؤدي إلى بناء علاقات قائمة على الثقة والاحترام، ويضمن لنا النجاح في الدنيا والآخرة. 

إن التحلي بالصدق هو سر من أسرار سعادة الإنسان ورضا الله عنه.

مقالات مشابهة

  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • أهمية تعزيز الأخلاق الإسلامية في ذكرى المولد النبوي الشريف
  • من الذي سمى الرسول باسم "محمد"؟
  • الصدق في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • المولد النبوي 2024.. الإفتاء تحسم الجدل حول احتفال الرسول صلى الله عليه وسلم بمولده
  • خطبة الجمعة: لماذا يتهاون بعض الناس بقدسية الزواج؟!
  • الجمعة الأولى من ربيع الأنوار.. الطلاق مقصد الشيطان الأعظم
  • كيف تعامل النبي مع زوجاته؟.. مركز الفتوى الإليكترونية يوضح
  • هل الجاثوم له علاقة بالجن.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)
  • انطلاق فعاليات مهرجان الرسول الأعظم بصنعاء