أكد الشيخ صالح حجي مجييف، مستشار رئيس جمهورية الشيشان للشؤون الدينية، خلال كلمته بالمؤتمر العالمي التاسع للأمانة لعامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، أنَّ اجتماعَنا اليومَ لِـمُناقَشَةِ مَوضوعِ الأخلاقِ وطُرُقِ الـمُحافَظَةِ عَليها في عصرِنا الرَّاهن، هو اجتماعٌ في غايةِ الأهميَّة، ذلك لأن وجود الأُمَمِ وبقاءها مُرتَبِطٌ بالـمُحافَظَةِ على الأخلاق، وإنَّنا مَعاشِرَ الـمُسلمينَ نَفْتَخِرُ بالنِّظامِ الأخلاقي في دِينِنا الإسلاميِّ الحَنِيف، ابتِداءً مِنْ مَصْدَرِهِ وأساسِه، فهو رَبَّانِيُّ الـمَصْدَر، وقد بَيَّنَهُ المولَى الجليلُ تباركَ وتعالَى في كتابِهِ العزيزِ، وهذا النِّظامُ الأخلاقي الذي جَسَّدَهُ حبيبُنا المصطفَى محمدٌ صلى الله عليه وسلم في حياتِهِ بأقوالِهِ وأفعالِه، فكان قَبْلَ البِعْثَةِ الصَّادِقَ الأمِين، ونالَ أعلَى وِسامٍ، وَأَرْفَعَ رُتْبَةٍ منَ اللهِ تعالَى عِندما امْتَدَحَه المولَى فقالَ تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

وأضاف خلال كلمته بجلسة الوفود، أنَّ النِّظامِ الأخلاقي في الإسلامِ له أُسُسٌ قَويَّةٌ ومَتِينَة، ومُناسِبَةٌ وصالِحَةٌ لِكلِّ زَمانٍ ومَكان، وكلُّ مُجتَمَعٍ يَتَبَنَّى هذا النَّظامَ سَيَعِيشُ أبناؤُهُ بِأمْنٍ وأمان، مُتحابِّينَ مُتآلِفين، إنَّهُ نِظامٌ شاملٌ يَدخلُ في كلِّ مَجالَاتِ الحياة، الظَّاهرةِ والبَاطِنَة، في عَلاقةِ العبدِ مَعَ رَبِّهِ ومَعَ نَفْسِهِ ومَعَ النَّاس، الأخلاقُ الإسلاميةِ وَاحِدَةٌ لا تَتَجَزَّأ، فالمسلمُ يَتَحَلَّى بالأخلاقِ في جميعِ حالاتِه، في السَّرَّاءِ والضَّرَّاء، في الشِّدَّةِ والرَّخاء، ومعَ جميعِ النِّاسِ على اختلافِ طَبَقاتِهم ومُستَوَياتِهم، والأخلاقُ الإسلاميةُ ثابِتَةٌ لا تَتَغَيَّرُ ولا تَتَبَدَّل، لأنَّ مَنْهَجَها ثابِت، فالفَضِيلةُ في الإسلامِ ثابتة، والرَّذِيلَةُ كَذَلِك، والأخلاقُ الإسلاميةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالعَقيدَةِ والإيمان، فهذا حَبيبُنا المصطفى صَلواتُ رَبِّي وسلامُهُ عليهِ يقول: "لا إيمانَ لـمَنْ لا أمانةَ له"، والأخلاقُ الإسلاميةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالعبادات، فَعَلَى سَبيلِ الـمِثال، في الصَّلاة، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ وفي الزَّكاة، قالَ تعالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾.

كما أوضح أنَّ البِنَاءَ الأخلاقي في العالَمِ اليومَ مُهَدَّدٌ بِالانْـهِيَارِ إنْ لم نَقُلْ بِالزَّوال، بِسَبَبِ ما نُشاهِدُهُ مِنْ أعمالِ القَتْلِ والتَّدْمِيرِ التي يَقومُ بِها الإنسانُ بِحَقِّ أخيهِ الإنسان، وخاصةً ما يَرْتَكِبُهُ اليهودُ الصَّهايِنَة، مِنْ أَبْشَعِ صُوَرِ عَمَلِيَّاتِ القَتْلِ وإِزْهَاقِ الأرواحِ البَرِيئَة، بِحَقِّ إخوانِنَا في فِلِسْطِينَ وفي غَزَّة، نَسألُ اللهَ أنْ يُفَرِّجَ عنهم، وإنَّ البِناءَ الأخلاقي العالَمِيَّ مُهَدَّدٌ أيضًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِسَبَبِ سِياسَاتِ التَّغافِلِ والكَيْلِ بِـمِكْيَالَينِ ومُساوَاةِ الـمُجْرِمِ الصُّهيُونِيِّ بالضَّحِيَّةِ الفِلِسْطِينِيّ، ومُساوَاةِ صاحبِ الأرضِ الفِلِسْطِينيِّ بالـمُحْتَلِّ الصُّهْيُونِيّ، هذه التَّصَرُّفَاتُ الـمُخْزِيةُ التي نَرَاها مِنْ كَثيرٍ مِنْ دُوَلِ العالَمِ كأمريكا وأوروبا الذين كانُوا وما زالُوا يَدَّعُونَ ويَتَغَنَّونَ بالحُرِّيَّةِ والدِّيمقْراطِيَّةِ والإنسانية، والتي ظَهَرَ للجميعِ بِأنَّها لَدَيهم كاذِبَةٌ ومُزَيَّفَة، فَمَوقِفُهُم الـمُخزِي منَ الإبادةِ الجَماعِيَّةِ التي تَرتَكِبُها إسرائيل الـمُحْتَلَّةُ بحقِّ إخوتِنَا الأبرياءِ في غَزَّة، سيكونَ وَبَالًا عَلَيهم.

وتابع: لقد دَعَتْ رُوسيا الاتحاديةُ مِرارًا وتَكْرارًا وخاصَّةً بعدَ بدايةِ الحربِ في غَزَّةَ إلى ضَبْطِ النَّفْسِ وحِمايةِ الـمَدَنِيِّين، وقدَّمَتْ مُساعداتٍ عاجِلَة، وكذلك فَعَلْنا في جمهوريةِ الشيشان، بِحُكْمِ أنَّنا أحدُ مُكَوِّناتِ الدَّولَةِ الرُّوسية الاتحادية، كما قُمْنا باستِضافَةِ عَشَراتِ الأُسَرِ مِنْ غَزَّة، وبِأَمْرٍ مِنْ فَخَامَةِ الرَّئيسِ رَمَضان أحمد قديروف - حفظه الله- قُمْنا وعلى وَجْهِ السُّرعةِ بِبِناءِ بُيُوتٍ مُجَهَّزَةٍ بِكُلِّ الاحْتِياجَاتِ لِلإِخْوَةِ الفِلِسْطِينِيِّين، وهمُ الآنَ يَسكُنونَ بَيْننا آمنينَ مُطْمَئِنِّين، فالأخلاقُ ليستْ كلامًا يُقال، بَلْ مُبَادَرات وأفعالُ الرِّجَال.

أمَّا على الصَّعيدِ الدَّاخليّ، فإنَّ مُجتَمَعَنا الشِّيشانيَّ يُحافِظُ على الأخلاقِ الإسلاميةِ رَغْمَ التَّيَّاراتِ الجارِفَةِ في العَصْرِ الحَدِيث، ورَغْمَ سَلْبِيَّاتِ مَواقِعِ التَّواصُلِ الاجتماعِيّ في هذا الجانِب، وذلكَ عَبْرَ عِدَّةِ أُمُورٍ منها: التَّربِيَةُ الشِّيشانيَّةُ المَنْزليَّةُ للأولاد، فالأسرةُ الشيشانيةُ تَهْتَمُّ اهتمامًا شديدًا جدًّا بِتَرْبيةِ الأطفالِ مُنْذُ الصِّغَر، وتَرْبِطُ أفرادَ الأُسْرَةِ علاقاتٌ قَويَّةٌ واحترامٌ شَديدٌ وخاصَّةً للكبار، وأكثرُ مِنْ ذلكَ عندنا في الشيشانِ عندما يَمشي الكبيرُ في شوارعِ الـمُدُنِ يَقِفَ له الجالس، ويُفْسَحُ له الـمَـجالُ للعُبورِ أولًا، ويُقدَّمُ لِقضاءِ حَوائِجِه، وذلك احترامًا لَهُ وتَأَدُّبًا مَعَه، مِنَ الغريبِ قبلَ القريب.

وأضاف الشيخ صالح مجييف: منَ الأُمورِ التي تُساعدُ في حِفَاظِ مُجْتَمَعِنا الشيشانيِّ على الأخلاقِ الإسلامية، ما نَقومُ بهِ في الإدارةِ الدِينيةِ مِنْ جُهودٍ وإجراءات ضَخْمَة على مُسْتَوَى الجمهورية، فَخُطَباءُ المساجدِ يُوَجَّهونَ لِلحديثِ عنِ الأخلاقِ بانْتِظام، ويَقومُ الأَئِمَّةُ والخُطَباءُ ورِجالُ الدِّينِ بِزِيَارَاتٍ مُنْتَظَمَةٍ إلى المدارسِ والمعاهدِ والجامعات العامةِ في شتَّى الـمَراحِلِ والتَّخَصُّصات، لإلقاءِ الخُطبِ والـمَواعِظِ والـمُـحاضَرَاتِ على الطلاب، والتي مِنْ أهمِّ مَواضِيعِها التَّذكيرُ بالأخلاقِ والآداب، وكلُّ هذه الجهودِ هي بِإِيعازٍ وإشْرافٍ ومُتابَعَةٍ مِنْ فَخامةِ رِئيسِنا رمضان أحمد قديروف - حفظه الله- الذي يَسِيرُ على نَهْجِ والِدِهِ الشيخِ الشهيدِ أحمد حاج قديروف -رحمه الله وتقبله في الشهداء- والذي كانَ للأخلاقِ والتَّربيةِ نَصيبٌ كبيرٌ في مَنْهَجِهِ السَّديدِ الذي أسَّسَهُ والذي نَسيرُ عليه إلى يومِنا الحالي.

وفي ختام كلمته أعرب الشيخ صالح مجييف عن تمنياته لمصر بمَزيد منَ التَّطَوُّرِ والازدِهار، وأنْ يُكَلَّلَ المُؤتمَر بالخير والنَّجاح، وأنْ يَنْصرَ إخوانَنا في فِلِسْطينَ وفي غَزَّةَ عاجِلًا غَيرَ آجِل، وأنْ يَعُمَّ الخيرُ والأمنُ بلادَ المسلمينَ عَامَّة.

اقرأ أيضاًالكلمة الكاملة لـ مفتي الجمهورية في المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء

مستشار مفتي الجمهورية يكشف أهم ملامح المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء دار الإفتاء المصرية مفتي الجمهورية ف ل س ط ین الـم ح

إقرأ أيضاً:

السعار الترامبي بوصفه تهديداً للعالم

لا تكفي مقاربة مسلك الرئيس الأمريكي السياسي وخطابه انطلاقاً من نظريات علم السياسةِ التي تحلّل خصائص القيادة الشعبوية وبحثها عن إثارة الغرائز وادّعائها التميّز والمعرفة والقدرة على الإجابة عن الأسئلة جميعها وفق ما يُرضي ميول مريديها، بمعزل عن الوقائع والحقائق.

ذلك أن الرجل تخطّى كلّ هذا منذ سنوات ولايته الأولى العام 2017. فهو امتهن الديماغوجية والمراوغة، وحوّل الأرقام الاقتصادية والمعطيات العلمية إلى وجهة نظر، ودافع عن محاولات رفض النتائج الانتخابية وتداول السلطة حين خسر، وبرّر عنف الشرطة ضد المواطنين السود. وهو فوق ذلك اعتمد خطاباً رسمياً شديد التبسيط، قال الألسنيون إن قاموس مفرداته فقير لدرجة أن «عمره اللغوي» لا يتخطّى عمر المراهقة، جاعلاً السوقية في الكلام ركيزة من ركائز تصريحاته تجاه كلّ من لا يوافقه الرأي داخلياً وخارجياً.

على أن دونالد ترامب لم يعد مجرّد ظاهرة رئاسية شعبوية انقضت، أو مسألة تطرّف مؤقّت في موقف أمريكا من قضايا العالم. ولم يعد رئيساً سابقاً متهوّراً فحسب، كبحت جموحه عقلنةُ المؤسسات ودولةُ القانون، فخسر بعد ولاية حكم بائسة ومضى. فهو رغم كل فضائحه الخاصة والعامة، والدعاوى القضائية المرفوعة ضدّه، عاد وفاز بولاية ثانية وبتصويت تفوّق فيه شعبياً على منافسته هذه المرة وليس فقط في المجمّع الانتخابي كما في الدورة السابقة. وصار بالتالي يُطلق العنان بثقة شديدة لمواقف وتصريحات ستتبع الكثير منها أفعالٌ في سنوات سنعيشها معه، يصعب اليوم تقدير مخاطرها وآثارها داخل أمريكا وعلى نظامها السياسي وعلى العالم بأسره.

فأن يستهل ترامب ولايته الثانية بشنّ حملات عدائية مليئة بالتهديدات ضد جنوب أفريقيا والمكسيك وبنما وكندا والدانمارك داعياً إلى السطو على مرافق وأراض وضمّ دول، وأن يوقف برامج الدعم المالي لهيئات أممية ويُنهي عقود منظمات إنسانية وتنموية تتعاون دولياً في مجالات الصحة والتعليم، وأن يستهدف بعض حقوق النساء الأمريكيات المنتزَعة بالكفاحات والتشريعات على مدى عقود، وأن يرفض التنوع في الهويات الجندرية ويعزّز المقولات حول التراتبيّات العنصرية ويعتبر طرد من يسمّيهم «المهاجرين غير الشرعيين» ناعتاً إياهم بالمجرمين و«المنحرفين» أولويّته، وأن يفصل عشرات الآلاف من الموظّفين المدنيين والمتعاقدين والضبّاط من مناصبهم على نحو جاء غالباً انتقامياً، وأن ينفي تكراراً الاحتباس الحراري وجدوى لقاحات الكوفيد، محيطاً نفسه بثلّة من أصحاب المليارات شديدي التوحّش تجاه المسائل الاجتماعية، ففي الأمر ما يُحوّل شعبوية ولايته الأولى وما عرفته بين الحين والآخر من عنف عنصري وعداء للعلم وللديمقراطية، إلى نهج يعتمده رئيس أكبر دولة في العالم بدعمٍ شعبي منحه تفويضاً لأربع سنوات إضافية. وتحليل هذا يتطلّب في جوانب كثيرة علوم نفس واجتماع لما يشي به نهجه المذكور من أعراضٍ وتشوّهات خطيرة.
ترامب لم يعد مجرّد ظاهرة رئاسية شعبوية انقضت، أو مسألة تطرّف مؤقّت في موقف أمريكا من قضايا العالم.
ولا شكّ أن الفيديو المصنوع بواسطة الذكاء الاصطناعي الذي نشره ترامب نفسه على حسابه في وسيلة التواصل الاجتماعي التي يرعاها حول غزة ومشروعه لسرقتها وطرد معظم أهلها و«إعادة إعمارها»، وما فيه من بشاعة وشخصيات وضيعة أحاط نفسه بها لتماثل قيم وإعجاب متبادل (إيلون ماسك وبنيامين نتنياهو بخاصة)، تُوزّع نقوداً على من تبقّى من «سكّان أصليّين» مُستعبَدين، وتشرب الأنخاب أمام شاطئ المنطقة التي نفّذت فيها إسرائيل أفظع جرائم الإبادة الجماعية منذ الحرب العالمية الثانية، لا شكّ أن هذا الفيديو هو الأصدق تعبيراً عن تفكيره وعمّا يعدّه هدف سياسته «الشرق أوسطية» (والدولية): سطو على مناطق يكره سكّانها ويهجّرهم ثم يبني على أنقاض مساكنهم وحياتهم أبراجاً ومشاريع سياحية ربحية لأثرياء جدد معدومي الثقافة والذوق، وبذيئين في علاقتهم بالأمكنة التي يزورون أو يتملّكون.

لقاء زيلنسكي والفضيحة الدبلوماسية
إضافة إلى كل ما ورد، شكّل اللقاء في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني زيلنسكي في 28 شباط (فبراير) المنصرم، محطّة إضافية في مسار تظهير شخصية ترامب (ونائبه جي دي فانس). فما حصل خلاله لم يكن قرارات أو تصريحات أو فيديو شنيعاً أو توقيعاً على فصل موظفين من خلف المقعد البيضاوي أو استثارة لغرائز عنصرية سبق لترامب أن استثارها. كان مزيجاً من سلوك بلطجة وساديّة ورغبة في إذلال «ضيف» أجنبي أمام وسائل الإعلام الوطنية والعالمية وخروجاً عن كلّ ما كرّسته الدبلوماسية في تاريخها الطويل. وكان أيضاً تظهيراً واضحاً للذات المتضخّمة التي يصعب عليها القبول بأي علاقة سوية أو بأيّ ندّية ولو ظاهرياً، على ما يفترض بروتوكول الدبلوماسية المعهود.

الأخطر، أن ما جرى أكّد في السياسة ما كان قد رشح من ولاية ترامب الأولى عن ميل الرئيس الأمريكي وجزءٍ من مستشاريه إلى البوتينية، بما هي حالة شبيهة بالترامبية، ولو في سياق ثقافي وسياسي مختلف تماماً عن السياق الأمريكي. كما أكّد على كونه ينظر إلى حرب كبرى في أوروبا انطلاقاً حصرياً من كلفتها المالية ومن إمكانية الاستفادة من مجرياتها للحصول على معادن ثمينة (الليثيوم بخاصة) بمعزل عن أي عناصر جيو-استراتيجية أو سياسية أو حقوقية أو أمنية حيوية، وبمعزل عن انعكاساتها على التوازنات الدولية وعلى المنحى التوسّعي الروسي الذي يهدّد أوروبا، حليف أمريكي التاريخي.

والأرجح أن ترامب وبوتين، إضافة إلى ما في شخصيهما من قواسم مشتركة بأسلوبَي سلوك متبايِنين في العلن، يُجمعان على كراهية ما مثّلته أوروبا الغربية تحديداً بعد ستينات القرن الماضي، ويلتقيان مع تيارات اليمين المتطرّف الأوروبي الذي يريد تغيير وجه القارة وجعله أقل قبولاً بالتنوّع والتعدّد وأقلّ احتراماً للحريات وحقوق الإنسان. ويمكن ضمّ رئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو إليهما، وهو القريب في السياسة وفي الشخصي من كليهما، ومعه رئيس الأرجنتين ورئيس الوزراء الهندي وعدد من المسؤولين في دول كثيرة تحتقر المواثيق الحقوقية الدولية والمؤسسات المنبثقة منها وتحتقر بشكل خاص فلسفة المساواة بين البشر.

علاقات دولية جديدة
يصعب التكهّن الآن في ما سيُفضي إليه الحكم الترامبي من تبدّلات في تحالفات العالم وديناميّات علاقاته الدولية. فأوروبا المرتبكة في ما خصّ الموقف من روسيا ومن ترامب، والفاقدة جوانب عديدة من مصداقية مؤسساتها الحقوقية بسبب استسلام بعض نخبها في العقد الأخير لعنصرية اليمين المتطرّف المتفشيّة من جهة وبسبب تغطية عددٍ من حكوماتها لمذابح إسرائيل المتواصلة في غزة من جهة ثانية، لا تبدو قادرة على فرض إيقاع آخر أو منع الاختلالات الكبرى في العلاقات الدولية.

ودول قوية اقتصادياً مثل كندا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، متباعدة ومتباينة الأولويات والهواجس تجاه الترامبية. والبرازيل وتشيلي وكولومبيا وجنوب أفريقيا، التي يستهدفها بشكل خاص ترامب وإيلون ماسك (الجنوب أفريقي الأصل)، غير مؤثّرة كفايةً لجذب عشرات الدول إليها، إضافة إلى كون علاقاتها السياسية بروسيا والصين إشكالية وغير متماسكة على أكثر من صعيد.

والصين التي تراقب كلّ هذا من بعيد، تحاول الاستمرار في تعزيز نفوذها الاقتصادي وتمتين تعاونها مع دول أفريقية وآسيوية وجنوب أمريكية تحضيراً لمواجهة مقبلة مع ترامب.

أما روسيا، القادرة على التفاوض مع جميع الأطراف، بلا شروط، فقد تكون لفترة المستفيد الأول من الترامبية ومن الفوضى الدولية التي قد يُحدثها تصدّع تحالفات غربية قديمة أو أقلّه توتّر علاقات وتصاعد خلافات بين مكوّناتها.

نحن إذاً أمام مرحلة كثيرة الأسئلة وقليلة الأجوبة. وتسارع الأمور يشي بأن سنوات الولاية الترامبية الثانية ستحوّل أمريكا والعالم إلى مسرح أحداث دراماتيكية، من المرجّح أن تكون أوكرانيا وفلسطين والمنطقة العربية وبعض الدول الأفريقية أبرز المتضرّرين منها.

مقالات مشابهة

  • بين السرقة والتدمير.. مواقع أثرية من ضحايا إبادة إسرائيل لغزة
  • مدرب فريق أولمبيك ليون مهدد بالإيقاف 7 أشهر
  • وزير الأوقاف: رمضان شهر السمو الأخلاقي والصفاء الروحي والاصطفاف الوطني
  • ملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية: الشائعات جريمة ضد الإنسانية وخطر يهدد وحدة الأمة
  • نجم نيوكاسل مهدد بالغياب عن نهائي كأس الرابطة أمام ليفربول
  • إياد نصار لـ«حبر سري»: تعرضت لمحاولة تجنيد بسبب التزامي الديني.. وسؤالي المستمر أنقذني
  • قتل والده في أول رمضان بسبب بيع المواشي.. شاب يواجه هذه العقوبة
  • السعار الترامبي بوصفه تهديداً للعالم
  • الشيخ مصطفى ثابت: الرحمة جوهر الحضارة الإسلامية (فيديو)
  • محمد يسري يكتب: العلوم الإسلامية كلها جاءت لبيان فضائل كتاب الله والحفاظ على سنته