هل يمكن للكتابة أن تغير العالم؟
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
محمد أنور البلوشي
الكتابة يُمكن أن تغير العالم وهذا يمكن أن يكون الجواب البسيط.. هل ستتغير إلى الأفضل أو الأسوأ؟ هذه مرحلة مختلفة. بشكل فكري وفهمي، لا يوجد خير أو شر، "هي فقط كما هي"، قد يكون الأمر جيدًا بالنسبة لـ"أ"، ولكن ليس بالضرورة أن يكون جيدًا بالنسبة لـ"ب"، عندما يتعلق الأمر بالكتابة.
مُعظم التغييرات التي حدثت حتى الآن في العالم جاءت من خلال الكتابات.
قد تكون أسباب الكتابة مختلفة من كاتب لآخر. "لماذا أكتب" هو أحد مقالات جورج أورويل لعام 1946، حيث قال: "أكتب لأغراض سياسية". أراد أن يقود القرَّاء في اتجاه مختلف من خلال كتاباته السياسية وكان هذا هو دافعه للكتابة. وقد قيل بحق أنه إذا كنت من محبي الكتابة، فيجب أن تعرف قوتها.
هل هي "الأفكار" أم "الكلمات" التي يجب على الكتاب إدراجها في كتاباتهم؟ يقترح البعض أن الكتاب يجب أن يلعبوا بالكلمات ويشركوا القراء، بينما يقترح آخرون أنه يجب أن تكون هناك بعض الأفكار العظيمة في كتاباتهم حيث يجب أن يبدأ القراء في التفكير والتغيير.
إذا لم تستطع الكتابة تغيير العالم بالكامل؛ فإنها على الأقل تغير عقل شخص ما وتفكيره. قراءة أحد مقالات ل "جاستن هارمون" على الإنترنت؛ حيث يقول: "بالنسبة لي، الكتابة غيرت عالمي تمامًا. لقد غيرت الطريقة التي أرى بها نفسي وكيف أتفاعل مع الآخرين. سمحت لي الكتابة بأن أجد ما أنا شغوف به حقًا".
قد يكون صحيحًا أن بعض القراء يشعرون بأنهم مع الكتاب عندما يكتبون عن النساء، عن اللاجئين اليائسين، عن الأطفال، عن الرجال العطشى اليائسين الذين يعانون بشكل أساسي.
الكتابة هي كلها عن التغيير؛ سواء كان تغيير العالم أو تغيير النفس. هناك نقطة رائعة أو حكمة حيث قال المهاتما غاندي: "يجب أن تكون التغيير الذي تريد أن تراه في العالم". وهذا يشير إلى أنه بمجرد حدوث التغيير، إما أن ترى العالم بعيون مختلفة أو أن العالم كله يراك بشكل مختلف. لذا، يمكن للكتابة أن تغير.
عندما نُشر كتاب "الأب الغني، الأب الفقير" لـ"روبرت كيوساكي"، غير طريقة التفكير لدى العديد من رواد الأعمال، خاصةً الطريقة التي يقومون بها بالأعمال وكسب المال. ليس هذا فحسب، بل أعطى هذا الكتاب أفكارًا جديدة حول التعليم، حول كيفية تعليم الأطفال الأمور المالية.
وكقارئ، قادني إلى تفكير عميق بعد قراءة عبارة تقول: "غير راضية، باردة، شهوانية، مهووسة، سحاقية، مئة مرة مُجهضة، كنت كل شيء، حتى أم غير متزوجة"، لـ"سيمون دي بوفوار" كرد فعل على الجزء الثاني من كتابها "الجنس الآخر".
لقد طرحت "سيمون دي بوفوار" سؤالًا مهمًّا لكل قارئ، ما معنى أن تكون امرأة؟ على الرغم من أن كتاب "الجنس الآخر" نُشر في العام 1949، إلا أنه لا يزال صالحًا حتى اليوم. يتحدث عن النساء، حريتهن، حقوقهن ومعاناتهن.
وبعد قراءة المزيد عن هذا الكتاب "الجنس الآخر"، وجدت معلومات أنه باع 22,000 نسخة في أسبوعه الأول في باريس في عام 1949، وترجمته الإنجليزية كانت من أكثر الكتب مبيعًا فورًا في أمريكا.
الكتابة تقود الكاتب إلى مزيد من البحث والقراءة عن أي شيء. تقود القلم والأصابع إلى عدم الاستراحة. في بعض الأحيان، يتساءل المرء، هل هو القلم الذي يقود عقل الكاتب أم عقل الكاتب الذي يحرك الأصابع بالقلم للكتابة من أجل التغيير.
وماذا نفهم من الآية الكريمة: "ن، والقلم وما يسطرون"؟ كقارئ للقرآن يجب علينا الفهم التام لمثل هذه الآيات فلسفيًّا وعلميًّا وفكريًّا واجتماعيًّا ودينيًّا وأدبيًّا، لكي نعلم ماذا يسطر القلم في الصفحات البيضاء في تغيير العالم إلى الأفضل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الكتاب والأدباء تقيم ندوة للقصة القصيرة جدا في عُمان: المفهوم وجمالية التشكيل
أقامت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء مساء الأربعاء ندوة "القصة القصيرة جدًا في عمان: المفهوم وجمالية التشكيل" وقدمت طرحا نقديا حول هذا الجنس الأدبي في عمان، حيث قدم ثاني الحمداني عرضا تناول فيه إشكاليات المفهوم والخصائص، وناقشت غنية الشبيبية الاتساعية النصية في القصة القصيرة جدا، متتبعة كيف تستلهم النصوص الحديثة أعمالا تراثية وتعيد تشكيلها بأساليب جديدة. وتناول أحمد الحجري الكثافة الأنثوية في مجموعة "شبابيك زيانة" مسلطا الضوء على حضور المرأة كعنصر محوري في البناء السردي، فيما أدارت الندوة الأستاذة زوينة سالم.
وقدم الأستاذ ثاني الحمداني عرضا تناول فيه إشكالية المفهوم والخصائص لهذا النوع الأدبي الحديث. استعرض الحمداني جذور القصة القصيرة جدا، متتبعا نشأتها وتطورها بين الأدب العربي والغربي، مع التركيز على الإشكالات النقدية التي أثيرت حولها.
ناقش الحمداني أبرز السمات الفنية للقصة القصيرة جدا، مثل التكثيف، الوحدة السردية، الدهشة، والمفارقة، مشيرا إلى أهمية القفلة المتوهجة في إحداث التأثير المطلوب لدى القارئ. كما استعرض عدة دراسات نقدية تناولت هذا النوع السردي، من بينها أبحاث حول التعاليات النصية، الخطاب السردي العماني، والتكثيف السردي.
كما أشار الحمداني إلى التحديات التي تواجه هذا الفن، خاصة فيما يتعلق بتأصيله في الأدب العربي، ومدى ارتباطه بالحكايات التراثية مثل النادرة والمثل. وختم عرضه بالإشارة إلى أن القصة القصيرة جدا تمثل نوعا أدبيا متجددا، يتطلب براعة في السرد واختزال المعنى دون الإخلال بالحبكة الفنية.
وقدمت الأستاذة غنية الشبيبية ورقة بحثية حول الاتساعية النصية في القصة القصيرة جدا، مستعرضة تطبيقات هذه التقنية في مجموعتي ظلال العزلة وموج خارج البحر لعزيزة الطائية. تناولت الشبيبية مفهوم الاتساعية النصية كما حدده الناقد جيرار جينيت، موضحة كيف أن القصة القصيرة جدًا تستلهم نصوصًا سابقة وتعيد تشكيلها بأساليب حديثة تحمل دلالات جديدة. ركزت الورقة على المحاكاة الساخرة والتحريف الهزلي كأدوات سردية، مستعرضة أمثلة من قصص الحيوانات المستوحاة من كليلة ودمنة، مثل قصة عزاء، التي تعكس استغلال السلطة للفئات الكادحة، وقصة خسارة، التي تُسقط واقع الأوطان المنهوبة على سرد حكائي بسيط.
كما سلطت الضوء على إعادة توظيف ألف ليلة وليلة، مثل قصة مواويل التي تصور شهريار في سياق سياسي حديث يعكس تجاهل الحُكّام لمعاناة شعوبهم. ولم تقتصر الورقة على الحكايات التراثية، بل تناولت تحوير الأساطير والأدب الجاهلي، كما في طائر الرماد، التي تسخر من القيود الاجتماعية المفروضة على المرأة.
واختتمت الشبيبية ورقتها بالتأكيد على أن القصة القصيرة جدًا لا تنغلق على ذاتها، بل تتسع وتتحاور مع نصوص الماضي، مما يجعلها أداة نقدية فعالة لعكس قضايا العصر الراهن بأسلوب مكثف وساخر.
وتناول الأستاذ أحمد الحجري، مجموعة "شبابيك زيانة" لبشاير حبراس للكشف عن الكثافة الأنثوية البارزة في نصوص المجموعة، حيث تشكل المرأة المحور الأساسي في أغلب القصص. استعرض الحجري كيف تم توظيف العناوين، والشخصيات، والرموز، والمواضيع لإبراز مركزية المرأة في السرد، عبر شخصيات نسائية مثل "زيانة، ليلى، سعدة، وأماندا"، وعبر إشارات متكررة لمراحل حياة المرأة، بدءا من الطفولة وحتى الشيخوخة.
سلطت القراءة الضوء على استخدام الرمزية، مثل قصة "كعبة للبحر"، التي تضع المرأة في موقع المركز والقطب الذي تدور حوله الأحداث، إضافة إلى قصص أخرى مثل "كوميدينة ليلى" و"البقعة الصفراء" التي تعزز صورة المرأة كمحور أساسي في العالم السردي للمجموعة. كما ناقش الحجري تكرار الثيمات المرتبطة بالمرأة، مثل الحب، الفقر، والخيانة، وكيف تساهم هذه العناصر في ترسيخ حضورها القوي داخل النصوص.
وأكد الحجري أن هذه المركزية لا تعني غياب الرجل، لكنه غالبًا ما يكون في موقع التابع أو العابر، بينما تبقى المرأة في قلب الحدث.