بقلم : سعد الزبيدي ..
لا أبالغ أذا قلت :- أن بعض المثقفين الحقيقيين كالرسل، والأنبياء الذين يحاربون من أجل الرسالة، وبعضهم كالشياطين التي توسوس للشر، وتطبل له.
معناة المثقف الحقيقي حينما يجد نفسه كشجرة وسط الصحراء سرعان ما تخنقها أصابع الرمل، ويغاتلها الجفاف المميت، والشمس المحرقة، وهو يبحث عن سبل البقاء يحمل على كاهليه عبء وطن مزقه التخلف، والجهل، والتناحر، والغاء الآخر، وفرض الآراء، والتعصب، والانكفاء عن العلم، والثقافة في ظل مجتمع قبلي طائفية مناطق مادي برغماتي علا صوت الرصاص فيه أعلى صوت العقل، والحكمة، لا قانون يحكمه سوى قانون الغاب حيث الكبير يأكل الصغير، ولا هيبة للدولة، ولا كرامة للوطن، والمواطن.
مجتمع متهاوي، ومتآكل لا يؤمن إلا بلغة المصلحة المادية التي فوق أي اعتبار حتى باتت القيم الإنسانية السامية، والأخلاق الرفيعة ضرب من الخيال، وتراث من الماضي. في هكذا مجتمعات متهرئة يشار بالبنان للتوافه، والشواذ ، ويكونون قدوة للمجتمع يصبح المثقف مهمشا (لا حول له ولا قوة) وهو يرى أن الأمور أصبحت معكوسة وكل شيء يبدو بالمقلوب حتى تأكد أن بنات أفكاره، وابداعه تذهب سدى، فلا عين ترى ابداعاته ، ولا أذن تسمع مايدعو له ، ولا استغرب حينما أجد في أعماق التأريخ من شط بعيدا عن العقل، وتصرف بتهور فحرق نتاجه الفكري آخر عمره، ويلعن تلك السنين التي ضاعت في البحث، والقراءة، ولسان حاله يقول :- لمن اكتب؟!
حينما يشعر المثقف بالضياع ، فهو في وادي، والمجتمع في وادي آخر ، ولا سبيل للالتقاء، فهما النقيضان اللذان لا يلتقيان أبدأ ، وهو يصارع الواقع بكل ما اؤتي من قوة من أجل اثبات وجوده على أقل تقدير، فماذا عسىاه أن يفعل وهو يرى بأم عينه أن أصحاب القرار لا يستمعون إليه ويكتفون بمن حولهم من حاشية فاسدة تحيط المسؤول بجدار عازل يحيطه من كل جانب وتسفه من يمتلك فكرا نير وبيده الحلول الناجعة وتمنعه من أجل الوصول لأصحاب القرار.
مجتمع ترى المتزلفون، والمتملقون، وماسحي الأكتاف، والمطأطئين رؤوسهم، ولاعقي أحذية ساداتهم، وكبرائهم، الآفاقين يتسلقون ليصلوا أعلى الهرم وهو قابع منسي في قعر القاعدة.
يا هل ترى من لهذا الكائن الذي يعذبه عقل المتنور واحساسه المرهف بالمسؤولية وضميره الحي الذي يأبى ان ينام لبرهة ووطنيته وولاءه وهو يعيش في حيرة وانداهش مما يجري حوله ، ويرى أن إنقاذ ما يمكن إنقاذه ربما يكون على يديه، ولكن محاولته تبوء بالفشل، وبلا جدوى.
بالرغم من كل شيء لكنه يمني النفس أن الغد أفضل ولابد من أن تجد أفكاره يوما ما طريقا للتنفيذ.
هكذا يساهم المجتمع في تهجير الكفاءات وهكذا يتم الاستغناء عمن الوطن بأمس الحاجة إليه، ويجبره على الموت أما الحسرة حزنا، ونكدا، وأما الهجرة بعيدا حيث يحتضنه وطن آخر يثمن المفكرين، والعلماء، والخبرات.
اليابان والصين وأمريكا وكثير من الدول ما تطورت، ووصلت إلى ما وصلت إليه لولا اهتمامهم بالمبدعين، ووضعهم في المنزلة التي يستحقون. هؤلاء هم من وضعوا الأسس الرصينة لبناء دول على اساس متين فهم مهيئين لاستغلال مقدرات تلك الشعوب الطبيعية، والبشرية احسن استغلال، فهم استطاعوا أن يزيدون إنتاجهم بأقل تكلفة، ووقت، ولذلك أصبح المجتمع منتج فمن يقود المجتمع هم المثقفون، والمفكرين لا الاغبياء والجهلة، وأشباه الأمين، وانصاف المتعلمين الذين لا هم لهم إلا هدم ما بناه الاسبقون، وإنشاء بناء جديد، ولو انهم كانوا متأكدين بأن ما بنوه لا ينفع بل يضر، ولكنهم مصرون عليه.
لا تلوموا من يهاجر لا تقلوا عنه أنه عميل، وخائن فقد بح صوته في وسط ضجيج، وصخب لم يسمعه احد هاجر حينما رأى الوطن يتخلى عن أبناءه ويتنكر لهم، ولا يعترف بأبوته لهم غادر إلى حيث يبدع، ويتألق وينتج في مجتمعات راقية تحترم عقله، وعلمه، وفكره، وتوفر له كل شيء، وتذلل له الصعاب، فهو يا سادة كنز اضعناه، وكم من كنز أضعنا، وسنضيع؟!
أنها صرخة من مواطن أهمه ما آل إليه الوطن، ودعوة لأحتضان أهم الثروات التي هي أغلى من الألماس، والذهب، والنفط أنها العقول الجبارة يا سادة فهل من مجيب؟! سعد الزبيدي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
الطريق إلى المستقبل يمر من هنا
فـي الوطن تكبر الأحلام، تعيد تشكيل نفسها، تعاود ترتيل صلوات الشكر، وتسيل كماءٍ من فم الزمان، تسير بهدوء نحو غايتها، ترتفع كقامة لا تنحني، أو تتعثر، تمسك الحلم البعيد، وترصد الرؤى القابلة للتحقق، مجسدة ملحمة خالدة، تقود مركب الوطن فـي أمواج هائجة، وتسافر كسهم نحو غايتها البعيدة، تحاول أن تعطي الحياة، لأولئك الذين يمسكون بأسراب الأمل، يحملون فـي قلوبهم عطاء هذا الوطن، ويعيدون مشهد الولاء لذلك القائد الملهم الذي وقف كسدٍ منيع ضد كل من تسول له نفسه المساس بمقدرات هذا الشعب، أو يحاول أن يتكسّب من وظيفته، أو منصبه.
لم يكن الأمر هينًا، فإغلاق كل ثغرات التبذير والفساد يحتاج إلى الكثير من سعة البال، والصبر، والعمل دون هوادة، أو محاباة لكي يستعيد هذا الوطن عافـيته، ويقوم من عثرته، ويبدأ فـي عملية بنيوية وتفكيكية طويلة، تحتاج إلى طاقات هائلة، وجهود غير عادية، ورجال يستطيعون أن يمضوا دون أن يتذمروا أو يتراجعوا، ومع كل هذه الصفات يحتاجون إلى الكثير من الإرادة الصلبة، والإخلاص منقطع النظير لتنفـيذ توجيهات القائد، والعمل دون توقف للوصول إلى الغاية البعيدة، وسط تحديات غير عادية، وطبيعة متقلبة، وعوامل غير ثابتة، ولكن تحت إمرة قيادة حكيمة، وواعية، حددت هدفها سلفًا، وذللت الصعاب، وأخذت على عاتقها مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، لكي يصل الوطن إلى شاطئ الأمان، ويعود قويًا، صلبًا كما كان فـي أوج عزه، وجلاله.
إن الإرادة تصنع المستقبل، وتهزم المستحيل، وتعيد تشكيل خارطة الشعوب، فلم يكن لشعب على وجه الأرض أن يصل إلى غايته المنشودة دون إرادة، وعزيمة فولاذية لا تُقهر، أو تتقهقر، وإذا لم تكن لدى ذلك الشعب الأدوات التي تعينه على الوصول إلى ما يحلم به، وإذا لم يحظَ بقيادة واعية تأخذ بيده إلى وجهته الصحيحة، وتشجعه لكي لا تفتر قواه، أو تتراجع أحلامه، لولا هذه وجود هذه العوامل لفترت الهزيمة، وبردت الهمة، وهذا ما حبا الله به سلطنة عُمان، حين قيّض لها قائدًا ملهمًا، يؤجج فـيها الحماس، ويذكي بها روح العمل، ويمضي بها إلى طريق السؤدد والمجد، وهذا ما فعله صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله -، وهو يمسك بيد شعبه، ويقوده إلى مكانه، ومكانته اللتين تليقان به، كشعب عريق، وبلد موغل فـي الزمن، وتاريخ لا يُمحى، حين تسيّد الأرض، وكان ذات يوم على قمة العالم، فكان لا بد من وضع الحلم فـي مرمى الهدف، والعمل على تحقيقه حسب رؤية واضحة المعالم، قادرة على التحقق، مرنة، تتكيّف مع الظروف، وترتبط بعنصر الزمن، والرقابة الصارمة والدقيقة التي تساعد على التحقق، وتمنع أي تجاوزات قد تحدث نتيجة عوامل خارجة عن الإرادة.
قد تكون العواصف الهوجاء صعبة فـي بداية الأمر، ولكن الربّان الماهر هو من يخرج منها سالمًا، وقويًا، وقادرًا على مواصلة الرحلة الشاقة دون أن تفتر عزيمته، أو تتراخى همته، لذلك حرص جلالته - أبقاه الله - على التحقق بنفسه من كل صغيرة وكبيرة، وأشرف بنفسه على تنفـيذ الرؤية، التي اختارها لكي تصبح سلطنة عُمان فـي مقدمة الدول التي تفاخر بإنجازاتها، بيد شبابها، وثباتهم فـي ميادين العطاء.
فلتمضِ النهضة الجديدة مكللة بالرخاء، واليُمن والبركة ليكون الغد ملكًا فـي أيدي شباب هذا الوطن، ومنجزًا مهمًا من منجزاته العظام، ولتتبوأ هذه البلاد الكريمة مكانها العالي الذي يليق بها، وبمجدها التليد.