"أنا فخور بأن أعلن اليوم أن حملتنا الانتخابية قد حظيت بتأييد القساوسة ورجال الدين في كل من المقاطعات الـ99 للولاية. أعتقد أن هذا أمر غير مسبوق".

 

*تصفيق*

"شكرا جزيلا لكم. الرب معنا، أليس كذلك؟"

 

دونالد ترامب، خلال تجمع لحملته الانتخابية في سيوكس سنتر بولاية أيوا في يناير/كانون الثاني الماضي

في الثالث عشر من يوليو/تموز الجاري، وأثناء مؤتمر انتخابي في ولاية بنسلفانيا، أطلق شاب أبيض في العشرين من عمره النار على الرئيس الأميركي السابق، ومرشح الرئاسة الحالي عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب.

يقول المختصون إن ثلاثة أعشار من الثانية فصلت ترامب عن الموت، وإن الرصاصة لو انحرفت بضعة مليمترات لأصابته في مقتل، ولكانت أميركا قد انحرفت إلى كارثة ربما تصل إلى الاقتتال الأهلي. أما العديد من رجال ونساء الكنيسة في الولايات المتحدة، فلم يروا المسافة ولا التوقيت، لكنهم رأوا يد الله تحمي مرشحه وتبارك مساعيه.

فبعد ساعات من إطلاق النار الذي بدأت السلطات الأميركية في التعامل معه باعتباره محاولة اغتيال، نشرت بولا وايت، وهي داعية إنجيلية ومستشارة سابقة لترامب، منشورًا على منصة إكس مع صورة ترامب يحميه "المسيح"، قالت فيه: "لقد كذبوا بشأنه، وافتروا عليه، حاولوا عزله، وحاولوا سجنه، والآن يحاولون قتله. لكن الله معه! ادعوا من أجل الرئيس دونالد ترامب وعائلته".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل ما تزال أميركا "أعظم قوّة على وجه الأرض"؟list 2 of 2هل تُسقط ثورة طلاب بنغلاديش عرش المرأة الحديدية؟end of list

They have tried to destroy this man from the day he walked down the escalator. They lied on him, slandered him, tried to impeach him, tried to imprison him and now have tried to kill him.
GOD IS WITH HIM! PRAY FOR PRESIDENT DONALD J TRUMP AND HIS FAMILY!! pic.twitter.com/Q1JoIZBzpn

— Paula White-Cain (@Paula_White) July 14, 2024

قبل أسبوعين من ذلك الوقت، وبينما كان الرئيس الأميركي جو بايدن يتحضر للمناظرة التلفزيونية أمام ترامب في 27 يونيو/حزيران، جمعت بولا وايت عددًا من كبار القساوسة ورجال الدين في مكالمة "طارئة" مدتها أربعون دقيقة للدعاء من أجل أن ينصر الله ترامب على عدوهما بايدن. لكن المفارقة أن ترامب ليس السياسي الأميركي الوحيد الذي يستفيد من دعم رجال الدين، فقد سبق لبايدن نفسه (عدو الله من وجهة نظر أنصار ترامب المتدينين) أن استفاد من الدعم المعلن لـ1600 قس ورجل دين خلال انتخابات عام 2020 التي فاز خلالها بالرئاسة مقصيا ترامب من البيت الأبيض، فيما وُصف بأنه أكبر مبادرة دينية لدعم مرشح ديمقراطي في التاريخ الأميركي الحديث.

وسط سجالات الديمقراطيين والجمهوريين ومنافسات الساسة والمرشحين، يقف رجال الدين إذن مثل رمانة الميزان، يساعدون المرشحين، ويصادقون الرؤساء، ويعظونهم ليس فقط للحفاظ على مصالح الأمة الأميركية، التي يقول قَسَم الولاء لها الذي يردده الجميع، بداية من طلاب المدارس حتى رؤساء الجمهورية، إنها "أمة واحدة تحت عين الله"، بل لمصالحهم هم أنفسهم كذلك في كثير من الأحيان. وهو ما يدفعنا إلى تسليط الضوء على طبيعة التفاعل بين الدولة والدين في أميركا، من أجل الجواب عن سؤال مهم هو: هل يمكن وصف الولايات المتحدة بأنها دولة "علمانية" حقًّا؟

الدين في خدمة الانتخابات الرئيس الأميركي السابق "ريتشارد نيكسون" (يسار) والقس "بيلي غراهام" (شترستوك)

"أقدر بشدة الإلهام والإرشاد الروحي الذي قدمته لي. وبالإضافة إلى ذلك، كانت نصائحك السياسية حكيمة أكثر من أي رجل آخر أعرفه. لقد أخبرت أصدقائي مرارا أنك عندما انخرطت في خدمة المسيحية، فقدت السياسة أحد أعظم مُمارسيها المحتملين"

 

المرشح الجمهوري الأسبق (والرئيس لاحقا) ريتشارد نيكسون، في رسالة إلى القس بيلي غراهام عقب هزيمته أمام جون كينيدي في الانتخابات الرئاسية عام 1960

خلال السنوات الأخيرة، ساعد تأييد القساوسة المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة وغيرها من المناصب التنفيذية والتشريعية على بناء جسور مع شرائح مختلفة من الناخبين، خاصة أولئك الذين يعتبرون الدين جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. ويدرك كبار الساسة الأميركيون أن تأييد القساوسة ورجال الدين لأي مرشح ليس مجرد إعلان رمزي، بل هو تأكيد على أن القيم والمبادئ التي يمثلها المرشح تتماشى مع تلك التي تهم المتدينين في المجتمع. كما أن دعم القساوسة يمكن أن يعزز مصداقية المرشح ويضفي طابعا أخلاقيا ودينيا على حملته؛ مما يعزز جاذبيته للناخبين المتدينين. لذلك، غالبا ما يأخذ السياسيون الأميركيون بعين الاعتبار التوجهات الدينية لناخبيهم؛ فيسعون إلى كسب دعم القادة الدينيين وتأمين تأييد الجماعات الدينية، إلا أن الأمور لم تكن على هذا النحو في البداية.

صحيح أن من يسمّيهم التاريخ الأميركي بـ "الآباء المؤسسين" للولايات المتحدة، مثل جورج واشنطن وتوماس جيفرسون، كانوا متأثرين بالمبادئ الدينية، لكنهم حاولوا الحفاظ على الفصل بين الكنيسة والدولة. كان واشنطن عضوا في الكنيسة الإنجليكانية وكان يتردد على الكنيسة بانتظام، وكان جيفرسون من أتباع الربوبية، إذ كان يؤمن بوجود خالق ولكنه رفض الإيمان بالمعجزات في المسيحية والأديان عمومًا.

وعلى الرغم من اختلافاتهما الدينية، اتفق الرجلان على الدفاع بقوة عن الفصل بين الكنيسة والدولة. ويتضح ذلك في دعمهما للتعديل الأول الذي يضمن حرية الدين. ولكن في القرن التاسع عشر، وبدءًا بالرئيس أبراهام لينكولن، اتخذت الأمور منحى آخر، حيث كان لينكولن من أوائل الرؤساء الذين طلبوا الإرشاد الروحي في أوقات الأزمات رغم علاقته المعقدة مع الدين من حيث كونه نظامًا تراتبيًّا. وقد سار على نهج لينكولن رؤساء آخرون مثل فرانكلين روزفلت ثم رونالد ريغان وجورج دبليو بوش، فتحدّثوا عن إيمانهم ومعتقداتهم علنًا باعتبارهما جزءًا من شخصياتهم العامة، وغالبا ما كانوا يطلبون المشورة من القيادات الدينيين.

على الرغم من أن الدستور الأميركي يفصل بين الكنيسة والدولة، فإنه لم يفصل الدين عن السياسة. بل على العكس من ذلك -بحسب المؤرخ الأميركي غاري سميث- مثّل الدين جزءًا لا يتجزأ من الحياة السياسية الأميركية؛ لذا كان الفصل بين الدين والسياسة شبه معدوم عمليا في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من إقرار "تعديل جونسون" عام 1954، الذي يحظر على الكنائس والمؤسسات الدينية الأخرى المشاركة في الأنشطة السياسية أو القيام بحملات انتخابية لمرشحين سياسيين، فإن التعديل لم يحظر على القساوسة المشاركة السياسية بكافة أشكالها باعتبارهم ممثلين لأنفسهم وليس لكنائسهم. لا عجب إذن أن هناك قائمة طويلة من رجال الدين البارزين ممن طبعوا بصمة واضحة على مسيرة أميركا السياسية، وفي مقدمتهم القس الإنجيلي بيلي غراهام.

 

قساوسة بيض كان بيلي غراهام (يسار) من أكثر الشخصيات الدينية الأميركية تأثيرا في القرن العشرين (شترستوك)

كان غراهام من أكثر الشخصيات الدينية الأميركية تأثيرا في القرن العشرين، ليس فقط في المجال الديني، ولكن أيضا في الساحة السياسية. وُلد غراهام في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1918، وبدأ حياته المهنية واعظا متجولا في سنّ مبكرة. ومع مرور الوقت، اكتسب شعبية هائلة من خلال البرامج الإذاعية والتلفزيونية، التي بشر عبرها بالقيم المسيحية، ليصبح فيما بعد أحد أبرز وجوه الحركة الإنجيلية.

اشتهر غراهام بعلاقته الجيدة مع مختلف الرؤساء الأميركيين، من هاري ترومان إلى دونالد ترامب، حيث كان يقدم لهم الإرشاد الروحي والنصائح السياسية. وعلى الرغم من ادعائه عدم الانخراط في السياسة، فإن حضوره السياسي أوضح من أن يُنكر، ولننظر مثلا إلى دوره إبان حملة الانتخابات الرئاسية لعام 1960، ودعمه للمرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون ضد منافسه الديمقراطي جون كينيدي. وقتها، التقى غراهام مع نورمان فنسنت بيل وقادة بروتستانت آخرين في سويسرا لوضع إستراتيجية لإفشال حملة كينيدي من أجل ضمان انتخاب نيكسون ومنع كاثوليكي روماني (كينيدي) من أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن علاقة غراهام بكينيدي أصبحت أفضل بعد فوزه، فإن نيكسون ظل السياسي المفضل لديه. وفي عام 1972، أيد غراهام حملة نيكسون للفوز بولاية ثانية (حصل نيكسون على ولايته الأولى بعد فوزه في انتخابات عام 1968) في الانتخابات الرئاسية ضد منافسه جورج ماكغفرن.

لم يكن غراهام مجرد جملة اعتراضية أو نغمة شاذة في تاريخ التفاعل الديني السياسي في الولايات المتحدة، فهناك قائمة طويلة من رجال الدين الذين أدّوا دورا سياسيا وأيدوا مرشحيهم المفضلين عبر توظيف الخطاب الديني. فعلى سبيل المثال، قام القس الإنجيلي والمبشر التلفزيوني بات روبرتسون بدعم رودولف جولياني في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري لعام 2007. وقد مثل ذلك الدعم صدمة للجمهور؛ إذ كان جولياني (وهو كاثوليكي روماني) من أشد الداعمين لحقوق الإجهاض وقضايا المثليين، وهو موقف مناقض تماما لموقف المسيحيين المحافظين ومن ضمنهم روبرتسون. غير أن هذا القس الذي هو مؤسس ورئيس شبكة الإذاعة المسيحية، برر تأييده لجولياني قائلا إنه يعتقد أن "القضية الأساسية هي الدفاع عن شعبنا ضد شهوة الدم لدى الإرهابيين الإسلاميين"، مشيدا بجولياني باعتباره "محافظا ماليا حقيقيا"، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

القس الإنجيلي والمبشر التليفزيوني "بات روبرتسون" (وكالة الأنباء الأوروبية)

وكذلك، دعم روبرتسون دونالد ترامب في السباق الرئاسي عام 2016 ضد هيلاري كلينتون، وحتى بعد فضيحة تسريب "أكسيس هوليوود" الذي حوى تعبيرات "بذيئة" من ترامب اتجاه النساء في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، ظل روبرتسون وفيا لدعمه للمرشح الجمهوري. وعلى نطاق أوسع، يمكن اعتبار القس روبرتسون أحد المهندسين الرئيسيين للقاعدة الجماهيرية للحزب الجمهوري حاليًّا، حيث قاد الكثير من الإنجيليين البيض المحافظين إلى تحويل بوصلتهم من الحزب الديمقراطي نحو الحزب الجمهوري، وفق روبرت جونز، مؤسس معهد أبحاث الدين العام، ومؤلف كتاب "نهاية أميركا المسيحية البيضاء" الصادر عام 2016.

في الحقيقة، كان لدى روبرتسون، وهو للمفارقة نجل سيناتور ديمقراطي من ولاية فرجينيا، تطلع لأداء دور سياسي أكبر بكثير مما حققه بالفعل. وفي أعقاب نشاطه البارز في دعم حملة المرشح الجمهوري رونالد ريغان ضد الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر عام 1980، خاص القس الطموح بنفسه الانتخابات الرئاسية التمهيدية للجمهوريين عام 1988، إلا أن مسيرته السياسية الشخصية لم يُكتب لها النجاح. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، لم يتمكن روبرتسون من إقناع أتباعه المسيحيين الملتزمين بدعمه بالقدر الكافي لإحداث تأثير في قرار المؤتمر الجمهوري في ذلك العام. ويقول روبرت جونز، في تصريحات لـ"سي إن إن"، إن القس روبرتسون بالتأكيد يمثل "حقبة شديدة الأهمية في السياسة الأميركية الحديثة، حيث استطاع المساهمة في دمج المحافظين الإنجيليين البيض مع الحزب الجمهوري".

مثال آخر على انخراط رجال الدين في السياسة الأميركية هو القس الإنجيلي جون هاغي، مؤسس منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل". لطالما ارتبط اسم هاغي باليمين الأميركي المؤيد للصهيونية، وقد أثنى على سلسلة من المرشحين الجمهوريين للرئاسة وأيدهم، بمن فيهم دونالد ترامب في عام 2020. ويدعم هاغي إسرائيل بشدة، وكان من أوائل الحاضرين عندما نقلت السفارة الأميركية إلى القدس عام 2018. ولكن هاغي نأى نسبيا بنفسه عن ترامب، مفضلا إلقاء صلاة في حفل إطلاق حملة نيكي هيلي (منافسة ترامب على ترشيح الحزب الجمهوري). وفي عشية الانتخابات التمهيدية للحزب في نيو هامبشاير، نشر هاغي مقالا في صحيفة كريستيان بوست يتضمن انتقادات ضمنية لترامب من دون ذكره بالاسم.

 

وآخرون سود يعد "مارتن لوثر كينغ الابن" أبرز قادة حركة الحقوق المدنية منذ منتصف الخمسينيات، وهو في الأصل قس وابن قس، وزعيم لكنيسة سوداء (غيتي)

ليس من نافلة القول التأكيد على أن الانخراط السياسي للقساوسة الأميركيين لم يقتصر على الإنجيليين البيض فقط، فقد كانت الكنائس السوداء أو الكنائس الأفروأميركية (وهي كنائس بروتستانتية عادية لكنها تميزت على أساس عرقي) سباقة في الاشتباك السياسي دفاعا عن حقوق السود في زمان الفصل العنصري.

كانت الكنيسة السوداء هي المكان الوحيد الذي يمكن للسود أن يحشدوا فيه الناس وينظموا أنفسهم ويشعروا بأن لديهم شيئا من القوة والتأثير. بالطبع، لا يمكن المرور على هذه الحقبة دون ذكر مارتن لوثر كينغ الابن، أبرز قادة حركة الحقوق المدنية منذ منتصف الخمسينيات وحتى اغتياله عام 1968، وهو في الأصل قس وابن قس، وزعيم لكنيسة سوداء. وفي الوقت الحالي، لم تعد كنائس الأميركيين من ذوي البشرة السمراء دورا للعبادة فقط، بل أصبحت مراكز سياسية للديمقراطيين، إذ أيد معظم القساوسة السود المرشحين الديمقراطيين على مدى العقود الماضية.

أكثر من ذلك، حاول العديد من القساوسة السود خوض غمار السياسة بأنفسهم لكن الرياح لم تأت غالبا بما تشتهي سفنهم. وكانت أبرز التجارب في ذلك من نصيب القس جيسي جاكسون الذي حاول الفوز ببطاقة الترشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي عامي 1984 و1988، لكنه فشل في كلا المرتين. وقد كثف جاكسون جهوده لتسجيل المزيد من الناخبين السود وزيادة تمثيل الأقليات واتُّهم في غضون ذلك بتحويل خطب الأحد إلى تجمعات انتخابية واستخدام كنائس السود لجمع الأموال. ورغم إخفاقه السياسي، اكتسب جاكسون شهرة باعتباره أحد أفضل الخطباء المؤثرين في السياسة الأميركية.

بحسب مقال للكاتبين جيريمي شوارتز وجيسيكا بريست، فإن بعض الجماعات المحافظة ترى أن كنائس السود أكثر نشاطا سياسيا من نظيراتها لدى الإنجيليين البيض، ولكنها لا تخضع للتدقيق الشديد بموجب تعديل جونسون. وللمفارقة، كان الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، أبرز أولئك الذين استفادوا من حشد السود الديني في حملته الرئاسية، حيث كانت أصواتهم حاسمة لفوزه في الانتخابات التمهيدية في ولاية جنوب كارولينا وإحياء ترشحه في هذا الوقت. وفي فترة لاحقة، استفاد بايدن من دعم 350 من رجال الدين الذين حشدوا أصوات أنصارهم لتأييده ونائبته كامالا هاريس "بحثا عن قيادة أكثر أخلاقية" من إدارة ترامب الحاكمة آنذاك.

من المؤكد أن تأكيد القادة الدينيين للمرشحين السياسيين لا يأتي بدون ثمن. وفي معظم الحالات، لا بد أن يوافق رجل الدين على سياسة المرشح ومواقفه، وربما يطالبه ببعض المواقف أو التصريحات من أجل تأييده علانية، وفي المقابل، يجلب القساوسة العديد من رعاياهم وأتباعهم، ليصبحوا بعد ذلك قاعدة جماهيرية للتصويت للمرشحين المدعومين. ومثلما شهدنا في حالة هاجي، يمكن في بعض الأحيان أن يغير رجال الدين مواقفهم من المرشحين الذين دعموهم سابقا بسبب تغير المصالح، وتبدل الأحوال.

ترامب.. الرجل الذي يسمع صوت الرب الداعية الإنجيلية "بولا وايت" والرئيس الأميركي "دونالد ترامب" (شترستوك)

"لقد أراد [ترامب] بصدق أن يسمع ماذا يقول الرب… أن يجعل أميركا عظيمة حقا هو أمر حقيقي بالنسبة له، وليس مجرد شعار"

 

الداعية الإنجيلية بولا وايت، خلال لقاء مع صحيفة الغارديان عام 2019.

قبل المناظرة الرئاسية الأولى بين ترامب وبايدن في 27 يونيو/حزيران الماضي، اجتمع عدد من الشخصيات الإنجيلية البارزة في مؤتمر هاتفي "طارئ" للصلاة من أجل ترامب. وقد رتبت الداعية الإنجيلية بولا وايت، مستشارة ترامب السابقة، اجتماع الصلاة من خلال مجلسها الاستشاري الوطني للإيمان. وقد نشرت منظمة "شفعاء من أجل أميركا" على منصة إكس تسجيلا صوتيا للمكالمة التي استمرت 40 دقيقة. وكان من بين القادة الدينيين الذين صلوا خلال المؤتمر الهاتفي جاك غراهام، راعي كنيسة بريستونوود المعمدانية في تكساس، وجنتزن فرانكلين، راعي كنيسة فري تشابل في غينسفيل في جورجيا. كما تحدث أيضا الحاخام بنحاس تايلور، المدير التنفيذي لتحالف الإيمان الأميركي.

تعد بولا وايت، أو بولا ميشيل وايت-كاين، تحديدا من الأسماء التي لا يمكن تجاهلها في الدائرة الداعمة لدونالد ترامب، وهي داعية تلفزيونية أميركية مؤيدة لما يُعرف بـ"لاهوت الرخاء"، وهو اعتقاد مثير للجدل ينظر إلى الإيمان على أنه وسيلة لتحقيق الأمان والرخاء. التحقت وايت في وقت مبكر بمدرسة الكتاب المقدس في كنيسة الرب الوطنية في فورت واشنطن بولاية ماريلاند. وعلى الرغم من أنها لم تتخرج، إلا أنها رُسّمت كاهنة غير طائفية من قبل زعيم الكنيسة تي إل لوري.

سياسيا، شغلت وايت منصب رئيسة المجلس الاستشاري الإنجيلي لحملة دونالد ترامب الانتخابية لعام 2016، وألقت خطاب الدعوة في حفل تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني 2017، وهي أول قسيسة تؤدي الصلاة في حفل تنصيب رئيس أميركي. وعلى الرغم من أنه لم يكن لدى وايت أي لقب أو منصب رسمي في البيت الأبيض، فإنها أدّت عدة أدوار مهمة. فبعد أن ساعدت على تشكيل مجلس إنجيلي لترامب خلال الحملة الانتخابية، أصبحت الرئيسة الفعلية لمجموعة تضم حوالي 35 قسا إنجيليا وناشطا ورؤساء منظمات مسيحية يقدمون المشورة لترامب.

أبعد من ذلك، كانت علاقة وايت بعائلة ترامب جيدة للغاية. فبحسب صحيفة واشنطن بوست، قال إريك ترامب، نجل ترامب، إن بولا امرأة رائعة وصديقة رائعة للعائلة، وإنها مصدر إلهام لكل من يعرفها. وعندما وقعت محاولة اغتيال ترامب في 13 يوليو/تموز الحالي، كتبت النص الذي أشرنا له في بداية التقرير.

يستفيد ترامب أيضا من دعم القس روبرت جيفريس أحد أبرز قساوسة الكنيسة المعمدانية التاريخية في تكساس، وهي كنيسة تضم 14 ألف عضو، تعرضت لحريق مؤخرا. وبعيدا عن تأثيره في رواد كنيسته، فإن جيفريس مبشر تلفزيوني تبث برامجه ومواعظه في مئات المحطات التلفزيونية والإذاعية داخل الولايات المتحدة وخارجها.

كان جيفريس من أوائل القادة الإنجيليين الذين دعموا ترامب خلال انتخابات عام 2016، وحث القس المسيحيين على التصويت له قائلا: "لا يوجد مرشحون مثاليون، ولكننا نصوّت حسب السياسات. وإذا أخذنا نظرة للعالم، أعتقد أننا سنعرف كيف نصوت". وفي تصريحات لوكالة أسوشيتد برس العام الماضي، أوضح القس أن المسيحيين المحافظين يواصلون دعم ترامب بشكل كبير بسبب سياساته التي تتماشى مع تعاليم الكتاب المقدس.

وعندما سئل جيفريس عام 2018 عن الادعاءات المتعلقة بسوء السلوك الجنسي الموجهة ضد ترامب الذي يُزعم أنه دفع "أموالا طائلة" لإبقاء تلك القصص بعيدة عن أنظار الصحافة، أجاب جيفريس بأنه حتى وإن كانت الادعاءات صحيحة، فذلك لا يغير من دعمه لسياسات ترامب. قبل ذلك في العام نفسه، كان جيفريس من أبرز المتحدثين في افتتاح السفارة الأميركية لدى إسرائيل في القدس مؤكدا أن ترامب "يقف على الجانب الصحيح من التعاليم الإلهية فيما يتعلق بإسرائيل". وفي أعقاب محاولة اغتيال ترامب مؤخرا، نسب جيفريس نجاة الرئيس السابق خلال التجمع الحاشد في بنسلفانيا إلى "عناية الإله".

 

المزيد من الداعمين

 

"إنها حقا معركة بين الخير والشر. هناك شيء ما على الرئيس ترامب يخشاه العدو: يُدعى المسحة".

 

القس هانك كونمان، أثناء حديثه في برنامج "فلاش بوينت" الإخباري عن التهم الجنائية التي يواجهها ترامب، الصيف الماضي.

إذا أردنا أن نشير إلى جميع القساوسة الذين دعموا ترامب خلال فترة رئاسته الأولى أو أولئك الذين يدعمونه خلال حملته الحالية، فسوف نحتاج إلى ما هو أطول بكثير من هذا التقرير، لكن القس هانك كونمان أحد الأسماء التي لا يمكن تجاهلها بكل تأكيد. كان كونمان من أبرز الأصوات التي استمرت في ترديد مزاعم ترامب بشأن تزوير نتائج انتخابات عام 2020 التي فاز بها جو بايدن على الرغم من دحض هذه الادعاءات من قبل مجموعة واسعة من القضاة ومسؤولي الانتخابات في الولايات والأجهزة الاستخبارية وحتى بعض المقربين من ترامب نفسه. وفي العام الماضي (2023) شاركت مجموعة المراقبة "رايت وينج ووتش" (Right Wing Watch) مقطعا على منصة إكس من حديث لكونمان حول الانتخابات، اقترح فيه على متابعيه أن يعيدوا التفكير في إيمانهم الشخصي (personal theology) إذا كانوا يثقون في النتائج ويعتقدون أن بايدن فاز بنزاهة. وجاءت تصريحات كونمان ردا على الحجج التي ادعى أنه سمعها والتي تقول إن رجال الدين الذين توقعوا فترة رئاسية ثانية لترامب كانوا مخطئين.

هانك كونمان هو كبير قساوسة كنيسة "رب المضيفين" في أوماها، نبراسكا، ومؤسس "خدمات صوت واحد" (One Voice Ministries) وهي منظمة غير ربحية مخصصة لتلقين التعاليم المسيحية يديرها مع زوجته بريندا، وهو أيضا كاتب ومقدم برامج تلفزيونية. ويدّعي القس الإنجيلي أنه يتلقى "نبوءات إلهية" ومن أشهر نبوءاته، التي تصدرت عناوين الصحف، فوز ترامب على بايدن في انتخابات 2020. ولكن حتى مع خسارة ترامب، لم يتوقف كونمان عن الاعتقاد بأنه سيستعيد منصب رئاسة الولايات المتحدة، مدعيا أن الرب سعيد تنصيبه. وكشف أيضا أنه رأى حلما عن جو بايدن وهو يحتفل بفوزه، وأنه رأى الشيطان مع بايدن في ذلك الحلم.

غالبا ما يصوّر كونمان الأحداث الجارية، داخليا وخارجيا، على أنها مظاهر لمعركة روحية بين الخير والشر، وتؤثر نظرته هذه في تفسيره للقضايا السياسية والاجتماعية، بما في ذلك التحديات القانونية التي يواجهها ترامب (حيث يرى أن ترامب هو الخير المرسل من الرب للشعب الأميركي، لمحاربة الشر). وتعكس تصريحات كونمان نظرة بعض الدوائر الإنجيلية إلى الأحداث السياسية من خلال عدسة الحرب الروحية.

وإذا مددنا الخط على استقامته، يظهر اسم القس والمبشر التلفزيوني مارك بيرنز الذي وصفه ترامب نفسه بأنه كان رفيقه منذ بداية حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". لا عجب إذن أن بيرنز حظي بدعم ترامب خلال الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الجمهوري لمقعد مجلس النواب عن المنطقة الثالثة في ولاية جنوب كارولينا في يونيو/حزيران الماضي رغم أن هذا الدعم لم يؤهله للفوز، لتصبح تلك الضربة الثالثة لحلمه بالوصول إلى الكونغرس بعد فشله في انتخابات عامي 2018 و2022.

القس والمبشر التلفزيوني "مارك بيرنز" (شترستوك)

كان بيرنز من أوائل المؤيدين لترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، وبحلول عام 2023، أصبح عضوا في مجلس إدارة "قساوسة من أجل ترامب"، وهي مجموعة إنجيلية مؤيدة للمرشح الجمهوري. وقد وصفت مجلة "تايم" بيرنز بأنه ”قس دونالد ترامب الأبرز“، واختارته مجلة "ياهو نيوز" ضمن 16 شخصا شكلوا نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

ولكونه من أصحاب البشرة السمراء، غالبا ما يوصف بيرنز بأنه "مبعوث ترامب إلى مجتمع السود في أميركا"، وقد منحه تأييده لترامب مكانة دينية وسياسية لم يحظ بها في أي وقت سابق. ولكن بعيدا عن هذه العلاقة النفعية، سبق لبيرنز أن أكد أن موقف ترامب المدافع عن "العقيدة المسيحية التي تتعرض للهجوم" هو ما جعله يعجب به ويدافع عنه، في مواجهة الاتهامات بالكراهية والتمييز.

قساوسة في ركاب الديمقراطيين

"يشعر القادة الدينيون السود بخيبة أمل كبيرة في إدارة بايدن بشأن هذه القضية [الحرب الإسرائيلية على غزة]".

 

القس تيموثي ماكدونالد، كبير قساوسة كنيسة فيرست أيكونيوم المعمدانية في أتلانتا، خلال حديثه مع صحيفة "نيويورك تايمز".

من المؤكد أن النصيب الأكبر من "التجييش الديني" في الحياة السياسية الأميركية هو من نصيب الإنجيليين البيض المؤيدين عادة للحزب الجمهوري وتوجهاته المحافظة، لكن ذلك لا يعني أن الديمقراطيين لا يحظون بنصيبهم الخاص من الداعمين الدينيين. وسبق أن أشرنا إلى الدور الذي أداه رجال الدين والكنائس السوداء في دعم بايدن ضد ترامب خلال انتخابات عام 2020، لكن هذا الدعم لم يعد على حاله كما يبدو.

السبب الرئيسي وراء ذلك -على الأرجح- هو موقف بايدن من الحرب الإسرائيلية على غزة، ودعمه للإبادة، وهو ما أفقده الكثير من التعاطف في صفوف الديمقراطيين بما يشمل رجال الدين ذوي البشرة السوداء. وقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق من هذا العام أن تحالفا من القادة الدينيين السود بدأ الضغط على إدارة بايدن من أجل الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار -وهي حملة حفزها جزئيا أبناء رعيتهم الذين يشعرون بالأسى المتزايد بسبب معاناة الفلسطينيين، وينتقدون استجابة الرئيس لها. وقد أصدر أكثر من 1000 قس أسود، بالنيابة عن مئات الآلاف من المصلين في جميع أنحاء البلاد، بيانا يطالب بوقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، وفي اجتماعات مع مسؤولين في البيت الأبيض، قدم القساوسة "حججا أخلاقية" لبايدن وإدارته للضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العدوانية في غزة، التي قتلت آلاف المدنيين.

بالتزامن مع ذلك، قام مئات القساوسة بإرسال رسائل مفتوحة إلى السياسيين الديمقراطيين، ونشروا إعلانات على صفحات كاملة في الصحف الوطنية مثل نيويورك تايمز، للضغط من أجل وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية والمطالبة بإطلاق سراح جميع "الرهائن" المحتجزين في غزة. وكان القس تيموثي ماكدونالد من جورجيا، إحدى الولايات المتأرجحة الرئيسية، من أوائل القساوسة الذين وقعوا على الرسالة المفتوحة لوقف إطلاق النار. وأشار ماكدونالد إلى أنه سيكون من الصعب إقناع الشعب بالعودة إلى صناديق الاقتراع والتصويت لبايدن بسبب سياسته اتجاه الحرب.

وكما تشير استطلاعات الرأي، واجه بايدن علامات لتراجع الدعم بين الناخبين السود، الذين كانوا على مدى أجيال القاعدة الانتخابية الأكثر ولاءً للديمقراطيين، وهو ما انعكس على أدائه في استطلاعات الرأي أمام ترامب، وساهم -ضمن عوامل عديدة- في الضغوط التي مورست عليه للانسحاب من السباق الرئاسي المرجح أن تخوضه الآن نيابة عن الديمقراطيين نائبته كمالا هاريس. وفضلًا عن رغبة الحزب الديمقراطي في طرح وجه أكثر حيوية قادر على الاشتباك مع ترامب أكثر من بايدن الذي تحوم الكثير من الشكوك حول قدراته العقلية، فإنه يأمل أن هاريس، أو أي مرشح ديمقراطي آخر، سوف يكون قادرا على استعادة دعم الناخبين المستائين خاصة من السود والمسلمين قبل الذهاب إلى الاقتراع الحاسم في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبعاد الانتخابات الرئاسیة الولایات المتحدة القادة الدینیین الرئیس الأمیرکی الحزب الجمهوری القس الإنجیلی نیویورک تایمز فی الانتخابات دونالد ترامب انتخابات عام إطلاق النار فی الولایات رجال الدین فی السیاسة ترامب خلال غالبا ما ترامب فی من أوائل جو بایدن الدین فی من رجال أکثر من الذی ی على أن من أجل فی ذلک من دعم عام 2016 من ذلک عام 2020

إقرأ أيضاً:

اللغة التي يفهمها ترامب

ما اللغة التى يفهمها الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو؟!

الأول يفهم لغة المصالح، والثانى يفهم لغة القوة، والاثنان لا يفهمان بالمرة لغة القانون الدولى وحقوق الإنسان والمحاكم الدولية وقرارات الشرعية الدولية.

هل معنى ذلك أن الرؤساء الأمريكيين، وكذلك رؤساء الوزراء الإسرائيليون السابقون كانوا ملائكة ويقدسون لغة القانون والشرعية الدولية؟!

الإجابة هى لا. جميعهم يفهمون ويعرفون لغة القوة والمصالح، لكن تعبيرهم عن ذلك كان مختلفا وبدرجات متفاوتة، وكانوا دائمًا قادرين على تغليف القوة الخشنة بلمسات ناعمة وقفازات حريرية ملساء والقتل والتدمير بعيدًا عن كاميرات وعيون الإعلام. والدليل أن المذابح والمجازر الإسرائيلية مستمرة منذ عام 1948 حتى الآن، وخير مثال لذلك كان رئيس الوزراء الأسبق شيمون بيريز.

نعود إلى ترامب ونقول إنه يصف نفسه أحيانًا بأنه مجنون ومن يعرفه يقول عنه إنه يصعب التنبؤ بأفعاله، وأنه لا ينطلق من قواعد معروفة. هو لا يؤمن بفكرة المؤسسات، والدليل أنه همش حزبه الجمهورى، وهمش وسائل الإعلام وتحداها. كما يزدرى المؤسسات الدولية، بل إنه ينظر مثلًا إلى حلف شمال الأطلنطى باعتباره شركة مساهمة ينبغى أن تعود بالعوائد والأرباح باعتبار أن الولايات المتحدة هى أكبر مساهم فى هذه الشركة أو الحلف.

تقييم ترامب لقادة العالم يتوقف على قوتهم وجرأتهم وليس على التزامهم بالأخلاق والقيم والقوانين.

حينما علق على خبر قيام إيران برد الهجوم الإسرائيلى، نصح إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية، وقبل فوزه بالانتخابات الأخيرة نصح نتنياهو أن ينهى المهمة فى غزة ولبنان بأسرع وقت قبل أن يدخل البيت الأبيض رسميًا فى 20 يناير المقبل.

وإضافة إلى القوة، فإن المبدأ الأساسى الذى يحكم نظرة وقيم ومبادئ ترامب هو المصلحة. ورغم أنه يمثل قمة التيار الشعبوى فى أمريكا، والبعض يعتبره زعيم التيار المحافظ أو اليمين المتطرف، فلم يعرف عنه كثيرًا تعصبه للدين أو للمبادئ. هو يتعصب أكثر للمصالح. وباعتباره قطبًا وتاجر عقارات كبير، فإن جوهر عمله هو إنجاز الصفقات.

وانطلاقًا من هذا الفهم فإنه من العبث حينما يجلس أى مسئول فلسطينى أو عربى مع ترامب أن يحدثه عن قرارات الشرعية الدولية أو الحقوق أو القانون الدولى. هو يعرف قانون المصلحة أو القوة أو الأمر الواقع.

ويحكى أن وزير الخارجية الأسبق والأشهر هنرى كسينجر نصح وزيرة الخارجية الأسبق مادلين أولبرايت قبل أن تلتقى الرئيس السورى الأسد، وقال لها: «إذا حدثك الأسد عن الحقوق والشرعية قولى له نحن أمة قامت على اغتصاب حقوق الآخرين أصحاب الأرض، وهم الهنود الحمر، وبلدنا تاريخها لا يزيد على 500 سنة، وبالتالى نؤمن بالواقع والقوة وليس القانون».

هذا هو نفس الفكر الذى يؤمن به ترامب، لكن بصورة خشنة وفظة. هو يتعامل مع أى قضية من زاوية هل ستحقق له منافع وأرباح أم لا.

وربما انطلاقًا من هذا المبدأ يمكن للدول العربية الكبرى أن تقدم له لغة تنطلق من هذا المبدأ. بالطبع هناك أهمية كبرى للحقوق وللشرعية وللقرارات الدولية والقانون الإنسانى، ومن المهم التأكيد عليها دائمًا، لكن وإضافة إليها ينبغى التعامل مع ترامب باللغة التى يفهمها. أتخيل أن اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية يمكنها أن تتفاوض مع ترامب بمجرد بدء عمله فى البيت الأبيض. بمنطق أنه إذا تمكن من وقف العدوان الإسرائيلى على فلسطين ولبنان فسوف تحصل بلاده على منافع مادية محددة، أما إذا أصرت على موقفها المنحاز?فسوف تخسر كذا وكذا.

بالطبع هذا المنهج يتطلب وجود حد أدنى من المواقف العربية الموحدة، ولا أعرف يقينًا هل هذا متاح أم لا، وهل هناك إرادة عربية يمكنها أن تتحدث مع الولايات المتحدة وإسرائيل بهذا المنطق الوحيد الذى يفهمونه أم لا؟

الإجابة سوف نعلمها حتمًا فى الفترة من الآن حتى 20 يناير موعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض
خصوصًا أن تعيينات ترامب المبدئية كلها لشخصيات صهيونية حتى النخاع، وهى إشارة غير مبشرة بالمرة.

أما عن نتنياهو فكما قلنا فهو لا يفهم إلا لغة القوة. وقوته وقوة جيشة وبلاده مستمدة أولًا وثانيًا وثالثًا وعاشرًا من قوة الولايات المتحدة، وبالتالى سنعود مرة أخرى إلى أن العرب والفلسطينيين يقاتلون أمريكا فعليًا وليس إسرائىل فقط.

(الشروق المصرية)

مقالات مشابهة

  • تولسي غابارد منشقة ديمقراطية رشحها ترامب لإدارة الاستخبارات الوطنية الأميركية
  • اللغة التي يفهمها ترامب
  • مسؤول أوروبي: الحماية التجارية الأميركية ستضر بواشنطن وأوروبا
  • فوز ترامب يدفع الأسهم الأميركية والدولار إلى قمم جديدة
  • الحرب في لبنان .. تصعيد إسرائيلي رغم جهود التهدئة الأميركية
  • الدفاع المدني بغزة: نحاول السيطرة على حريق بمدرسة صلاح الدين التي تؤوي نازحين شمال غربي غزة إثر قصف إسرائيلي
  • في المكتب البيضاوي.. ترامب يكشف تفاصيل اجتماعه مع بايدن
  • في ذكرى تجليسه.. قصة الكلمة الوحيدة التي لم يكملها البابا شنودة على منبر الكنيسة
  • الدولار ينخفض من أعلى مستوياته منذ 6 أشهر بعد بيانات التضخم الأميركية
  • تصافحا بالمكتب البيضاوي.. بايدن وترامب يتعهدان بانتقال سلس للسلطة